رد: رجل الفكر والايمان ( حسن البنا )
حسن البنا
و
مدرسة خربتا بحيرة:
عدت من القاهرة بعد الامتحان. وبعد- قليل أديت امتحان كفاءة التعليم الأولى. وظهرت النتيجة فكنت الأول في المدرسة، والخامس في القطر وظهرت نتيجة امتحان دار العلوم فكنت من الناجحين، وكان هذا النجاح مفاجأة لي كذلك فإني لأذكر في هذه اللحظة أستاذنا أحمد بدير، وقد كان ممن يمتحنون شفهياً، و كان كثير الدعابة فيما يشبه الغلظة لمن لم يعرفه، وقد جلست أمامه فقال: أنت تتقدم للقسم العالي؟ فقلت: نعم يا سيدي. فنظر إلي شزراً ثم قال: دار العلوم حتصغر إنت سنك كام؟” فقلت له: ستة عشر عاماً ونصف. فقال لماذا لم تنتظر حتى تكبر؟ فقلت له: تفوت الفرصة. فقال: إذن فاقرأ باب جمع التكسير، ألست تحفظ الألفية، فقلت: نعم، فقال: إقرأ. وكان زميله في الامتحان الأستاذ عبد الفتاح عاشور ولم أكن ألفت مثل هذه المداعبات مع من لم أعرف - وكانت سني تلفت إلى نظر الزملاء حتى كان بعضهم يقول: امتحان القسم التجهيزي في الجهة المقابلة. فأقول له إني متقدم إلى القسم العالي فينظر وينصرف - فتأثرت بدعابة الأستاذ بدير وكدت أتوقف عن الإجابة لولا أن الأستاذ عاشور تدخل فزجر الأستاذ بدير في دعابة وأخذ يستمع لي وأنا أقرأ، ثم جاء دور المطالعة والمحفوظات والمناقشة الشفهية فدعا لي الأستاذ بدير بخير وشجعني وانصرفت. وكان امتحان القرآن الكريم أمام الأستاذ أحمد بك زناتي رحمه الله فكان ظريفا متلطفا. ولكني مع هذا لم أكن واثقاً من النجاح فكان ظهور النتيجة مفاجأة. وكانت مفاجأة ثالثة أن مجلس مديرية البحيرة عينني فعلاً مدرسا بمدرسة خربتا الأولية، ودعيت إلى تسلم عملي عقب الأجازة الصيفية مباشرة. فكان علي بناء على هذا أن أختار بين الوظيفة أو العودة إلى طلب العلم بدار العلوم، ولكني في النهاية فضلت أن أستمر في سلك التعلم، وأن أشد الرحال إلى القاهرة، حيث دار العلوم، وحيث المقر الرسمي لشيخنا السيد عبد الوهاب الحصافي ولم يكن يقلقني إلا شيء واحد هو الشعور بطول الغيبة عن المحمودية، وفيها الصديق الحميم، والأخ الحبيب أحمد أفندي السكري، ولكننا اتفقنا على إنفاذ هذا العزم، ما دام هو الأفضل ثم نتزاور بعد ذلك أو نتكاتب والعلم نوع من الجهاد، علينا أن نضحي في سبيله مهما كانت التضحية عزيزة غالية.
|