عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 19-10-2011, 09:12 PM
الصورة الرمزية فريد البيدق
فريد البيدق فريد البيدق غير متصل
مشرف ملتقى اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 873
افتراضي رد: الحركة قبل الحرف أم بعده أم معه

(4)
ومما يقوي عندي قول من قال: إن الحركة تحدث قبل الحرف إجماع النحويين على (قولهم): إن الواو في يعد ويزن ونحو ذلك- إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة. يعنون: في يَوْعِد ويَوْزِن (ونحوه) (لو خرج على أصله).
فقولهم: بين ياء وكسرة يدل على أن الحركة عندهم قبل حرفها المحرك بها؛ ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت الواو في يوعد بين فتحة وعين وفي يوزن بين فتحة وزاى. فقولهم: بين ياء وكسرة يدل على أن الواو في نحو يوعد عندهم بين الياء التي هي أدنى إليها من فتحتها وكسرة العين التي هي أدنى إليها من العين بعدها. فتأمل ذلك.
(5)
وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه فإنه لا يلزم من موضعين:
أحدهما- أنه لا يجب أن تكون فيه دلالة على اعتقاد القوم فيما نسبه هذا السائل إلى أنهم مريدوه ومعتقدوه؛ ألا ترى أن من يقول: إن الحركة تحدث بعد الحرف، ومن يقول: إنها تحدث مع الحرف- قد أطلقوا جميعا هذا القول الذي هو قولهم: إن الواو حذفت من يعد ونحوه؛ لوقوعها بين ياء وكسرة فلو كانوا يريدون ما عزوته إليهم وحملته عليهم لكانوا مناقضين وموافقين لمخالفهم وهم لا يعلمون. وهذا أمر مثله لا ينسب إليهم ولا يُظن بهم.
فإذا كان كذلك علمت أن غرض القوم فيه ليس ما قدرته ولا ما تصورته، وإنما هو أن قبلها ياء وبعدها كسرة وهما مستثقلتان. فأما أن تماسا الواو وتباشراها على ما فرضته وادعيته فلا.
وهذا كثير في الكلام والاستعمال؛ ألا ترى أنك تقول: خرجنا فسرنا فلما حصلنا بين بغداد والبصرة كان كذا. فهذا كما تراه قول صحيح معتاد إلا أنه قد يقوله من حصل بدير العاقول فهو -لعمري- بين بغداد والبصرة وإن كان أيضا بين جرجرايا والمدائن وهما أقرب إليه من بغداد والبصرة.
وكذلك الواو في يوعد هي لعمري بين ياء وكسرة، وإن كان أقرب إليها منهما فتحةُ الياء والعينُ. وكذلك يقال أيضا: هو من عمره ما بين الخمسين إلى الستين فيقال ذلك فيمن له خمس وخمسون سنة فهى لعمري بين الخمسين والستين إلا أن الأدنى إليها الأربع والخمسون والست والخمسون. وهذا جلي غير مشكل. فهذا أحد الموضعين.
وأما الآخر فإن أكثر ما في هذا أن يكون حقيقة عند القوم وأن يكونوا مريديه ومعتقديه، ولو أرادوه (واعتقدوه) وذهبوا إليه لما كان دليلا على موضع الخلاف. وذلك أن هذا موضع إنما يُتحاكم فيه إلى النفس والحس ولا يرجع فيه إلى إجماع ولا إلى سابق سُنة ولا قديم ملة؛ ألا ترى أن إجماع النحويين في هذا ونحوه لا يكون حُجة؛ لأن كل واحد منهم إنما يردك ويرجع بك فيه إلى (التأمّل والطبع) لا إلى التبعية والشرع.
هذا لو كان لا بد من أن يكونوا قد أرادوا ما عزاه السائل إليهم واعتقده لهم.
(6)
فهذا كله يشهد بصحة مذهب سيبويه في أن الحركة حادثة بعد حرفها المحرك بها. وقد كنا قلنا فيه قديما قولا آخر مستقيما. وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف فالفتحة بعض الألف والكسرة بعض الياء والضمة بعض الواو. فكما أن الحرف لا يجامع حرفا آخر فينشآن معا في وقت واحد فكذلك بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر في وقت واحد؛ لأن حكم البعض في هذا جار مجرى حكم الكل. ولا يجوز أن يتصور أن حرفا من الحروف حدث بعضه مضاما لحرف وبقيته من بعده في غير ذلك الحرف لا في زمان واحد ولا في زمانين. فهذا يفسد قول من قال: إن الحركة تحدث مع حرفها المتحرك بها أو قبله أيضا؛ ألا ترى أن الحرف الناشئ عن الحركة لو ظهر لم يظهر إلا بعد الحرف المحرك بتلك الحركة وإلا فلو كانت قبله لكانت الألف في نحو ضارب ليست تابعة للفتحة لاعتراض الضاد بينهما والحس يمنعك ويحظر عليك أن تنسب إليه قبوله اعتراض معترض بين الفتحة والألف التابعة لها في نحو ضارب وقائم ونحو ذلك. وكذلك القول في الكسرة والياء والضمة والواو إذا تبعتاهما. وهذا تناهٍ في البيان والبروز إلى حكم العيان. فاعرفه. وفي بعض ما أوردناه (من هذا) كافٍ بمشيئة الله.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.74 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.99%)]