(بين يدي الحج)
فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الإدارة الشرعية
س74: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ولقد هاجرت إلى المملكة العربية السعودية طلباً للرزق وأكملت مدة سنة فهل يصح لي أن أحج، أو أنا من الذين ينطبق عليهم هذا الحديث وأنهم هاجروا إلى الدنيا؟
فأجاب فضيلته بقوله-: إن المهاجر المسلم هو الذي خرج من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لا يخلو من حالين: إما أن يكون غرضه بذلك إقامة دينه على الوجه الذي يرضي الله ورسوله، فهذا مهاجر إلى الله ورسوله، وله ما نوى.
وإما أن يكون مهاجراً إلى أمور دنيوية امرأة يتزوجها، أو دار يسكنها، أو مال يحصله، أو ما أشبه ذلك، فهذا هجرته إلى ما هاجر إليه. وأما أنت فإنك لم تهاجر الهجرة الشرعية المرادة في هذا الحديث، لأنك قدمت من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي، وغاية ما هنالك أن يقال: إنك سافرت لطلب الرزق والسفر لطلب الرزق، لا يسمى هجرة، قال الله تعالى: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) [سورة المزمل، الآية: 20] أنت من القسم الثاني في هذه الآية من الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وعلى هذا فليس عليك شيء فيما كسبت، ويجوز لك أن تحج وأن تتصدق منه، وأن تبنى منه مساجد وتشتري به كتباً نافعة تنفع المسلمين بها.
س 75: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: الكثير من الأخوة الذين يقدمون للعمل في المملكة يقولون بأن قدومهم أصلاً ليس للحج، وإنما قدموا لطلب الرزق، فهل يجوز أن يعزموا النية للحج من هذا البلد؟
فأجاب فضيلته بقوله-:
نعم يجوز أن يعزموا النية للحج من هذا البلد، ويكون سفرهم من بلادهم إلى هنا في طلب الرزق، وطلب الرزق المباح الذي يقوم به الإنسان على الأرامل والمساكين من أبنائه وعياله، هذا لا شك أنه من الخير، وفي الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله " وأحسبه قال: "كالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر" فهم إذا أتوا لطلب الرزق الذي يسعون به على أنفسهم وأولادهم الذين لا يمكنهم التكسب هم من المساكين بلا شك، فإنهم في هذا يكونون كالمجاهدين في سبيل الله أو كالصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر، ولهم أن ينشئوا نية الحج من هنا من المملكة العربية السعودية حتى لو كانوا في مكة مثلاً فلهم ذلك.
س 76: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل متزوج وله أربعة أطفال وقد غاب عنهم منذ ستة عشر شهراً ويريد أن يؤدي فريضة الحج، فهل يجوز له أن يؤدي فريضة الحج قبل أن يزور أولاده في بلده؟
فأجاب فضيلته بقوله-: نعم يجوز له أن يؤدي فريضة الحج قبل أن يزور أهله في بلدهم، ولكن إن تيسر أن يزورهم ويعرف شئونهم وما هم عليه فإنه أولى، ثم يحج، وإذا صعب عليه هذا أو تعسر فليؤد الحج أولاً ثم يذهب إليهم بعد ذلك.
س 77: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة لم تحج وأرادت أن تبعث بمال لمن يحج عن أخيها الذي توفي وكان عمره سبعة عشر وهو كان من العاشرة إلى السابعة عشرة كان مشلولاً فهل يجوز لها ذلك أم لا يجوز؟
فأجاب فضيلته بقوله-: تبدأ بنفسها أما إذا كان لا يجب عليها بحيث لا يكون عندها محرم يحج معها فلا بأس أن تحج عن أخيها.
س 78: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل نذر نذراً فهل يجوز له أن يؤدي فريضة الحج قبل الوفاء بالنذر، حيث إن الوفاء بهذا النذر غير ممكن إلا في بلده وهو الآن موجود في المملكة العربية السعودية ولا يستطيع الوفاء بالنذر لظروف عمله؟
فأجاب فضيلته بقوله-: لا حرج عليه في مثل هذه الحال أن يحج قبل الوفاء بالنذر، إذا كان الوفاء بالنذر أمراً متيسراً بعد الحج، وأنه قبل الحج لا يمكن لأنه في بلدك وأنت الآن في بلد آخر، ولا يمكنك أن تذهب إلى بلدك قبل حلول موسم الحج.
ولكن ليت السائل بين لنا: لماذا لا يكون وفاء النذر إلا في بلده: هل هو لأنه نذره لأحد من أقاربه يوجد في البلد، أو ما الذي جعله يكون متعيناً في بلده، لأنه إذا كان المقصود المكان فقط فإن وفاء النذر في مكة مثلاً أفضل من وفائه في أي بلد آخر، ويجوز للإنسان أن ينقل النذر من المكان المفضول إلى المكان الفاضل، ودليل ذلك أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في المسجد الأقصى، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - "صل هاهنا" يعني في مكة فأعاد عليه، فقال "صل هاهنا" فأعاد عليه فقال له: "شأنك إذن" وهذا يدل على أن نقل النذر من المكان المفضول إلى المكان الفاضل لا بأس به، لأن أصل النذر إنما يقصد به وجه الله، فكلما كان أشد تقرباً إلى الله كان أولى أن يوفى به النذر.
س 79: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا حج الصبي قبل أن يبلغ ثم بلغ هل يلزمه أن يحج مرة أخرى؟
فأجاب فضيلته بقوله-: لا تجزئه الحجة الأولى، بل لابد أن يحج مرة ثانية، لأن الحجة التي وقعت منه أولاً وقعت على أنها نفل، لا على أنها فرض، وحج الإسلام حج فرض، فيجب عليه أن يعيد الحجة مرة ثانية، والأولى تكون تطوعاً.
س 80: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نويت الحج في هذا العام ولي ابن صغير عمره عامان نريد أن يحج معنا، فهل يجوز أن ينوي له والده ويحمله أثناء الطواف والسعي أم يطوف والده ويسعى ثم يطوف ويسعى عن الابن؟
فأجاب فضيلته بقوله-: الذي أرى أنه في هذا العصر لكثرة الحجاج ومشقة الزحام ألا يعقد الإحرام للصغار، لأن هذا الحج الذي يحجونه ليس مجزياً عنهم، فإنهم إذا بلغوا وجب عليهم أن يعيدوه وهو سنة، يعنى فيه أجر لولي الصبي، ولكن هذا الأجر الذي يرتقبوه قد يفوتون به أشياء كثيرة أهم، لأنه سيبقى مشغولاً بهذا الطفل في الطواف وفي السعي، ولا سيما إذا كان هذا الطفل لا يميز فإنه لا يجوز له أن يحمله في طوافه ناوياً الطواف عن نفسه وعن هذا الصبي، لأن القول الراجح في مسأله حمل الأطفال في أثناء الطواف والسعي: أنهم إذا كانوا يعقلون النية وقال لهم وليهم: أنوا الطواف. أنوا السعي. فلا بأس أن يحملهم حال طوافه وسعيه، وأما إذا كانوا لا يعقلون النية فإنه لا يجزئه أن يطوف بهم وهو يطوف عن نفسه، أو يسعى بهم وهو يسعى عن نفسه، لأن الفعل الواحد لا يحتمل نيتين لشخصين.
س 81: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الحكم في حل إحرام الطفل بدون أن يقضي النسك؟
فأجاب فضيلته بقوله-: هذه المسألة فيها اختلاف بين العلماء، فمذهب أبي حنيفة- رحمه الله- أنه يجوز للصغير أن يتحلل من الإحرام بدون أي سبب، وعلل ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: "الصغير حتى يبلغ " وعلى هذا المذهب لا يلزم أهله شيء، ولكن المشهور من مذهب الحنابلة أن إحرام الصغير كإحرام الكبير، وأنه إذا أحرم به وليه صار الإحرام لازماً في حقه، وبناء على هذا فإنه يجب على أهله أن يخلعوا عنه اللباس، وأن يلبسوه ثياب الإحرام، وأن يذهبوا به فيطوفوا به ويسعوا به، ويقصروا من رأسه حتى تتم عمرته، فإن لم يفعلوا ذلك فهم آثمون.
س 82: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل اصطحب ابنه معه لأداء العمرة ولبس هذا الطفل ثياب الإحرام، وفي أثناء العمرة خلع الطفل إحرامه ولم يكمل هذه المناسك، فما عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله-: ليس عليه شيء؛ لأن الصحيح أن الذين لم يبلغوا إذا أحرموا بحج أو بعمرة فما جاء منهم فاقبل، وما لم يأت فلا تطلب، لأنهم غير مكلفين.
س 83: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كيف يحرم الصبي؟
فأجاب فضيلته بقوله: عند الإحرام نقول: انوِ الإحرام، ونأمره بالاغتسال والتجرد من المخيط إن كان ذكراً ونقول: انوِ الإحرام لأنه مميز يعرف. ويلزمه الطواف والسعي إلا إذا عجز فإنه يحمل وإن كان الصغير غير مميز: فإن وليه ينوب عنه في تعيين النسك فيقول: لبيك لفلان. لبيك لفلان: الصبي. مثلاً يذكر اسمه عبد الله: لبيك لعبد الله، ولا يقول عن عبد الله لأن لبيك عن فلان أنك أنت تحج عنه، لكن لبيك له يعني أن هذه التلبية لفلان يتلبس بها بالنسك. فيقول: لبيك لفلان، فإذا قال: لبيك لعبد الله أو لهذا الصبي صار محرماً ويطوف به ويسعى به. لكن يطوف به وحده ويسعى به وحده؛ لأنه لا يعقل النية ولا يمكن لوليه أن يأتي بنيتين لفعل واحد، يعني فعل الوالد، والصبي ليس منه فعل ولا نية، فلا ينوي عن نفسه وعن الصبي إذا كان الصبي لا يعقل النية.
فإذا قال قائل: هل أفضل أن يحج الصبيان ويعتمرون؟ أو الأفضل ألا نفعل؟
فالجواب: إن كان الحج بهم يؤدي إلى التشويش عليه وإلى المشقة التي تحول بينك وبين إتمام نسكك، فالأفضل ألا يحرموا وهذا حاصل في أيام المواسم: كالعمرة في رمضان وكأيام الحج، ولهذا نقول: الأفضل ألا تحججهم أو تعتمر بهم في هذه المواسم؛ لأن ذلك مشقة عليهم ويحول بينك وبين إتمام نسكك على الوجه الأكمل.
أما إذا كان في الأمر سعة، فإن الإنسان يحب الأجر، فالإنسان يعتمر بهم، وكذلك لو فرض أن الحج صار سعة فإنه يحج بهم، والمهم ألا تحج بهم فتفعل سنة لغيرك على وجهٍ يضر بك فيمنعك من إتمام النسك.
س 84: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من عليه دين هل يلزمه الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله-: إذا كان على الإنسان دين يستغرق ما عنده من المال فإنه لا يجب عليه الحج، لأن الله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [سورة آل عمران: 197] ومن عليه دين يستغرق ما عنده لم يكن مستطيعاً للحج، وعلى هذا فيوفي الدين ثم إذا تيسر له بعد ذلك فليحج. أما إذا كان الدين أقل مما عنده بحيث يتوفر لديه ما يحج به بعد أداء الدين فإنه يقضي دينه ثم يحج حينئذ، سواء كان فرضا أم تطوعاً، لكن الفريضة يجب عليه أن يبادر بها، وغير الفريضة هو بالخيار إن شاء تطوع وإن شاء أن لا يتطوع فلا إثم عليه. والله الموفق.
س 85: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الحج من مال لم يخرج منه زكاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحج من مال لم تؤخذ منه زكاة صحيح، ولكن: عجباً لهذا الرجل، كيف يحج ويدع الزكاة؟ مع أن الزكاة أوكد من الحج بإجماع المسلمين، لهذا أوجبها الله كل عام، ولم يوجب الحج إلا مرة واحدة في العمر، وأعجب من ذلك وأغرب: رجل لا يصلي ثم يحج، وهذا الذي لا يصلي أقول: لا يحل له أن يدخل مكة ولا يقبل منه حج ولا صدقة ولا جهاد ولا أي عمل صالح، لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، والكافر المرتد خارج عن ملة الإسلام، لا يقبل الله أي عمل صالح، فأنا أعجب من بعض المسلمين الذين إن شئت قلت إن إسلامهم عاطفياً أكثر من عقلياً واستسلاما تجدهم مثلا يحرصون على الصوم وهم لا يقيمون الصلاة في وقتها، يصوم فيتسحر في آخر الليل ينامٍ ولا يصلي الفجر إلا مع الظهر أين الصيام؟ أو ربما لا يصلي أبداً، وفي الحج أيضاً: يحرص الإنسان غاية الحرص حتى إنه يحرص على أن يحج مع عدم وجوب الحج عليه وهو مضيع لكثير من الواجبات.
الواجب أن يكون إسلام الإنسان استسلاما لله إسلاماً عقليًّا يحكم الإنسان فيه العقل على العاطفة، وينظر ما قدمه الله ورسوله فيقدمه دون أن يقدم ما تهواه نفسه ويدع ما لا تهواه، ولهذا قال العلماء: إن العبادة هي التذلل لله عز وجل بحيث يتبع الإنسان ما أمر الله دون ما نفسه تهواه.
س 86: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يصح حج من عليه دين وخصوصاً إذا كان الدين كثيراً، أي لا يستطيع القضاء إلا بعد فترة زمنية طويلة ولا يستطيع تحديدها؟
فأجاب فضيلته بقوله-: حج من عليه دين صحيح، ولكنه آثم إذا حج وعليه دين، لأن الدين يجب قضاؤه، والحج ليس واجباً عليه فيما إذا كان عليه دين، لأن الله تعالى اشترط في الحج الاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [سورة آل عمران: 197] ومن عليه دين فإنه لا يستطيع أن يحج إذا كان حجه يحتاج إلى مال، أما إذا كان حجه لا يحتاج إلى مال كرجل في مكة يستطيع أن يحج على قدميه بدون أن يخسر من المال، ففي هذا الحال يجب عليه الحج وليس آثماً فيه، لأن ذلك لا يضر غرماءه شيئاً، فيفرق بين رجل يحج بلا نفق لكونه من أهل مكة وحج على قدميه، وشخص آخر لا يستطيع فلا يلزمه الحج ولا يحل له أن يحج وعليه دين، لأن الدين قضاء واجب، والحج في حال ثبوت الدين على الإنسان ليس بواجب.
س 87: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى: من حج وعليه دين ما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله-: حج من عليه دين صحيح، ولكن لا يجب الحج على من عليه دين حتى يؤدي دينه، لأن الله تعالى يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [سورة آل عمران: 197] والمدين الذي ليس عنده مال لا يستطيع الوصول إلى البيت، فيبدأ أولاً بقضاء الدين ثم يحج، والعجب أن بعض الناس،- نسأل الله لنا ولهم الهداية- يذهبون إلى العمرة، أو إلى الحج تطوعاً من غير فريضة، وهم مدينون وفي ذمتهم ديون، وإذا سألتهم لِمَ تأتون بالعمرة، أو الحج وأنتم مدينون؟ قالوا: لأن الدين كثير، وهذا جواب غير سديد، لأن القليل مع القليل يكون كثيراً، وإذا قدر أنك تعتمر بخمسمائة ريال فهذه الخمسمائة أبقها عندك لتوفي بها شيئاً من دينك، ومعلوم أن من أوفى من المليون ريالاً واحداً فإنه يسقط عنه، ويكون عليه مليون إلا ريالاً. وهذه فائدة يستفيد بها، فنصيحتي لإخواني الذين عليهم ديون أن لا يأتوا لتطوع حج أو عمرة، لأن قضاء الواجب أهم من فعل مستحب، بل حتى من لم يؤد الفريضة من حج وعمرة لا يجب أن يؤدي الفريضة، وعليه دين؟ لأن الدين سابق ولا يجب الحج أو العمرة إلا بعد قضاء الديون.
س 88: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل سأل رجلاً غنياً ميسور الحال أن يعطيه مالا ليبلغ به الحج إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج فأعطاه مالا فهل حج الرجل صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله-: حجه صحيح، لكن سؤاله الناس من أجل الحج غلط، ولا يحل له أن يسأل الناس مالا يحج به ولو كانت الفريضة، لأن هذا سؤال بلا حاجة، إذ إن العاجز ليس عليه فريضة، وسؤال الناس بلا حاجة أخشى أن يقع السائل للناس بلا حاجة في هذا الوعيد الشديد "أن الرجل لا يزال يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم " والعياذ بالله، لأنه قشر وجهه بسؤال الناس فكانت العقوبة أن قشر وجهه من أجل هذا السؤال، وليتق الله المؤمن في نفسه، فلا يسأل إلا عند الضرورة التي لو لم يسأل لهلك أو تضرر.
س 89: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجوز للإنسان أن يعطي شيئاً من زكاته لمن أراد أن يحج؟
فأجاب فضيلته بقوله-: أما إذا كان الحج نفلاً فلا يجوز أن يعطى من الزكاة، وأما إذا كان فريضة فذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك، وأن تعطيه ليحج الفريضة، وفي نفسي من هذا شيء، لأنه لا فريضة عليه ما دام معسراً، وإذا كان لا فريضة عليه فلا يجوز أن يعطى من الزكاة.
س 90: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ثلاثة أخوة يعملون في المملكة ولكل واحد منهم رزقه وظروفه، وقد اتفقوا على المساهمة في نفقات الحج لوالدتهم، وذات يوم أرسلت أمهم برسالة تطلب فيها أن يشتروا لها جنيهًا ذهبيًّا فأرسل إليها ابنها بالرد إنني أفضل شراء قطعة ذهب مكتوب عليها لفظ الجلالة سبحانه وتعالى، بدلاً من الجنيه، لأنه مرسوم عليه صورة جورج، فأرسلت له: بأنها ترغب الجنيه الذهب وإضافة بسلسلة، وبذلك أصبحت التكلفة مرتفعة بخلاف تصميمها على شراء الجنيه الذهب، فأرسل إليها بأن قيمة الذهب سوف أدفعها لك لكي تؤدي فريضة الحج بمساهمة من أشقائي ورفضت مبدأ شراء الذهب، علماً بأن قيمة تكلفة مساهمتي في الحج أكثر من شراء الذهب ولم يأت الرد منها ومضى على ذلك حوالي شهرين، وأشعر الآن بضيق نفسي شديد لعدم إرسالها لي أي خطاب، سؤالي هل بتصرفي معها أصبحت عاقّاً لأمي وماذا أفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله-: إن فعلك هذا فعل حسن، وهو خير لأمك، ولكن مع ذلك لو أنك اشتريت لها ذهباً ليس عليه رسم إنسان، ولا كتب عليه اسم الله عز وجل، لكان ذلك أحسن، لأن الذهب الذي كتب عليه اسم الله قد يكون ممتهناً من لابسه وهذا لا يليق بما كتب عليه اسم الله عز وجل، والذي رسم عليه الصورة لا يحل لبسه، لأن لبس ما فيه الصورة سواء كان حلياً أو ثياباً محرم لا يجوز، لما فيه استصحاب الصورة التي قاله فيها رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة" وأنت لاتقلق على تأخر الجواب، ولكن تابع المسألة واكتب إليها مرة أخرى، وأشر عليها، وخذ رأيها بعد ذلك، لكن إن اختارت شيئاً ممنوعاً فلا تطعها، واقنعها بأن هذا ممنوع، وأن الشيء المباح منه ما يغني عنه، ويسلم به الفاعل من الإثم، ولا يجوز قدومها للحج بدون محرم؛ لأن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم.
س 91: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يجب على الرجل القادر مادياً أن ينفق على زوجته لتأدية فريضة الحج وإذا لم يفعل فهل يأثم؟
فأجاب فضيلته بقوله-: لا يجب على الزوج ولو كان غنياً نفقة زوجته في الحج إلا إذا كان ذلك مشروطاً عليه في عقد النكاح، وذلك لأن حج المرأة ليس من الإنفاق عليها، حتى نقول إنه يجب عليه أن ينفق عليها للحج، والزوجة في هذه الحال إذا لم يكن عندها مال تستطيع أن تحج به ليس عليها حج، لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العظيم: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [سورة آل عمران: 197] وكذلك جاء في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا بد من الاستطاعة، ومن ليس عنده مال لا يستطيع، فليستقر في ذهن أولئك الذين ليس عندهم مال يستطيعون الحج به بأنه ليس عليهم حج، كما أن الفقير ليس عليه زكاة، ومن المعلوم أن الفقير لا يندم لعدم وجوب الزكاة عليه، لأنه يعلم حاله أنه فقير، فكذلك ينبغي لمن لا يستطيع الحج أن لا يندم ولا يتأثر، لأنه ليس عليه حج أصلاً، ولقد رأيت كثيراً من الناس يتأثر كثيراً إذا لم يقدر على الحج، يظن أنه أهمل فرضاً عليه، فأقول: استقر واطمئن لا فرض عليك، وأنت ومن أدى الحج سواء عند الله عز وجل، لأنك أنت معذور ليس عليك جناح، والمستطيع مفروض عليه أن يحج فقام بالحج ومن عمل العبادة أفضل ممن لم يعملها وإن كان معذوراً.
س 92: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل عازم على الحج ولكن عليه دين لشخص آخر، وقد بحث عنه ولم يجده، يقول: ماذا أفعل؟ وهل لابد من موافقة صاحب الدين؟:
فأجاب فضيلته بقوله-: أولاً نقول: من كان عليه دين فلا حج عليه أصلاً حتى وإن لم يؤد الفريضة؛ لأنه لم يكن عليه الحج حتى يوفي الدين، فليشتغل بوفاء دينه، وإن أخر الحج سنة بعد أخرى حتى يقضي الدين، وإني لأعجب من حرص الناس على أداء الحج مع الديون التي عليهم وهم يعلمون، أو لا يعلمون أن حق الله عز وجل مبني على المسامحة، وأن من عليه دين فلا حج عليه، ومع ذلك يماطلون أصحاب الديون، أو لا يماطلون ولكن يحجون، وهذا غلط منهم بلا شك، نقول: اقض دينك ثم حج، وإذا كنت لا تعرف صاحب الدين فابحث عنه بقدر المستطاع، فإذا لم تجده وكان عندك مال واسع تعلم أنك تحج ويبقى لديك فضل زائد على الدين فحينئذ لا بأس أن تحج.
س 93: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأيكم في الذي لم يحج وتوفرت لديه جميع السبل ولكن عليه دين، فهل يتم عزيمته على الحج أم يبطله؟
فأجاب فضيلته بقوله-: قضاء الدين أهم من الحج، والريال الذي يصرفه في قضاء الدين خير من عشرة ريالات يصرفها في الحج، نعم لو فرض أن تهيأ له أن يحج مجاناً مثل أن يخرج ليخدم الحجاج معه، أو أن أحداً من أصدقائه أراد أن يتبرع له بالحج فحينئذ لا بأس، لأن الحج هنا لا ينال الدين منه ضرر.
س 94: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الحج للرجل الذي عليه دين؟
فأجاب فضيلته بقوله-: إذا كان على الإنسان دين فالحج ليس واجباً عليه، وإذا لم يكن واجباً فإن الدِّين والعقل يقتضيان أن يقدم الواجب الذي هو الدَّين، فاقض دينك أولا ثم حج، وإذا متَّ في هذه الحال فليس عليك إثم.
س 95: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: وإذا كان على الإنسان دين ورغب الحج واستسمح صاحب الدين فهل يحج؟
فأجاب فضيلته بقوله-: إذا استسمح صاحب الدين فإن الحج ليس واجباً عليه، لأن صاحب الدين سوف يطالبه به، غاية ما هنالك أن صاحب الدين يسمح له أن يقدم الحج فقط، فنقول: حتى لو سمح لك: فالمسألة ليست تحريم المغادرة من أجل حق الدائن؟ المسألة إبراء الذمة قبل أن يحج.
س 96: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل الدين يمنع من الحج، وإذا كان مانعاً من الحج فما الحكم بالنسبة لديون البنوك الطويلة لا سيما بنك التسليف التي ربما تستغرق العمر كله ولا نستطيع سدادها؟
فأجاب فضيلته بقوله-: الدين إذا كان حالاً فإنه مقدم على الحج، لسبقه وجوب الحج فيوفي الدين ويحج، وإذا لم يكن عنده شيء بعد وفاء الدين ينتظر حتى يغنيه الله، وإذا كان مؤجلاً نظامياً فإن كان الإنسان واثقاً من نفسه أنه إذا حل الأجل يسدده فإن الدين هنا لا يمنع وجوب الحج، سواءً أذن له الدائن أم لم يأذن، وإن كان لا يضمن القدرة على الوفاء فإنه ينتظر حتى يحل الأجل.
وبناءً على ذلك نقول: من عنده دين لصندوق التنمية العقارية إذا كان يعلم من نفسه أنه إذا حل الأجل أوفى يجب عليه الحج ولو كان عليه دين.
س 97: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أنا رجل عليّ دين فهل يجوز لي أن أحج نيابة عن شخص مع العلم أني سآخذ مبلغاً على ذلك، وهل يجب عليَّ أن أستأذن من صاحب الدين الذي علىَّ؟
فأجاب فضيلته بقوله-: لا بأس أن يحج الإنسان عن غيره إذا كان عليه دين، وذلك لأنه لا يضر أهل الدين شيئاً، بل قد يكون هذا من مصلحته أنه إذا أعطي مالا على هذا الحج قضى به من دينه، لكن إذا كان الدين حالاً فليستأذن من الدائن حتى لا يكون في قلبه شيء على هذا الدين.
س 98: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل راتبه أربعة آلاف وعليه إيجار ونفقة عيال، ويريد أن يسافر للحج مع حملة أو غير حملة، فهل للمحسنين أن يجمعوا له ما يجعله يستطيع الذهاب إلى الحج لأداء الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله-: الذي أرى أنه لا يجب عليه، لأن الجمع له إذلال له: أعطونا لفلان، أعطونا لفلان، هذا ذل، والله عز وجل لم يوجب عليه الحج ما دامت أربعة آلاف التي هي راتبه تذهب في إيجار البيت وفي النفقة على الأولاد، فمن فضل الله أن
الله خفف عنه ولم يوجب عليه الحج، لأن الله قال: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).
س 99: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: إذا حج الرجل بنفقة غيره وهو قادر على أن يحج بنفقته فهل يلزمه أن يحج حجة أخرى؟
فأجاب فضيلته بقوله-: إذا حج الإنسان بنفقة من غيره وهي الفريضة فإنها مجزئة ولا يلزمه شيء.
س 100: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل حج وعليه دين مقسط من غير أن يستأذن من صاحب الدين ومتأخر عن بعض الأقساط فما حكم حجه؟
فأجاب فضيلته بقوله-: إذا كان عنده مال ويعرف من نفسه أنه إذا جاء وقت القسط يوفي فهذا لا بأس، ولا يستأذن من صاحب الدين، إما إذا كان لا يثق من نفسه، أو كما قال السائل: عليه أقساط لم يؤدها فلا يحج، وإذا حج فهو آثم، لكن حجه صحيح إذ إن الله سبحانه وتعالى رخص له ولكنه كلف نفسه، أفلا يخشى أن يموت في طريقه إلى الحج، أو بعد رجوعه.
يتبع