(بين يدي الحج)
فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الإدارة الشرعية
س 131: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من شروط الحج الاستطاعة. ونجد أن الكثير ممن يأتي من غير أهل هذه البلاد يأتون ولا استطاعة لهم، بل تجدهم يستدينون ويشق عليهم الحج أشد المشقة، ولكنهم يخشون أن لا تتيسر لهم الفرصة فهل يمنعون من أداء الحج لهذا السبب أم يقال لهم إذا جاءتكم الفرصة فحجوا ثم ييسر الله لكم سداد ديونكم فيما بعد؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول لهم: إن الشرع والرأي يقتضي أن لا تحجوا، وعليكم الدين، وأن لا تستقرضوا للحج، نقول: اقبلوا رخصة الله حيث خفف عنكم، وأنتم إذا وافيتم الله، ولم تحجوا لعدم استطاعتكم فلا إثم عليكم.
س 132: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يفرق بين الدين الحال والدين الذي له أجل، حيث إن عليَّ دينًا لأحد أقاربي ولو استأذنته لأذن، ولكني أريد الزواج بعد سنة، وأريد أن أؤدي الفريضة قبل الزواج هذا العام، فهل أحج مع وجود الدين عليّ أم ماذا أصنع.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الدين مؤجلاً وأنت تعلم أنه إذا حل الأجل فسوف تكون قادراً على قضائه فلا حرج عليك أن تحج. أما إذا كان الدين حالاً فنقول لك: أد الدين أولاً ثم حج ثانياً، فإذا كان مالك لا يتسع لقضاء الدين والحج فالدين أهم، والحج في هذه الحال غير واجب عليك، فاحمد الله على النعمة وعلى التيسير، واقض دينك الذي ثبت قبل وجوب الحج عليك.
س 133: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا عامل أتيت إلى هذه البلاد بمرتب قدره ثمانمائة ريال ولما قدمت قال لي كفيلي: ليس عندي مؤسسة، إن كنت تريد أن تعمل بالنسبة وإلا سفرتك فاضطررت إلى الجلوس، لأن قدومي كلفني أكثر من خمسة آلاف ريال، فقلت: أقوم بتسديد الدين ثم أسافر، فلما أردت الحج، قال لي أحد الإخوة: لا يجوز لك أن تحج بهذا المال، لأن مالك حرام فسألته: لماذا؟ قال لأنك رضيت بالنسبة وخالفت النظام الذي أتيت عليه، والآن أنا أريد الحج وإنما أخذت ذلك المال لسداد ديني وقد سددته ولله الحمد، فهل يجوز لي أن أحج بذلك المال أم ماذا أصنع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كنت جاهلاً لا تدري أن هذا العمل الذي اتفق مع كفيلك عليه محرم فلا شيء عليك، لقول الله تبارك وتعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [سورة الأحزاب، الآية: 5] فحج بهذا المال وهو حلال لاك، لأن الله تعالى قال: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) [سورة البقرة، الآية: 275.]
س 134: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس عليه ديون ولم يحج حجة الإسلام، لكن الحج بالنسبة له لا يكلفه، لأنهم يأخذون معهم خيمة ومعهم طعام من بيوتهم ولا يتكلفون إلا سعر البنزين، وإذا فرق على المجموعة لن يدفع إلا ما يقارب عشرين ريالاً هل يجب عليه الحج ويحجوا مفردين لأنه ليس عليه في هذه الحالة هدي؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجب عليهم الحج ما دام باقي عليهم دين، فإن الحج لا يجب عليهم وإن كانت تكاليفه يسيرة، اللهم إلا رجل يذهب مع الحجاج ويخدمهم ويعطونه أجرة على هذه الخدمة، فهذا قد نقول: اكتسب مالاً يستطيع أن يوفي به دينه من هذا الحج. فهذا نقول: لا بأس أن يحج. وأما شخص يأخذ من الحج ولو شيئاً يسيراً فليحمد الله على العافية وليقضي دينه قبل حجه.
س 135: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج لله تبارك وتعالى حجة الفريضة بمبلغ من المال حصل عليه عن طريق أنه كان يريد الزواج ولا يستطيع لأنه فقير فساعده بعض أهل العلم بمبلغ من المال ثم أخذ من المال وحج الفريضة وهو لم يتزوج حتى الآن فما حكم حجه جزاك الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما حجه فصحيح، وأما عمله فخطأ، ولكن عليه الآن أن يذهب إلى الرجل الذي أعانه على الزواج، ويخبره بالواقع ويقول: إني حججت ببعض المال الذي أعطيتني، وأرجو من الأخ الذي ساعده أن يسامحه، حتى يحصل أجرين: أجر الإعانة على الحج، وأجر الإعانة على الزواج.
س 136: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الناس أراد أن يحج على الإبل مع أن المسافة ألف وثلاثمائة كيلو مع توفر السيارة عنده هل يعتبر هذا من التنطع في الدين؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرى أن لا يفعل، وأن الله تعالى لما يسر الأمر فليتيسر، قال الله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)) [سورة الزخرف، الآية: 12] فبدأ بالفلك، والسيارات فلك البر والطيارات فلك الجو، والسفن فلك البحر، فليحمد الله على العافية، وأخشى أن يقع في قلوبهم أحد أمرين: إما ما يعرف بالآثار وإحياء الآثار وما أشبه ذلك، وإما أن يكون هناك رياء، وكلاهما شر، لذلك أنصح إخواننا بأن لا يشقوا على أنفسهم، وعليهم بالتيسير حيث يسر الله عليهم، وأن يحجوا بما يحج الناس عليه.
س 137: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لي زوجة ولم تحج فهل يلزمني أن أحج بها؟ وهل تلزمني نفقتها في الحج؟ وإذا لم يجب عليَّ فهل يسقط عنها؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كانت الزوجة قد اشترطت عليه في العقد أن يحج بها وجب عليه أن يوفي بهذا الشرط وأن يحج بها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [سورة المائدة، الآية: 1] وقال: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [سورة الإسراء، الآية: 34] أما إذا لم تشترط عليه ذلك، فإنه لا يلزمه أن يحج بها، ولكني أشير عليه أن يحج بها لأمور:
أولاً: طلباً للأجر، لأنه يكتب له من الأجر مثل ما كتب لها، وهي قد أدت فريضة.
ثانياً: أن ذلك سبب للألفة بينهما، وكل شيء يوجب الألفة بين الزوجين فإنه مأمور به.
ثالثاً: أنه يمدح ويثنى عليه بهذا العمل، ويقتدى به، فليستعن بالله ويحج بزوجته. سواء شرطت عليه أم لم تشترط. وأما إذا اشترطت فيجب عليه أن يوفي به.
س 138: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا منع الزوج زوجته فهل يأثم؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يأثم إذا منع زوجته من الحج الذي تمت شروطه، فهو آثم يعنى لو قالت: هذا محرم هذا أخي يحج بي وأنا عندي نفقة، ولا أريد منك قرشاً. وهي لم تؤد الفريضة فيجب أن يأذن لها، فإن لم يفعل حجت ولو لم يأذن، إلا أن تخاف أن يطلقها فتكون حينئذ معذورة.
س 139: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا طالب فهل لي أن أحج وآخذ من والدي أم أنتظر حتى أتوظف، فيكون عندي ما يمكنني من الحج، أيهما الأفضل لي؟
فأجاب فضيلته بقوله: من المعلوم أن الطالب الذي ليس عنده مال لا يلزمه أن يسأل والده ويقول: أعطني ما أحج به. لأنه لم حما عليه الحج، لكن إن رأى أبوه أن يعطيه ما يحج به إحساناً إليه لا وجوباً على الأب، فهذا لا حرج، وهذا من الإعانة على البر والتقوى، ومن صلة الرحم أيضاً، فأشير على جميع الآباء الذين عندهم قدرة أن يساعدوا أبناءهم في أداء فريضة الحج، وإن كان غير مفروض عليهم، لأن هذا من الإحسان ومن صلة الرحم.
س 140: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز لي أن أحج نيابة وأنا مستأجر من قبل حملة حج للعمل، وقد أذنوا لي بالحج، ومن المعلوم أني لن أدفع من المال شيئًا، بل ربما أقبض مالاً من تلك الحملة، فما حكم ذلك المال الذي دفع لي؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا علم بذلك الذي دفع المال وأذن فلا بأس، لكن إذا لم يعلم وأعطاه الدراهم وحج هذا الرجل مجاناً: إما لكونه عاملا في الحملة، أو لغير ذلك، وحج مجاناً لابد أن يستأذن منه بعد الحج، ويقول: هل رخصت لي؟ إن قال: لم أرخص لك فيرد عليه ما أخذه والحج للموكل. مثال ذلك: زيد أعطى عمراً دراهم ليحج بها. فحج عمرو بالسيارات التي تبرع بها أهلها، أو صار عاملاً في حملة ولم يسلم شيئاً، فهنا نقول: يجب عليك أن تخبر من أعطاك المال، فإن أذن لك وقال: ما أتاك من المال فهو لك، والحج الحمد لله ثبت لي فله ذلك. وإن قال: لا، أنت الآن حججت عني مجاناً، فإنه يكون الحج عن نفس الذي أخذ الدراهم، ويرد الدراهم إلى صاحبها.
س 141: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل للإنسان أن يستدين ليحج وعليه دين حال؟ وهل يصح حجه، سواء سمح له صاحب الدين أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: يجب أن نشكر الله عز وجل، ونثني عليه أنه لم يوجب الحج على من عليه دين رأفة بالناس، فإذا كان عليك دين فلا تحج، لأن الحج لم يجب عليك أصلاً، ولو لقيت ربك لقيته وأنت غير مفرط، لأنه لم يجب عليك الحج، فاحمد الله أن الله يسر لك، واعلم أن حق الآدمي مبني على المشاحة. والآدمي لا يسقط شيئًا من حقه، وحق الله مبني على المسامحة، أترد فضل الله عليك؟ وتقول: أحج وعليّ دين؟ ويبقى الدين عالق في ذمتك، مع أن الحج ليس واجب عليك، فالحج لا يجب على من عليه دين أبداً. إلا إذا كان الدين مؤجلاً وكان الإنسان واثقاً أنه إذا حل القسط فإنه يوفي، وكان بيديه دراهم يمكن أن يحج بها، فهنا نقول: حج لأنك قادر بلا ضرر،
وعلى هذا فالذي عليه دين للبنك العقاري وهو واثق من نفسه أنه إذا حل القسط أوفاه، وبيده الآن دراهم يمكن أن يحج بها فليحج، وأما إذا كان لا يثق أنه يوفي الدين إذا حل القسط فلا يحج ويبقى الدراهم عنده حتى إذا حل القسط أدى ما عليه.
س 142: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يوجد عندي ولدان أنوي أن أسافر بهما لأداء فريضة الحج، ولكن عند مراجعة إحدى الحملات طلبوا مبالغ كثيرة قد تصل تكاليفها إلى قرابة عشرين ألف ريال وأنا دخلي محدود، فهل تسقط عنهما فريضة الحج حتى يدركا هذا المبلغ؟
فأجاب فضيلته بقوله: أقول إذا كان مفهوم النظام أن الإنسان يجب أن يعقد مع الحملة من بلده حتى يرجع وهذا يكلفه مالاً لا يستطيعه فإنه لا يجب عليه الحج، لأنه غير مستطيع.
س 143: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد صدر تنظيم الحج عن طريق الحملات وهذا مكلف مادياً لمن عنده أربع بنات، حيث يكلف ذلك حوالي خمسة عشر ألف ريال على أقل تقدير، فهل يسقط الحج عنهن وفي سؤالهم الآخر يقول: إن هذه السنة نويت الحج وأنا وبعض من أقاربنا على سيارتنا؟
فأجاب فضيلته بقوله: من المعلوم أن الحكومة وفقها الله سنت سنتين: السنة الأولى: أنه لا يحج أحد إلا بعد خمس سنوات، وهذا التنظيم في محله، وذلك من أجل التخفيف على الحاج الذي حج تطوعاً وعلى الآخرين، والحكومة- وفقها الله- لم تمنع الحج، لم تقل: لا تحجوا الفريضة. وفرق بين المنع والتنظيم، ونقول للأخوة: لا تحزنوا على هذا النظام، لأن أسباب المغفرة- والحمد لله- لا تنحصر في الحج، فالإنسان إذا أسبغ الوضوء وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه . وإذا قال: "سبحان الله وبحمده مائة مرة، حطت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر" وإذا قال: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين وأتم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" وإذا صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وكذلك إذا قام ليلة القدر ، فأسباب المغفرة والحمد لله كثيرة، فلا تحزن يا أخي، وساعد الحكومة على النظام الذي فيه الخير، وإذا كنت ولابد فانظر لأخيك الذي لم يفرض، وساعده على فرضه وأعطه النفقة تحز أجر فريضة الحج.
وأما بالنسبة للنظام الثاني، وهو أنه لابد أن يكون الناس يحجون مع الحملات، فالذي أرى أن الناس فهموه على غير المراد، وذلك أن الخيام الآن في منى أخذتها الحملات، فما بقي مكان للخيمة التي تذهب بها العائلة وينصبونها هناك، فرأوا حفظاً للنظام وعدم الفوضى أن يكون الإنسان في أيام الحج خاصة مع حملة، لأنه إذا وصل إلى منى ووجد أن الخيام قد وزعت فأين يذهب، فظني أن النظام هذا يريد أن يكون الإنسان في أيام الحج خاصة مع حملة، أما الوسيلة التي تنقله إلى مكة فلا أظن أنه لابد أن يكون مع الحملة فله أن يذهب على سيارته.
س 144: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يريد أن يحج وعليه أقساط سيارة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الرجل الذي يريد الحج وعليه أقساط سيارة نقول: إن كانت الأقساط حالة فليوفها أولاً ثم يحج، لأن وفاء الدين واجب، والحج ليس بواجب حتى لو كان حج فريضة، فإنه لا يجب عليك حتى تقضي دينك. وأما إذا كانت الأقساط لم تحل فينظر هل له ما يقضي به الدين إذا حل فحينئذ يحج، وإن كان ليس عنده إلا هذا المال الذي يريد الآن أن يحج به فلا يحج، ويدخره ويبقيه ليوفي به دينه.
س 145: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أرجو النصيحة لي: لقد عرض عليّ الحج بتكلفة لا تذكر، لأنها يسيرة جداً وتبرع بها فاعل خير لي، كلما عرض عليّ الحج عن غيري مقابل مبلغ من المال مع العلم أني قد أديت الفريضة منذ سنوات، وأنا الآن عليَّ دين وهذا المبلغ الذي سوف أتقاضاه مقابل قيامي بالحج عن غيري سوف يسدد أكثر ديني إن لم يكن كله، فما الأفضل في حقي الحج تطوعاً طلباً للمغفرة وخصوصاً أن ذنوبي كثيرة، وأيضاً أنا مشتاق للحج، أم أن الأفضل الحج عن غيري حتى أسدد ديني؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرى أن تحج بالمال اليسير لنفسك، وأن تدع هذا، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فأنت بتركك الوكالة التي فيها مال، هذا لا شك أنك تركته لله، وإذا تركته لله فسوف يعوضك الله سبحانه وتعالى خيراً منه، فالذي أشير به على الأخ السائل أن يحج لنفسه بالمال الذي تبرع به فاعل الخير إذا لم يكن عليه منة، وأن يسأل الله عز وجل أن يقضي دينه، وأن يقول: "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عني الدين وأغنني من الفقر" .
س 146: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأيكم في إنسان يأخذ حجة عن غيره وهو عليه دين وسينفعه ذلك المبلغ المتبقي في سداد دينه أو في معيشته؟
فأجاب فضيلته قوه: هذا من حيث إنه لا يضر بأهل الدين قد نقول: إنه جائز، لأن هذا الذي أخذ دراهم ليحج بها سينتفع بها في قضاء الدين، لكن يشكل على هذا مسألة وهي النية، فإن هذا الرجل حج من أجل المال، ولم يأخذ المال من أجل الحج، فإذا حج الإنسان من أجل المال فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: من حج ليأخذ المال فليس له في الآخرة من خلاق. يعني ما له نصيب في الآخرة، لأن الله قال في كتابه: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)) [سورة هود، الآيتان: 15، 16] فالمشكلة هنا أن هذا الحاج حجِ ليأخذ المال، فصارت نيته بعمل الآخرة الدنيا، فجعل عمل الآخرة وسيلة للدنيا، والعكس هو الصحيح: أن يجعل الدنيا وسيلة لعمل الآخرة، إذن نقول لهذا الأخ: لا تحج لتأخذ المال وتقضي دينك في هذه الحال، فأنت إنما أردت المال فجعلت الحج كأنه تجارة وكأنه سلعة تريد أن تتكسب بها.
س 147: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان عند الإنسان مال وكان في حاجة إلى النكاح ويخاف على نفسه فماذا يقدم الحج أو النكاح؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان عند الإنسان مال وكان في حاجة إلى النكاح ويخاف المشقة بعدم النكاح، أو يخاف الزنا على نفسه إن لم يتزوج فهنا يقدم النكاح على الحج، لأن حاجة الإنسان إلى النكاح كحاجته إلى الأكل والشرب، وفي بعض الأحيان يكون أشد، لذلك قال العلماء: إنه يقدم النكاح على الحج إذا خاف المشقة بتركه.
س 148: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب للعمل في مكة في موسم الحج فنوى الحج، فقال له بعض زملاء العمل: لا يصح حجك، لأنك حججت بنية العمل، مع العلم بأنه نوى الحج منذ زمن؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس للعامل الذي يصطحبه صاحب العمل إلى مكة أن ينوي بذلك الحج أو العمرة، لأن الله تعالى قال في الحج: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) [سورة البقرة، الآية: 198] ومن المعلوم أنه لا يلزم من اتباع صاحبه أن يعتمر ويحج، فهو بإرادته، فإذا أراد الحج مع الإتيان بالعمل الواجب لصاحبه، فإن له أجراً في ذلك بلا شك، والحج يجزىء عنه، ويسقط به الواجب. وكذلك العمرة.
وأما قول أصحابه: إنه ليس لك حج. هذا قول صادر عن جهل، وبهذه المناسبة أقول إنه ينبغي للإنسان أن لا يعتمد قول العامة وأن يسأل أهل العلم، لأن هذا هو الذي أمر الله به، فقال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) [سورة الأنبياء، الآية: 7]، كما أنصح من ليس عنده علم أن لا يتكلم بما لا يعلم، وأقول: إن القول بما لا يعلمِ محرم، وقال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)) [سورة الأعراف، الآية: 33] وقوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)) [سورة الإسراء، الآية: 36].
س 149: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عندما حججت أعطاني أخي نفقة الحج وكانت ثلاثمائة ريال عماني، فهل حجي صحيح، أرجو منكم الإفادة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج على الإنسان أن يقبل هدية من أخيه، يستعين بها على أداء الحج، إذا علم أن ذلك عن طيب نفس منه، فإن الهدية توجب المودة والمحبة، وتبعد سخيمة النفوس، وفيها شرح الصدر للمهدي، وقضاء حاجة ومدونة للمهدى إليه، وهذا لا ينقص شيئاً، لأن هذا كسب طيب، والكسب الطيب لا يؤثر في العبادات.
س 150: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا كان الإنسان قادراً ببدنه عاجزاً بماله فهل يجب عليه الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان قادراً ببدنه مثل من كان من أهل جدة قادر على أن يمشي من جدة إلى مكة، أو من أهل مكة نفسها وقادر على أن يخرج إلي المشاعر فيجب عليه، لأن الله تعالى قال: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [سورة آل عمران: 97] فأطلق ولم يقيد.
س 151: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عامل لم يحج أبداً ويريد الحج، وأنا أريد أن أتكفل بكامل حجه، فهل أدفع قيمة الفدية أم أن عليه دفعها، وما هو الأجر الذي سأحصل عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل تكفل بالعامل في جميع مؤنته إلا الهدي، فنمْول: يا أخي جزاك الله خيرًا كمّل الهدي، حتى يتم الأجر لك، فإن لم تفعل وكان العامل فقيراً، فالله تعالى قد يسر عليه فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وزال الإشكال، لكنْ أنا أشير على هذا الكفيل- جزأه الله خيراً- أن يكمل إحسانه، وأن تكون جميع مؤن الحج عليه من نفقة الحج، والهدي، والإحرام وغير ذلك.
وأما الأجر الذي يحصل عليه إن شاء الله ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "من جهز غازياً فقد غزا" ونقول نحن إن شاء الله بدون تأل على الله: إن جهز حاجاً فقد حج، لأن الحج في سبيل الله، حتى إن بعض العلماء يقولون: إن الفقير إذا كان عاجزاً ولم يؤد الفريضة يعطى من الزكاة؛ لدخوله في قوله تعالى (وفي سبيل الله) وعائشة- رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال. "عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" فنرجو أن يكون لهذا الذي تكفل بحج العامل مثل أجر العامل.
س 152: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت وعليَّ دين فقمت بسداده بعد الحج فهل هذا الحج صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم الحج صحيح ومقبول- إن شاء الله- وتبرأ به الذمة، لكن من نعمة الله وتيسيره أن الإنسان إذا كان عليه دين فإنه يوفى الدين قبل أن يحج، لأن الدين سابق، ولأن الحج إنما يجب على المستطيع، ومن عليه دين وليس عنده مال إلا بقدر الدين الذي عليه فإنه لا يستطيع الحج، لو خالف وحج فحجه صحيح.
س 153: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من حج وعليه دين فهل حجه مقبول؟ ومن حج لزوجته بعد موتها فهل حجه مقبول لها؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم من حج وعليه دين فحجه مقبول، لأنه ليس من شروط صحة الحج خلو الذمة من الدين، ولكننا نقول: من عليه دين حال فليوفه قبل أن يحج لسبق وجوب قضاء الدين على قضاء وجوب الحج: وإن كان مؤجلاً وله وفاء، فله أن يحج أيضاً ولا حرج عليه، لأنه قادر على وفائه في المستقبل.
أما حجه عن زوجته فهو أيضاً مقبول إذا حج عنها، ويقول عند إحرامه: لبيك عن زوجتي فلانة. وإذا لم يعينها باسمها كفته النية.
س 154: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أشرتم إلى الدين ووقوع الناس في التساهل فيه أرجو التعليق فهناك عدد من الشباب يقنتي الآن سيارات بغالي الأثمان ديناً وهو لم يحج ويأخذها بالأقساط، ويستطيع أن يبيعها ويسدد هذه الأقساط ويحج، ولكنه يجعل ذلك عذراً له ومانعاً عن الحج، وهو لا يدري لعلها تكون قبراً له، فما حكم عمله هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرى أن الواجب على الإنسان العاقل إذا كان عنده مال يمكنه أن يشتري به سيارة، أن يشتري سيارة ينتفع بها ويحج بالباقي، فإنه يجب عليه أن يفعل ذلك، ولا يجوز أن يشتري شيئاً بثمن رفيع ويدع الحج؛ لأنه غني يستطيع أن يحج، فالسيارة التي يشتريها بخمسين ألف مثلاً يغني عنها سيارة بعشرين ألف، ويحج بثلاثين، وربما تكون البقية تكفيه للزواج فيحصل له سيارة يركبها ويقضي حاجته ويحج، ويتزوج، وهذه نعمة.
س 155: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للإنسان الحج وعليه دين، لأن من شروط الحج الاستطاعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان على الإنسان دين فلا يجب عليه الحج، لقوله تعالى: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [سورة آل عمران: 97] ولا استطاعة لمن عليه دين، لأن إبراء الذمة واجب، لكن إذا كان الدين موثقًا برهن، وكان عنده فضل مال فإنه يجب عليه الحج في هذه الحال، مثل أن يكون الإنسان مديناً لصندوق التنمية العقارية ولم يحل عليه قسط من الأقساط، بل كان قد أوفى جميع أقساطه الحالة، وكان عنده مال فإنه في هذه الحال يجب عليه الحج لأنه بقية دين لصندوق قد وثق بالرهن. وأما القرض الذي هو السلف فإنه دين عند أهل العلم، فأهل العلم يرون أن الدين كل ما وجب في ذمة الإنسان، أو كل ما ثبت في ذمة الإنسان من غرض أو ثمن مبيع أو غير ذلك، فعلى هذا فإنه لا فرقا بين السلف وغيره في اصطلاح الشرع، فكله يسمى ديناً، لأن الدين شرعاً كل ما ثبت في الذمة للغير من مال.
س 156: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل عليه ديون هل الأفضل أن يقضي ديونه ثم يحج هو وزوجته؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على الإنسان الذي يريد الحج أن يقضي ديونه أولاً ثم يحج. اللهم إذا كان هذا الدين موثق برهن يكفيه وعنده مال يمكنه أن يحج به، في هذه الحال يجب عليه الحج، كما لو كان الإنسان مديناً لصندوق التنمية العقارية وقد رهن بيته لهم، وعنده مال يمكنه، ففي هذه الحال يجب عليه الحج، وإما إذا كان عليه دين، ليس له مقابل، يوفي به فإن الواجب عليه البراءة بقضاء دينه، وفي هذه الحال لا يكون الحج واجباً عليه، دلو قُدِّر، ومات قبل أن يحج فإنه لا إثم عليه، لأن الله اشترط في وجوب الحج أن يكون مستطيعّاً لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [سورة آل عمران، الآية: 97] فنقول للسائل: لا يحج إلا بعد أن يقضي الدين الذي عليه.
س 157: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إنني أعمل في أحد الدوائر الحكومية فإذا شملتني إجازة العيد هل يصح لي الحج دون إذن الجهة المختصة، أو لابد من الإذن؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الموظف لا يستدعي سفره للحج استئذاناً من الجهة المسؤولة عنه فإن له أن يسافر للحج بدون إذن الجهة، أما إذا كان من الموظفين الذين لا يمكنهم السفر إلى الحج إلا بإذن تلك الجهة فليستأذن، وذلك لأن الموظف بمجرد عقد الوظيفة ملزم بما يقتضيه نظام تلك الوظيفة لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [سورة المائدة، الآية: 1] و (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)) [سورة الإسراء، الآية: 34] .
س 158: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز أن أستدين للحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: أشير عليه أن لا يفعل، لأن في الاستدانة إشغال لذمته، ولا يدري هل يتمكن من الوفاء فيما بعد أو لا يتمكن، وإذا كان الحج لا يجب على من كان عليه دين فكيف يستدين الإنسان ليحج؟ وعلى كل حال فإذا كان الرجل ليمس عنده مال يمكن منه الحج فإنه لا حج عليه أصلاً، وإذا مات في هذه الحال لا يعد عاصياً، لأنه لا يجب عليه الحج.
س 159: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا شخص لم أؤد فريضة الحج، وعلىّ ديون تقدر بعشرين ألف ريال، وقال أخ لي في الله: حج وأنا أتحمل دينك، وأنا في شوق إلى الحج فهل لي أن أحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الأخ في الله يريد أن يتحمل نفقة الحج بحيث لا يضرك الذهاب معه فلا بأس أن تذهب، ولا يجب عليك أيضاً، ولكن نقول: لا بأس. لأن فيه منة عليك يخشى يوماّ من الأيام أن لا يكون أخاً لك في الله، ثم بعد ذلك يمنّ عليك، ويقول: هذا جزائي حججت بك في العام الفلاني، والآن تفعل فيّ ما تفعل، أما إذا قدر أنه يخدمهم في القهوة والشاي وما أشبه ذلك فليس لهم عليه منة، إذ إنه هو الذي له المنة عليهم لأنه يخدمهم.
س 160: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز لي أن أدفع تكاليف الحج كاملة لوالدتي، مع العلم أن والدتي تملك تكاليف الحج، لأنني كنت وعدتها بذلك إن وفقني الله إلى ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز لك أن تعطي والدتك نفقة الحج، ولو كانت غنية تستطيع أن تحج من مالها، وهذا من البر والوفاء بالوعد الذي وعدتها من قبل. والله الموفق.
يتبع