أثر التقنية الحديثة في الطهارة[5-3]
د. هشام بن عبدالملك ال الشيخ
المطلب الثالث: في الصفرة والكدرة قبل الحيض
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: ما قرره العلماء في الصفرة والكدرة قبل الحيض.
الفرع الثاني: إمكان التفريق بين الصفرة والكدرة وبين الحيض من خلال التقنية الطبية الحديثة.
الفرع الثالث: الأثر الفقهي للأخذ بقول الطب الحديث في الصفرة والكدرة قبل الحيض.
الفرع الأول: ما قرره العلماء في الصفرة والكدرة قبل الحيض
الصفرة والكدرة من المسائل المهمة التي يعم وقوعها، وتكثر الحاجة إلى معرفة حكمها قبل الحيض وبعده؛ لما يترتب على ذلك من أثر بيِّن في العبادات والمعاملات وغيرها من أبواب الفقه.
ولما كانت الإفرازات التي تخرج من قعر رحم المرأة الصحيحة، والتي ليست من صفات دم الحيض، ولا من صفات دم الاستحاضة، وهي ما يسميه الفقهاء بالصفرة والكدرة[1]، لما كانت هذه الافرازات تشابه دم الحيض من جهة، وتشابه دم الاستحاضة من جهةٍ أخرى؛ اختلف الفقهاء في تكييفها الفقهي على أربعة أقوال:
القول الأول:
مذهب الحنفية، وهو قول عند المالكية، وهو: أن الصفرة والكدرة حيض، سواءً رأتها قبل دم الحيض، أو بعده.[2]
القول الثاني:
مذهب أبي يوسف[3] من الحنفية، وأبي ثور[4]، واختاره ابن المنذر[5]، وهو: أن الصفرة والكدرة لا تكون حيضاً إلا إذا سبقها دم.[6]
القول الثالث:
مذهب جمهور أهل العلم من المالكية[7]، والشافعية[8]، والحنابلة[9]، وهو اختيار الثوري[10]، والأوزاعي، وهو: أن الصفرة والكدرة إن كانتا في زمن الحيض فهما حيض، وإن كانتا في غير زمن الحيض فليستا بحيض.[11]
القول الرابع:
مذهب الظاهرية، وهو: أن الصفرة والكدرة لا تكونان حيضاً بحال.[12]
أدلة القول الأول:
استدل الحنفية لما ذهبوا إليه بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
ما قالت أم علقمة مولاة عائشة- رضي الله عنها - :"كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ[13] فِيهَا الْكُرْسُفُ[14] فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ؟ فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ[15]. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ".[16]
وجه الاستدلال من الأثر:
قالوا: إن عائشة – رضي الله عنها - جعلت ما سوى البياض الخالص حيضاً، فالصفرة والكدرة حيضٌ، سواءً كانا قبل الحيض أو بعده، وقول عائشة – رضي الله عنها- هذا لا يعرف إلا سماعاً، أي سمعته من النبي – صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن العقل لا يهتدي لمثل هذا.[17]
الدليل الثاني:
أن الصفرة والكدرة من ألوان الدم، وسواءً كانت أولاً أو آخراً فهي كغيرها من الألوان.[18]
ولون الدم يختلف باختلاف الأغذية، فلا معنى للقصر على لون واحد، فالصفرة والكدرة حيض.[19]
الدليل الثالث:
استدلوا بالقياس فقالوا: لما كان السواد حيضاً، وكانت الحمرة جزءاً من أجزاء السواد، وجب أن تكون حيضاً, ولما كانت الصفرة جزءاً من أجزاء الحمرة، وجب أن تكون حيضاً, ولما كانت الكدرة جزءاً من أجزاء الصفرة، وجب أن تكون حيضاً, ولما كان كل ذلك في بعض الأحوال حيضاً وجب أن يكون في كل الأحوال حيضاً.[20]
الجواب عن هذا الدليل:
يجاب عن دليلهم هذا بأنه قياس مع الفارق؛ لأنه لما كانت القصة البيضاء طهراً وليست حيضاً بالإجماع, ثم كانت الكدرة بياضاً غير ناصع, وجب أن لا تكون حيضاً, ثم لما كانت الصفرة كدرة مشبعة وجب أن لا تكون حيضاً, ثم لما كانت الحمرة صفرة مشبعة وجب أن لا تكون حيضاً, ولما كان ذلك في بعض الأحوال ليس حيضاً، وجب أن يكون في جميع الأحوال ليس حيضاً, فهذا أصح من قياسهم.[21]
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني لما ذهبوا إليه بعدة أدلة وتعليلات منها:
الدليل الأول:
الأثر عن أم عطية – رضي الله عنه - قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ شيْئَاً"[22]، وفي رواية قالت:"كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً".[23]
وجه الدلالة من الحديث:
قالوا: إن العمل في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم - على أن الصفرة والكدرة بعد الطهارة لا تُعدان شيئاً، فدلَّ على أنه لو رأت قبله دم حيضٍ فإنه يلحق به، ويحكم بأنه حيض.
الجواب عن هذا الدليل:
يمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال فيقال: ليس في الحديث ما يدل على مقصدكم، بل هو دال على أن الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض، وفي زمن الطهر طهر، وقول أم عطية- رضي الله عنها - :"كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً" يدلُّ التقييد (بَعْدَ الطُهْرِ) على أنهم كانوا يعدون الصفرة والكدرة قبل الطهر وفي زمن الحيض حيضاً.[24]
الدليل الثاني:
ما روي عن عائشة- رضي الله عنها - في قصة فاطمة بنت أبي حبيش – رضي الله عنها - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَقْبَلَت الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ, فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ, وَصَلِّي" متفق عليه.[25]
وجه الدلالة من الحديث:
أن الصفرة والكدرة في آخر الدم من الدم؛ لأن الدم إذا كان دماً سائلاً كان حكمه حكم الدم حتى ترى النقاء، وكذا الصفرة والكدرة حكمها حكم الدم، إذا كانت بعده لا قبله.[26]
الدليل الثالث:
علَّلوا قولهم بأن الكدرة ما يتكدر، وأول الشيء لا يتكدر، والكدرة من الشيء تتبع الصافي، فلو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، فإذا تقدمه دم أمكن جعل الكدرة حيضاً تبعاً، وأما إذا لم يتقدم الكدرة دمٌ فلو جعلناها حيضاً كانت مقصودةً لا تبعاً.[27]
الجواب عن هذا الدليل:
أن هذا الكلام يكون صحيحاً، إذا لم يكن المخرج من أسفل، وفم الرحم من أسفل لا من الأعلى، فيخرج الكدر أولاً، ثم الصافي، كالجرة إذا ثقب أسفلها فإنه يخرج الكدر أولاً، وإن من خاصة الطبيعة أنها تدفع الكدر أولاً كما في الفصد والبول والغائط.[28]
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب القول الثالث لما ذهبوا إليه بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}[29]
وجه الاستشهاد من الآية:
أن الآية الكريمة تتناول دم الحيض والصفرة والكدرة.[30]
الدليل الثاني:
ما روي عن أم علقمة مولاة عائشة - رضي الله عنها - قالت:"كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ، فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ؟ فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ".[31]
وما روي عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ شيْئَاً"[32]، وفي رواية قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً".[33]
وجه الاستدلال من الأحاديث:
أن الصفرة والكدرة زمن الحيض حيض، فلو رأيّْنَ الصفرة والكدرة بعد رؤية الطهارة لم تُعَد من الحيض.
أدلة القول الرابع:
استدل أصحاب القول الرابع لما ذهبوا إليه بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
ما روي عن عائشة -رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش – رضي الله عنها - : "إِذَا كَان الْحَيْضُ فَإِنَهُ أَسْوَدَ يُعْرِف[34] فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاة، وإِذَا كَانَ الآخَرُ فتَوَضَّئِي، وصَلِّي؛ فَإِنَّمَا هُو دَمُ عِرْق".[35]
وجه الاستدلال من الحديث:
أن الحديث نصٌّ في كون ما عدى الدم الأسود ليس حيضاً، ولا يمنع من صلاةٍ ولا صومٍ ولا وطءٍ، فالصفرة والكدرة دم عِرْقٍ ليست حيضاً بحال.[36]
الجواب عن هذا الاستدلال:
إن وصف النبي – صلى الله عليه وسلم - لدم الحيض بأنه أسود لا يدل على أن غيره من الأشياء كالصفرة والكدرة ليست حيضاً؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه.[37]
الدليل الثاني:
ما روي عن أم عطية – رضي الله عنها - قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ شيْئَاً"[38]
وجه الاستدلال :
دلَّ الأثر عن أم عطية - رضي الله عنها - أن الصفرة والكدرة لا تعدان من دم الحيض، وهذا إسناده صحيح عند البخاري.[39]
الجواب عن هذا الاستدلال:
أن المقصد من الأثر هو أن الصفرة والكدرة لا تعدان من الحيض بعد الطهارة، وقد دلَّ على هذا الفهم الرواية الأخرى قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً".[40]
فالصفرة والكدرة في زمن الحيض حيضٌ، وفي زمن الطهر طهر.
الدليل الثالث:
أن الصفرة والكدرة ليستا بدم، وإنما هما من سائر الرطوبات التي يرخيها الرحم.[41]
الجواب عن هذا الدليل:
يمكن أن يجاب عن هذا الدليل بعدم التسليم أن الصفرة والكدرة ليستا دماً، بل هما دم أرخاه الرحم في وقت الحيض، فيكون حيضاً، وإن أرخاه الرحم في غير وقت العادة، فلا اعتبار له، بل تتوضأ لكل صلاة.
سبب الخلاف:
الذي يظهر - والله أعلم – أن سبب الخلاف هو مخالفة ظاهر ما روي عن أم عطية – رضي الله عنها لما روي عن عائشة - رضي الله عنها - ، وذلك أنه روي عن أم عطية – رضي الله عنها - أنها قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً".[42]، وروي عن أم علقمة مولاة عائشة- رضي الله عنها - قالت: "كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ، فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ".[43]
فمن رجح قول عائشة – رضي الله عنها - جعل الصفرة والكدرة حيضاً، سواءً ظهرتا في أيام الحيض أو في غير أيامه، وسواءً مع الدم أو بدون الدم، فإن حكم الشيء الواحد في نفسه ليس يختلف.
ومن رجح قول أم عطية – رضي الله عنها - لم يجعل الصفرة والكدرة من الحيض بحال، لا في أيام الحيض، ولا في غيرها، ولا في أثر الدم، ولا بعد انقطاعه.
ومن ذهب للجمع بين القولين قال: إن قول أم عطية – رضي الله عنها - هو بعد انقطاع الدم، وفي غير أيام الحيض، وقول عائشة – رضي الله عنها - قبل انقطاع دم الحيض وفي أيامه.[44]
الفرع الثاني: إمكان التفريق بين الصفرة والكدرة وبين الحيض من خلال التقنية الطبية الحديثة
من صفات دم الحيض أنه ثخين منتن الرائحة، وقد دلَّت السنة المطهرة على هذا الوصف واعتبرته، كما جاء في حديث عائشة – رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش – رضي الله عنها - :"إِذَا كَان الْحَيْضُ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرِف[45] فَأَمْسِكِي عَن الصَّلَاة، وإِذَا كَانَ الآخَرُ فتَوَضَّئِي، وصَلِّي؛ فَإِنَمَا هُو دَمُ عِرْق".[46]
ودم العِرْق يكون عادةً دماً أحمر مشرقاً، سائلاً، ليس بالثخين، وليس له رائحة كريهة، ويتجلط بعد خروجه بزمن يسير، خلافاً لدم الحيض الذي لا يتجلط أبداً؛ لأنه سبق له أن تجلط في الرحم، ثم أذيبت الجلطة بفعل هرمون أو أنزيم (الليفين).[47]
يقول الدكتور دوجالد بيرد في كتابه المرجع في أمراض النساء والولادة[48]: "لون دم الحيض أسود، أما الأحمر المشرق فإنه دم غير طبيعي، ودم الحيض لا يتجلط، ويمكن إبقاؤه سنين طويلة على تلك الحالة دون أن يتجلط، فإذا ظهر دم متجلط أثناء الحيض فإن الحائض سرعان ما تعرف ذلك، ويعتبر ذلك غير طبيعي".[49]
ثم قال: "وعند فحص دم الحيض بالمجهر فإننا نرى كريات الدم الحمراء والبيضاء، وقطعاً من الغشاء المبطن للرحم".[50]
والصفرة والكدرة اللتان تراهما المرأة عبارة عن تجمع لبعض المياه داخل الرحم، وليستا من الغشاء المبطن للرحم، ولا جزاءً منه، بل هما كالعرق الذي ينفضه الرحم، فيخرج كدراً، لمخالطته بقية إفرازات الرحم الأخرى.
والجهاز التناسلي للمرأة المكون من المهبل والرحم مبطن بنسيج مخاطي، كما هو الحال في العينين والأنف، وهذا النسيج يفرز عادةً مواد شبه سائلة، تعمل على القضاء على البكتيريا والجراثيم، فكما تكون الدموع والإفرازات الأنفية طبيعية، فكذلك هي الإفرازات المهبلية، لكن في بعض الأحيان ولأسباب عديدة تختلف طبيعة الإفرازات فتزيد في الكمية، أو تتغير في خاصيتها.[51]
ومن الأسباب المؤدية لظهور الإفرازات المهبلية ما يلي:
1. تغير الهرمونات، كما هو الحال في الحمل، أو الرضاع، أو استعمال حبوب منع الحمل.
2. استعمال الكريمات المهبلية، أو الصابون المعطر الذي يمكن أن يسبب حساسية.
3. الحساسية الموضعية بسبب وسائل منع الحمل، كالحاجز المهبلي، أو الكبوت.
4. وجود جسم غريب داخل المهبل، كاللولب.
5. ضمور في منطقة المهبل بسبب انقطاع الحيض.
6. داء السكري وما يمكن أن يسببه من نقص في المناعة، وزيادة الإصابة بالالتهابات الفطرية.
7. بعض الأورام الرحمية، مثل: الورم الرحمي الليفي، أو السليلة العنقية الرحمية.
8. الإصابة ببعض الالتهابات الرحمية، مثل: التهاب المهبل الفطري، والالتهابات البكتيرية، والتهابات عنق الرحم، والتهابات الحوض.
9. اضطرا بات الحالة النفسية.[52]
وقد تكون الصفرة و الكدرة بقايا حويصلة (جراف)، والتي تتكون بفعل الهرمون المنشط للجريب (FSH) والصادر من الغدة النخامية، ومهمته تنمية الخلايا التناسلية الموجودة بالمبيض حتى تفرز البويضة، وتكون محاطة بمجموعة من الخلايا، ثم تزداد كمية السائل فيما بين البويضة والخلايا المحيطة حتى تتكون حويصلة تسمى حويصلة (جراف).[53]
ويزداد نمو هذه الحويصلة أو الكيس، ويمتلئ بالماء الأصفر، ويقترب من سطح المبيض حتى ينفجر، وتخرج منه البويضة.[54]
وهناك نوع آخر من الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية، وهو الهرمون المنمي والمنشط للجسم الأصفر، ويدعى: (الهرمون الملوتن L.H)، فعندما تخرج البويضة من حويصلة (جراف) يندمل الجرح، ويزداد الاصفرار، ويسمى عندئذ: الجسم الأصفر (Corpus Luteum)، فتقوم الغدة النخامية بتنمية هذا الجسم الأصفر؛ لأن له مهمة كبيرة، وهي إفراز هرمون (البروجسترون) الذي يهيئ الرحم للحمل.[55]
فإذا ما تم الحمل، وعلقت البويضة الملقحة (نطفة الأمشاج) بجدار الرحم، استمر نمو هذا الجسم الأصفر؛ ليواصل المحافظة على الجنين.[56]
أما إذا لم يحصل الحمل فإن الجسم الأصفر يتحلل، ويمتص داخل البطن[57]، ويتوقف عن إرسال الهرمونات، وبالتالي ينهار الجدار المبطن للرحم، ويخرج دم الحيض، أما الجسم الأصفر فإنه يتلاشى تدريجياً، لكن إن كانت نسبته عالية فإنه يخرج بعد رؤية الطهارة من المبيض إلى الرحم، ثم إلا الخارج.[58]
ومن خلال الفحص السريري، والمجهري، وعمل مزرعة بكتيرية، يمكن التعرف على الصفرة والكدرة والتفريق بينهما وبين دم الحيض، ومعرفة مسبباتهما.[59]
فدم الحيض عند فحصه بالمجهر، نرى كريات الدم الحمراء والبيضاء، وقطعاً من الغشاء المبطن للرحم[60]، أما الصفرة والكدرة فهي غالباً عبارة عن ماء مختلط بهرمون (البروجسترون)، يخرج من الرحم بعد خروج دم الحيض.
وفي السنة ما روي عن أم عطية – رضي الله عنها - أنها قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً".[61]
أما الصفرة والكدرة قبل نزول دم الحيض فهما عبارة عن ماء مختلط بالغشاء المبطن للمهبل، وهو في العادة خفيف شفاف مخاطي، مهمته منع جفاف القناة المهبلية، ولا رائحة له، وتتغير كميته من وقت لآخر، ويتراوح لونه بين الشفافية والابيضاض والاصفرار.[62]
ويظهر مما سبق أن الصفرة والكدرة لا علاقة لهما بدم الحيض، سواءً كانتا قبله أو بعده، أما الصفرة والكدرة في زمن الحيض فينظر إليهما من خلال فحصهما بالمجهر فإن كانتا محتويتين على كريات الدم الحمراء والبيضاء وقطعاً من الغشاء المبطن للرحم، فهما دم حيض لهما حكم الحيض، وإن كانتا غير ذلك، فهما ليستا من الرحم، ولا علاقة لهما بالحيض.
يتبع