عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19-12-2011, 02:14 PM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: الحديث التاسع / الأربعين النووية

والسؤال المطلوب من المسلم شرعا على أقسام :
القسم الأول : سؤال الجاهل عما يجهله من أمور الدين وأحكام الشرع، مما يجب عليه فعله ويطالَب بأدائه، كأحكام الطهارة والصلاة إذا بلغ، وأحكام الصوم إذا أدرك رمضان وكان صحيحاً مقيماً، وأحكام الزكاة والحج إذا ملك المال أوكان لديه استطاعة، وأحكام البيع والشراء والمعاملات إذا كان يعمل بالتجارة، وأحكام الزواج وما يتعلق به لمن أراد الزواج، ونحو ذلك مما يسأل عنه المكلف عن فرائض الدين وعن أحكام المعاملة ونحو ذلك . وهذا السؤال واجب وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم :طلب العلم فريضة على كل مسلم وهو فرض كفاية : بمعنى أنه لايجب على كل مسلم، بل يكفي أن يقوم به بعضهم، و قال تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون النحل:43]،وقالابن عباس رضي الله عنهما : إني أعطيت لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً، كذلك أخبر عن نفسه رضي الله تعالى عنه .
والقسم الثاني:السؤال عن التفقه في الدين والتوسع ومعرفة أحكام الشرع وما يتعلق بها، لا للعمل وحده، بل ليكون هناك حَفَظَة لدين الله عز وجل، يقومون بالفتوى والقضاء، ويحملون لواء الدعوة إلى الله قال سبحانه وتعالى:فلولا نفر َ مِنْ كُلَّ فرقةٍ منهم طائفة ، ليتفقهوا في الدين ولِينذِروا قومَهُمْ إذا رَجَعوا إليهم لعلهم يَحذَرون التوبة:122.
وهناك سؤال يستحب للمسلم أن يسأل عنه،وذلك مثل السؤال عن أعمال البِرِّ والقربات الزائدة عن الفرائض.
القسم الثالث : أن يسأل عن شيء لم يوجبه الله عليه ، ولا على غيره ،وعما سكت عنه الشرع من الحلال والحرام،ولم يبين فيه طلباً أو نهياً.
وعلى هذا حمل الحديث لكي لايقع المسلمين في حرج ومشقة، وهذا في زمن نزول الوحي لأنه قد يكون في السؤال ترتب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تسألوا عنها وعن عل يرضي الله عنه لما نزلت ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ًآل عمران :97 . قال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، حتى أعادمرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومايوشك أن أقول نعم ، والله لو قلت : نعم لو جبت ، ولو وجبت لما استطعتم ، فاتركون يما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذاأمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فأجتنبوه.
فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسُؤُكُم المائدة:101 أي لم آمركم بالعمل بها ، فالسؤال عن أشياء لم يأتِ فيها تنزيل هذا ليس من فعل أهل الاتباع، بل يُسأل عمَّا جاء به التنزيل. وهذا النهي خاص بزمانه صلى الله عليه وسلم . أما بعد أن استقرت الشريعة ،و أمن من الزيادة فيها زال النهي بزوال سببه .
وكره جماعة من السلف السؤال عن معاني الآيات المشتبهة .
سئل مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى:الرحمن على العرش استوى طه: فقال : الاستواء معلوم، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة وأراك رجل سوء أخرجوه عني .
كما أن هناك سؤال منهي عنه أي يحرم على المسلم سؤاله والخوض فيه وهو السؤال عما استأثر الله به في علمه وأخفاه ولم يظهره ولم يطلع عليه عباده كالسؤال عن سر القضاء والقدر أو عن وقت قيام الساعة وعن الروح وما هيتها وكذلك سؤال طلب المعجزات وخوارق العادات كما كان يفعل المشركون .
فعلى المسلم أن يبحث عما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معانيه، فإن كان من الأمور العلمية صدق به واعتقده، وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب ما ينهى عنه، فمن فعل ذلك حصل السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.
وكثرة المسائل ليست دالة على دِين، ولا على ورع، ولاعلى طلب علم وإنما ينبغي على طالب الحق، وصاحب الدِّين والخير أن يُقلَّ المسائل ما استطاع.
"إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم".
الفرقة والأختلاف من أشد عوامل هلاك الأمة وتشتت شملها فالذين يُثيرون الخلاف في الدين ويريدون أن يجعلوا المسلمين شِيَعاً وفرقاً وأحزاباً يخرجهم الله من دائرة الإسلام،ويبرئ منهم نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُواشِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وهو سبب هلاك الأمم.
نلاحظ الذين يكثرون السؤال يكثر عندهم الخلاف، ولو أخذوا بما عليه العمل، وما تعلموه وعملوا به، وازدادوا علما بفقه الكتاب والسنة لحصلوا خيراعظيما،أما الخلاف في الفروع وليس في الأصول، والذي مستند على دليل من الكتاب والسنة فهو خلاف ليس من شأنه أن يحدث الفرقة والشتات في صفوف الأمة، وهو من باب خلاف التنوع لاالتضاد.
وقد ذكرالمفسرون في اختلاف بني إسرائيل على أنبيائهم وكثرة مسائلهم في تفسير قوله تعالى:وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواًقَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين * قَالُوا ادْعُ لَنَارَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَفَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَاتُؤْمَرُونَ ....... الى نهايةالآيات
أنه كان في بني إسرائيل رجل غني وله ابن عم فقير لا وارث له سواه فلما طال عليه موته قتله ليرثه وحمله إلى قرية أخرى فألقاه فأصبح يطلب ثأره وجاء بناس إلى موسى -عليه السلام- فسألوا موسى أن يدعوا الله ليبين بدعائه أمر القتيل فأمرهم بذبح بقرة قائلاً لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً.أي أتستهزئ بنا ونحن نسألك عن أمر القتيل فتأمرنا أن نذبح بقرة ! فقالم وسى : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين أي من المستهزئين بالمؤمنين فلما علم الناس أن ذبح البقرة أمر من الله تعالى استوصفوه وكان تحت ذلك حكمة عظيمة وذلك أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل وله عجلة أتى بها إلى غيضة فقال:"اللهم إني استودعت كهذه العجلة لأبني حتى يكبر."ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة أعواماً وكانت تهرب من كل من رآها فلما كبر الابن كان باراً بوالديه وكان يقسم الليل ثلاثة أقسام يصلي ثلثاً وينام ثلثاً ويجلس عند رأسأمه ثلثاً فإذا أصبح احتطب على ظهره فيأتي السوق فيبيعه بما شاء ثم يتصدق بثلث هويأكل بثلثه ويعطي والدته ثلثه فقالت له أمه يوماً:"إن أباك ورثك عجلة استودعهاالله في غيضة كذا فانطلق فادع إله إبراهيم وإسماعيل ويعقوب أن يردها عليك وعلامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل لك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفوتها فرآها ترعى فصاح بها وقال:"أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل ويعقوب فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها يقودها فتكلمت البقرة بإذن الله وقالت:"أيها الفتى البار بوالديه اركبني فإن ذلك أهون عليك." فقال:"إن أمي لم تأمرني بذلك وإنما قالت خذ بعنقها." فقالت البقرة:"بإله بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر علي أبداً فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقشع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بأمك." فسارالفتى بها إلى أمه. فقالت له أمه:"إنك فقير لا مال لك ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل فانطلق فبع هذه البقرة." فقال:"بكم أبيعها؟" قالت:"بثلاث دنانير ولا تبع بغير مشورتي." فانطلق بها إلى السوق فبعث الله ملكاً ليرى خلقه وقدرته وليختبر الفتى وكيف بره بأمه وكان الله به خبيراً فقال الملك:"بكم تبيع هذه البقرة؟" فقال:"بثلاثة دنانير وأشترط عليك رضاء أمي." فقال الملك:"لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك." فقال:"لو أعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه إلا برضا أمي."فردها إلى أمه وأخبرها بالثمن فقالت له:"ارجع فبعها بستة دنانير على رضا مني."فانطلق بها إلى السوق وأتى الملك فقال:"استأمرت أمك؟" فقال الفتى:"إنها أمرتني أن لا أنقصها على ستة دنانيرعلى أن أستأمرها." فقال الملك:"فإني أعطيك اثني عشرة ديناراً." فأبى الفتى ورجع إلى أمه وأخبرها فقالت له: "إن الذي يأتيك ملك في صورة آدمي ليختبرك فإذا أتاك فقل له أتأمرنا ببيع هذه البقرة أم لا؟" ففعل فقال الملك:"اذهب إلى أمك وقل لها أمسكي هذه البقرة فإن موسى بن عمران سيشتريها منكم لقتيل يقتل من بني إسرائيل فلا تبيعوها إلابملء مسكها دنانير فأمسكوها. وقضى الله على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها فما زالوا يستوصفونه حتى وصف لهم تلك البقرة مكافأة له على بره بأمه فاشتروها بملءمسكها ذهباً فضرب القتيل ببعض منها كما أُمِرُوا فقام القتيل بإذن الله ووأداجه تشخب دماً وقال:" قتلني فلان." ثم سقط ومات مكانه فحُرِمَ قاتله الميراث.
ومن فوائدهذه القصة:أن فيها تحذيراً لهذه الأمة من التشدد والتعنت، قال عليه الصلاة والسلام: (ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سائلهم واختلافهم على أنبيائهم) فكثرة المسائل أي: التعنت، سبب للهلاك، ولذلك قال الله: فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوايَفْعَلُونَ البقرة:71، أي: مع كل هذه الأوصاف والتعنتات ما كادوا ليفعلوا.

الدروس المستفادة من الحديث

1- في الحديث إرشاد للمسلم إلى كيفية التعامل مع الأحكام والنصوص الشرعية ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ أمر باجتناب كل ما نهى عنه الشرع ، سواء أكان محرما أممكروها.
2- أن المنهي عنه يشمل القليل والكثير، لأنه لا يتأتّى اجتنابه إلا باجتناب قليله وكثيره، فمثلاً: نهانا عن الرّبا فيشمل قليله وكثيره.
3- أن الكفّ أهون من الفعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في المنهيات أن تُجتنب كلّها،لأن الكفّ سهل.
4- أن الإنسان إذا لم يقدر على فعل الواجب كله فليفعل ما استطاع. ولهذا مثال: يجبعلى الإنسان أن يصلي الفريضة قائماً، فإذا لم يستطع صلى جالساً.
5- لاينبغي للإنسان إذا سمع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول: هل هو واجب أممستحبّ؟ لقوله: فَأْتُوا مِنْهُ مَا استَطَعْتُمْ.
6- هذا الحديث أنه يربي المسلم على الجدية في التعامل مع هذا الدين ، كما قال الله عزوجل : إنه لقول فصل ، وما هو بالهزل الطارق : 13-14 ) ، وهذه الجدّية تدعوه إلى أن يقبل بكليّته على تعلّم ما ينفعه من العلم ، ويجتهد في تربية نفسه وتزكيتها وتفقها في الدين.
7- أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه فإنه شريعة، سواء كان ذلك في القرآن أم لم يكن، فُيعمل بالسنة الزائدة على القرآن أمراً أو نهياً.هذا من حيث التفصيل،لأن في السنة ما لا يوجد في القرآن على وجه التفصيل، لكن في القرآن ما يدل على وجوب اتباع السنة،وإن لم يكن لها ذكر في القرآن مثل قول الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْأَطَاعَ اللَّهَ النساء: الآية80) ومثل قول الله تعالى: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ ) (الأعراف: الآية158) فالقرآن دلّ على أن السنة شريعة يجب العمل بها،سواء ذكرت في القرآن أم لا.
8- سهولة هذا الدين الإسلامي حيث لم يجب على المرء إلا مايستطيعه.
9-أن كثرة المسائل سبب للهلاك ولاسيّما في الأمور التي لايمكن الوصول إليها مثل مسائل الغيب كأسماء الله وصفاته، وأحوال يوم القيامة،لايكثر العبد السؤال فيها فيهلك،ويكون متنطّعاً متعمّقاً.
وأما مايحتاج الناس إليه من المسائل الفقهية فلا حرج من السؤال عنها مع الحاجة لذلك، وأما إذا لم يكن هناك حاجة. فإنكان طالب علم فليسأل وليبحث، لأن طالب العلم مستعدٌ لإفتاء من يستفتيه. أما إذا كان غير طالب علم فلا يكثر السؤال.
10- التحذير من الاختلاف على الأنبياء،وأن الواجب على المسلم أن يوافق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن يعتقدهم أئمة وأنهم عبيد من عباد الله، أكرمهم الله تعالى بالرسالة،وأن خاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى جميع الناس،وشريعته هي دين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده،وأن الله لايقبل من أحدٍ ديناً سواه،قال تعالى:(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ) (آل عمران: الآية19)




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لااله الا أنت نستغفرك ونتوب اليك


__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]