عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-12-2010, 11:54 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي ظاهرة الشذوذ في العالم العربي ( الأسباب والنتائج وآليات الحل)

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
يعد موضوع الشذوذ الجنسي من احدث المواضيع التي تثير اهتمام الناس على مختلف مشاربهم الدينية والفكرية والاجتماعية ، وذلك بسبب انتشار هذه الظاهرة في العالم العربي، وانتقال دعاتها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وتحديّهم للقوانين والشرائع التي تحرم هذا الفعل وتجرمه.
إن هذه الاسباب، إضافة إلى أسباب اخرى سيرد ذكرها في هذه الدراسة، ان شاء الله تعالى، هي التي تجعل مثل هذه الدراسة حاجة وضرورة تساعد في تحديد الأبعاد والأسباب والنتائج التي تترتب عن تزايد هذه الظاهرة في المجتمعات العربية.
هذا وقد واجهت الدراسة بعض الصعوبات، والتي من بينها :
1- ندرة الأبحاث والدراسات التي تناولت هذا الموضوع بشكل مباشر . ولعل من اهم الكتب التي عثرت عليها، ثلاثة : كتاب "الحب الممنوع، حياة المثليين والمثلييات في الشرق الأوسط"، لـ "براين ويتاكر" . وكتاب "المتعة المحظورة، الشذوذ الجنسي في تاريخ العرب"، لـ " ابراهيم محمود"، وكتاب "الشذوذ الجنسي عند المرأة"، لـ "هدى الخرسه".
2- صعوبة الحصول على الأرقام الصحيحة حول مدى انتشار هذه الظاهرة ، والسبب في ذلك يعود اما لغياب الاحصاءات الرسمية ، أو بسبب تضخيم الجهات الداعمة للشذوذ الجنسي لبعض الأرقام، وذلك من اجل التعظيم من شأن الشواذ ومدى انتشارهم، واخيرا بسبب التكتم الذي يحيط بمثل هذه الانحرافات في بعض المجتمعات .
هذا وقد عمدت في هذا البحث إلى التعريف بالمصطلح ودلالته، وبمدى انتشار هذه الظاهرة عبر التاريخ إلى يومنا الحالي، وبيان موقف الأديان من هذا الجرم، والعوامل والآثار والنتائج المترتبة على هذا الفعل .

أولا : الشذوذ الجنسي عبر التاريخ

1- مفهوم الشذوذ الجنسي ودلالته
وردت في اللغة العربية الفاظ وعبارات كثيرة استخدمت في التعبير عن الشذوذ الجنسي، منها : اللواط، المساحقة، اتيان البهائم، جماع الأموات. وغير ذلك من الألفاظ التي تعبّر عن فعل واحد من افعال الشذوذ، اما استخدام عبارة الشذوذ[1] الجنسي للدلالة على هذه الأفعال مجتمعة، فقد جاء مع الانفتاح الفكري في الغرب، وما نتج عنه من علوم عنيت بتحليل بعض الظواهر الاجتماعية المنتشرة في المجتمعات وبيان أسبابها ونتائجها. ومن هذه العلوم علم النفس الذي ساوى بين لفظة الشذوذ والانحراف، واعتبر بأن الشاذ او المنحرف "هو الذي يمارس انحرافات أو صور نشاط تناسلي ليس في اتفاق مع الثقافة أو الأعراف العامة لمجتمعه أو دولته [2] .
على ان هذا التعريف " للشذوذ الجنسي" لم يبق على حاله، فمع بدء الدعوات إلى التعاطف مع الشاذين جنسيا في العالم، بدأت تغيب عبارة "الشذوذ الجنسي" من كتب علم النفس وتم استبدالها بعبارة "المثلية الجنسية"، وهي تعريب للمصطلح الإنكليزي Homosexuality . وكذلك حصل هذا التبديل في الطب العصبي، الذي كان حتى سنة 1953 م. يصنف الجنسية المثلية على أنها نوع من الاضطراب الجنسي لشخصية مصابة بمرض عقلي "psychopathic personality" ، إلا انه واثر تحرك بعض الناشطين المؤيدين للشذوذ الجنسي، تم حذف مصطلح الجنسية المثلية من دليل الأمراض العقلية ليوضع مكانه " اضطراب في التوجه الجنسي sexual orientation disturbance " [3] .

2- الشذوذ الجنسي عبر التاريخ
عُرف الشذوذ الجنسي في مختلف الأزمنة والعصور. واول من جاهر به هم قوم لوط ، لذلك أصبح هذا الفعل يُسمى باسمهم . اما أول من قام بالسحق فهم أهل الرس[4]، وقيل هم أصحاب الأخدود، وقيل هم بقايا من قوم ثمود [5]. وبعد ذلك فإن هذا الفعل عرفته كثير من الأمم الغابرة، كما ذكر ذلك علماء التاريخ . من هذه الأمم الاشوريين، والبابليين والمصريين، والهنود، واليونانيين، والفرس.
فعند الهنود مثلا خص البراهمة "الغلمان ليتمتعوا بما في صباهم من سحر وفتنة وينعموا بأصواتهم الحادة، إذ كان هؤلاء المخصيون محط رعايتهم وتدليلهم" [6]. اما عند اليونانيين فقد كان هذا الفعل موجود عندهم في الأوساط العلمية والفكرية خاصة . وقد نقلوا هذه الآفة إلى الفرس الذي كان كتابهم الأفستا يحرمها ويراها "شذوذاً وجريمة شنعاء لا يجوز، بأي حال من الأحوال، الصفح عنها " [7] ".
هذا وقد عرف هذا الفعل عند العرب ايضا ، وكانت تنشد اشعار "في وصف الشذوذ الجنسي في ضروبه المتنوعة، سواء بين الرجال بعضهم ببعض، ام بين الرجال والغلمان ، ام بين النساء بعضهن ببعض، بالإضافة إلى تأليف كتب كانت تذكر فيها افعال وآداب في ممارسة الشذوذ الجنسي "[8].
وقد استمر الشذوذ عبر العصور ، وعرفته كثير من الأمم، ومن بينها الأمم الغربية، ويذكر الفيلسوف الفرنسي فوكو Foucault بأن فهم الغربيين للجنسية المثلية يتأتى من معايشة مرحلتين: المرحلة الأولى كانت عندما حاول المحللون النفسيون في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إعادة تعيين الجنسية المثلية من منظور علماني؛ بعيدا عن الحكم المسيحي الذي حرم مثل هذا الفعل. والمرحلة الثانية كانت عندما استطاعت تلك الأقلية الشاذة التي اختلقها المحللون النفسيون تحويل هويتهم الجنسية إلى مصدر قوة لهم وتناصر[9] .
وكان من نتائج تشريع علماء الغرب لهذا الفعل أن انعكست نتائجه على الصعيد الواقعي والتشريعي. حيث تغير واقع الشاذين جنسياً بعد الفترة التي عرفت بالثورة الجنسية، وبدأ ظهور هؤلاء يأخذ طابعا علنيا. ومن مظاهر هذه العلنية اجتماعهم في العام 1968م. في فندق ستون وول في نيويورك، والذي نتج عنه اندلاع أعمال الشغب لثلاثة أيام متواصلة، نادى فيها الشاذون بسقوط الرجعية الجنسية[10] .
ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن يتزايد سعي هؤلاء إلى تشريع وجودهم شيئا فشيئا، لدرجة ان بعض العقلاء من ابناء الغرب بدأوا يدقون ناقوس الخطر، ومن هؤلاء الرئيس الاميركي الاسبق "نيكسون" الذي اعتبر "ان هؤلاء الشاذين يقوضون أركان المجتمع، وإن الذي أضاع الامبراطورية الاغريقية هو الشذوذ الجنسي ، فأرسطو كان شاذا وكذلك سقراط! وأن الذي هدم الامبراطورية الرومانية هو انحلال الأباطرة، ومضاجعة البابوات للراهبات! ويخلص نيكسون في النهاية إلى أن أميركا تتجه الى المصير ذاته! "[11] .
ولقد كان من نتائج تكاثر الشاذين جنسياً في العالم الغربي أن اصبحوا يشكلون قوة ضاغطة على ارض الواقع، مما دفع بكثير من الدول إلى تعديل قوانينها التي تجرم الشذوذ الجنسي حتى تتماشى مع رغبات الشواذ في بلادها ، ومن بينها القانون البريطاني الذي لم يعد يعتبر منذ سنة 1967م. الشذوذ الجنسي فعلا جرمياً ما دام قائماً بين اثنين راشدين، بالغين، ومتفقين على ممارسة هذا الفعل. وكذلك فعلت كل من سكوتلاندا، وشمال إيرلاندا، وكندا، ونيوزلاندا، وأكثر من نصف الولايات المتحدة الأميركية[12] .
هذا وقد تم إقرار زواج الشواذ جنسياً في ست بلدان في العالم وهي النرويج، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، كندا، وولاية ماساتشوستس الأمريكية[13] .
3- نظرة الأديان إلى الشذوذ الجنسي
أ- موقف اليهودية
اعتبر العهد القديم اللواط " شناعة" يجب ان يعاقب عليها بالموت . فقد ورد في التوراة : "لا تضاجع ذكرا مضاجعة امرأة، إنه رجس" ( اللاويين 18: 22) وكذلك ورد ايضا في السفر نفسه: "إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعل كلاهما رجساً. انهما يُقتَلان. دمهما عليهما" ( اللاويين 13:20).
هذا في التوراة، اما بالنسبة لليهود المعاصرين، فتنقسم آراؤهم حيال المثلية الجنسية إلى موقفين: موقف اليهود المتشددين الذين لا يظهِرون تسامحاً أبداً تجاه الجنسيين المثليين، ويمنعون عليهم ممارسة المهن القيادية ويصرون على معاملتهم على أساس أنهم مرضى [14] .
ويقابل هذا موقف متساهل لليهود الربانييين والحركات المحافظة، الذين يدعمون مسألة المساواة المدنية للمماثلين للجنس، ويستنكرون العنف الموجه ضدهم. ويرفضون الرأي الديني المعارض لهم، ويطلبون من رجال الدين مباركة زواج الجنسيين المثليين [15] .
ب- موقف النصرانية
تدين النصرانية الشذوذ الجنسي، وتحذر من مغبة القيام بهذا الفعل. جاء في الانجيل : "لا تضلوا، لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا فاسقون، ولا مأبونون، ولا مضاجعو ذكور.... يرثون ملكوت الله" ( كورنثوس الأولى 10، 6:9) .
والجدير بالذكر ان الكنيسة المسيحية تتعرض لضغوطات من قبل الشاذين جنسيا من اجل تغيير مواقفها من الشواذ ، ومن هذه الضغوطات ما تعرضت له الكنيسة الكاثوليكية من اجل مباركة زواج اللواطيين والسماح بتغيير الجنس وغيره. ولكن الكنيسة لم تغير موقفها، واصدر الفاتيكان وثيقة تمنع الشاذين جنسياً من كل السيامات وحتى من الزواج[16]. إلا ان هذا الرفض لم يمنع الكنيسة من ابداء بعض اللين، ففرقت بين من له مجرد ميل تجاه الجنسية المثلية دون ممارستها، وبين من يمارس الجنسية المثلية فعلياً، فحرمت هذا الفعل على الأخير، وأظهرت التسامح على الأول .
والجدير بالذكر أن مما ساهم في تغيير الكنيسة لمواقفها ظهور آثار الشذوذ عند بعض الكهنة الذين اخذوا يبررون ميلهم الجنسي بقولهم: " إن البتولية موجهة بالذات إلى الكهنة المغايرين للجنس، وهي مطلوبة منهم فقط، وعليهم الحفاظ عليها حسب ما تسمح لهم قدرتهم على تحملها. أما الكهنة المماثلين للجنس فهم يفتخرون بهذا التوجه الجنسي [17] " .
اما الكنيسة الأرثوذكسية فقد حافظت على موقفها المدين لممارسة الشذوذ واعتبرته خطيئة وفعلا لا أخلاقيا، وهي تعتقد بأن واجب الكنيسة هو السعي إلى إصلاح الشاذ عن طريق شفائه روحياً وجسدياً وليس مباركة ممارساته أو وإيجاد القوانين لتشريعها[18] .
ج- موقف الشريعة الإسلامية من الشذوذ الجنسي
1- موقف الشريعة الإسلامية من اللواط
لم ترد لفظة لواط في القرآن الكريم بشكل مباشر ، إنما ورد ذكر حكم قوم لوط عليه السلام الذين اجتمعوا على ارتكاب هذه الفاحشة . وقد ورد أيضاً وصف لحالتهم وسؤ فعلتهم بقول الله عز وجل : ﴿ وَلُوطاً إِذ قَالَ لـِقَومِهِ أ تَأتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِن أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ * إِنَّكُم لِتَأ تُونَ الرِّجَالَ شَهوَ ةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُّسرِفُونَ ﴾ [ الأعراف /80-81] . كما جعل سبحانه عملهم من الخبائث بقوله :﴿ وَلُوطاً آ تَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَنَجَّينَاهُ مِنَ الـقَريَةِ الَّـتِي كَانَت تَّعمَلُ الخَبَائِثَ إِ نَّهُم كَانُواْ قَومَ سَؤ ٍ فَاسِقِينَ ﴾ [ الأنبياء /74] . وبيّن ايضا أنّ ما يعملونه عمل منكر ، ووصفهم بالإفساد والفساد ، قال تعالى: ﴿أَئِنَّكُم لـَتَأتُونَ الرِّجَالَ وَتَقطَعُونَ السَّبِيلَ وَ تَأتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَومِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتِنَا بِعَذابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انصُرنِي عَلَى الـقَومِ المُفسِدِينَ ﴾ [ العنكبوت / 29-30] . ووصفهم الله تعالى بالظلم بقوله :﴿ وَلَمَّا جَاءَت رُسُلُنَا إِبرَاهِيمَ بِالبُشرَى قَالُواْ إِنَّا مُهلِكُواْ أَهلِ هَذِهِ الـقَريَةِ إِنَّ أَهلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾ [ العنكبوت /31] .
إضافة إلى ذلك بيّن الله سبحانه وتعالى أن أول عقاب وقع على قوم لوط هو طمس العيون، يقول تعالى: ﴿ وَلَقَد رَاوَدُوهُ عَن ضَيفِهِ فَطَمَسنَا أَعيُنَهُم فَذُو قُواْ عَذَابِي وَ نُذُرِ ﴾ [ القمر / 37] . والعقاب الثاني هو الفيضانات فيقول تعالى:﴿وَأَمطَرنَا عَلَيهِم مَّطَراً فَانظُر كَيفَ كَانَ عَا قِبَةُ المُجرِمِين ﴾ [ الأعراف / 84] .
هذا في القرآن الكريم اما في السنة النبوية الشريفة، فإن الأحاديث التي وردت في اللواط عديدة، منها قوله ملعون من عمل عمل قوم لوط) رواه الترمذي. وقوله لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) رواه احمد.
أما أصحاب رسول الله فقد اتفقوا على أن من يعمل عمل قوم لوط فإن جزاؤه القتل ، وحجتهم في ذلك قول رسول الله : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) رواه احمد.
وجاء الخلاف بين أصحاب رسول الله في كيفية قتله ، فقال " عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة والتابعين : يرمى بالحجارة حتى يموت أحصن أو لم يحصن . وحرق اللوطيين بالنار أربعة من الخلفاء : أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن الزبير وهشام بن عبد الملك " . وقال عبد الله بن عباس : " ينظر إلى أعلى ما في القرية فيرمي اللوطي منها منكساً ، ثم يتبع بالحجارة . وأخذ ابن عباس هذا الحد من عقوبة الله لقوم لوط " [19].

2- موقف الشريعة الإسلامية من السحاق
لم يذكر السحاق وحكمه بشكل صريح في القرآن الكريم ، اما في السنة النبوية الشريفة فهناك احاديث كثيرة تنهي وتحذر من عواقبه ، فقال السحاق بين النساء زنا بينهن). رواه الطبراني في الأوسط. وقال رابطا هذا الفعل وبين اقتراب الساعة: ( إذا استحلت أمتي ستاً فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، واكتفى النساء بالنساء والرجال بالرجال) رواه الطبراني في الأوسط .
هذا وقد استند فقهاء الإسلام على هذا الأحاديث من اجل تحريم السحاق واعتباره من الكبائر، واوجبوا عليه التعزير، واعتباره معصية لا حد فيها ولا كفارة .
ثانيا : واقع الشذوذ الجنسي في العالم العربي
لم يعد الشذوذ الجنسي أمراً مخفيا في كثير من المجتمعات والطبقات، بل ان هذا الفعل اصبح أمراً مجاهراً به، حتى أن أي مراقب يستطيع أن يكتشف الشاب المثلي من غيره بمجرد مراقبة تصرفاته ولباسه، يقول احدهم : "إن المثليين يفصحون اليوم عن جنسانيتهم من خلال اسلوب ثيابهم. ان ارتديت تي شيرت ضيقة أو صارخة اللون، فسيظن الرجال الأسوياء انني احاول التباهي وحسب. يقول وهو يبتسم : لكن الرجال المثليين الآخرين سيدركون الحقيقة" [20].
إن هذا الخروج للعلن الذي يتَّبعه مثليو العالم العربي اليوم، يعود إلى سعيهم الدؤوب على الصعيد الفردي والجماعي من اجل دفع الناس إلى تقبّلهم، مستفيدين بذلك من الدعم الذي تقدمه لهم المؤسسات الدولية، وجمعيات الدفاع عن حقوق الشاذين في العالم. وقد تجلى هذا الدعم في مواقف عدة ، من بينها ذلك الموقف الذي حدث في العام 2008م. عندما قامت 117 منطمة تعمل في مجال الصحة وحقوق الانسان بالاعتراض على حكم محكمة جنح قصر النيل التي قضت بالحكم 5 سنوات على خمسة مصريين، بتهمة الشذوذ [21] .
ومنها ايضا اعتراض منظمة " هيومان ووتش" على قيام السلطات السعودية في 6 حزيران 2009م باعتقال 67 رجلا في العاصمة الرياض بسبب ارتدائهم ملابس نسائية في إحدى الحفلات[22] .
إن هذا الدعم الكبير الذي يناله هؤلاء الشاذون ساهم في تزايد عدد المثليين في العالم العربي . ففيما قدر الكاتب نبيل فياض[23] - احد المدافعين عن حقوق الأقليات- بأن عدد المثليين والسحاقيات في بلد مثل سوريا يفوق كل التوقعات حيث بلغت نسبتهم العشرين بالمئة[24]، نجد ان بيروت تحتل الصدارة في هذا المجال[25]، حيث اصبح لهؤلاء ظهورهم العلني ، ولهم جمعياتهم الخاصة التي تدافع عنهم .

1- صور التعبير عن الشذوذ في العالم العربي
أ- الملتقيات المباشرة للشاذين جنسيا
تتشابه الأماكن التي يلتقي بها الشاذون في البلدان العربية . والخطير في هذه اللقاءات ان بعضها يتم في المدارس والجامعات. ففي دراسة "أعدتها كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز في جدة طاولت أكثر من 1200 طالب، تبيّن فيها أن ثلث العينة سبق أن وقعت في ممارسة جنسية خاطئة، منهم 12 في المائة شاذين جنسيا –لواط- أي ما يمثل 420 شخصا [26] .
وهذه النتيجة قد تكون ضئيلة نسبة إلى بلدان أخرى، ففي لبنان مثلا ادعى طالب جامعي سابق لصحيفة "دايلي ستار" التي تصدر بالإنكليزية: إن المثلية قد اكتسبت طابعاً اجتماعيا في جامعته في لبنان، وقال ايضا مبالغا في تقدير حجم تواجد الشذوذ : "سبعون في المئة من شباب جامعتي، على الأقل، قد ناموا مع شباب آخرين، لا اظن ان السبب هو عدم استطاعتهم ايجاد صديقات ، بل السبب هو رواج الأمر فحسب[27].
هذا ولا تقتصر التصرفات الشاذة على الجامعات ، التي قد تتطلب مستوى ثقافي معين، بل ان هذا الفعل منتشر ايضاً في كل الأوساط الاجتماعية . ووسائل واماكن التعارف بين الشاذين جنسيا متعددة . ففي السعودية مثلا يعتبر ابرز اماكن تعارف هؤلاء هو في مراكز التسوق وعلى ناصية بعض الشوارع ، وفي اثناء الحفلات الخاصة[28].
وفي البحرين تعتبر الأماكن المفضلة للشاذين هي صالونات التدليك والديسكوهات ، كما انهم يقومون باحتفالات عامة في بعض الأماكن السياحية . وقد ذكرت جريدة "أخبار الخليج" خبر ذلك الاحتفال الذي قام به بعض الشاذين جنسيا في أحد المواقع السياحية في منطقة الصخير[29] .
اما في العراق فالوضع يختلف قليلا عن سائر الدول الخليجية، إذ ان الشاذين في المجتمع العراقي يواجهون مجتمعهم بشيء من الجرأة في اللباس والمظهر والتصرفات لم تكن معهودة سابقا . والسبب في ذلك يعود للاحتلال الاميركي للبلاد الذي ساهم في التشجيع على هذا الفعل . وقد اكدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية هذه الحقيقة بقولها: إن "الأمن والهدوء سمح للعراقيين أن يتمتعوا بالحريات (الأمريكية)، ومن بينها حرية الشذوذ، والتي لم يكن من المتصور أن تحدث قبل بضعة أعوام" [30] .
وقد كان لهذا الظهور العلني الجريء، وفي ظل غياب الدور الرقابي والقانوني للحكومة العراقية بسبب الاحتلال، اثره في قيام بعض المسلحين بقتل نحو 25 شابا ورجلا لممارستهم الشذوذ في مدينة الصدر بالعراق، وذلك بعد أن تبرأت منهم قبائلهم، فقررت التخلص منهم وإحراق المقاهي التي يتجمعون فيها[31].
وإذا كان غياب تطبيق الشريعة والقانون في العراق قد ساهم في تمتع هؤءلا الشاذين بالحرية، فإنه في بلاد المغرب العربي تقوم السلطات الأمنية المغربية بتشديد الحصار على هؤلاء الشاذين الذي يستغلون المناسبات الدينية والشعبية من اجل ممارسة طقوسهم على مرأى ومسمع من الجميع [32] .
هذا ويعد الظهور العلني، والالتقاء في الأماكن العامة نقاط مشتركة في كل من دمشق ولبنان ومصر والأردن . ففي دمشق تعتبر نقاط التقاء هؤلاء في شوارع دمشق الراقية، وفي حديقة عامة بالقرب من فندق شهير، وفي حانات في دمشق القديمة [33]. اما في لبنان فابرز اللقاءات تتم في الأماكن العامة وخاصة في المقاهي والمطاعم ، وعلى الشواطئ حيث أن لهؤلاء شاطئ خاص "يديره ثنائي وكذلك هناك حتى حمامات تركية تستقبل المثليين" [34].
وفي مصر يلتقي هؤلاء في مقاهٍ معينة في القاهرة كما أكد الصحافي "مصطفى فتحي" الذي اصدر كتابا عن المثلية تحت عنوان " في بلد الولاد" ذكر فيه ان الشذوذ الجنسي منتشر في مصر بشكل لا يتصوره العقل [35] .
وفي الأردن ذكرت صحيفة " الحقيقة الدولية " ، أن الذكور وبعض الإناث الشواذ جنسيا يتخذون من "كوفي شوب" – تحفظت الصحيفة عن ذكر اسمه- نقطة التقاء يومية لهم للتنسيق وممارسة شذوذهم " ، وقد كان هؤلاء ينوون اشهار تنظيمهم بشكل رسمي، واعلان موقعهم الخاص على الشبكة العنبكوتية، لكن نشر الصحيفة للتحقيق حولهم جعلهم يمتنعون عن هذا الاعلان وعن افتتاح الموقع [36] .
ب- الملتقيات غير المباشرة للشاذين جنسياً
يسعى الشاذون جنسيا، ومن اجل تثبيت وجودهم إلى الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة، مثل الشبكة العنكبوتية ( الانترنت ). وقد عمد عدد كبير من هؤلاء في عدد من الدول العربية مثل المغرب، والسعودية، والأردن، وسوريا، إلى تأسيس مجموعات وصفحات على الإنترنت يتلاقون فيها[37] ، كان أهمها عدد من المجموعات على الموقع الاجتماعي Facebook. و من هذه المجموعات واحدة سعودية اسمها "شواذ جدة،" وتضم أكثر من 500 عضو ومنها واحدة سورية تضم نحو 200 مثلي وقد سموها "مثلي مثلك" [38] .
وكذلك انشأ هؤلاء مواقعهم وصفحاتهم الخاصة ، منها على سبيل المثال موقع (المثليون في سورية)، وموقع gayegypt.com المصري الذي لم تفلح السلطات المصرية في اقفاله بسبب كونه مسجلا في لندن، وهو يستخدم موفرا (server) في كاليفورنيا[39].
هذا اضافة إلى المدونات الخاصة التي يسعى اصحابها لتحقيق اهداف عدة من ورائها، منها: السعي إلى نفي الصورة الكوميدية المنتشرة عن الرجال والنساء الشاذين جنسيا التي تشبههم بأفعال وتصرفات الجنس الآخر. والتعبير عن مشاعرهم وتجاربهم بحرية ومن دون خجل. ونشر الدراسات والأبحاث المعاصرة والتاريخية التي تثبت ان هذا الفعل كان معروفا ومقبولا في السابق .
ج- انشاء الجمعيات الداعمة للشذوذ الجنسي
اسست جمعية " حلم"، والكلمة تتألف من الحروف الأولى لـ" حماية لبنانية للمثليين" في العام 2004م.، وهي الجمعية الأولى من نوعها في العالم العربي، التي تهدف إلى حماية المثلييات والمثليات، والثنائي الجنس والمتحولي الجنس .
وقد سجلت حلم بدءا من كندا كجمعية لا تبغي الربح ، لكنها تعتبر نفسها الآن مسجلة قانوناً في لبنان، وتضم الجمعية أكثر من 300 شخص، وهي تتباهى برفع علم قوس القزح[40] في مكاتبها. وقد كان لها نشاطات عدة، منها اطلاق كتاب "رهاب المثلية"، إضافة إلى موقع على الانترنت، ومجلة خاصة تحمل عنوان "برا" ، خصصت مواضيعها للحديث عن الشواذ والقضايا التي تهمهم . وقد دعت الجمعية في 29/10/2009م. بحفل توقيع لكتيبها الجديد عن المثلية"مش عن النبات" في احد فنادق بيروت المشهورة .
وبالإضافة إلى جمعية "حلم" فقد اسست في لبنان جمعية اخرى خاصة بالمثليات، وهي جمعية " ميم "، ولها موقع ومجلة الكترونية تصدر عنها .
هذا ولا يقتصر تأسيس الجمعيات على لبنان ، فقد اعلن المثليون المغاربة عن تأسيس جمعيتهم الخاصة اسموها " كيف ... كيف" ومعناها" سواسية" . وللجمعية موقع خاص عبر الشبكة العنكبوتية ، وهي تحظى بدعم كبير من احدى التنظيمات السويسرية التي تحمل اسم "best homo"، والتي خصصت مبلغ مليون يورو لتنظيم الاحتفال بتأسيس جمعية "كيف ... كيف" الذي تم في احد الفيلات في مدينة الدار البيضاء[41].
ثالثا: العوامل المساهمة في انتشار الشذوذ الجنسي

عوامل عديدة تساهم في زيادة نسبة المجاهرة في فعل الشذوذ الجنسي، ومن هذه العوامل:

1- العوامل الخارجية
أ-دور الأمم المتحدة ومنظماتها :
بدأ تركيز الأمم المتحدة على تشريع الشذوذ الجنسي في العام 1951م. مع فرض معاهدة الأمم المتحدة لللاجئين على الدول تأمين الحماية لأي شخص لديه خشية من "التعرض للاضطهاد نتيجة اسباب عرقية أو دينية او ترتبط بهويته الجنسية، بانتمائه إلى مجموعة اجتماعية معينة، أو بسبب رأيه السياسي" [42] .
وبعد ذلك أخذ موضوع الشذوذ يأخذ طابعا اكثر تخصصية مع تلك المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي تعنى بالأمور الجنسية، وعلى راسها حقوق المثليين الجنسيين في العالم . وكان من نتائج تحركات منظمة الأمم المتحدة أن وقع في كانون الاول/ديسمبر 2008، ستة وستون بلدا في الجمعية العامة للامم المتحدة بيانا يتعلق برفع العقوبة عن المثلية [43] .
ولعل من أهم المؤتمرات التي تناولت قضية الشذوذ الجنسي مؤتمر القاهرة الذي عقد في العام 1994م.، والذي حفلت وثائقه الأساسية بمصطلحات خطيرة ، منها مصطلح " الحقوق الجنسية" ومصطلح "المتحدين والمتعايشين (COUPLE ) " .
اما مؤتمر بكين الذي عقد عام 1995م. فقد تميز بالتظاهرة الكبيرة التي مشت بها 7000 امرأة مناديات بحقوق السحاقيات والشواذ ، وكان من المصطلحات التي اطلقت في هذا المؤتمر مصطلح ( Sexual Orientation ) الذي يفيد حرية الحياة غير النمطية ، ومصطلح الهوية الجندرية "Gender Identity" التي اعتبرتها الموسوعة البريطانية غير "ثابتة بالولادة، بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية‍‍[44].
وإضافة إلى المؤتمرات والاتفاقيات الدولية يظهر ايضا عمل الأمم المتحدة في المنظمات التابعة لها التي تعمل على تكريس هذه المفاهيم في برامجها من جهة، وفي دعم الشاذين جنسيا في العالم من جهة أخرى .
ب- الدعم الدولي للشاذين جنسيا
لا يقتصر الدعم الدولي للشذوذ الجنسي في العالم العربي على منظمات الأمم المتحدة. بل إن هذا الدعم قد يأتي من قبل الدول والحكومات الغربية ، التي تقدم التسهيلات للشاذين جنسيا ، ومن ذلك منحهم حق اللجوء السياسي.
والجدير بالذكر ان فتح باب الهجرة للشاذين لا يقتصر على الدول الغربية بل ان اسرائيل التي شرعت العلاقة المثلية عام 1988م. ، باتت طريقاً للفرار المعتادة للفلسطينيين الشاذين. وهؤلاء غالبا ما يقعون ضحية للاستخبارات الإسرائيلية فيتحول معظمهم إلى تعاطي البغاء من اجل كسب قوتهم بعد ان رفضهم مجتمعهم[45].
ومن نماذج الدعم من قبل المنظمات غير الحكومية الغربية ما تحظى به جمعية " حلم" اللبنانية من تأييد مجموعات لها في استراليا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية . وهي تؤمن لها إضافة إلى التمويل المادي الحماية من تعسف "السلطات اللبنانية التي تدرك أنها ستواجه شكاوى خارجية في حال اتخذت خطوات قمعية " [46].

2-العوامل الداخلية
تتعدد العوامل الداخلية التي تساهم في انتشار الفساد الأخلاقي بشكل عام والشذوذ الجنسي بشكل خاص، واول هذه العوامل تبدأ من الأسرة التي ينشأ فيها الطفل، والتي تساهم بشكل كبير في تكوين شخصيته وتوجيه سلوكه. وما نشاهده في بعض الأسر من تنشئة خاطئة تبدأ منذ الصغر تلعب دورا كبيرا في عدم تقبل الطفل لهويته الذكرية او الانثوية في المستقبل. ومن نماذج هذه التصرفات قيام بعض الأهل بإطالة شعر ابنائهم الذكور، والسماح لهم باللعب بألعاب البنات والباسهم لباس الفتيات، وكذلك تسمية البنات باسماء الذكور، والسماح لهن باللعب معهم في العابهم الخاصة التي تتسم في بعض الأحيان بالعنف.
وإضافة إلى ذلك فإن تعرض الأطفال في صغرهم إلى التحرش الجنسي من قبل احد افراد العائلة او من المقربين او المكلفين بحمايتهم له دور كبير في التحول إلى الشذوذ الجنسي .
هذا ويساهم المجتمع بدور كبير في تفشي هذه الظاهرة وقبولها، ويبدأ دور هذا المجتمع في المدارس والجامعات التي تعتبر المصدر الثاني للثقافة الجنسية من بعد الأهل . وقد بدأت هذه المدارس ونتيجة تأثرها بالموجة التغريبة، بتغيير سياستها التربوية، وبدأت الأصوات تعلو من اجل تدريس الشذوذ الجنسي في المدارس تحت راية الثقافة الجنسية، وحق الطفل بالاطلاع على جميع الممارسات الجنسية، على ان يختار هو ما يتناسب مع ميوله وتوجهاته .
وقد بدأت هذه السياسات تظهر نتائجها على الأرض، حيث بدأت جمعية "حلم" بعقد حلقات نقاش في الجامعات اللبنانية للتعريف بحقوق المثليين[47] .
هذا ولا يقتصر خطر المدرسة على المناهج التربوية ، بل ان وجود الاختلاط غير المنضبط في المدارس والجامعات قد ينعكس سلبيا على شخصية كل من الذكر والأنثى، وكذلك التشديد في منع الاختلاط من دون وجود رقابة مدرسية وبيتية من العوامل التي تساهم في انتشار هذا الفعل .
أ- العوامل الثقافية
لم يهتم المؤرخون العرب بدراسة ظاهرة الشذوذ الجنسي لأنها كانت نادرة وبالتالي فهي غير مهمة بالنسبة اليهم، ولكن الذي أتى على ذكرها وتوثيقها هم بعض الأدباء العرب، الذين عبروا في قصصهم وطرائفهم واشعارهم عن مواقفهم المؤيدة او الرافضة لهذا الفعل. و لعل ابرز الشعراء المؤيدين هو الشاعر ابو نواس، اما ابو العتاهية فقد كتب مستنكرا الشذوذ الجنسي عند النساء، فكان مما قاله :
لـعن الإلـه سـواحـق الـرأس --- فلـقد فضـحن حرائـر الإنـس
أبدَيـْن حـرْباً لا طـعـان بـها --- إلا اتـقـاء التـرس بالتـرس .
هذا في العصر القديم، اما في العصر الحالي، فان الحديث عن الشذوذ الجنسي في الأدب العربي لم يأخذ طابع المجاهرة إلا في السنوات الأخيرة ، اما قبل ذلك فإن الأدباء والرواة كانوا يكتفون بالتلميح دون التصريح . وقد صدر حديثا كتاب " الشذوذ الجنسي في الأدب المصري" للكاتب مصطفى بيومي، تناول فيه الشذوذ في كتابات بعض الأدباء المعاصرين امثال "علاء اسواني" و"نجيب محفوظ" و "يحيى حقي" [48] .


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]