كلامه و سكوته و ضحكته و بكاؤه
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
إتصف صلى الله عليه وسلم بصفات لم تجتمع لأحد قبله ولا بعده ، كيف لا وهو خير الناس وأكرمهم عند
الله تعالى .
فقد كان صلى الله عليه وسلم أفصح الناس ، وأعذبهم كلاماً وأسرعهم أداءً، وأحلاهم منطقا حتى إن
كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويأسر الأرواح ، يشهد له بذلك كل من سمعه.
وكان إذا تكلم تكلم بكلام فَصْلٍ مبين، يعده العاد ليس بسريع لا يُحفظ ، ولا بكلام منقطع لا يُدركُه السامع،
بل هديه فيه أكمل الهديِّ ،كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولهاما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا ، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل
يتحفظه من جلس إليه) متفق عليه .
وثبت في ( الصحيحين ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال ( بعثت بجوامع الكلام ) وكان كثيراً ما يعيد الكلام ثلاثاً ليفهمه
السامع و يعقله عنه ، ففي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا تكلم
بكلمة أعادها ثلاثاً ، حتى يفهم عنه ، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم ، سلم ثلاثاً .
و كان صلى الله عليه وسلم طويل الصمت لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وكان إذا تكلم
افتتح كلامه واختتمه بذكر الله، وأتى بكلام فَصْلٍ ليس بالهزل ، لازيادة فيها عن بيان
المراد ولاتقصير ، ولا فحش فيه ولا تقريع أما ضحكه صلى الله عليه وسلم فكان تبسماً ،
وغاية ما يكون من ضحكه أن تبدو نواجذه ، فكان يَضْحَك مما يُضْحك منه ، ويتعجب مما
يُتعجب منه .
وكان بكاؤه صلى الله عليه وسلم من جنس ضحكه ، فلم يكن بكاءه بشهيق ولا برفع
صوت ، كما لم يكن ضحكه بقهقهة ، بل كانت عيناه تدمعان حتى تهملا ، ويُسمع لصدره
أزيز ، وكان صلى الله عليه وسلم تارة يبكى رحمة للميت كما دمعت عيناه لموت ولده ،
وتارة يبكي خوفاً على أمته وشفقة عليها ، وتارة تفيض عيناه من خشية الله ، فقد بكى
لما قرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه (سورة النساء )
وانتهى إلى قوله :
تعالى { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً } ( النساء:41 ).
وتارة كان يبكي اشتياقاً ومحبة وإجلالاً لعظمة خالقه سبحانه وتعالى.
وما ذكرناه وأتينا عليه من صفاته صلى الله عليه وسلم غيض من فيض لا يحصره مقال
ولا كتاب ، وفيما ألمحنا إليه عبرة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً والحمد لله أولاً وأخيرا ..
حفظكم الله