رد: رجل الفكر والايمان ( حسن البنا )
حسن البنا
في
السنة الأولى بدار العلوم:
انتهت الأجازة الصيفية، وقدمت إلى القاهرة وسكنت مع بعض الاخوة الأعزاء بالمنزل رقم 18 بشارع مراسينة بحي السيدة زينب رضي الله عنها، وكان أول منزل سكناه.
وغدوت يوم افتتاح الدراسة إلى دار العلوم، وكلي شوق إلى العلم، وقد وجهني الله إلى الدرس توجيهاً حميداً، ولا أنسى الحصة الأولى، ولم نكن قد تسلمنا الكتب والأدوات بعد، وقد وقف أستاذنا الشاعر البدوي الشيخ محمد عبد المطلب أغدق الله عليه شآبيب الرحمة والرضوان - أمام السبورة على المنصة بقامته المديدة يحيي الطلبة الجدد، ويتمنى لهم النجاح والتوفيق، ثم كتب على السبورة:
قال عبيد بن الأبرص:
ولنا دار ورثنا مجدها الـ أقدم القدموس عن عم وخــــال
منـــزل منــه آبــاؤنا الــ مورثونا المجد في أولي الليالي ثم أمسك بطوق جبته الأعلى، على عادته - رحمه الله - وقرأهما في جرس يحمل معنى الفخار والاعتزاز، ثم طالبنا بإعرابهما، فقلت في نفسي” بدأنا بالجد من أول يوم” وأخذت أتساءل: ما هذا القدموس؟ ولماذا قال منه وكان في وسعه أن يقول أسسه؟! وما زلنا ننحت في إعراب البيتين حتى نقلنا الحوار إلى الكلام عن عبيد بن الأبرص والحياة العربية وما فيها من خشونة ولين، وأيام العرب وأوابدها وأدواتها في حربها وسلمها، وأنواع الرماح والسيوف والسهام إلى السهم المريش والذي لا ريش له، واستشهد الأستاذ بالبيت المعروف:
ومتى بسهم ريشه الكحل لم يضر ظواهر جلدي وهو للقلب جارح وأخذ يرسم على السبورة السهام بأنواعها، وأنا مأخوذ بهذا النوع من الاستطراد والتوسع في البحث، أتابعه بشغف وشوق، وزادني هذا الأسلوب للعلم حباً، ولدار العلوم وأساتذتها احتراماً وتقديراً وعجباً.
|