عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-02-2015, 10:17 PM
الصورة الرمزية بــيآرق النصـــر
بــيآرق النصـــر بــيآرق النصـــر غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
مكان الإقامة: أرض الخـــلافــة
الجنس :
المشاركات: 2,518
الدولة : Iraq
افتراضي رد: سدّ الذريعة وهَدْمُ سدّها: تأصيلٌ وتفصيل

أما خطابي الموجّه إلى حراس الفضيلة فيبدأ من تنبيههم إلى قاعدتين اثنتين من قواعد إحسان تطبيق (سدّ الذرائع) ,
لا بدّ من الحرص البالغ على التنبّه لهما , وعلى مراعاتهما المراعاة التامة عند إرادة تطبيق (سدّ الذرائع) في مسألة من المسائل .
وهاتان القاعدتان هما :
الأولى : أن الذرائع غير المنصوص على تحريمها , فهي لذلك مباحة في أصلها , لا يجوز لي أن أحرّمها لمطلق أنها ربما كانت ذريعةً ووسيلةً للمحرّم ,
بل لا بد أن يكون التوسُّلُ بها إلى المحرّم أمرًا يقينيًّا أو ظنًّا راجحًا . فالذريعة إلى المحرّم بمجرّد الظن المرجوح وبالشك لا وزن لها ,
ولا يجوز أن أحرّم بها ما أباح الله تعالى ؛ لأنها عارضت يقينًا , وهو إباحة الله تعالى لها .
وتحريم ما أباح الله تعالى قرينُ إباحةِ ما حرّم الله تعالى في الخطأ والإثم
, فلا يجوز التهاون به , ولا التهافتُ عليه , بحجة حراسة الفضيلة , ولا بأي حجة !!
((ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)) النحل: 116 .
كما أن تحريم المباح بحجّة أنه يمكن أن يفضي إلى المحرّم , ولو باحتمال ضعيف , يؤدّي إلى تحريم المباحات كلها ؛ فما من مباحٍ قط , إلا وقد يُفضي إلى محرّم . ومعنى ذلك : أن تحريم المباح بحجة أنه ذريعةٌ إلى مفسدة لا يجوز ؛ إلا إذا غلب على ظن الفقيه أو تيقّن أنه سيؤدي إليها . أما بغير غلبة الظن (على أقل تقدير) في تأديته للمفسدة , فلا يجوز تحريم المباح بمجرّد الشك أو الظن المرجوح .
ومن هنا نعلم أن الاختلافَ قد يقع بين العلماء في ذريعةٍ بين مبيحٍ ومحرِّمٍ ؛ لاختلافهم في درجة إفضائها للحرام . لا بسبب الاختلاف في قاعدة سدّ الذرائع , ولا للاختلاف في المفسدة أنها مفسدة ,
بل في الوسيلة إليها , هل يغلب على الظن أنها ستؤدي إلى المفسدة ؟ أم لا تصل إلى ذلك ؟
ومن هنا نعلم أيضًا : أن هذا الباب بابٌ لا يتقنه إلا العلماء الذين جمعوا مع العلم بالشريعة علمًا بالوقائع والأحوال . أما العلماء بالشريعة مع جهلهم بالواقع محلّ الإفتاء فليسوا أهلا للكلام فيه ,
ولا يجوز منهم ذلك أصلا ؛ لنقص أهليّتهم فيه .
كما لا ينفع في هذا السياق أن يقول عالمٌ : هذا مما يغلب على الظن أنه ذريعة للحرام , بمجرّد الدعاوى على تغليب الظن ورجحانه ؛
فالدعاوى وحدها ليست كافية للتحليل والتحريم , خاصة عند خروج الحكم بالحلّ أو التحريم عن الأصل الشرعيّ فيه ,
كما هو الحال في سد الذريعة بتحريم المباح الذي يُتَـذَرَّعُ به إلى المعصية . لأننا إن سمحنا للدعاوى بغير بيّناتٍ ظاهرةٍ أن تحلِّلَ أو تحرّم , خشينا مِن تَسَلُّطِ الطبائع والأذواق على الأحكام , ليتشدّدَ المتزمّت أو من كان مبالغًا في سوء الظن , ويتساهل المفرّط أو من كان مبالغًا في تحسين الظن
:
فيحرِّم الأول ما أباح الله , بحجة سدّ الذريعة في غير موطنها ؛ لأنها لم تستكمل شرطها , ويبيح الثاني ما حرّم الله من الذرائع التي استكملت شرطها , مما دلّ على تحريمها النصُّ الصريحُ أو الاجتهادُ الصحيح . ولا نستثني من وجوب أن يكون القول مبنيًّا على برهانه الصحيح عالمًا ولا غيره , فكلهم مطالبٌ بأن لا يقول قولا بغير دليل ؛ وإلا دخلنا في قوله تعالى ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)) [التوبة: 31] ,
من جعل العلماء مصدرا للتشريع والتحليل والتحريم .
وهنا تظهر أهميّة العلم بالواقع وبالحال الذي يحيط بالمباح ؛ لأن العلم بذلك هو الذي سيخرج بالحكم اللائق به ,
بناءً على درجة احتمال إفضاء المباح إلى المفسدة :
هل يصل إلى حدّ غلبة الظن , فيُحرَّم , أما لا يصل إلى ذلك , فلا يُحرَّم .




__________________
,, ,,
سبحان الله والحمد لله ولا إلــه إلا الله والله أكبر ,, أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (4.00%)]