عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15-04-2011, 09:04 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,623
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة

وخلاصة الأمر: أن الانتماء إلى القوم، أو إلى الشعب ليس مشكلاً؛ هذا الشعب المصري ، وهذا السوري وهذا العراقي ، وهذا السعودي وهذا الكويتي أو غير ذلك ، بل هذا أمر عادي كأن ينسب الإنسان لشيء آخر فليست المشكلة في مجرد الانتماء المشكلة أن يكون هذا الانتماء على حساب الانتماء الأصلي والولاء الأصلي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين وأن تكون هذه النسبة لها تداعياتها، فيكون أهل هذا الشعب يتناصرون فيما بينهم وعندهم معان خاصة ، ولهم من الشعوب الأخرى موقف معين ، وقد تشيع بينهم مفاهيم وتصورات عن الشعوب الأخرى ، وكلما نزلت نازلة أوجدّت قضية تحالفت هذه الشعوب بعضها ضدّ بعض ، فأصبح هذا الشعب ضد الشعب الآخر ، وصار هناك اضطهاد في كل نازلة وفي كل قضية ، فصار هذا الانتماء الشعبي –أحياناً- مقدماً على الانتماء الإسلامي .

أما لو كانت هذه الشعوب تشعر –باستمرار- بالتكاتف فيما بينها ، كما يحدث -على سبيل المثال- حينما تتكاتف الشعوب الإسلامية مع معاناة الشعب الفلسطيني ، فتجد المغربي والعراقي والشامي والمصري والخليجي والكردي ، والغربي من المسلمين يشعرون بالتلاحم يشعرون بالمعاناة ، فيدعون لإخوانهم وينصرونهم ، ويتكلمون في قضاياهم ، ويدعمونهم بالمال وبما يستطيعون من الإمكانيات فلا إشكال في هذا.

ثانياً : الانتماء للوطنيات والدول ، فإن هذه الوطنيات مرتبطة –غالباً- بما ذكرناه قبل قليل من أمر الشعوب وأيضاً لا نقصد إلى إنكار محبة الإنسان الفطرية لوطنه كما قيل:

وحبب أوطـان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالك
إذا ذكـروا أوطـانهم ذكّرتهم عهود الصبا فيها فحنوا لذلك

والرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر لكثير من البلاد الإسلامية فضلها ، كفضل مكة والمدينة وجزيرة العرب واليمن ، والشام ، وعمان ومصر ، إلى غير ذلك فمجرد أن تكون منتسباً إلى وطن ليس مشكلاً المشكلة أن يتحول هذا إلى ولاء بديل عن الولاء الأصلي ، كما قال أحمد شوقي في قصيدته المشهورة:

وجه الكنانة ليس يغضب ربكم أن تجعلوه كوجهه مــــــعبودا
ولوا إليه في الدروس وجوهكم وإذا فزعتم فاعــــبدوه هجودا

فتراه يستخدم الألفاظ الشرعية الخاصة بعبادة الله - سبحانه وتعالى - ويجعلها موجهة للوطن ومن قصيدة للزركلي مشهورة يقول:

وطني لو صوروه لي وثناً لهمـــــمت ألثم ذلك الوثنا

وهناك في المقابل بعض التعبيرات التي لا تستحسن، مثل تحريف كلمة الوطنية إلى وثنية؛ لأنها قد تعطي انطباعاً خاطئاً عند بعض الناس وأنهم يرون أن الإسلام ضد خدمة الإنسان لأهل بلده ومحبته لهم ، وهذا ليس صحيحاً ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - جعل للجيران حقوقاً فالجار الأدنى له حق ، والجار الأبعد له حق ، وهكذا الأقربون وهم أولى بالمعروف ، وحق أهل بلدك عليك أكثر من حق الأبعدين إذا تساوت الحاجة ، فليس هناك تناقض بين محبة الإنسان لوطنه, أو عنايته بأهل بلده تعليماً , ودعوة , وخدمة , وإصلاحاً , وغير ذلك وبين انتمائه للإسلام ، إنما التناقض هو أن يكون انتماء الإنسان لوطنه بديلاً عن انتمائه لدينه أو على حساب انتمائه لأمته الإسلامية .

ثالثاً: الانتماء للقبائل : وهذا كثير ، والله - سبحانه وتعالى - قد امتن علينا ، فقال : " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " فليست المشكلة في كون الإنسان ينتمي إلى قبيلة كذا أو كذا ، إنما المشكلة هي العصبية لهذه القبيلة ، ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب ...) رواه مسلم (934) المشكلة النصرة بالباطل والمنافرة والمفاخرة والمباهاة ، والحب والبغض وأن تكون هذه الأشياء هي علامة الولاء ، فتجد الواحد يسعى إلى تقريب من كانوا من قبيلته في الإدارة التي هو فيها ولو كان غيرهم أكفأ منهم ، وهكذا في التجارة وفي التزويج ، وغير ذلك، فيكون هناك استقطابات داخل المجتمع المسلم ، بل داخل البلد الواحد والمدينة الواحدة تجد نوعاً من التجاوزات والتحالفات هذا قَبَليّ ، وهذا غير قَبَليّ، وهذا من قبيلة كذا ، وهذا من قبيلة كذا ويترتب عليه معانٍ عظيمة وليست مجرد انتساب يقصد به التعريف فقط .

رابعاً: المذاهب والنحل : كالمذاهب الفقهية التي كانت في يوم من الأيام سبباً للخصومة وسالت بسببها دماء ، وقطعت بسببها أرحام وأواصر ، بل ربما كانت في وقت من الأوقات فرصة لتدخل الأعداء وضربهم بلاد المسلمين .

خامساً : الشيوخ والقادة: فإن كثيرين يتعصبون لشيخ أو شخص ، ويوالون فيه ويعادون ، وربما يكون هو ممن ينهاهم عن التقليد ، فيقلدونه ، وينتقلون من تقليد الفاضل إلى تقليد المفضول .

سادساً : الجماعات والأحزاب : سواء كانت جماعات علمانية أو سياسية ، فتجد كثيرين قد يرشحون شخصاً ، وهم يعرفون أنه يطرح مشروعاً علمانياً ، أو منحرفاً ، ويرون أنهم يفصلون بين انتمائه السياسي وبين انتمائه الديني ، المهم أنه من هذا الحزب أو هذه المجموعة ، وهكذا الجماعات ، والأحزاب الإسلامية التي يتربى الكثير من الأفراد فيها أحياناً على الانتماء إلى الجماعة والتشبع بمفاهيمها وأفكارها ، ويكون هذا على حساب الانتماء العام ويقع بسبب ذلك نوع من الجفوة بين المجموعات.
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.88%)]