(4) دروس أخرى :
هناك فى القصة فوائد أخرى – غير ما تقدم و نشير إليها بإجمال طلباً للاختصار و خوفاً من التطويل .
(أ) فى إشارة العالم على العبد التائب بمفارقة أرضه و التحول إلى أرض أخرى فيها رجال صالحون ليعبد الله معهم فيها ما يفيد أن من كمال التوبة مفارقة مواطن المعصية و أصدقاء السوء ليكون فى مأمن من الانزلاق مرة ثانية و ليجد من حوله من يقيل عثرته و يعلى همته إذ البيئة تؤثر فى تكوين شخصية الفرد .
بالدعوة ليتعاون هو و من معه فى إصلاح المعوج فى سلوكهم و التدرج معهم بحيث يكونون أعضاء عاملين تنتفع بهم الدعوة فى مواقع عملهم و داخل منازلهم مع أسرهم و غير ذلك .
(ب) استدل بمجىء الملك فى صورة اّدمى للفصل فى قضية هذا الرجل بين ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب أن فى بنى ادم من يصلح للحكم بين الملائكة إذا تنازعوا و أن التحكيم بين الخصوم جائز و أن من رضى الفريقان بتحكيمه فحكمه جائز عليهم و ان للحاكم إذا تعارضت عنده الأحوال أن يستخدم القياس و يسدل بالقرائن للوصول إلى الحكم .
(ج) (( و فى قبول الله لتوبة العبد مع كونه لم يعمل خيراً قط دليل على أن الندم توبة و أن المدار فى قبول التوبة على العزم الصادق ولا يضير العبد أن لا يجد بعد التوبة وقتا للعمل الصالح .
(د) و فى القصة إشارة إلى علامة من علامات رضا الله عن العبد و هى توفيقه لتوبة نصوح قبل الموت تجب ما قبلها و تذهب به نقياً طاهراً إلى الله و فى الحديث عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله علية و سلم ( إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله فقيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت ))
(هـ) و فى القصة ما يفيد ضرورة التحرى عمن يستفتيهم الإنسان فى أمر دينه حتى لا يضل و عن محمد بن سيرين قال (( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ))
(و) فى قبض روح العبد التائب عند منتصف الطريق دليل على أن الاجال محدودة و الأعمار موقوتة كما قال تعالى { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } و موعد هذا و مكانه لا يطلع عليه أحد سوى الله و صدق الله إذ يقول { و ماتدرى نفس ماذا تكسب غداً و ما تدرى نفس بأى أرض تموت }
(ز) فى قول ملائكة الرحمة : ( جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله ) ما يؤكد على أن القبول للأعمال لا بد من توافر صدق النية فيه و حسن الإخلاص فى مباشرته و يضاف إلى هذا الإخلاص توجه بالظاهر إلى الله تعالى و فى الإشارة إلى هذا يقول الله تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } و لذا قال الفضيل بن عياض فى قوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } قال :
(( أخلصه و أصوبه يعنى خالصاً من شوائب الشرك موافقاً للسنة ))