عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-04-2011, 10:03 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,623
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحدِّثون والأصوليون وردُّ الحديث من جهة المتن تقديم وتقريظ / الشيخ يوسف القرضاو

ولهذا رأينا الأزهر في تنظيمه الحديث، الذي قسَّم فيه الدراسة الجامعية إلى كليَّات ثلاث:

أصول الدين، والشريعة، واللغة العربية. حاول أن يجعل في كلية الشريعة: دراسة الفقه المذهبي والمقارن، وأصول الفقه، وتاريخه، كما يدرِّس آيات الأحكام وأحاديث الأحكام. دلالة على ما قلناه من ضرورة الاتصال بين الثقافة الفقهية، والثقافة الحديثية. وما يدرَّس في الكليات لا يكفي لإعداد مجتهد، ولكن حسبنا هنا وضع الأُسس. وقد قال حكيمٌ: المدرسة أو الجامعة تعطيك مفاتيح العلم، أما العلم نفسه ففي المكتبة!

وقد بدأتْ الدراسات العليا في كلية الشريعة بالأزهر من قديم في شعبة أصول الفقه تركِّز على (أصل السنة)، وهي شقيقة القرآن وبيانه، فكتب العلاَّمة عبد الغني عبد الخالق من مصر رسالة عن (حُجيَّة السنة)، وكتب العلاَّمة مصطفي السباعي من سورية رسالة عن (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)، ردَّ فيها على المستشرقين، وعلى أحمد أمين، وعلى أبي رَيَّة وأمثاله.

لهذا كان أخونا الدكتور معتز الخطيب موفَّقًا، حين اختار أطروحته حول هذا الموضوع الشائك (ردُّ متن الحديث بين المحدِّثين والأصوليين)، تحت إشراف علاَّمة الحديث صديقنا الأستاذ الدكتور: نور الدين عتر حفظه الله. فلا ريب أن هذه الدراسة نوع مهمٌّ وضروريٌّ من الربط بين المدرسة الحديثية والمدرسة الأصولية أو الفقهية.

ولا شكَّ أن للأصوليين سبحًا طويلاً حول السنة باعتبارها الدليل الثاني للتشريع والأحكام بعد القرآن. لا يختلف في هذا مذهب عن مذهب، ولا أهل طريقة عن أهل طريقة أخرى، أي في طريقة التأليف في الأصول بين طريقة الفقهاء، وطريقة المتكلِّمين، طريقة الحنفيَّة، وطريقة الشافعية ومَن وافقهم من المالكية.

واختار د. معتز أن يكون موضوعه (ردُّ متن الحديث)، لا مجرَّد نقد متن الحديث. والموضوع دسم، والدراسة فيه مركَّزة، وتحتاج من الدارس إلى التعمُّق والتدقيق والصبر والمصابرة، حتى يفهم ويوازن، ثم يرجِّح ويختار.

ومن الباحثين مَن يعتبر المحدِّثين هم الأصل، وإذا نازعهم الأصوليون رجَّح جانب المحدِّثين، لا لشيء إلا أنهم أعلم بالحديث من غيرهم. وهذا منهج غير مُسَلَّم لهم من الناحية المنطقية.

فعلم الأصول هو الذي ينشئ الأُسس، ويضع القواعد اللازمة للاستدلال، وهو الذي يضع كلَّ دليل في مرتبته، ويحكم بينها إذا تعارضت، فهو مقدَّم في الترتيب على علم الفقه، وعلى علم الحديث.

والعمل الذي قام به معتز، عمل علميٌّ له وزنه وقدره في تجلية موقف كلٍّ من الفريقين المحدِّثين والأصوليين، ولا سيما في هذا الموضوع المهم، وهو: (ردُّ متن الحديث بين المدرستين).

وقد قام بجهد مشكور في ذلك لا يقدره إلا من مارس شيئًا من هذه الدراسات، ولمس الجهد المضني الذي يعانيه الباحث المخلص الذي يجهد جهده، ويغوص في الأعماق، حتى يصل إلى الحقائق، ويصفِّيها ويبرزها ناصعة، ويقارن بينها وبين ما يشبهها، أو يضادها أو يناقضها، ثم يعرض النتيجة على العلماء ليسقيهم مما في بطونها من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين.

لقد كان إبراز موقف المحدِّثين وموقف الأصوليين من خلال تأصيل الأحكام، وتبيين المواقف، وتحليل الأفكار، وضرب الأمثلة المتعدِّدة للطرفين، ومناقشتها بعقلية ناقدة: جهدًا مقدورًا، لا يقوم به إلا مَن وفَّقه الله لخدمة العلم، ونُصرة الدين، من الرجال الذين أهدى إليهم الباحث كتابه، وهم (الخلف العدول) الذين الذين ينفون عن علم النبوة "تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"[vii].

والميدان رحب، والأمثلة وفيرة، والمناقشات جادَّة، والانتقادات كثيرًا ما تكون حادَّة، ولكنها علمية ونافعة، سواء كانت من المحدِّثين أم من الأصوليين، ولا يتَّسع المجال لذكر القليل منها.

ومما يزيد من قيمتها أنه يعتمد على الكتب الأصلية، وعلى كتب المتقدِّمين، ولا يكتفي بالمتأخرين، ولا يكتفي بكتاب واحد، أو مصدر واحد، أو مدرسة واحدة. ومَن قارن بين بحث معتز وبحوث معاصرة قريبة من موضوعه لاح له الفرق الشاسع بجلاء.

النظر في مقاييس الرِّد عند المحدِّثين والأصوليين:

وقد تحدَّث الباحث في الفصل الثاني (مقاييس ردِّ الحديث من جهة المتن عند المحدِّثين)، وأورد فيه ستة مباحث هي:

المبحث الأول: التعليل بالتفرُّد.

المبحث الثاني: التعليل بالزيادة

المبحث الثالث: التعليل بالمخالفة.

المبحث الرابع: التعليل بالاختلاف.

المبحث الخامس: التعليل بالغلط.

المبحث السادس: مقاييس أخرى.

كما أورد في الفصل الثالث (مقاييس رد الحديث عند الأصوليين)، قال:

وفيه مدخل ضروريٌّ، وثمانية مباحث هي:

المبحث الأول: مخالفة الحديث للعقل.

المبحث الثاني: مخالفة الحديث للقرآن.

المبحث الثالث: مخالفة للسنة المشهورة.

المبحث الرابع: مخالفة للإجماع.

المبحث الخامس: الانفراد بما جرت العادة على نقله تواترا.

المبحث السادس: ورود الخبر في عموم البلوى.

المبحث السابع: مخالفة الحديث للقياس أو قياس الأصول.

المبحث : مخالفة الحديث للعمل المتوارَث.

وفصَّل في هذين الفصلين الكبيرين الحديث عن معنى (المقياس)، وناقش بعض المعاصرين وكتاباتهم عن المقياس، وضرب أمثلة وفيرة، وناقش مفردات هذه المسائل مناقشة طويلة ومعمَّقة، بحيث لا أستطيع أن أنقل للقارئ شيئا منها، إلا أن يكون طويلا لا يليق بمقدِّمة؛ وذلك لترابط الكلام، واتصال بعضه ببعض.

الحقيقة أن هذه الدراسة مركَّزة ودسمة ومُجهدة، وتستحقُّ أن تُعرض منها على القارئ نماذج ونماذج، ومن هنا أنصح القارئ الكريم الذي يريد حقًّا أن يستفيد من هذه الدراسة: أن يقرأها على مَهَل، وأن ينهل من معينها حتى يرتوي.
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.72%)]