
26-02-2019, 04:04 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة :
|
|
رد: أثر التقنية الحديثة في الطهارة
أثر التقنية الحديثة في الطهارة[5-2]
د. هشام بن عبدالملك ال الشيخ
المطلب الثاني: في أقل الحيض وأكثره
وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: ما قرره العلماء في أقل الحيض وأكثره.
الفرع الثاني: الآثار الفقهية المترتبة على مدة الحيض عند الفقهاء.
الفرع الثالث: إمكان معرفة مدة الحيض من خلال الطب الحديث.
الفرع الرابع: الأثر الفقهي للأخذ بقول الطب الحديث في أقل الحيض وأكثره.
الفرع الأول :ما قرره العلماء في أقل الحيض وأكثره هذه المسألة من أكثر مسائل الحيض التي اهتم بها العلماء – رحمهم الله – في كتب الفقه، فقلَّما تجد كتاباً فقهياً يتحدث عن مسائل الحيض إلا وتطرق لمسألتنا هذه.
وهذه المسألة ( أقل الحيض وأكثره) هي في الحقيقة مسألتان:
المسألة الأولى: أقل الحيض.
المسألة الثانية : أكثر الحيض.
وسأتكلم عن كل مسألة من هاتين المسألتين على حدة.
المسألة الأولى: أقل الحيض.
صورة المسألة:
لو رأت امرأة دم الحيض لساعات معينة من ليل أو نهار، أو استمر معها الدم، ثم توقف ليوم أو يومين؛ فهل هذا الدم الذي تراه هذه المرأة دم حيضٍ، أم دم فساد؟
خلاف العلماء – رحمهم الله – في أقل الحيض:
اختلف العلماء – رحمهم الله – في أقل مدة تُعَد المرأة فيها حائضاً على أقول هي:
القول الأول:
ما ذهب إليه الحنفية، وهو: أن أقل مدةِ الحيضِ ثلاثة أيام بلياليها، فلو رأت المرأة الدم لأقل من ثلاثة أيام بلياليها فهو دم استحاضة، وليس دم حيض.[1]
القول الثاني:
ما ذهب إليه المالكية، وهو: أنه لا تحديد لأقل الحيض، فما خرج يعتبر حيضاً في العبادة، وأما في العدة والاستبراء فيومٌ واحد.[2]
القول الثالث:
ما ذهب إليه الشافعية في أحد الوجهين[3]، وهو رواية عند الحنابلة[4]، وهو: أن أقل الحيض يوم بلا ليلة.
القول الرابع:
ما ذهب إليه الشافعية على الأصح[5]، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة[6]، وهو: أن أقل الحيض يوم بليلته.
القول الخامس:
ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية [7] بقوله: لا حد لأقل الحيض، ولا فرق في ذلك بين العبادة والعدة والاستبراء، قال في مجموع الفتاوى: "اسْمُ الْحَيْضِ عَلَّقَ اللَّهُ بِهِ أَحْكَاماً مُتَعَدِّدَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ لَا أَقَلَّهُ وَلَا أَكْثَرَهُ، وَلَا الطُّهْرَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مَعَ عُمُومِ بَلْوَى الْأُمَّةِ بِذَلِكَ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ، وَاللُّغَةُ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ قَدْرٍ وَقَدْرٍ، فَمَنْ قَدَّرَ فِي ذَلِكَ حَدّاً فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَالْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ مَنْ يَحُدُّ أَكْثَرَهُ وَأَقَلَّهُ، ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّحْدِيدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحُدُّ أَكْثَرَهُ دُونَ أَقَلِّهِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَصَحُّ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لَا لِأَقَلِّهِ، وَلَا لِأَكْثَرِهِ، بَلْ مَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً فَهُوَ حَيْضٌ"[8]، وهو مذهب ابن حزم الظاهري.[9]
سبب الخلاف:
سبب الخلاف في هذه المسألة - والله أعلم - هو النظر إلى التجربة والعادة وغالب أحوال النساء وطبائعهن، فكل واحد من أهل العلم نظر إلى نساء بلده وزمانه، فاعتبر غالب أحوالهن.
أدلة القول الأول:
استدل الحنفية لما ذهبوا إليه بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
حديث عائشة رضي الله عنها - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا" متفق عليه.[10]
وجه الدلالة من الحديث:
قالوا: لفظ (الأيام) الوارد في الحديث جاء على صيغة جمع، وأقله ثلاث.[11]
الجواب عن هذا الاستدلال:
أجاب ابن حزم الظاهري: "وَالْعَجَبُ مِنْ انْتِصَارِهِمْ هَهُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ اسْمُ الْأَيَّامِ إلَّا عَلَى ثَلَاثٍ لَا أَقَلَّ, وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}[12] أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى أَخَوَيْنِ فَقَطْ، فَهَلَّا جَعَلُوا لَفْظَةَ الْأَيَّامِ تَقَعُ هَهُنَا عَلَى يَوْمَيْنِ؟".[13]
الدليل الثاني:
استدلوا - أيضاً - بعدة أحاديث :
1. عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : "أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَأَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرً يَوْماً".[14]
2. عن أبي أمامة – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ".[15]
3. عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول:"لَا حَيْضَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ, وَلَا حَيْضَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ, فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَّا أَيَّامَ أَقْرَائِهَا".[16]
الجواب عن هذا الاستدلال:
ونوقشت هذه الأحاديث: بأنها أحاديثُ ضعيفة، لا تقوم بمثلها حجة.[17]
الدليل الثالث:
روي عن جماعة من الصحابة – رضي الله عنهم - منهم عبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وعمران بن حصين، وعثمان بن أبي العاص الثقفي أنهم قالوا: الحيض ثلاث، أربع، خمس، ست، ثمان، تسع، عشر، ولم يرو عن غيرهم خلافه، فيكون إجماعاً.[18]
أدلة القول الثاني:
استدل المالكية لما ذهبوا إليه بما روي عن عائشة – رضي الله عنها - ، قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش – رضي الله عنها - :"إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ[19]، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكِ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي، وَصَلِّي؛ فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ".[20]
وجه الدلالة من الحديث:
قالوا: إن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يعلق الحيض في الحديث السابق بالقليل أو الكثير، وإنما علقه بوجوده ورؤيته، فلا يجوز تخصيص وقت دون وقت بذلك، وما دام يوجد الحيض فله حكمه الذي جعله الله تعالى له، حتى يأتي نص أو إجماع على أنه ليس حيضاً، ولا نص، ولا إجماع هنا.[21]
الجواب عن هذا الاستدلال:
قالوا: كون النبي – صلى الله عليه وسلم - علق حكم الصلاة بوجود دم لم ينازع فيه أحد، فالاستدلال خارج عن موضع النزاع؛ لأن الأئمة يقولون بموجبه، وإنما المطلوب إثبات أن الحديث يبين أقل الحيض وأكثره، وهذا الحديث لم يتطرق لذلك فلا شاهد فيه.
ثم إن تفريقهم بين العبادة والعدة والاستبراء في أقل الحيض تفريق لا محل له، وقد أجاب ابن حزم عن ذلك بقوله: "أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَبَيْنَ الْعِدَّةِ, فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ, وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً, لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ, وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ احْتِيَاطٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ, فَوَجَبَ تَرْكُهُ".[22]
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول أن الحيض ورد في الشرع مطلقاً من غير تحديد, ولا حد له في اللغة, ولا في الشريعة, فيجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة , كما في القبض, والإحراز, والتفرق, وأشباهها, وقد وجد حيض معتاد يوماً.[23]
روي عن الإمام الشافعي[24] أنه قال:"رَأَيْتُ امْرَأَةً أُثْبِتَ لِي عَنْهَا أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَحِيضُ يَوْماً لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ".[25]
وروي عن الأوزاعي[26] أنه قال:"عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَحِيضُ غَدْوَةً، وَتَطْهُرُ عَشِيَّةً".[27]
وروي عن عطاء[28] قال:"رَأَيْتُ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ يَوْماً، وَتَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً".[29]
الجواب عن هذا الاستدلال:
يمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال بأن الآثار السابقة على فرض صحتها فإنها محتملة اليوم بليلته[30]، وأما قولهم: إن هذا هو المعهود من حيض النساء فلا حجة في هذا؛ لأنه لم يوجب مراعاة ذلك قرآن، ولا سنة، ولا إجماع, وقد يوجد في النساء من لا تحيض أصلاً فلا يجعل لها حكم الحيض, فبطل حملهن على المعهود, وقد يوجد من تحيض أقل وأكثر, فسقط هذا القول.[31]
أدلة القول الرابع:
استدل أصحاب القول الرابع بعدة أدلة هي في الجملة أدلة القول الثالث، إلا أنهم جعلوا الليلة مع اليوم، وقالوا: إن هذا الذي ثبتت به عادة النساء.[32]
الجواب عن هذا الاستدلال:
يجاب عن هذا الاستدلال بمثل الجواب عن دليل القول الثالث السابق.
وقال الإمام ابن حزم الظاهري جواباً على هذا القول - أيضاً -:"ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ, فَوَجَدْنَاهُ - أَيْضاً - لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ, فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ إجْمَاعاً فِي ذَلِكَ فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: إنَّهُ يَعْرِفُ امْرَأَةً تَطْهُرُ عَشِيَّةً، وَتَحِيضُ غُدْوَةً,[33] وَأَيْضاً، فَإِنَّ مَالِكاً وَالشَّافِعِيَّ قَدْ أَوْجَبَا بِرُؤْيَةِ دَفْعَةٍ مِنْ الدَّمِ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَفِطْرَ الصَّائِمَةِ وَتَحْرِيمَ الْوَطْءِ, وَهَذِهِ أَحْكَام الْحَيْضِ, فَسَقَطَ - أَيْضاً - هَذَا الْقَوْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثم قَالَ: ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا: بِمَاذَا تُفْتُونَهَا ؟ فَلَا يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي أَنَّهَا حَائِضٌ، وَلَا تُصَلِّي، وَلَا تَصُومُ, فَنَسْأَلُهُمْ: إنْ رَأَتْ الطُّهْرَ إثْرَهَا ؟ فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: تَغْتَسِل وَتُصَلِّي, فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ, وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ -إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا- أَلَّا تُفْطِرَ، وَلَا تَدَعَ الصَّلَاةَ، وَأَلَّا يَحْرُمَ وَطْؤُهَا إلَّا حَتَّى تُتِمَّ يَوْماً وَلَيْلَةً فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ, أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ, فَإِذْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ".[34]
أدلة القول الخامس:
استدل شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذهب إليه بأنه لم يرد في الشرع تحديد مدة معينة لا لأقل الحيض، ولا لأكثره، فقال في مجموع الفتاوى: "اسْمُ الْحَيْضِ عَلَّقَ اللَّهُ بِهِ أَحْكَاماً مُتَعَدِّدَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ لَا أَقَلَّهُ وَلَا أَكْثَرَهُ، وَلَا الطُّهْرَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، مَعَ عُمُومِ بَلْوَى الْأُمَّةِ بِذَلِكَ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ، وَاللُّغَةُ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ قَدْرٍ وَقَدْرٍ، فَمَنْ قَدَّرَ فِي ذَلِكَ حَدّاً فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَالْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ مَنْ يَحُدُّ أَكْثَرَهُ وَأَقَلَّهُ، ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّحْدِيدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحُدُّ أَكْثَرَهُ دُونَ أَقَلِّهِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَصَحُّ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لَا لِأَقَلِّهِ، وَلَا لِأَكْثَرِهِ، بَلْ مَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً فَهُوَ حَيْضٌ"[35]
ثم إن كل أمر احتيج إلى تحديده، ولم يرد في الشرع تحديده؛ فإن الرجوع فيه إلى العرف والعادة، والعرف والعادة تختلف باختلاف النساء.[36]
الترجيح:
الراجح عندي – والله أعلم – هو القول الخامس، لسلامة أدلته من المعارضة، ولضعف أدلة الأقوال الأخرى، ومناقشتها؛ ولأنه لم يرد في الشرع دليل صحيح يحد أقل الحيض بحد معين، وإنما المستند عند الجميع الوجود، وهو ليس بدليل أبداً.
المسألة الثانية : أكثر الحيض.
صورة المسألة:
لو كانت هناك امرأة تحيض كل شهر سبعة أيام، ثم زاد عليها الدم بعد ذلك، فأصبح لا ينقطع عنها إلا بعد ثمانية عشر، أو تسعة عشر، أو عشرين يوماً، فكم تكون أقصى مدة تعدها هذه المرأة حيضاً؟
تحرير محل النزاع:
اتفق الفقهاء على أنه لا حد لأكثر الطهر؛ لأن المرأة قد لا تحيض أصلاً.[37] واختلفوا في أكثر الحيض، على ثلاثة أقول:
القول الأول:
مذهب الحنفية، وهو: أن أكثر الحيض عشرة أيام.[38]
القول الثاني:
مذهب المالكية[39]، والشافعية[40]، والحنابلة[41] وهو: أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً.
القول الثالث:
ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميةv وهو: أنه لا حد لأكثر الحيض، فقد يكون الحيض أكثر من عشرة أيام، أو خمسة عشر يوماً. أو أكثر من ذلك ما لم تصر مستحاضة.
قال في مجموع الفتاوى: "اسْمُ الْحَيْضِ عَلَّقَ اللَّهُ بِهِ أَحْكَاماً مُتَعَدِّدَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ لَا أَقَلَّهُ وَلَا أَكْثَرَهُ، وَلَا الطُّهْرَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، مَعَ عُمُومِ بَلْوَى الْأُمَّةِ بِذَلِكَ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ".[42]
سبب الخلاف:
سبب الخلاف في هذه المسألة - والله أعلم - ، هو النظر إلى غالب أحوال النساء وطبائعهن، فمنهن من يزيد حيضها على عشرة أيام، ومنهن من يزيد على خمسة عشر يوماً، ومنهن من يزيد على ذلك، فكل واحد من أهل العلم نظر إلى نساء بلده وزمانه فاعتبر غالب أحوالهن.
أدلة القول الأول:
استدل الحنفية لما ذهبوا إليه بدليلين هما:
الدليل الأول:
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَأَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرً يَوْماً"[43]
الجواب عن هذا الاستدلال:
ونوقش هذا الدليل: بأنه حديثٌ ضعيف، لاتقوم بمثله حجة.[44]
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|