عرض مشاركة واحدة
  #54  
قديم 14-11-2012, 07:47 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ،
وبعد .
.
حديثنا في هذه الحلقة مع قاعدة عظيمة مُباركة لها أثرٌ بالغ في حياة الذين وعوها وعقلوها ، واهتدوا بهداها ، قاعدة لها صلة بأحد أصول الإيمان العظيمة : ألا وهو : الإيمان بالقضاء والقدر ، وتلكم القاعدة هي قوله سبحانه وتعالى ـ في سورة البقرة في سياق الكلام على فرض الجهاد في سبيل الله : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .. البقرة : 216

وهذا الخير المُجمل ، فسره قوله تعالى في سورة النساء ـ في سياق الحديث عن الفراق بين الزوجين في قوله تعالى : {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} . النساء : 19 ، فقوله (خيراً كثيراً) مُفسر ومُوضح للخير الذي ذُكر في آية البقرة ، وهي الآية الأولى التي استفتحنا بهذا هذا الحديث .

ومعنى القاعدة بإيجاز : أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المُؤلمة ، والمصائب المُوجعة ، التي تكرهها نفسه ، فربما جزع ، أو أصابه الحزن ، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية ، والفاجعة المُهلكة ، لآماله وحياته ، فإذا بذلك المقدور يُصبح خيرا عليه من حيث لا يدري .. يُصبح منحة في ثوب محنة ، وعطية في رداء بلية ، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب ، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب !.والعكس صحيح : فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ ، واستمات في سبيل الحصول عليه ، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه ، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد ، و هذا هو معنى القاعدة القرآنية التي تضمنتها هذه الآية باختصار ..

أيها القارئ الموفق :
ما إن تُمعن بناظريك ، مُتأملاً الآيتين الكريمتين الأولى والثانية ، إلا و تجد الآية الأولى ـ التي تحدثت عن فرض الجهاد ـ تتحدث عن ألم بدني وجسميًّ قد يلحق المُجاهدين في سبيل الله ، كما هو الغالب ، و هو أيضا حديث عن عبادة من العبادات ؛ وإذا تأملت الآية الثانية ـ آية مُفارقة النساء ـ وجدتها تتحدث عن ألم نفسي قد يلحق أحد الزوجين بسب فراقه لزوجه ! وإذا تمعنت آية النساء ، وجدتها تتحدث عن أحد أوثق العلاقات الإجتماعية .. إذن فنحن أمام قاعدة تناولت أحوالاً شتى : دينية ودنيوية ، بدنية ونفسية ، وهي أحوال لا يكاد ينفك عنها أحد في هذه الحياة التي :
جُبلت على كدر وأنت تُريدها *** صفوا من الأقذاء والأقذار
وقول الله عز وجل أبلغ و أوجز و أعجز ، {لقد خلقنا الإنسان في كبد } .. البلد : 4

إذا تبين هذا ـ أيها المؤمن بكتاب ربه ـ فاعلم أن إعمال هذه القاعدة القرآنية : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .. من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً ، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس ، بسبب موقف من المواقف ، أو بسبب قدر من الأقدار المُؤلمة ـ في الظاهر ـ جرى علي هذا الإنسان في يوم من الأيام ..

ولو قلبنا قصص القرآن ، وصفحات التاريخ ، أو نظرنا في الواقع لوجدنا من ذلك عِبراً و وجدنا شواهدَ كثيرة ، لعلنا نُذّكر ببعض منها ، عسى أن يكون في ذلك سلوى لكل محزون ، وعزاء لكل مهموم :
1ـ تأمل قصة إلقاء أم موسى لولدها في البحر ! فأنت ـ إذا تأملتَ ـ وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون ، ومع ذلك ظهرت عواقب هذا الإلقاء الحميدة ، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام ، وصدق الله عز و جل : {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ..

2- و تأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام : تجد أن هذه الآية مُنطبقة تمام الانطباق على ما جرى على يوسف وعلى أبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام .. كم وقع في هذه القصة - التي امتدت تفاصيلها عشرات السنين – كم وقع فيها من آلام كانت سببا في رفعة هذين النبيين عليهما و على نبينا الصلاة و السلام ..

3-و تأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى :: فإنه علل قتله بقوله : {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} ، الكهف: 80، 81
توقف ـ أيها المُعظم لكلام الله عز و جل .. وتوقفي أيتها المؤمنة عندها قليلاً ـ! كم من إنسان لم يُقدر الله تعالى أن يرزقه بالولد ، فضاق ذرعا بذلك ، واهتم واغتم وصار ضيقا صدره ـ وهذه طبيعة البشر ـ لكن الذي لا ينبغي أن يحدث هو الحزن الدائم ، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة !
وليت من حُرم نعمة الولد أن يتأمل هذه الآية لا ليذهب حزنه فحسب ، بل ليطمئن قلبه ، وينشرح صدره ، ويرتاح خاطره ، وليته ينظر إلى هذا القدر بعين النعمة ، وبصر الرحمة ، وأن الله تعالى رُبَما صرف هذه النعمة ( أعني نعمة الولد ) رحمةً به ! وما يدريه ؟ لعله إذا رزق بولد صار - هذا الولد - سبباً في شقاء والديه ، وتعاستهما ، وتنغيص عيشهما ! أو تشويه سمعته ، حتى لو نطق لكاد أن يقول : يا ليتني لم أُرزق بهذا الولد ..

4 ـ وفي السنة النبوية نجد هذاحينما مات زوج أم سلمة : أبو سلمة رضي الله عنهم جميعاً ، تقول أم سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقول : «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها . إلا أخلف الله له خيرا منها » . قالت : فلما مات أبو سلمة ، قلت : أي المسلمين خير من أبى سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ؟ ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي من هو خبر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه !
فتأمل هذا الشعور الذي انتاب أم سلمة ـ وهو بلا شك شعور ينتاب بعض النساء اللاتي يُبتلين بفقد أزواجهن ويتعرض لهن الخُطاب ـ ولسان حالهن : ومن خير من أبي فلان ؟! فلما فعلتْ أم سلمة ما أمرها الشرع به من الصبر والاسترجاع وقول المأثور ، أعقبها الله خيراً لم تكن تحلمُ به ، ولا يجول في خلدها .وهكذا المؤمنة .. يجب عليها أن لا تختصر سعادتها ، أو تحصرها في باب واحد من أبواب الحياة ، نعم .. الحزن العارض شيء لم يسلم منه حتى الأنبياء والمُرسلون عليهم صلوات الله أجمعين ! بل المُراد أن لا نُحصر الحياة أو السعادة في شيء واحد ، أو رجل ، أو خِطبة امرأة مُعينة ، أو ربما يحدث ذلك لطالب علم مات شيخه فيظن أن حياته العلمية قد انتهت بموت هذا الشيخ . !

وفي الواقع قصص كثيرة جداً ،أذكر منها ما ذكره الشيخ الطنطاوي رحمه الله عن صاحب له : أن رجلاً قدم إلى المطار ، وكان حريصا على رحلته ، وهو مُجهد بعض الشيء ، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة ، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاث مئة راكب ، فلما أفاق إذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل ، وفاتته الرحلة ، فضاق صدره ، وندم ندماً شديداً ، ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أُعلن عن سقوط الطائرة ، واحتراق من فيها بالكامل ! والسؤال أخي : ألم يكن فوات الرحلة خيراً لهذا الرجل ؟! ولكن أين المُعتبرون والمُتعظون ؟

والخلاصة اخي الكريم أن المؤمن عليه : أن يسعى إلى الخير جهده *** وليس عليه أن تتم المقاصد
وأن يتوكل على الله عز و جل ، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة ، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب ،فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ،البقرة : 216 ،،
وليتذكر أن :
(من لُطف الله بعباده أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ، وضروب المحن ، و الابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ، ولطفاً ، وسوقا إلى كمالهم ، وكمال نعيمهم ) . تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي : (74) .
و ليتذكر أيضا أن من ألطاف الله العظيمة و حِكمه الباهرة أنه لم يجعل حياة الناس وسعادتهم مُرتبطة يشخص من الأشخاص حتى لو كان رسولا من عند الله عز و جل .. بل جعلها ( سبحانه ) مُرتبطة ارتباطا تاماً به وحده سبحانه وتعالى ، و بِشرعه العظيم ؛ وبقية الأشياء يُمكن تعويضها ، أو تعويض بعضها :::
من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ *** وما من الله إن ضيعتهُ عوضُ

وإلى لقاء قريب في حلقة قادمة بإذن الله ...
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]