السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
بارك الله تعالى فيك ونفع بك...
موضوع موفق...
ومما يزيد الأمر وضوحا ويزيل ما قد يطرأ على الأذهان من تساؤلات، أن نعلم أن الهداية ليست نوعا واحدا بل إنها أقسام عديدة ومراتب متنوعة.
فالمرتبة الأولى: الهداية العامة:
وهي هداية كل نفس إلى مصالح معايشها وما يقيمها وهي أعم المراتب ، وهو ما فطر الله عليه عباده من الأعمال الفطرية التي فيها مصالحهم والبعد عن مضارهم، كما قال عز وجل: {الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى}، وقال على لسان موسى عليه السلام: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، فإعطاء الخلق هو إيجاده في الخارج الموجود، والهداية هي التعليم والدلالة على سبيل بقائه وما يحفظه وما يقيمه.
المرتبة الثانية: هداية الإرشاد والبيان للمكلفين:
وهي هداية المكلفين ببيان الحق من الباطل وتمييز طريق الرشد من طريق الغواية وبيان الخير من الشر ، وهذه المرتبة أخص من التي قبلها؛ لأنها تختص بالمكلفين فقط وهي حجة الله عز وجل على خلقه التي لا يعذب أحدا إلا بعد إقامتها عليه كما قال عز وجل: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقال: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
وهذه الهداية هداية بيان وتوجيه وإرشاد وتعليم ولا تستلزم حصول التوفيق واتباع الحق في الأمر نفسه، فلا دخل لها بإدخال الهداية في القلوب وشرح الصدور كما قال عز وجل: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}؛ فقد تمت هدايتهم ببعثة الرسول المبين لهم، وقال عز وجل: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}، فهداهم الله تعالى هداية البيان والدلالة فلم يهتدوا؛ فأضلهم الله عقوبة لهم بعد أن عرفوا الحق فأعرضوا عنه، وقال عز وجل: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}، فقد أودع الله في كل نفس حب الخير وكراهية الشر كما قال عز وجل: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها}.
المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام:
وهي أخص من التي قبلها، وتتحقق هذه الهداية بأن يوفق الله عز وجل العبد إلى سلوك طريق الحق والاستقامة ويبعده عن طريق الانحراف، كما قال عز وجل: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام}، وقال: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}، وقال: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}، وهذه الهداية هي فعل الله عز وجل الذي اختص به وقد نفاه عن رسوله الكريم[ فقال: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}، وقال: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل}، فالرسول[ يهدي هداية البيان والتوجيه، وهي المرتبة الثانية، كما قال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}، لكنه لا يملك هداية التوفيق وشرح الصدور كما تقدم.
وحيث تقرر أن الهداية بيد الله عز وجل وجب على العبد أن يسعى في تحصيلها ويجتهد في اكتسابها، تماما كما يسعى في تحصيل الرزق والبحث عن أسباب الشفاء مع إيمانه التام واعتقاده الجازم بأن الرزق بيد الله والشفاء من عنده وحده عز وجل.
وأول أسباب تحصيل الهداية سؤال الله عز وجل أن يرزق العبد الهداية وأن يوفقه للحق علما وإرادة وقبولا، كما أن الاعتصام بالله ودينه والقيام بالأعمال الصالحة سبيل لتحصيل الهداية كما قال عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم}، وقال عز وجل: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}، وأيضا فإن التوبة النصوح سبب للهداية؛ قال عز وجل: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب}.
نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل، وأن يوفقنا لصالح الأعمال والأخلاق، وأن يتقبل منا اليسير، وأن يتجاوز عن التقصير، وبالله التوفيق.