لن تصدقني لو قلت لك إنك تعيش حياة أكثر بذخا من حياة كسرى أنو شروان.. و إنك أكثرترفا من امبراطور فارس و قيصر الرومان و فرعون مصر.. و لكنها الحقيقة!
إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة يجرها حصان و أنت عندك عربة خاصة، و تستطيع أن تركب قطارا،و تحجز مقعدا في طائرة !
وإمبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع و قناديل الزيت.. و أنت تضيء بيتك بالكهرباء!
وقيصر الرومان كان يشرب من الساقية.. و يُحمل إليه الماء في القرب و أنت تشرب مياها مرشحة من حنفيات و يجري إليك الماء في أنابيب !
وهارون الرشيد كانت عنده فرقة موسيقية تعزف له في أوقات لهوه و فراغه, وأنت عندك مفاتيح الراديو توصلك إلى آلاف الفرق الموسيقية، و تحمل إلى أذنك المبهِج والمطرب و الممتع من كل صوت وكل فن
و الإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز وأنت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز وعندك السينما سكوب والسيزاما !
و لويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي وأنت قرب بيتك مطعم فرنسي، و مطعم صيني، و مطعم ألماني، و مطعم ياباني، و محل محشي، و محل كشري، و مصنع مخللات و معلبات، و مربيات وحلويات...
و قارون أغنى أغنياء العالم يقول لنا التاريخ إن كل ثروته لم تكن تزيد على مائتين من الجنيهات بالعملة النحاسية.. و هو مبلغ تستطيع أن تكسبه الآن في شهر!
و مراوح ريش النعام التي كان يُروِّح بها العبيد على وجه الخليفة في قيظ الصيف و لهيب آب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحوِّل بيتك إلى جنة بلمسة سحرية لزر كهربائي!
و كل هؤلاء الأباطرة جرابيع و هلافيت بالنسبة لك.
و لكن يبدو أننا أباطرة أغبياء جدا.. و لهذا فنحن تعساء جدا برغم النعم التي نمرح فيها.
فمن عنده عربة لا يستمتع بها، و إنما ينظر بحسد لمن عنده عربتان.. و من عنده عربتان يبكي على حاله، لأن جاره يمتلك طائرة.. و من عنده طائرة يكاد يموت من الحقد و الغيرة لأن الآخر عنده مطار.. و من عنده زوجة جميلة يتركها و ينظر إلى زوجة جاره...
و في النهاية يسرق بعضنا بعضا، ويقتل بعضنا بعضا حقدا و حسدا
ثم نلقي بقنبلة ذرية على كل هذا الرخاء.. و نشعل النابالم في بيوتنا.. ثم نصرخ بأنه لا توجد عدالة اجتماعية.. و يحطم الطلبة الجامعات.. و يحطم العمال المصانع .
والحق أن الحقد – و ليس العدالة – هو الدافع الحقيقي وراء كل الحروب .
و مهما تحقق الرخاء للأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضا،لأن كل واحد لن ينظر إلى ما في يده ، و إنما إلى ما في يد غيره ، و لن يتساوى الناس أبدا.
فإذا ارتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع أجره ثلاثة أضعاف وسوف تثور و تحتج، و تنفق راتبك في شراء مسدسات .
لقد أصبحنا أباطرة.. هذا صحيح.. و لكننا مازلنا نفكر بغرائز حيوانات
تقدمنا كمدينة و تأخرنا كحضارة.. ارتقى الإنسان في معيشته و تخلف في محبته.
أنت إمبراطور هذا صحيح.. و لكنك أتعس إمبراطور, و سوف تقتل نفسك وتترك بطاقة مضحكة تقول فيها :ـ
انتحرت بسبب الفقر.. لم أستطع أن أعيش إمبراطورا في عالم كله من السوبر أباطرة.