عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 14-03-2012, 11:55 AM
الرجي عفو ربه الرجي عفو ربه غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: May 2011
مكان الإقامة: أرض الله
الجنس :
المشاركات: 163
الدولة : Sudan
افتراضي رد: كيف تتعامل مع من يخدعك ؟؟؟؟

الفضل تألف الأعداء بما ينئيهم عن البغضاء ويعطفهم على المحبة .
وذلك قد يكون بصنوف من البر ويختلف بسبب اختلاف الأحوال .
فإن ذلك من سمات الفضل وشروط السؤدد ، فإنه ما أحد يعدم عدوا ولا يفقد حاسدا .
وبحسب قدر النعمة تكثر الأعداء والحسدة ، كما قال البحتري : ولن تستبين الدهر موقع نعمة إذا أنت لم تدلل عليها بحاسد فإن أغفل تألف الأعداء مع وفور النعمة وظهور الحسدة ، توالى عليه من مكر حليمهم ، وبادرة سفيههم ، ما تصير به النعمة غراما والزعامة ملاما .
وروى ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رأس العقل بعد الإيمان بالله تعالى التودد إلى الناس } .
وقال سليمان بن داود عليهما السلام ، لابنه : لا تستكثر أن يكون لك ألف صديق ، فالألف قليل .
ولا تستقل أن يكون لك عدو واحد ، فالواحد كثير .
فنظم ابن الرومي هذا المعنى فقال : فكثر من الإخوان ما استطعت إنهم بطون إذا استنجدتهم وظهور وليس كثيرا ألف خل وصاحب وإن عدوا واحدا لكثير وقيل لعبد الملك بن مروان : ما أفدت في ملكك هذا ؟ قال : مودة الرجال .
وقال بعض الحكماء : من علامة الإقبال اصطناع الرجال .
وقال بعض البلغاء : من استصلح عدوه زاد في عدده ، ومن استفسد صديقه نقص من عدده .
وقال بعض الأدباء : العجب ممن يطرح عاقلا كافيا لما يضمره من عداوته ، ويصطنع عاجزا جاهلا لما يظهره من محبته ، وهو قادر على استصلاح من يعاديه بحسن صنائعه وأياديه .

وأنشد عبد الله بن الزبير ثلاثة أبيات جامعة لكل ما قالته العرب ، وهي للأفوه واسمه صلاءة بن عمرو حيث يقول : بلوت الناس قرنا بعد قرن فلم أر غير ختال وقالي وذقت مرارة الأشياء جمعا فما طعم أمر من السؤال ولم أر في الخطوب أشد هولا وأصعب من معاداة الرجال وقال القاضي التنوخي : إلق العدو بوجه لا قطوب به يكاد يقطر من ماء البشاشات فأحزم الناس من يلقى أعاديه في جسم حقد وثوب من مودات الرفق يمن وخير القول أصدقه وكثرة المزح مفتاح العداوات وأنشدت عن الربيع ، للشافعي رضي الله عنه : لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات وأظهر البشر للإنسان أبغضه كأنما قد حشى قلبي محبات الناس داء دواء الناس قربهم وفي اعتزالهم قطع المودات وليس - وإن كان بتألف الأعداء مأمورا ، وإلى مقاربتهم مندوبا - ينبغي أن يكون لهم راكنا ، وبهم واثقا ، بل يكون منهم على حذر ، ومن مكرهم على تحرز ، فإن العداوة إذا استحكمت في الطباع صارت طبعا لا يستحيل ، وجبلة لا تزول .
وإنما يستكفى بالتألف إظهارها ، ويستدفع به أضرارها ، كالنار يستدفع بالماء إحراقها ، ويستفاد به إنضاجها ، وإن كانت محرقة بطبع لا يزول وجوهر لا يتغير .
وقال الشاعر : وإذا عجزت عن العدو فداره وامزح له إن المزاح وفاق فالنار بالماء الذي هو ضدها تعطي النضاج وطبعها الإحراق



منقول من ادب الدنيا والدين للإمام الماوردي
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 13.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.22 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (4.40%)]