((4))
حكمة ضعف كثير من الروايات
المتعلقة بالقرآن الكريم
وإني لأحمد الله على أن الصحابة لم يتوسعوا في نقل تدبراتهم للقرآن، وإلا لأغلق باب التدبر.
ولنفس السبب أحسب أن الله لم يشأ لعلوم كثيرة متعلقة بالقرآن أن تقوى، ومنها على سبيل المثال:
((أحاديث السنة التي تفسر القرآن بطريق مباشر))
فالسنة كلها شارحة للقرآن لكنها شارحة له بطريق غير مباشر، أما السنة التي تشرح القرآن بطريق مباشر فإنها قليلة وهذا القليل أغلبه ضعيف.
ومثال السنة التي تشرح القرآن بطريق مباشر ما رواه البخاري قال: لما نزلتْ هذه الآيةُ : {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } . شقَّ ذلك على أصحابِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقالوا : أيُّنا لم يلبسْ إيمانَه بظلمٍ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( إنهُ ليس بذلكَ، ألا تسمعون إلى قولِ لقمانَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، فهذا من تفسير القرآن بالسنة في آية معينة من سورة معينة، وهو من باب تفسير القرآن بالقرآن أيضا.
ومثال السنة التي تشرح القرآن بطريق غير مباشر: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الكبر بطر الحق وغمط الناس))، فهذا النص يشرح كل الآيات التي وردت فيها لفظة الكبر ومشتقاتها، ولكنها بطريق غير مباشر، دون أن يذكر الراوي اللفظة التي يفسرها هذا الحديث.
وعلى هذا فالسنة الصحيحة كلها تشرح القرآن ولا أغادر من ذلك حديثا واحدا، وهذا معنى قوله تعالى: {... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل : 44 ).
وعلى هذا فالأحاديث التي تفسر القرآن بطريق مباشر قليلة وأغلبها ضعيف، ولو قوي هذا العلم لتحجر الناس، وما تدبروا كثيرا مما يتدبرون الآن.
ومن ذلك أيضا علم أسباب النزول، وترتيب الآيات في النزول، وغير ذلك، من علوم القرآن التي ضعفت لضعف الروايات، فلو صحت كثير من الروايات لأعرض الناس عن التدبر، ولتحجروا في معان ضيقة، ولضاق نطاق دلالة الألفاظ، وإنما هو الآن مجاله واسع جدا، وبذلك كان القرآن يصلح لكل أحد في كل زمان ومكان.
فأعتقد أن قوة هذه العلوم كان سيحجر علينا أن نتدبر آيات الله وإنما العبرة الآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والمناسبة، وكما قلنا القرآن حمال لوجوه كثيرة.