عرض مشاركة واحدة
  #44  
قديم 29-12-2012, 10:24 PM
الصورة الرمزية فجر العزة
فجر العزة فجر العزة غير متصل
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Apr 2007
مكان الإقامة: في الدنيا الفانية
الجنس :
المشاركات: 615
الدولة : Palestine
افتراضي رد: روائع كتابات الاخت الكريمة فجر العزة

الراقصون على الجراح






قد يظن البعض أن هذا اسم لفيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني جديد ..



و لكن أيها الأخوة الأفاضل ..


هو عنوان لمأساة حقيقية واقعية .. أبطالها من الناحية الفيزيائية و الخلقية بشر و لكن جوهرهم لا يمت للبشرية أو الإنسانية بأدنى صلة ..




قد يكون الرقص على الجراح مسلسلا طويلا جدا حلقاته ممتدة إلى مالا نهاية .. لأنه فن أصيل متجذر في نفوس هؤلاء الذين اتقنوا فن الرقص .. هؤلاء الراقصون الذين باعوا دينهم لغير الله و الثمن في مقاييسنا لا شيء و لكن عندهم الأمر جِد مختلف..



و إذا أردتم أن تتعرفوا عليهم اقرؤوا بتمعن وسأروي لكم الحكاية ..



بدأ الجرح صغيرا و لكنه ينزف دما .. و عندها كان الراقصون تتعالى أصوات ضحكاتهم شيئاً فشيئاً ..


فأردت أن ألفت انتباههم إلى الجرح رغم أنه كان سطحي لكنه ينزف دما بغزارة


صرخت فيهم أن أسعفوه قبل أن يتلوث الجرح فيصبح العلاج أصعب و الألم في ازدياد






فجاءني الرد .. ضحكات و قهقهات و أصوات خبيثة .. تقول : لا عليك ..سيلتئم الجرح تدريجيا مع الزمن ..لا خوف عليه ..جرح سطحي ..حاولي تضميده بما لديك .. فنحن مشغولون بالرقص كما ترين ..و الأمر بسيط ..لا عليك ..

تعجبت و صرخت فيهم و بكيت .. الجرح يكبر و لم يكن سطحيا بل كان في الصميم ..الجرح غائر الدم لا يتوقف كالشلال ..أجيبوني ..


كيف لكم أن تتراقصون و الجُرح في الصدر غادر .. ها هو ينتقل إلى الظهر .. اسعفوه ..اغيثوه .. و يحكم .أليس لكم قلب أو أنكم لا تريدون سماع صرخات الألم التي طغت على صوت النغم الذي به تطربون و على نغماته تتمايلون و ترقصون ..







بصوت خبيث و بحركة الأفعى .. يتلوون .. قالوا و ليتهم كانوا صما لا ينطقون :


اصمتي لقد ازعجتنا بصرخاتك و بكائك .. الأمر هيِّن و لا يحتمل كل هذا ..


ألا تتقنين فن تطيب الآلام هذه مشكلتك .. صراختك هي التي تزعج هذا الجريح سيندمل عندما تهدئين .. هيا لا تعيقنا عن مهامنا الفنية!!








سنعقد اجتماعا في أقرب وقت ممكن لنرى آثار هذا الجرح على المدى البعيد ..


لكنه ليس الجرح الأول فيه ..انظري إليه مازال قادر على الحركة بعد ..


و فيه حياة .. فلا تنوحي أكثر..





صمت لبرهة .. و كتمت أنفاسي .. و دموعي تسيل على وجنتي بصمت كالنهر الجاري لا توقف له ..قلت في نفسي:


مازالوا يتراقصون و يتغنون و الجُرح في ازدياد .. مرت السنين تلو السنين .. و مازال هذا المشهد المؤلم يتكرر و لا يبالي به أحد







إلى أن دخل أحدهم علينا و حاول أن يُجهز على الجريح الذي دافعت عنه بكل قوتي ..


حاولت صده بشتى الوسائل التي توفرت لدي ..


فأطلق نيرانه في كل مكان بطريقة فظيعة .. و تتابعت الأصوات .. قنابل ..طائرات .. مدافع ..ثم هدأت فجأة ..


ففتحت عيناي فإذا الدنيا من حولي سواد حالك ..و الرائحة رائحة دم فوّاح .. و دخان كثيف يتصاعد من هنا و هناك






عندها تذكرت الجريح الذي كان منذ لحظات بين يدي .. فإذا بجسده قد تمزق من أثر الطلقات ..أكثر من إحدى و عشرين طلقة ..


فألقيت بجسدي على الجسد المسجى أمامي و الدماء لأرى ماذا حدث له ..فإذا به رمق من حياة .. مازالت تسمع له نبضات لكنها ضعيفة و خافتة جدا ..







في غمرة تلك الأحداث لم انتبه لنفسي فإذا أنا مصابة إصابة بليغة ..فجاهدت نفسي لأتماسك و أقوى على الوقوف .. لأطلب العون من جديد ..فجاءني الرد كالصاعقة ..زلزلني و هزني .. ليتني مت قبل هذا و كنتُ نسيا منسياً..







لم يمت بعد!! ؟؟


ما هذه الروح الطويلة ؟ ما شاء الله .. قلت : أنا أصبت أيضا إصابتي خطيرة ..


فقالوا ببرود و لا مبالاة : طالما ليست في القلب فلا تخشي شيئا .. و لا ترهقي نفسك مع هذا الجريح لأنه ميت لا محالة .. اصبري حتى نأتي إليك .. و نرى ما بمقدرونا أن نفعل..

لا زالوا يفكرون ,, و يجتمعون و لا يقررون ، و إذا قرروا دمي يستبيحون ، و يدينون و يستنكرون صرخاتي و آهاتي،، و يلومون أني بهم ألوذ ..لم يفهمو بعد أن جرحي و جرحهم واحد .. أني منهم و هم مني ..






و يقولون : اصبري .. صبرت ستين عاماً .. دققت الأبواب كلها .. حاولت تضميد جرح ذلك الجسد فكلما التأم جُرح تتابع آخر .. كلما نزف حاولت إيقافه ..


لكن الجرح غدا أكبر مني و من قدرتي على المداواة ..


يا إلهي كم هي جراحاتنا و آلامنا .. كم صمدت لأُبقي على هذا النفس و ليبقى القلب ينبض ..









هل تعلمون ماذا قدموا هُم طوال ربع قرن من الزمان .. ألوانا جديدة متعددة الأشكال من الرقص .. كل يوم فن جديد ..اسمه


الراقصون على الجرح


تعلموه و تدربوا عليه حتى أتقنوه .. لن يستطيع أحد أن يغلبهم فيه .. و كيف لا ؟


و هم الذين أفنوا شبابهم بل حياتهم كلها في تعلمه ..؟؟!








فهل علمتم هذا الفن الأصيل أو سمعتم به ؟


و هل علمتم يا ترى من أكون ؟؟


:: أجيبوني و لا تطيلوا السكون و الركون ::


و إلى لقاء آخر .. مع جديد أطياف المجد ..فارتقبونا
بقلم أختكم في الله :
فجر العزّة







__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]