عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 15-04-2011, 08:58 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,623
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة

فاجتماع هذه الأحزاب ليس على عواصم الدين ومحكمات الشريعة وقواعد الملة، وإنما هو على خصوصية معينة اختزل الدين فيها واختارها وغفل عما سواها ، فهم اجتمعوا على الخصوصيات لا على الأعمال ، وهؤلاء فهموا شيئاً وتحالفوا عليه، ونابذوا من خالفهم فيه وأولئك تحالفوا على شيء آخر ، وهكذا وُجِد الخلاف في الأمة " كل حزب بما لديهم فرحون " .

وهنا أُشير إلى معنى مهم وهو أن الله - سبحانه وتعالى - في مواضع من القرآن الكريم ومن السنة النبوية منه ما يبلغ مبلغ التواتر وهو أن الله - سبحانه وتعالى - جعل للمسلمين من المظاهر والعقائد والمعاني والأحوال والأحكام ما يخالفون به غيرهم من الأمم المنحرفة كاليهود والنصارى ، ونهانا الله - سبحانه وتعالى - عن التشبه بهم كما في قوله تعالى : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم " فنهانا عن التشبه بهم في أعمال القلوب ، كما نهانا عن التشبه بهم في الخلاف ، ولهذا قال الله - سبحانه وتعالى - لما ذكر اليهود وما جرى لهم : " تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون " فأشار إلى أن الخلاف الذي يصل إلى هذا الحد لا يقع إلا من قوم ضعف عليهم الدين، وضعف عليهم العقل أيضاً ؛ لأن العقل يقتضي أن يكون بينهم نوع من التناصر والتلاحم والتقارب يستطيعون أن يتغلبوا به على مشكلاتهم وعلى ما يواجههم ، فالمحكمات في القرآن والسنة دلت على أن هذه الأمة ينبغي أن تكون متميزة عن الأمم الأخرى في أعمالها ، وعقائدها ، وسلوكها ، وخصوصياتها لكن ليس هذا التميّز مطلباً شرعياً داخل هذه الأمة إلا عن المنحرفين كأهل البدع، وأهل المعاصي والفسوق وغيرهم ممن يجاهرون بذلك ويتظاهرون به ، وإلا فالأصل ألا يحرص المسلم على ألا يتميز عن إخوانه المسلمين ، بمعنى أن يكون التميز هدفاً بذاته ومقصداً يختاره إما في هيئته ولباسه أو في عمله أو غير ذلك ، إلا ما كان من أمر الدين ومن أمر الشرع الذي أهمله الناس فهو يحيي ما اندرس من أمر الملة ، فإنه يحيي السنة التي قد أميتت ، أما كون الإنسان يتعمد أن يخالف الناس في أشياء ليست من السنة ، فإن هذا قد يكون من الشهرة التي ورد النهي عنها والتحذير منها كما في حديث ابن عمر مرفوعاً : ( من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة) رواه أبو داود (4029) وابن ماجه (3606) بسند حسن .

وقد كان السلف يكرهون الشهرة حتى في بعض الأعمال التي قد يكون لها أصل ، لكن هذا الأصل ليس بظاهر أو ليس بقوي ، فيحبون موافقة الناس ويكرهون مخالفتهم إذا لم يكن في الأمر تشريع أو سنة صحيحة، وقد رأيت بعض الإخوة من جراء انغماسهم في الولاء الخاص وغفلتهم عن الولاء العام يضخمون ويبالغون في بعض الوارد ، فليس من الفقه فيما يبدو لي الحرص على التميز عن جمهور المسلمين بمعنى معين لذات التميّز ؛ لأن هذا نوع من العلو أو التفوق عليهم ، أو طلب الرياسة فيهم ، وإنما يتميز الإنسان بسنة أهملوها فيعمل بها ، أو بتقصير شاع عند الناس فيتخلى عنه ، أو بعمل خير عمله وقصد أن يقتدي الناس به وهذا باب واسع وبين هذا وذاك فرق ليس يخفى .

إن الله - تعالى - عقد أواصر الأخوة بين المؤمنين ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - أكد هذا المعنى في كثير من الأحاديث التي بينت حقوق المسلم على أخيه ، ولا يتسع المجال لسرد هذه الأحاديث ، لكن أذكر بعض هذه الحقوق على سبيل الإجمال :

أولاً : الحقوق القلبية ، وأعني بها : ما يتعلق بقلب المسلم ومحبته لأخيه المسلم وحسن ظنه به وسلامة صدره قِبَله ، والفرح بما يصيب إخوانه المسلمين من الخير والحزن لما يعرض لهم من الشر ، فإذا علم المسلم بأمر خير أصاب إخوانه المسلمين وجب عليه أن يُسـَّر بذلك ويفرح ويغتبط " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا " لأنه يرى أن ما أصاب إخوانه المسلمين من الخير أصابه ، وما كسبوه من المال كأنما كسبه ، وهكذا كل خير وقع لهم ، وعلى النقيض من ذلك يحزن لكل مصاب يقع بهم ، حتى ولو كان فرداً عثر في شرق الأرض أو غربها ، أو مسلمة انتهك عِرضها ، أو شعب من الشعوب نزل به نازلة، أو أصابته جائحة أو اعتدى عليه معتدٍ ، فيشعر بالحزن لهذا ، وهذا أقل ما يجب للمسلم على المسلم وهذا النوع من الحزن حزن مشروع ، نعم. لم يتعبدنا الله - سبحانه وتعالى - بالأحزان وحدها ، لكن هذه المعاني القلبية هي الوقود والدافع الذي يحمل الإنسان على الفعل ، فإن أقل ما يفرزه هذا الشعور -إذا كان صحيحاً- الفرح للمسلمين إن أصابتهم سراء أو الحزن إذا أصابتهم بأساء أو ضراء أن ينتج :

ثانياً : الحقوق اللسانية : لأخيك المسلم عليك ، كرد السلام ، وتشميت العاطس والثناء بالخير على من يستحقه ، والتعليم للجاهل ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر والدعاء والتضرع لهم وهذا بعض أثر الشعور القلبي الذي تحمله لإخوانك المسلمين فإن الدعاء لهم أمر لا يستهان به ، وربما دفع الله بالدعاء شراً عن المسلمين ، وكما قال الله سبحانه وتعالى : " ادعوا ربكم" وقال جل شأنه : " ادعوني أستجب لكم " وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الدعاء هو العبادة " والحديث صحيح رواه الترمذي (3247)، وأبو داود (1479). ومن مأثور قول الشافعي -رحمه الله- :

أتهزأ بالـــــــدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاء؟
سهام الليل لا تخطي ولكن لهــا أجل وللأجل انقضاء

ولو لم يكن من آثار هذا الشعور الطيب وهذا العمل الذي يعمله المسلم من حركة اللسان بالثناء على أهل الخير ، أو التوجيه، أو التعليم ، أو النصرة ، أو الدعاء ، إلا تحقيق معنى الانتماء لهذه الأمة لكفى ؛ لأنه لا يصح بحال من الأحوال أن تنتمي لهذه الأمة وتزعم أنك فرد من أفرادها ، ثم لا تقدِّم لإخوانك الذي يشاركونك هذا الانتماء أي مشاركة، وسيان عندك فرحوا ، أم حزنوا ، انتصروا أم انهزموا ، أخطؤوا أم أصابوا.

فهذا لا يكون أبداً ، وإنما الحال كما قال القائل :

بالشـام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطــاط جيـراني
ولــــــي بطيبة أوطـان مجنـحة تسمو بروحي فوق العالم الثاني
دنيا بناها لنــــا الهادي فأحكمها أعظـم بأحمد من هادٍ ومن بانٍ
ولست أدري سوى الإسلام لي الشــام فيه ووادي النيل سياني
وأينمــــا ذكر اسـم الله في بـلدٍ عددت ذاك الحـــــمى من لـب

إذاً ينبغي أن نحقق الانتماء لهذا الدين ، بالتعاطف مع إخواننا المسلمين ولو كان ذلك باللسان، وأقل ما يستطيع أن يقدمه الإنسان كلمة حق، أو دعوة صالحة لأخيه المسلم بظهر الغيب .

ثالثاً : الحقوق المالية ، كالصدقة ، والزكاة ، والإحسان ، وإطعام الجائع ، وكسوة العاري ، وغير ذلك من الحقوق التي جعلها الله في أموال المسلمين ، قال الله تعالى : " والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " وقال بعض العلماء بل ورد مرفوعاً ولكنه لا يثبت في المال حق سوى الزكاة .

وقد يكون عند المسلمين في بعض الظروف من الفاقة والفقر وشدة الحاجة والعوز ما يوجب على أهل الغنى ، والجدة ، واليسار أن ينفقوا ، ويبذلوا لإخوانهم المسلمين .
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.54%)]