السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عدت لأمسك المايك وأكمل حديثي معكم فصباحكم خير أيها الإخوة والأخوات :
كان أبي رحمه الله محافظ جدا في تربيته لنا ، فلم يكن يسمح لنا أبدًا بالاختلاط مع أبناء العم والخال أو أي قريب كان ، لذا تربيت في أسرة محافظة جدًا .
خطبت وأنا طالبة في الصف الثالث الثانوي وتزوجت بعد فترة قصيرة جدًا ، واضطررت للعيش في بيت العائلة الكبير ، حيث النقيض تمامًا ، فزوجي له ثمان إخوة عشت معهم في بيت واحد .
وكما أسلفت فهذه أول مرة أتعامل فيها مع الجنس الآخر ، ومع ذلك أحسنت التصرف ولم يحدث بيني وبين أحد منهم أي مشكلات ولله الحمد .
لبست الجلباب الواسع وغطاء الرأس الطويل في المنزل وطوال اليوم .
كنت حريصة جدًا حتى أنه لم يصدف طوال فترة سكني معهم أن رآني أحدهم كاشفة رأسي ، حتى في أوقات عملي بالمطبخ لا أشمر عن ساعدي وأحدهم بالمنزل حتى لو ابتلت أكمامي بالماء .
أصعب الأيام كانت في فصل الصيف حيث الحرارة شديدة وأنا ألبس الحجاب طوال النهار .
أنهيت الثانوية العامة وظللت أحلم بأن أكمل تعليمي العالي ولكن ثمة ظروف كثيرة حالت بيني وبين ذلك الأمر لاداعي لذكرها الآن .
وشاء الله أن يمن علي بإكمال تعليمي منذ عامين ، سجلت في تخصص لم أتوقع في حياتي أن أدرسه ، ولكني فعلت ، وأنا الآن أوشكت أن أنتهي من العام الثاني تخصص إدارة أعمال ، وحلمي أن أكمل دراساتي العليا وأحصل على الماجستير إن شاء الله .
*****
مما علمتني الحياة :
تعلمت من الحياة دروسًا كثيرة وعشت تجارب جمة ، أحببت أن تشاركوني بعضها :
علمتني الحياة أن لا أعامل الناس بشهاداتهم ومناصبهم ، فكم من متعلم يحمل عقلا جاهليًا أحمقا ، وكم من شخص منعته ظروفه من إكمال تعليمه ولكن لما تجربه تجده نعم الإنسان الذي عرك الحياة وجربها ، فالدنيا مدرسة كبيرة والناس فيها معادن لا شهادات وأرقام ومناصب .
قرأت قبل مدة في كتب التفسير بأنه سيأتي على الناس زمان يكثر فيه العلم ويسود الجهل ، فقلت في نفسي سبحان الله وكيف يكون ذلك ، ولكني أرى أننا وصلنا لهذا الزمان ، نتعلم لنيل الشهادات وليقول الناس عنا بأنا متعلمون ، فالعلم الحق الصادق لم يعد موجودًا في هذا الزمان ، وإن وجد فهو نادر .
علمتني الحياة :
أن لا أحكم على الناس حسب صورهم وأشكالهم ، فكم من شكل جميل خلف وراءه خلقًا فاسدًا قبيحًا .
تعلمت أن لا أحكم على أحدٍ بدون تجربته ، فالناس مواقف؛ منهم من يرغمك على احترامه ، ومنهم من يسقط من عينيك عند أول مطب تختبره فيه .
فالحذر الحذر ، فليس كل من ابتسم لك أحبك ، ولا كل من امتدحك أودك ، ولا كل من صافحك أمنته على نفسك ومالك.
علمتني الحياة :
بأن لا أقف في وجه الرياح الشديدة بل أنحني لما تأتي قبالي ، فانحنائي لها ليس انكسارا وإنما حكمة وحسن تصرف .
علمتني الحياة :
بأن حب الناس كنز ثمين بل هو أغلى مافي الوجود .
لما توفيت دكتورة جامعية تعرفت عليها قبل مرضها ووفاتها بأيام ، رأيت كيف أن طالباتها يدعون لها بالرحمة والمغفرة ويذكرونها بالخير .
حقا إنه لمكسب أن تموت وتجد من يترحم عليك ، فأرجوكم يا إخوتي وأخواتي إن سمعتم بخبر موتي فادعوا لي بالرحمة والتثبيت ، فأنتم كنزي العظيم الذي أضع فيه كل ثقتي بعد الله .
علمتني الحياة :
أن أحب نفسي لأحب غيري ففاقد الشيء لا يعطيه ، وأن أقدم المعروف لكل من عرفت ومن لا أعرف ، فالمعروف لا يموت ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
علمتني تجاربي :
أن إذا أردت من الله فرجا أن ألزم صلاة الليل ، فالدعوة فيها مستجابة ، وكم من مرة دعوت الله في جوف الليل وسكونه بإلحاح لأجد استجابة لدعوتي صباح اليوم الثاني .
إخوتي :
إن الحياة قصيرة ، ولابد يومًا من الرحيل ، لذا حاولوا أن تكسبوا كل وقت أعطيتموه ، فالدنيا فرصة والذكي هو من يحسن استغلالها ، وكما تعلمون الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة .
وفي النهاية :
أعترف أني محظوظة بأن رزقني الله بإخوة من شتى البقاع ، كل له طريقته في التفكير والحياة ، والجميل في الأمر أننا مهما اختلفنا في أمور الدنيا ، تجمعنا تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وهذا هو سر تماسكنا وترابطنا وتلاحمنا .
فابقوا كما أنتم إخوة ولا تتركوا الفتن تفرقكم فالقوة الحقيقية أن نكون يدا واحدة وقلبا واحدًا .
سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ، استغفرك وأتوب إليك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أترك المايك لكم
في أمان الله