رد: عمل اليوم والليلة (متجدد)
0001 - عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى . أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ له ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ»
سبق وقد ذكرنا هذا الحديث، واليوم نكمل فنقول وبالله التوفيق:
7- هذا الحديث فيه خير ما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ ما قلتُ أنا والنَّبيون من قبلي: لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ))، حسنه الألباني في صحيح الجامع، وفي الحديث أيضا أحب الكلام إلى الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ : سبحانَ اللهِ ، والحمدُ للهِ ، ولا إله إلا اللهُ ، واللهُ أكبرُ))، رواه مسلم، وفيه أيضا كنز من كنوز الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكثِرُوا من قولِ لا حولَ و لا قوةَ إلا باللهِ ، فإنها كنزٌ من كنوزِ الجنةِ))، صححه الألباني في السلسلة، وفيه أيضا أن الدعاء مستجاب بعد هذا الذكر العظيم، وفيه أيضا أن الصلاة مقبولة بعد ذلك أيضا، فحري بنا أن نتدارس هذا الحديث، ونعمل بما علمنا.
8- كلمة ((تعار)) التي في أول الحديث من جوامع الكلم، فقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وهي الكلمة الواحدة تحمل معان كثيرة، فهنا لفظة تعار تعنى الانتباه من النوم مطلقا، وتعنى التقلب على الفراش ليلا مع كلام، وتأتي بمعنى أنَّ من التألم بصوت، وتأتي لتعبر عن حديث النائم في نفسه بدون صوت، أو بصوت مسموع وقد يكون الكلام غير مفهوم للسامع، وإذا أدرك السامع معناه فإن النائم لا يذكر أنه قال ذلك، وقد يتذكر كلامه أو بعضا منه.
9- فظاهرة الانتباه في الليل لغير سبب واضح، ظاهرة لا تدعو للقلق، إلا أنها قد تكون مؤشرا لهمٍّ واضطراب نفسي وعدم اطمئنان يعاني منه النائم، خاصة إذا كانت مصاحبة لـ ((هلوسة النوم)) كما يقولون.
10- والمتخصصون ينصحون عند ذلك بقطع الفكر في الموضوع الذي يشغل الإنسان قبل النوم، ولا ينام وهو يرهب شيئا أو يرغب في شيء رغبة شديدة، بل يجلس قبل النوم لحظات لتهدئة نفسه من همومه، وينصح بالحديث بهذه الهموم مع شخص يحبه، فإذا هدئت نفسه نام نوما بدون اضطرابات.
11- والأطفال الذين تظهر عليهم هذه الظواهر ينبغي محادثتهم ومحاولة إزالة مخاوفهم التي تسيطر عليهم، وحل مشاكلهم، وتحليل أفكارهم التي تسيطر عليهم وعدم إهمال ذلك؛ لأنها قد تكون مؤشرا لمشاكل عضوية أو نفسية مقبلة.
12- والهموم أنواع، منها هم الدنيا ومنها هم الآخرة، ومنها قضية أهمت النائم، ومنها قضية أهمت شخص يحبه النائم، ومن لطف الله بالناس أنه يصيبهم بكثير من الهموم فيخفف بعضها بعضا، ولذلك تجد الأشخاص الذين يختلطون بالناس ويتحدثون مع هذا وهذا أقل إصابة بالاضطرابات النفسية مهما كانت همومهم كثيرة وكبيرة، بخلاف من يقضون أوقاتا طويلة مع أنفسهم ويفكرون كثيرا، فإنهم يصابون بكثير من الاضطرابات النفسية، ذلك لأنهم إذا تمكن الهم من الرجل وسيطر على فكره فإنه يصيبه بكثير من الأمراض العضوية والنفسية، وكما يقولون: ((الهم يهد جبلا)).
13- وعلاج الهم في السنة كثير، وملخص ذلك قوله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد : 28 ).
14- وفي فضل الذكر أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم ، وأزكاها عندَ مليكِكُم ، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم ؟ قالوا : بلَى . قالَ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى))، صححه الألباني في صحيح الترمذي.
15- وحقيقة ذكر الله هي عمل القلب ومراقبة الله وكثرة تذكر الآخرة، فقد تجد الرجل في متجره يقضي الساعات الطوال يحدث الناس ويبيع ويشتري وقلبه معلق بالله وبأمر الآخرة، يلوم نفسه يقول في نفسه ليتني هششت في وجه هذا، ثم يقول ليتني لم أقل كذا، وليتني رأفت بحال هذا، ويقول ليتني لم أرفع صوتي على هذا، يذكر الآخرة وأنه سيقف يسأل عن هذا وعن هذا، يراقب الله في سكناته وحركاته ويرجو رحمة ربه، فهذا وإن لم يجد وقتا لذكر الله بلسانه إلا أنه في الحقيقة علق قلبه بذكر الله، وتجد إنسانا آخر يدخل في صلاة الفريضة وينتهي منها وهو لا يذكر شيئا، إلا أنه كان يحدث نفسه ماذا سيقول لفلان عندما يقابله وإذا قال كذا سأقول كذا وهكذا يفيق وقد انتهى الإمام من الصلاة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ))، صححه الألباني في صحيح الترمذي، فذكر الله أهم عبادة على الإطلاق وكل عبادة تخلو من ذكر لله فهي عبادة منافق، أو شخص سيطرت عليه الدنيا فأنسته نفسه، وكل عمل أذن به الله وتعلق القلب بالله عند ذلك العمل، فهو عبادة مقبولة، ولو كانت إشارة بإصبع لله، فلا يقبل الله عبادة بدون ذكر لله على حقيقته كما ذكرنا.
16- فإذا ذكر الإنسان الله على الحقيقة لم يصبه الهم الذي يصيب أصحاب الهموم، فعلاج الهم أن ينسيك هم الآخرة والقرب من الله وإرادة رضاه، ينسيك متاع الدنيا وخسارة عرض من عرضها ولو كان جبلا من الذهب، فإن الله عنده خزائن لا تنفذ.
17- كذلك الدعاء هو بث للشكوى للقوي القادر الذي يعلم ما يصلح أمرك أكثر منك، فالدعاء وسؤال الله وطلب الحوائج منه تزيل الهم فمن يحبك أكثر من الله، وقد مر معنا أن من أسباب إزالة الهم الحديث مع من تحب فيما يقلقك.
18- وحقيقة الدعاء هو الحاجة والافتقار إلى الله، فالرجل الذي يمسك المصحف ليقرأ يريد رضا الله ويريد الأخر ويريد القرب منه في الدنيا والآخرة، وينوي الاستماع إلى أصدق حديث، لسان حاله يقول يا رب اأجرني وارض عني وقربني منك وغير ذلك، فكل نية لله هي دعاء لله وطلب وسؤال، وعندما ينتهي من العمل فإن قلبه يكون في خوف ووجل، ولسان حاله يقول يا رب اقبل عملي واحفظه من مبطلات الأعمال وغير ذلك، فتعلق القلب هنا بالله دعاء، والرغبة والرهبة التي يمتلأ بها قلبه دعاء وأن لم يتلفظ به، وفي ذلك يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((إن الدعاء هو العبادة))، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه وغيره.
19- والدعاء باللفظ قسمان: دعاء الإنسان لنفسه كأن يقول رب اغفر لي، أو اللهم اهدني، أو ارزقني أو عافني ونحو ذلك، ودعاء الإنسان لغيره، كأن يقول اللهم اغفر لأمي، أو اشف أبي، أو ارزق أخي أو نحو ذلك، وكذلك الدعاء منه الواجب ومنه المستحب، والواجب منه ما أمر به الشرع على وجه الإلزام، وكذلك عند تذكر الذنب، فإنه يجب التوبة منه، والدعاء للغير أفضل من الدعاء للنفس، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوةُ المسلمِ لأخيه، بظهرِ الغيبِ، مُستجابةٌ. عند رأسِه ملَكٌ مُوكَّلٌ. كلما دعا لأخيه بخيرٍ، قال الملَكُ الموكلُ به: آمين. ولكَ بمِثل))، فانشغالك بهموم أخيك تنسيك هم نفسك، فإذا أهمك أمر وسيطر عليك فتذكر هموم إخوانك وادع الله لهم، فيكفيك الله أمر نفسك.
20- والأقربون أولى بالمعروف فالإنسان يحرص على أن يدعو لأبويه وزوجته وأولاده ثم الأقرب فالأقرب، وأولى الناس بذلك أكثر من الأبوين والأقارب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يحبه المؤمن أكثر من والديه والناس أجمعين، لذلك فضلت الصلاة على رسول الله أفضل من أي دعاء أخر، وبهذا يفهم حديث أبي بن كعب رضي الله عنه الذي مر معنا عندما قال له أبي: أجعل لك صلاتي كلها؟، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك))، فتبصر كيف جعل الرسول الكريم الذي أوتي جوامع الكلم ذلك من أسباب إزالة الهم.
ونكمل بإذن الله تعالى...
__________________
بارك الله لنا ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الذكر الحكيم،،،
|