من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
السلام عليكم سلسلة راقية ومتميزة من الدعاه الى الله من بدياة الدعوة فى عهد النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم الى عصرنا الحديث نروى احداث وتواريخ وسير عن الصالحين الذين وضعوا بصمات حقيقية على طريث الدعوه الى الله حتى تظل الشجرة ترتوى وتنوا فلا تذبل ولا تموت ولا يقدر معتدى على ان يقتلعها لانها رويت بارواح طاهر ة ونقية فكونوا معنا الموضوعات ستكون بروح فكرية معاصرة حتى لا تكون مجرد سلسلة تاريخية واحداث زمنية تكتب لكنها صورة حاضرة يجب ان نعتبر منها فى صورة دروس عمليه نقتدى بها فى حياتنا اليومية لعلنا نقتفى اثرهم ونتبع طريقهم |
رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
الاخوة والاخوات كلنا نعرف مكانة المرأة وقدرها التى حبها الاسلام وشرفها وقال عنها ان النساء شقائق الرجال يعنى الحياة تسير بركب جميل لا ستغنى فيها طرف عن طرف وكان المرأة ولا تزال من وجهة نظر الاسلام تلك التى قامت بتربية الابطال الذين وضعوا بصمات حقيقية على طريق الاسلام فانتشر وعم ارجائها ولا يصح لنا كما علمنا اسلامنا ان نقلل من شأن المراة باى حال من الاحوال ولا يصح ان نجرى ونلهث وراء تشوهات الغرب التى دمرت الصورة الجميلة للمرأة كما لايصح ان نستمع اليه بعد ان اتهم الاسلام بانه ضدد المرأة وهذا لايمس الحقيقة بايى وضع من قريب اوبعيد لكنها هى الحرب على الاسلام فى كافه مجالات ونواحية ومن اهمها المرأة المسلمة لذلك كان لابد وأ نبدا هذة السلسة مع السيـدة خـديجـة بنـت خـويلـد سـيـــدة نـســـاء العـالمـيـــن http://forum.amrkhaled.net/images/st.../wol_error.gifإضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي. http://jumamedia.net/main/uploads/1442009-125341PM.jpg مقــدمـــة: إنها العاقلة اللبيبة المصونة الكريمة التي كانت تدعى في الجاهلية "الطاهرة" فكيف بها في ظل الاسلام.. إنها سكن النبي http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif التي آزرته ووقفت بجانبه ليبلغ دعوة ربه وهيأت للحبيب كل أسباب السعادة والراحة والنعيم ووقفت بجانبه في أحلك الساعات إنها بحق أكمل التساء خلقاً وديناً ونبلاً. فهي فى طهرها وحصانتها وعبادتها وقنوتها كمريم بنت عمران. وهي في قربها وحبها لخالقها وبغضها للظلم والظالمين كامرأة فرعون. وهي في زكائها ونبلها وقوة شخصيتها وحسن سياستها كبلقيس. لذلك استحقت أن تكون أكمل النساء خلقاً وديناً وذكاءً ونبلاً حتى استحقت بكل جدارة أن يأتيها من عند الله السلام من فوق سبع سماوات بل وتأتيها البشرى ببيت في الجنة من قصب لاصخب فيه ولانصب, ولها في عنق كل موحد فضل وحق إلى يوم يبعثون. نسبهـا وحسبهـا فـي قـومهـا: هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى أخو عبد مناف وحليفه , يلتقي نسبها بنسب رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif عند جدها الرابع قصيّ . وأمها فاطمة بنت زائدة , وكان أبوها خويلد سيد بن أسد بن عبد العزى , وكان ابن عمها ورقة بن نوفل أحد أربعة من حكماء العرب في زمانهم لم يرضهم أن تنحت قريش من الحجارة أوثاناً يخرون لها ساجدين. وورثت عن أبويها شرف النفس وحسن السيرة والحزم وجمال الخلقة والخلق. ولذلك فقد نبتت في بيت شريف واسع الثراء عظيم الجاه معروف بالتدين والبعد عن الانغماس في الشهوات التي كانت أكثر البيوت القرشية غارقة فيها . ونشأت على الأخلاق الحسنة واتصفت بالحزم والعقل والعفة ، حتى دعاها قومها في الجاهلية بـ : (الطاهرة) [طبقات بن سعد وسير أعلام النبلاء] . ولدت رضي الله عنها قبل عام الفيل بخمسة عشر سنة وتزوجها أبو هالة النباش بن زرارة التميمي وتزوجت بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن مخزوم. خـديجـة التـاجــرة : كانت خديجة بنت خويلد ذات مال وفير حتى باتت قافلتها إلى الشام تعدل قوافل قريش ولما اتسعت تجارتها احتاجت إلى عمال أكثر يتصفون بالأمانة والذكاء والخبرة بفنون التجارة فدلها الناس على محمد ، فدعته إلى بيتها معززاً مكرماً لتعرض عليه العمل في تجارتها فلما كلمته في ذلك وجدته أهلاً للقيام بهذه المهمة فهو http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gifhttp://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif ، فدعته إلى بيتها معززاً مكرماً لتعرض عليه العمل في تجارتها فلما كلمته في ذلك وجدته أهلاً للقيام بهذه المهمة فهو http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif شديد الذكاء وسيم الطلعة غني النفس لطيف المحضر , إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعليه البهاء وهو حلو المنطق يحسن الاصغاء ملتفتاً إلى محدثه بكل جسمه. الأمر الذي بعث في نفسها الثقة فيه والإطمئنان إليه ومما يؤثر عنها أنها قالت حينذاك: دعاني إلى طلبك ما بلغني عنك من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومي. وكان هذا اللقاء فاتحة خير له ولها. ولما خرجت عير قريش للتجارة خرج الصادق الأمين في تجارة خديجة ومعه غلامها ميسرة, وكان غلاماً ميمون الطلعة ذكي النفس حسن الخلق خبيراً بفنون التجارة فاستبشرت خديجة لهذين الاسمين محمد وميسرة. وراجت تجارة خديجة رواجاً عظيماً, وقد شاهد ميسرة في سفره عجباً فقد رأى غمامة تظلل الأمين محمد منذ أن غادر مكة فتقيه حرارة الشمس, رأى ميسرة رجلاً من أهل الشام عليه سمات الوقار قد اختلف مع محمد أو تعمد ذلك فقال له احلف باللات والعزى فقال محمد: ما حلفت بها قط وإني لأمربها فأعرض عنها..... ثم نزل محمد رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gifhttp://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif منذ أن غادر مكة فتقيه حرارة الشمس, رأى ميسرة رجلاً من أهل الشام عليه سمات الوقار قد اختلف مع محمد أو تعمد ذلك فقال له احلف باللات والعزى فقال محمد: ما حلفت بها قط وإني لأمربها فأعرض عنها..... ثم نزل محمد رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif إلى ظل شجرة قريباً من صومعة راهب فسأل الراهب ميسرة من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال له ميسرة: هذا رجل من قريش. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي. ثم تحركت القافلة عائدة إلى مكة فضعفت في الطريق بعيران من الابل وحاول ميسرة عبثاً أن يحملها على مسايرة الركب فلم يستجيبا له فأخبر محمد http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif فتوجه إليها ومسح بيده الشريفة على أخفافهما ثم أمسك بمقودهما وقادهما فسارا خفافاً في نشاط ظاهر. فضم ميسرة هذه الواقعة إلى مشاهده من أمر محمد فازدادوا به إعجاباً على إعجاب وقص ميسرة على سيدته خديجة ما رأى وما سمع . وهنا خلت الرشيدة الطاهرة بنفسها, وكانت تشعر أن الأقدار تخبئ لها شيئاً عظيماً يجعلها تنسى هموم الماضي ويدل البهجة والسعادة على قلبها . زواجهـا مـن الـرسـول http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif: وليس شيء يدل على الحكمة والفطنة عند المرأة من أن تحسن الاختيار عند الزواج وتبحث عن الأمانة والقلب السليم وغنى النفس واستقامة الضمير وكمال الرجولة وشرف المروءة وسلامة الطبع، معرضة عن الغنى المادي والعرض الزائل ، وقد كان هذا من أمر السيدة خديجة رضي الله عنها مع رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif كما سنعرض . وكانت خديجة تصغي كثيراً إلى ابن عمها ورقة بن نوفل عن الأنبياء وعن الدين. وفي ليلة رأت خديجة فيما يرى النائم أن شمساً عظيمة تهبط من سماء مكة لتستقر في دارها.. وكان الليل يلف الدنيا بظلامه الدامس. ومع إشراقة الصباح ذهبت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لعلها تجد تفسيراً لحلمها هذا فقصّت عليه ما رأت في منامها فتهلل وجهه بالبشر ثم قال لخديجة: أبشري يا ابنة العم، لو صدق الله رؤياك ليدخلن نور النبوة دارك وليفيض منها نور خاتم النبيين. وكانت خديجة إذا تقدم إليها سيد من سادات قريش لخطبتها تقيسه بمقاييس الحلم الذي رأته والتفسير الذي سمعته من ابن عمها ورقة. شُغلت خديجة بحديث ميسرة عن محمد وبقول ابن عمها ورقة ففكرت في محمد واجتمعت الدلائل عندها أن محمداً هوالرحيق المختوم الذي يختم به الأنبياء خاصة عندما عرفته وهو يتاجر لها، وجدت رجلاً لا تستهويه ولا تدنيه حاجة فما تطلَّع إلى مالها ولا إلى جمالها . ووجدت خديجة ضالتها المنشودة . |
رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
اختـيـار نـاجـح : أرسلت خديجة رضي الله عنها صديقتها نفيسة بنت منبه إلى محمد تذكرها عنده ، قالت له : ما يمنعك أن تتزوج ؟ فقال http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif: "ما بيدي أتزوج به"، قالت : فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف، ألا تجيب ؟ قال : "فمن هي ؟" قالت : خديجة ، قال : "بنت خويلد؟" قالت : نعم ، فقال : "وكيف لي بذلك؟" قالت : علىّ ذلك ، فقال http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gifhttp://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif تذكرها عنده ، قالت له : ما يمنعك أن تتزوج ؟ فقال http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif: "ما بيدي أتزوج به"، قالت : فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف، ألا تجيب ؟ قال : "فمن هي ؟" قالت : خديجة ، قال : "بنت خويلد؟" قالت : نعم ، فقال : "وكيف لي بذلك؟" قالت : علىّ ذلك ، فقال http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif : "وأنا قد رضيت" ... وتم الزواج المبارك وكانت خديجة في الأربعين من عمرها أما محمد http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif فكان ابن خمس وعشرين سنة. إن خديجة كانت تبحث عن نوع آخر من الغنى والثراء إنه غنى النفس وثراء الضمير ومتانة الخلق وقد وجدت ذلك في محمد http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif. ولقد وجدت في صدقه وأمانته وحسن تجارته وعراقة نسبه ما تُبرر زواجها به أمام قومها. وما كان محمد ليقبل زواج خديجة لولا ما رآه من رجاحة العقل وما يشهد به قومها من شريف الخصال. ورفرفت السعادة بأجنحتها على بيت خديجة ولم تكن خديجة تدخر جهداً في أن تدخل السعادة والسرور على قلب الحبيب، وكانت تحب كل مايحبه زوجها وتضحي بكل ما تملك من أجل إسعاده http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif. وذكر بن عباس أولاد رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif من الطاهرة خديجة وهم : القاسم ، وعبد الله ، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة . فـي غــار حـــراء: حُبب إلى رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif الخلوة فقد كان دائم التطلع إلى عالم الروح والتفكر في خلق السموات والأرض. فأخبر خديجة بأنه يريد أن يخلو بنفسه في غار حراء بعيداً عن الشرك وأهله وكانت رضي الله عنها تعينه على ذلك وتزوده بالطعام والماء وتمشي معه إلى الجبل ولم يكن يعتكف في الغار إلا أياماً ذات عدد ثم يعود إلى بيته ويعيش مع أهله عيشة راضية وظل هذا حاله حتى نزل عليه الوحي. نـزول الـوحـي ... والوقفـة النـديـة العظيمـة للسيـدة خـديجـة : وتظهر عظمة السيدة خديجة رضي الله عنها على أرفع ذات وأكمل صورة مع بزوغ فجر النبوة إلى أن انتقلت إلى الرفيق الأعلى.. حين بلغ الرسول http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif الأربعين من عمره نزل عليه أمين الوحي بالرسالة والنبوة من رب العالمين فقال: اقرأ. قال: "ما أنا بقارئ" فأخذه الملك وضمه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال: اقرأ. قال: "ما أنا بقارئ" فأخذه فضمه ثانية حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال: اقرأ قال: "ما أنا بقارئ" فأخذه فضمه الثالثة حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 1-5] فوعاها قلبه ونزل من الغار يرجف فؤاده حتى انتهى إلى بيته.. فاستقبلته السيدة خديجة استقبال الحب والعطف والحنان وسارعت إلى توفير الراحة، وقال: زملوني زملوني، فلما أخذ قسطاً من الراحة ذهب عنه الروع. قص عليها ما وقع له في الغار فقالت له بطمأنينة وثبات : "الله يرعانا يا أبا القاسم، أبشر يابن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق". ومن عظيم حكمتها أنها لاتدع الأمر يمر من غير أن تسأل فيه أهل الذكر. فانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وهي تتوقع أنه سيخبرها على وجه اليقين بما يدور في خلدها قبل أن تتزوجه فلما أخبره النبي ما حدث فقال : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ثم قال : ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك فقال رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif: "أومخرجي هم؟" قال ورقة: نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا أوذي. وكان موقف خديجة من أشرف المواقف التي تحمد لامرأة في الأولين والآخرين طمأنته حين قلق وأراحته حين جهد، وذكرته بما فيه من فضائل وبهذا الرأي الراجح والقلب الصالح استحقت خديجة أن يحييها رب العلمين فيرسل إليها بالسلام مع الروح الأمين. نعم الزوجة خديجة رضي الله عنها ، ففي هذا الموقف الذي هو في غاية الزلزلة نراها من وراء زوجها في غاية الثبات تبشره وتطمئنه ، فما أحلى وأنبل أن يسمع الزوج من زوجته في المواقف الصعبة كلمات التأييد والتثبيت والتبشير ، إنها رضي الله عنها التي آمنت بالنبي http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif بل بشرته بالنبوة . ومع هذا قررت الوقوف في وجه العاصفة المتوقعة وقبلت في سبيل الله أن تتحمل الأذى والمشقة، وأن تقبل هذه المهمة الصعبة وهي الوقوف في وجه قريش.. وتقول بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن: "هل كان في طاقة سيدة غير خديجة غنية مترفة منعمة أن تتخلى راضية عن كل ما ألفت من الراحة والرخاء والنعمة لتقف إلى جانبه في أحلك اللحظات، وتعينه على احتمال أفدح ألوان الأذى وصنوف الاضهاد في سبيل ما تؤمن به من الحق؟ كلا هي وحدها التي منّ الله عليها بأن ملأت حياة الرجل الموعود بالنبوة وكانت أول الناس إسلاماً وجعلها ملاذاً وسكناً ووزيراً لرسوله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif ". فـي بيـت النـبــوة: وهكذا كانت خديجة أول الناس إسلاماً وكذلك بناتها وهذا لبيت من خير البيوت في هذا الكون كله.. فمنه خرجت خديجة سيدة نساء العالمين ومنه خرجت فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وقبل هذا كله نزل الوحي على الحبيب http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif ومنه خرج علي بن أبي طالب أحد المبشرين بالجنة ومنه خرج زيد بن حارثة الذي لم يذكر الله تعالى في كتابة اسم صحابي غيره وظلت خديجة ملازمة للحبيب فترة تقارب ربع قرن . فكانت تنهل من النبع الصافي مباشرة وكانت تصلي مع النبي http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif الصلاة التي كانت في هذا الوقت ركعتين في الغداة وركعتين في العشي . الجهـر بالـدعـوة ودور خـديجـة عليهـا الـرضـوان: وما أن جهر النبي بالدعوة حتى قرر المشركون ألا يألوا جهداً في محاربة الاسلام والداخلين فيه، وانفجرت مكة بمشاعر الغضب تجاه الرسول والمسلمين وصاحبت هذه الحرب حرب أخرى من السخرية والتحقير قُصد بها تخذيل المسلمين وتهوين قواهم المعنوية. وكانت خديجة ترى ما يتعرض له الحبيب من الايذاء والسخرية فتواسيه وتثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس فكانت بذلك مثلاً عظيماً بل وقدوة لكل أخت مسلمة. فقد جندت رضي الله عنها كل مالها في سبيل الله فأنفقت من غير حساب ولا منّ وخصوصاً سنوات القطيعة والحصار في شعب أبي طالب فكانت تشتري بمالها خفية طعاماً للمحاصرين حتى نفذ أكثر مالها ولقد كفت رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif مؤونة العمل فكان عمله للدعوة. وعندما هاجر المسلمون إلى الحبشة وقفت السيدة خديجة مع رسول الله تودع ابنتها رقية وزوجها عثمان ودموعها تقطر على وجنتيها ولكنها مع كل ذلك تصبر وتحتسب فكل شيء يهون مادام في طلب مرضاة الله لقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها هي السكن والملاذ الآمن الذي يجد فيه الرسول http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gifhttp://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif تودع ابنتها رقية وزوجها عثمان ودموعها تقطر على وجنتيها ولكنها مع كل ذلك تصبر وتحتسب فكل شيء يهون مادام في طلب مرضاة الله لقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها هي السكن والملاذ الآمن الذي يجد فيه الرسول http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif أنسه إذا استوحش، وأمله إذا استيأس، وطمأنينته إذا اضطربت من حوله الحياة. |
رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
عـام الـحــزن : وكان كل أمل خديجة أن يطيل الله أجلها حتى تتم سعادتها برؤية نور الاسلام يعم آفاق مكة وسائر المعمورة، ولكن ها هي ذي تلزم الفراش منهوكة القوى عاجزة عن مغالبة الضعف والمرض، وكان النبي http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif طول هذه الفترة يحيطها برعايتها ويشملها بعطفه محاولاً تقوية عزيمتها حتى تقاوم الداء الذي ألم بها. وكذلك كان بناتها يلازمنها ساهرات على راحتها وكلهن رجاء وتضرع أن يلطف الله بها ويشفيها حتى غلبت إرادة رب الأرض والسماء وفاضت روحها الكريمة، وانتقلت إلى جوار الواحد الأحد في اليوم العاشر من رمضان من بداية فجر الاسلام بعد موت أبي طالب بشهر وخمس أيام ثم يحملها المؤمنون إلى أرض الحجون حيث وضعها الرسول في قبرها ويعود صامتاً حزيناً . ففي فترة وجيزة فقد عمه أبا طالب الذي كان يحوطه برعايته مستظلاً بحمايته. وها هو ذا يفقد المرأة التي كانت أول من آمن به وأول من هون عليه الخطوب وشد من عزيمته عند الكروب . إن لخديجة سيرة عطرة. أنها من نعم الله الجليلة على محمد r فلقد كانت للنبي r ردءاً في دعوته إلى الله عز وجل تخفف عنه آلامه كلما جاء يشكو إليها من عنت المشركين وعنادهم، يخرج من بيتها متزوداً بالأمل في هداية القوم دافعةً إياه إلى تبليغ أمر ربه في أناة وصبر وجلد . ] |
رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
وفـاء الـرسـول http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif لخـديجـة عليهـا الـرضـوان : كان النبي r من الوفاء للسيدة خديجة رضي الله عنها إذ لم ينسها في صباح أو مساء. وكان النبي http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gifلا يترك إمرأة كانت تزوره في بيت خديجة إلا وصلها وأكرمها ودعا لها بخير. وهذه "أم رمز" ماشطة خديجة تفد عليه وهو في المدينة فيحسن استقبالها ويبالغ في إكرامها ويقول: "هذه كانت تغشانا في عهد خديجة وإن حسن العهد من الايمان". وها هو الرسول http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif يثني عليها ويقول : "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية إمرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد. وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" متفق عليه . وعن أنس أن النبي http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif قَالَ: "حسبك من نِسَاءِ العالمين مَرِيْمَ ابنة عمران وَخَدِيْجَةُ بنت خويلد وفَاطِمَةُ بنت محمد، وآسِيَة َامْرَأَةُ فِرْعَوْنَُ". رواه الترمذي وأحمد والحاكم. حتى أن السيدة عائشة كانت تشعر بالغيرة من السيدة خديجة لكثرة ثناء النبي http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif عليها. فعن عائشة قالت : "ما غرت على أحد من نساء النبي إلا على خديجة وإني لم أدركها، وكان رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gifإذا ذبح الشاة فيقول: "أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة" قالت: فأغضبتني يوماً فقلت خديجة...!!، فقال رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gifhttp://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif إلا على خديجة وإني لم أدركها، وكان رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gifإذا ذبح الشاة فيقول: "أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة" قالت: فأغضبتني يوماً فقلت خديجة...!!، فقال رسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif : "إني قد رزقت حبها". بعـض الـدروس المستفـادة : http://forum.amrkhaled.net/images/st.../wol_error.gifإضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي. http://7awa.roro44.com/magazine/thum...9%84%D8%AF.jpg 1- إن الحياة كفاح والكفاح متعدد المناحي...فقد اعتمدت على نفسها في طلب رزقها ، فعملت في التجارة على أوسع مدى وكانت تستعين في ذلك بالرجال الموثوق في أمانتهم وخبرتهم ولولا اشتغالها بالتجارة ما عرفت محمداً عن قرب فكان من بركة التجارة زواجها به . 2- وقد خطبت خديجة محمداً بنفسها ولنفسها وهذا يدل على أن المرأة يجوز لها شرعاً وعرفاً أن تخطب لنفسها من تراه كفئاً لها وتلمح فيه من الأخلاق ما يحملها على ذلك ولكن تفعل ذلك في أدب ووقار. 3- والحياة الزوجية لابد فيها من التعاون على البر والتقوى والبر كلمة جامعة لخصال البر كلها وهكذا كانت السيدة خديجة سنداً قوياً لزوجها حتى انطلق بدعوته وكان محمد وخديجة رضي الله عنها نفساً واحدة وقلباً واحداً وروحاً واحدة وكان كل منهما يؤثر صاحبه على نفسه. 4- وكان النبي وفياً لزوجه خديجة أي وفاء فأين نحن من الوفاء وهو الصفة الجامعة لشعب الايمان كلها. [COLOR=#3e3f41] 5- من أهم عوامل نجاح الداعية أن تكون زوجته وأهله عامل تثبيت وطمأنة وتبشير ، وهذا لا يتأتى إلا بجهد جهيد يبذله الداعية مع أهله لحملهم على احترام فكرته . 6- إن لأمنا خديجة رضي الله عنها فضلاً كبيراً على كل مسلم ومسلمة إلى قيام الساعة ، وإن سيرتها هي زاد إلى طريق الطهر والعفاف والبذل والتضحية و والعطاء. التقويم 1- كيف كانت السيدة خديجة رضي الله عنها سنداً قوياً للدعوة الإسلامية في مهدها ؟ 2- وضِّح بعض نواحي العظمة في حياة السيدة خديجة . 3- من أراد زوجاً كالسيدة خديجة فليقتدي برسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif - ما رأيك في هذه العبارة؟ وما دلالتها؟ 4- كيف كان الرسول الله http://forum.ashefaa.com/images/smilies/salla-icon.gif وفياً للسيدة خديجة رضي الله عنها في حياتها وبعد وفاتها؟ 5- يتضح من حياة السيدة خديجة مع الرسول سمات البيت المسلم وواجباته ودور كل فرد فيه – ما السمات التي استنتجتها ؟ وما الدور الذي ينبغي أن تبذله للوصول إلى هذا المستوى ؟ 6- "إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق" أ- من قائل هذه العبارة ؟ ب- في أي مناسبة قيلت ؟ جـ- ما مرادف : الكل – تقري – نوائب د- ما صفات الداعية كما وردت في العبارة ؟ هـ- توضح العبارة مدى العلاقة بين قائلها والمخاطب – وضِّح ذلك . و- ما تعليقك على هذا الموقف ؟ وماذا تعلمت منه ؟ حقا انها سيده نساء العالمين فهل رأينا امرأة فى هذا الزمان على تلك المعانى تسير والى الحياة تنطلق فى ركب حياة زوجيه كلها سكن ومودة ولا ينقصها الاسلام من قدرها كا أمرة سيدة اعمال فى عالم التجارة والمال وتلك الشفافية فى الحب والانس بزوجها وان تسري فيه روح الطمأنينة والسعادة وانه مبارك من عند الله ولا يعيش هذة المعانى الا امأة كانت تتميز بالعقل والرض والبصيرة رضى الله تعالى عنها ............................... نرجو المدخلات والتعليقات |
رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
|
رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
الشيخ محمد الغزالي http://forum.amrkhaled.net/images/st.../wol_error.gifإضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي. http://www.baddawi-camp.com/forum/up...1261012917.gif كان الشيخ "محمد الغزالي" واحدًا من دعاة الإسلام العظام، ومن كبار رجال الإصلاح، اجتمع له ما لم يجتمع إلا لقليل من النابهين؛ فهو مؤمن صادق الإيمان، مجاهد في ميدان الدعوة، ملك الإسلام حياته؛ فعاش له، ونذر حياته كلها لخدمته، وسخر قلمه وفكره في بيان مقاصده وجلاء أهدافه، وشرح مبادئه، والذود عن حماه، والدفاع عنه ضد خصومه، لم يدع وسيلة تمكنه من بلوغ هدفه إلا سلكها؛ فاستعان بالكتاب والصحيفة والإذاعة والتلفاز في تبليغ ما يريد. رزقه الله فكرا عميقا، وثقافة إسلامية واسعة، ومعرفة رحيبة بالإسلام؛ فأثمر ذلك كتبا عدة في ميدان الفكر الإسلامي، تُحيي أمة، وتُصلح جيلا، وتفتح طريقا، وتربي شبابا، وتبني عقولا، وترقي فكرا. وهو حين يكتب أديب مطبوع، ولو انقطع إلى الأدب لبلغ أرفع منازله، ولكان أديبا من طراز حجة الأدب، ونابغة الإسلام "مصطفى صادق الرافعي"، لكنه اختار طريق الدعوة؛ فكان أديبها النابغ. ووهبه الله فصاحة وبيانا، يجذب من يجلس إليه، ويأخذ بمجامع القلوب فتهوي إليه، مشدودة بصدق اللهجة، وروعة الإيمان، ووضوح الأفكار، وجلال ما يعرض من قضايا الإسلام؛ فكانت خطبه ودروسه ملتقى للفكر ومدرسة للدعوة في أي مكان حل به. والغزالي يملك مشاعر مستمعه حين يكون خطيبا، ويوجه عقله حين يكون كاتبا؛ فهو يخطب كما يكتب عذوبة ورشاقة، وخطبه قطع من روائع الأدب. والغزالي رجل إصلاح عالم بأدواء المجتمع الإسلامي في شتى ربوعه، أوقف حياته على كشف العلل، ومحاربة البدع وأوجه الفساد في لغة واضحة لا غموض فيها ولا التواء، يجهر بما يعتقد أنه صواب دون أن يلتفت إلى سخط الحكام أو غضب المحكومين، يحرّكه إيمان راسخ وشجاعة مطبوعة، ونفس مؤمنة. المولد والنشأة في قرية "نكلا العنب" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر ولد الشيخ محمد الغزالي في (5 من ذي الحجة 1335هـ = 22 من سبتمبر 1917م) ونشأة في أسرة كريمة، وتربى في بيئة مؤمنة؛ فحفظ القرآن، وقرأ الحديث في منزل والده، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي، وظل به حتى حصل على الثانوية الأزهرية، ثم انتقل إلى القاهرة سنة (1356هـ =1937م) والتحق بكلية أصول الدين، وفي أثناء دراسته بالقاهرة اتصل بالإمام حسن البنا وتوثقت علاقته به، وأصبح من المقربين إليه، حتى إن الإمام البنا طلب منه أن يكتب في مجلة "الإخوان المسلمين" لما عهد فيه من الثقافة والبيان؛ فظهر أول مقال له وهو طالب في السنة الثالثة بالكلية، وكان البنا لا يفتأ يشجعه على مواصلة الكتابة حتى تخرج سنة (1360هـ = 1941م) ثم تخصص في الدعوة، وحصل على درجة "العالمية" سنة (1362هـ = 1943م) وبدأ رحلته في الدعوة في مساجد القاهرة. في ميدان الدعوة والفكر كان الميدان الذي خُلق له الشيخ الغزالي هو مجال الدعوة إلى الله على بصيرة ووعي، مستعينا بقلمه ولسانه؛ فكان له باب ثابت في مجلة الإخوان المسلمين تحت عنوان "خواطر حية" جلَّى قلمه فيها عن قضايا الإسلام ومشكلات المسلمين المعاصرة، وقاد حملات صادقة ضد الظلم الاجتماعي وتفاوت الطبقات وتمتُّع أقلية بالخيرات في الوقت الذي يعاني السواد الأعظم من شظف العيش. ثم لم يلبث أن ظهر أول مؤلفات الشيخ الغزالي بعنوان "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" سنة (1367هـ = 1947م) أبان فيه أن للإسلام من الفكر الاقتصادي ما يدفع إلى الثروة والنماء والتكافل الاجتماعي بين الطبقات، ثم أتبع هذا الكتاب بآخر تحت عنوان "الإسلام والمناهج الاشتراكية"، مكملا الحلقة الأولى في ميدان الإصلاح الاقتصادي، شارحا ما يراد بالتأمين الاجتماعي، وتوزيع الملكيات على السنن الصحيحة، وموضع الفرد من الأمة ومسئولية الأمة عن الفرد، ثم لم يلبث أن أصدر كتابه الثالث "الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين". والكتب الثلاثة تبين في جلاء جنوح الشيخ إلى الإصلاح في هذه الفترة المبكرة، وولوجه ميادين في الكتابة كانت جديدة تماما على المشتغلين بالدعوة والفكر الإسلامي، وطرْقه سبلا لم يعهدها الناس من قبله، وكان همُّ معظم المشتغلين بالوعظ والإرشاد قبله الاقتصار على محاربة البدع والمنكرات. في المعتقل ظل الشيخ يعمل في مجال الدعوة حتى ذاعت شهرته بين الناس لصدقه وإخلاصه وفصاحته وبلاغته، حتى هبّت على جماعة "الإخوان المسلمين" رياح سوداء؛ فصدر قرار بحلها في (صفر 1368هـ = ديسمبر 1948م) ومصادرة أملاكها والتنكيل بأعضائها، واعتقال عدد كبير من المنضمين إليها، وانتهى الحال باغتيال مؤسس الجماعة تحت بصر الحكومة وبتأييدها، وكان الشيخ الغزالي واحدا ممن امتدت إليهم يد البطش والطغيان، فأودع معتقل الطور مع كثير من إخوانه، وظل به حتى خرج من المعتقل في سنة (1369هـ = 1949م) ليواصل عمله، وهو أكثر حماسا للدعوة، وأشد صلابة في الدفاع عن الإسلام وبيان حقائقه. ولم ينقطع قلمه عن كتابة المقالات وتأليف الكتب، وإلقاء الخطب والمحاضرات، وكان من ثمرة هذا الجهد الدؤوب أن صدرت له جملة من الكتب كان لها شأنها في عالم الفكر مثل: "الإسلام والاستبداد السياسي" الذي انتصر فيه للحرية وترسيخ مبدأ الشورى، وعدّها فريضة لا فضيلة، وملزِمة لا مُعْلِمة، وهاجم الاستبداد والظلم وتقييد الحريات، ثم ظهرت له تأملات في: الدين والحياة، وعقيدة المسلم، وخلق المسلم. من هنا نعلم وفي هذه الفترة ظهر كتاب للأستاذ خالد محمد خالد بعنوان "من هنا نبدأ"، زعم فيه أن الإسلام دين لا دولة، ولا صلة له بأصول الحكم وأمور الدنيا، وقد أحدث الكتاب ضجة هائلة وصخبا واسعا على صفحات الجرائد، وهلل له الكارهون للإسلام، وأثنوا على مؤلفه، وقد تصدى الغزالي لصديقه خالد محمد خالد، وفند دعاوى كتابه في سلسلة مقالات، جُمعت بعد ذلك في كتاب تحت عنوان "من هنا نعلم". ويقتضي الإنصاف أن نذكر أن الأستاذ خالد محمد خالد رجع عن كل سطر قاله في كتابه "من هنا نبدأ"، وألّف كتابا آخر تحت عنوان "دين ودولة"، مضى فيه مع كتاب الغزالي في كل حقائقه. ثم ظهر له كتاب "التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام"، وقد ألفه على مضض؛ لأنه لا يريد إثارة التوتر بين عنصري الأمة، ولكن ألجأته الظروف إلى تسطيره ردًّا على كتاب أصدره أحد الأقباط، افترى فيه على الإسلام. وقد التزم الغزالي الحجة والبرهان في الرد، ولم يلجأ إلى الشدة والتعنيف، وأبان عن سماحة الإسلام في معاملة أهل الكتاب، وتعرض للحروب الصليبية وما جرّته على الشرق الإسلامي من شرور وويلات، وما قام به الأسبانيون في القضاء على المسلمين في الأندلس بأبشع الوسائل وأكثرها هولا دون وازع من خلق أو ضمير. الغزالي وعبد الناصر بعد قيام ثورة 1952م، ونجاح قادتها في إحكام قبضتهم على البلاد، تنكروا لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت سببا في نجاح الثورة واستقرارها، ودأبوا على إحداث الفتنة بين صفوفها، ولولا يقظة المرشد الصلب "حسن الهضيبي" وتصديه للفتنة لحدث ما لا تُحمد عقباه، وكان من أثر هذه الفتنة أن شب نزاع بين الغزالي والإمام المرشد، انتهى بفصل الغزالي من الجماعة وخروجه من حظيرتها. وقد تناول الغزالي أحداث هذا الخلاف، وراجع نفسه فيه، وأعاد تقدير الموقف، وكتب في الطبعة الجديدة من كتابه "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث"، وهو الكتاب الذي دوّن فيه الغزالي أحداث هذا الخلاف فقال: "لقد اختلفت مع المغفور له الأستاذ حسن الهضيبي، وكنت حادّ المشاعر في هذا الخلاف؛ لأني اعتقدت أن بعض خصومي أضغنوا صدر الأستاذ حسن الهضيبي لينالوا مني، فلما التقيت به –عليه رحمة الله- بعد أن خرج من المعتقل تذاكرنا ما وقع، وتصافينا، وتناسينا ما كان. واتفقت معه على خدمة الدعوة الإسلامية، وعفا الله عما سلف". وهذا مما يحسب للغزالي، فقد كان كثير المراجعة لما يقول ويكتب، ولا يستنكف أن يؤوب إلى الصواب ما دام قد تبين له، ويعلن عن ذلك في شجاعة نادرة لا نعرفها إلا في الأفذاذ من الرجال. وظل الشيخ في هذا العهد يجأر بالحق ويصدع به، وهو مغلول اليد مقيد الخطو، ويكشف المكر السيئ الذي يدبره أعداء الإسلام، من خلال ما كتب في هذه الفترة الحالكة السواد مثل: "كفاح دين"، "معركة المصحف في العالم الإسلامي"، و"حصاد الغرور"، و"الإسلام والزحف الأحمر". ويُحسب للغزالي جرأته البالغة وشجاعته النادرة في بيان حقائق الإسلام، في الوقت الذي آثر فيه الغالبية من الناس الصمت والسكون؛ لأن فيه نجاة حياتهم من هول ما يسمعون في المعتقلات. ولم يكتفِ بعضهم بالصمت المهين بل تطوع بتزيين الباطل لأهل الحكم وتحريف الكلم عن مواضعه، ولن ينسى أحد موقفه في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي عُقد سنة (1382هـ = 1962م) حيث وقف وحده أمام حشود ضخمة من الحاضرين يدعو إلى استقلال الأمة في تشريعاتها، والتزامها في التزيِّي بما يتفق مع الشرع، وكان لكلام الغزالي وقعه الطيب في نفوس المؤمنين الصامتين في الوقت الذي هاجت فيه أقلام الفتنة، وسلطت سمومها على الشيخ الأعزل فارس الميدان، وخرجت جريدة "الأهرام" عن وقارها وسخرت من الشيخ في استهانة بالغة، لكن الأمة التي ظُن أنها قد استجابت لما يُدبَّر لها خرجت في مظاهرات حاشدة من الجامع الأزهر، وتجمعت عند جريدة الأهرام لتثأر لكرامتها وعقيدتها ولكرامة أحد دعاتها ورموزها، واضطرت جريدة الأهرام إلى تقديم اعتذار. في عهد السادات واتسعت دائرة عمل الشيخ في عهد الرئيس السادات، وبخاصة في الفترات الأولى من عهده التي سُمح للعلماء فيها بشيء من الحركة، استغله الغيورون من العلماء؛ فكثفوا نشاطهم في الدعوة، فاستجاب الشباب لدعوتهم، وظهر الوجه الحقيقي لمصر. وكان الشيخ الغزالي واحدًا من أبرز هؤلاء الدعاة، يقدمه جهده وجهاده ولسانه وقلمه، ورزقه الله قبولا وبركة في العمل؛ فما كاد يخطب الجمعة في جامع "عمرو بن العاص" -وكان مهملا لسنوات طويلة- حتى عاد إليه بهاؤه، وامتلأت أروقته بالمصلين. ولم يتخلَّ الشيخ الغزالي عن صراحته في إبداء الرأي ويقظته في كشف المتربصين بالإسلام، وحكمته في قيادة من ألقوا بأزمّتهم له، حتى إذا أعلنت الدولة عن نيتها في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر، وتسرب إلى الرأي العام بعض مواد القانون التي تخالف الشرع الحكيم؛ قال الشيخ فيها كلمته، بما أغضب بعض الحاكمين، وزاد من غضبهم التفاف الشباب حول الشيخ، ونقده بعض الأحوال العامة في الدولة، فضُيق عليه وأُبعد عن جامع عمرو بن العاص، وجُمّد نشاطه في الوزارة، فاضطر إلى مغادرة مصر إلى العمل في جامعة "أم القرى" بالمملكة العربية السعودية، وظل هناك سبع سنوات لم ينقطع خلالها عن الدعوة إلى الله، في الجامعة أو عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. في الجزائر ثم انتقل الشيخ الغزالي إلى الجزائر ليعمل رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسطنطينة، ولم يقتصر أثر جهده على تطوير الجامعة، وزيادة عدد كلياتها، ووضع المناهج العلمية والتقاليد الجامعية، بل امتد ليشمل الجزائر كلها؛ حيث كان له حديث أسبوعي مساء كل يوم إثنين يبثه التلفاز، ويترقبه الجزائريون لما يجدون فيه من معانٍ جديدة وأفكار تعين في فهم الإسلام والحياة. ولا شك أن جهاده هناك أكمل الجهود التي بدأها زعيما الإصلاح في الجزائر: عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، ومدرستهما الفكرية. ويقتضي الإنصاف القول بأن الشيخ كان يلقى دعما وعونا من رئيس الدولة الجزائرية "الشاذلي بن جديد"، الذي كان يرغب في الإصلاح، وإعادة الجزائر إلى عروبتها بعد أن أصبحت غريبة الوجه واللسان. وبعد السنوات السبع التي قضاها في الجزائر عاد إلى مصر ليستكمل نشاطه وجهاده في التأليف والمحاضرة حتى لقي الله وهو في الميدان الذي قضى عمره كله، يعمل فيه في (19 من شوال 1270هـ = 9 من مارس 1996م) ودفن بالبقيع في المدينة المنورة. الغزالي بين رجال الإصلاح يقف الغزالي بين دعاة الإصلاح كالطود الشامخ، متعدد المواهب والملكات، راض ميدان التأليف؛ فلم يكتفِ بجانب واحد من جوانب الفكر الإسلامي؛ بل شملت مؤلفاته: التجديد في الفقه السياسي ومحاربة الأدواء والعلل، والرد على خصوم الإسلام، والعقيدة والدعوة والأخلاق، والتاريخ والتفسير والحديث، والتصوف وفن الذكر. وقد أحدثت بعض مؤلفاته دويًّا هائلا بين مؤيديه وخصومه في أخريات حياته مثل كتابيه: "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" و"قضايا المرأة المسلمة". وكان لعمق فكره وفهمه للإسلام أن اتسعت دائرة عمله لتشمل خصوم الإسلام الكائدين له، سواء أكانوا من المسلمين أو من غيرهم، وطائفة كبيرة من كتبه تحمل هذا الهمّ، وتسد تلك الثغرة بكشف زيغ هؤلاء، ورد محاولاتهم للكيد للإسلام. أما الجبهة الأخرى التي شملتها دائرة عمله فشملت بعض المشتغلين بالدعوة الذين شغلوا الناس بالفروع عن الأصول وبالجزئيات عن الكليات، وبأعمال الجوارح عن أعمال القلوب، وهذه الطائفة من الناس تركزت عليهم أعمال الشيخ وجهوده؛ لكي يفيقوا مما هم فيه من غفلة وعدم إدراك، ولم يسلم الشيخ من ألسنتهم، فهاجموه في عنف، ولم يراعوا جهاده وجهده، ولم يحترموا فكره واجتهاده، لكن الشيخ مضى في طريقه دون أن يلتفت إلى صراخهم. وتضمنت كتبه عناصر الإصلاح التي دعا إليها على بصيرة؛ لتشمل تجديد الإيمان بالله وتعميق اليقين بالآخرة، والدعوة إلى العدل الاجتماعي، ومقاومة الاستبداد السياسي، وتحرير المرأة من التقاليد الدخيلة، ومحاربة التدين المغلوط، وتحرير الأمّة وتوحيدها، والدعوة إلى التقدم ومقاومة التخلف، وتنقية الثقافة الإسلامية، والعناية باللغة العربية. واستعان في وسائل إصلاحه بالخطبة البصيرة، التي تتميز بالعرض الشافي، والأفكار الواضحة التي يعد لها جيدا، واللغة الجميلة الرشيقة، والإيقاع الهادئ والنطق المطمئن؛ فلا حماسة عاتية تهيج المشاعر والنفوس، ولا فضول في الكلام يُنسي بضعه بعضا، وهو في خطبه معلِّم موجه، ومصلح مرشد، ورائد طريق يأخذ بيد صاحبه إلى بَر الأمان، وخلاصة القول أنه توافرت للغزالي من ملكات الإصلاح ما تفرق عند غيره؛ فهو: مؤلف بارع، ومجاهد صادق، وخطيب مؤثر، وخبير بأدواء المجتمع بصير بأدويته. اقرأ أيضًا: § الداعية المجدد الشيخ محمد الغزالى § مذكرات القرضاوي: إمامنا الشيخ الغزالي.. كم سعدت بصحبته!! § مذكرات القرضاوي: من الطور إلى هايكستب.. رحلة قاسية لا تنسى * من مصادر الدراسة: · يوسف القرضاوي: الشيخ الغزالي كما عرفته - دار الشروق - القاهرة - 1420-2000م. · عبد الحليم عويس وآخرون: الشيخ محمد الغزالي.. صور من حياة مجاهد عظيم ودراسة لجوانب من فكره - دار الصحوة للنشر - القاهرة 1413هـ = 1993م. · محمد عمارة: الشيخ محمد الغزالي.. الموقع الفكري والمعارك الحربية - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1992م. · محمد رجب بيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين - دار القلم - دمشق 1420هـ = 1999م. |
رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
الشيخ محمد الغزالي http://forum.amrkhaled.net/images/st.../wol_error.gifإضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي. http://www.baddawi-camp.com/forum/up...1261012917.gif كان الشيخ "محمد الغزالي" واحدًا من دعاة الإسلام العظام، ومن كبار رجال الإصلاح، اجتمع له ما لم يجتمع إلا لقليل من النابهين؛ فهو مؤمن صادق الإيمان، مجاهد في ميدان الدعوة، ملك الإسلام حياته؛ فعاش له، ونذر حياته كلها لخدمته، وسخر قلمه وفكره في بيان مقاصده وجلاء أهدافه، وشرح مبادئه، والذود عن حماه، والدفاع عنه ضد خصومه، لم يدع وسيلة تمكنه من بلوغ هدفه إلا سلكها؛ فاستعان بالكتاب والصحيفة والإذاعة والتلفاز في تبليغ ما يريد. رزقه الله فكرا عميقا، وثقافة إسلامية واسعة، ومعرفة رحيبة بالإسلام؛ فأثمر ذلك كتبا عدة في ميدان الفكر الإسلامي، تُحيي أمة، وتُصلح جيلا، وتفتح طريقا، وتربي شبابا، وتبني عقولا، وترقي فكرا. وهو حين يكتب أديب مطبوع، ولو انقطع إلى الأدب لبلغ أرفع منازله، ولكان أديبا من طراز حجة الأدب، ونابغة الإسلام "مصطفى صادق الرافعي"، لكنه اختار طريق الدعوة؛ فكان أديبها النابغ. ووهبه الله فصاحة وبيانا، يجذب من يجلس إليه، ويأخذ بمجامع القلوب فتهوي إليه، مشدودة بصدق اللهجة، وروعة الإيمان، ووضوح الأفكار، وجلال ما يعرض من قضايا الإسلام؛ فكانت خطبه ودروسه ملتقى للفكر ومدرسة للدعوة في أي مكان حل به. والغزالي يملك مشاعر مستمعه حين يكون خطيبا، ويوجه عقله حين يكون كاتبا؛ فهو يخطب كما يكتب عذوبة ورشاقة، وخطبه قطع من روائع الأدب. والغزالي رجل إصلاح عالم بأدواء المجتمع الإسلامي في شتى ربوعه، أوقف حياته على كشف العلل، ومحاربة البدع وأوجه الفساد في لغة واضحة لا غموض فيها ولا التواء، يجهر بما يعتقد أنه صواب دون أن يلتفت إلى سخط الحكام أو غضب المحكومين، يحرّكه إيمان راسخ وشجاعة مطبوعة، ونفس مؤمنة. المولد والنشأة في قرية "نكلا العنب" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر ولد الشيخ محمد الغزالي في (5 من ذي الحجة 1335هـ = 22 من سبتمبر 1917م) ونشأة في أسرة كريمة، وتربى في بيئة مؤمنة؛ فحفظ القرآن، وقرأ الحديث في منزل والده، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي، وظل به حتى حصل على الثانوية الأزهرية، ثم انتقل إلى القاهرة سنة (1356هـ =1937م) والتحق بكلية أصول الدين، وفي أثناء دراسته بالقاهرة اتصل بالإمام حسن البنا وتوثقت علاقته به، وأصبح من المقربين إليه، حتى إن الإمام البنا طلب منه أن يكتب في مجلة "الإخوان المسلمين" لما عهد فيه من الثقافة والبيان؛ فظهر أول مقال له وهو طالب في السنة الثالثة بالكلية، وكان البنا لا يفتأ يشجعه على مواصلة الكتابة حتى تخرج سنة (1360هـ = 1941م) ثم تخصص في الدعوة، وحصل على درجة "العالمية" سنة (1362هـ = 1943م) وبدأ رحلته في الدعوة في مساجد القاهرة. في ميدان الدعوة والفكر كان الميدان الذي خُلق له الشيخ الغزالي هو مجال الدعوة إلى الله على بصيرة ووعي، مستعينا بقلمه ولسانه؛ فكان له باب ثابت في مجلة الإخوان المسلمين تحت عنوان "خواطر حية" جلَّى قلمه فيها عن قضايا الإسلام ومشكلات المسلمين المعاصرة، وقاد حملات صادقة ضد الظلم الاجتماعي وتفاوت الطبقات وتمتُّع أقلية بالخيرات في الوقت الذي يعاني السواد الأعظم من شظف العيش. ثم لم يلبث أن ظهر أول مؤلفات الشيخ الغزالي بعنوان "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" سنة (1367هـ = 1947م) أبان فيه أن للإسلام من الفكر الاقتصادي ما يدفع إلى الثروة والنماء والتكافل الاجتماعي بين الطبقات، ثم أتبع هذا الكتاب بآخر تحت عنوان "الإسلام والمناهج الاشتراكية"، مكملا الحلقة الأولى في ميدان الإصلاح الاقتصادي، شارحا ما يراد بالتأمين الاجتماعي، وتوزيع الملكيات على السنن الصحيحة، وموضع الفرد من الأمة ومسئولية الأمة عن الفرد، ثم لم يلبث أن أصدر كتابه الثالث "الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين". والكتب الثلاثة تبين في جلاء جنوح الشيخ إلى الإصلاح في هذه الفترة المبكرة، وولوجه ميادين في الكتابة كانت جديدة تماما على المشتغلين بالدعوة والفكر الإسلامي، وطرْقه سبلا لم يعهدها الناس من قبله، وكان همُّ معظم المشتغلين بالوعظ والإرشاد قبله الاقتصار على محاربة البدع والمنكرات. في المعتقل ظل الشيخ يعمل في مجال الدعوة حتى ذاعت شهرته بين الناس لصدقه وإخلاصه وفصاحته وبلاغته، حتى هبّت على جماعة "الإخوان المسلمين" رياح سوداء؛ فصدر قرار بحلها في (صفر 1368هـ = ديسمبر 1948م) ومصادرة أملاكها والتنكيل بأعضائها، واعتقال عدد كبير من المنضمين إليها، وانتهى الحال باغتيال مؤسس الجماعة تحت بصر الحكومة وبتأييدها، وكان الشيخ الغزالي واحدا ممن امتدت إليهم يد البطش والطغيان، فأودع معتقل الطور مع كثير من إخوانه، وظل به حتى خرج من المعتقل في سنة (1369هـ = 1949م) ليواصل عمله، وهو أكثر حماسا للدعوة، وأشد صلابة في الدفاع عن الإسلام وبيان حقائقه. ولم ينقطع قلمه عن كتابة المقالات وتأليف الكتب، وإلقاء الخطب والمحاضرات، وكان من ثمرة هذا الجهد الدؤوب أن صدرت له جملة من الكتب كان لها شأنها في عالم الفكر مثل: "الإسلام والاستبداد السياسي" الذي انتصر فيه للحرية وترسيخ مبدأ الشورى، وعدّها فريضة لا فضيلة، وملزِمة لا مُعْلِمة، وهاجم الاستبداد والظلم وتقييد الحريات، ثم ظهرت له تأملات في: الدين والحياة، وعقيدة المسلم، وخلق المسلم. من هنا نعلم وفي هذه الفترة ظهر كتاب للأستاذ خالد محمد خالد بعنوان "من هنا نبدأ"، زعم فيه أن الإسلام دين لا دولة، ولا صلة له بأصول الحكم وأمور الدنيا، وقد أحدث الكتاب ضجة هائلة وصخبا واسعا على صفحات الجرائد، وهلل له الكارهون للإسلام، وأثنوا على مؤلفه، وقد تصدى الغزالي لصديقه خالد محمد خالد، وفند دعاوى كتابه في سلسلة مقالات، جُمعت بعد ذلك في كتاب تحت عنوان "من هنا نعلم". ويقتضي الإنصاف أن نذكر أن الأستاذ خالد محمد خالد رجع عن كل سطر قاله في كتابه "من هنا نبدأ"، وألّف كتابا آخر تحت عنوان "دين ودولة"، مضى فيه مع كتاب الغزالي في كل حقائقه. ثم ظهر له كتاب "التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام"، وقد ألفه على مضض؛ لأنه لا يريد إثارة التوتر بين عنصري الأمة، ولكن ألجأته الظروف إلى تسطيره ردًّا على كتاب أصدره أحد الأقباط، افترى فيه على الإسلام. وقد التزم الغزالي الحجة والبرهان في الرد، ولم يلجأ إلى الشدة والتعنيف، وأبان عن سماحة الإسلام في معاملة أهل الكتاب، وتعرض للحروب الصليبية وما جرّته على الشرق الإسلامي من شرور وويلات، وما قام به الأسبانيون في القضاء على المسلمين في الأندلس بأبشع الوسائل وأكثرها هولا دون وازع من خلق أو ضمير. الغزالي وعبد الناصر بعد قيام ثورة 1952م، ونجاح قادتها في إحكام قبضتهم على البلاد، تنكروا لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت سببا في نجاح الثورة واستقرارها، ودأبوا على إحداث الفتنة بين صفوفها، ولولا يقظة المرشد الصلب "حسن الهضيبي" وتصديه للفتنة لحدث ما لا تُحمد عقباه، وكان من أثر هذه الفتنة أن شب نزاع بين الغزالي والإمام المرشد، انتهى بفصل الغزالي من الجماعة وخروجه من حظيرتها. وقد تناول الغزالي أحداث هذا الخلاف، وراجع نفسه فيه، وأعاد تقدير الموقف، وكتب في الطبعة الجديدة من كتابه "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث"، وهو الكتاب الذي دوّن فيه الغزالي أحداث هذا الخلاف فقال: "لقد اختلفت مع المغفور له الأستاذ حسن الهضيبي، وكنت حادّ المشاعر في هذا الخلاف؛ لأني اعتقدت أن بعض خصومي أضغنوا صدر الأستاذ حسن الهضيبي لينالوا مني، فلما التقيت به –عليه رحمة الله- بعد أن خرج من المعتقل تذاكرنا ما وقع، وتصافينا، وتناسينا ما كان. واتفقت معه على خدمة الدعوة الإسلامية، وعفا الله عما سلف". وهذا مما يحسب للغزالي، فقد كان كثير المراجعة لما يقول ويكتب، ولا يستنكف أن يؤوب إلى الصواب ما دام قد تبين له، ويعلن عن ذلك في شجاعة نادرة لا نعرفها إلا في الأفذاذ من الرجال. وظل الشيخ في هذا العهد يجأر بالحق ويصدع به، وهو مغلول اليد مقيد الخطو، ويكشف المكر السيئ الذي يدبره أعداء الإسلام، من خلال ما كتب في هذه الفترة الحالكة السواد مثل: "كفاح دين"، "معركة المصحف في العالم الإسلامي"، و"حصاد الغرور"، و"الإسلام والزحف الأحمر". ويُحسب للغزالي جرأته البالغة وشجاعته النادرة في بيان حقائق الإسلام، في الوقت الذي آثر فيه الغالبية من الناس الصمت والسكون؛ لأن فيه نجاة حياتهم من هول ما يسمعون في المعتقلات. ولم يكتفِ بعضهم بالصمت المهين بل تطوع بتزيين الباطل لأهل الحكم وتحريف الكلم عن مواضعه، ولن ينسى أحد موقفه في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي عُقد سنة (1382هـ = 1962م) حيث وقف وحده أمام حشود ضخمة من الحاضرين يدعو إلى استقلال الأمة في تشريعاتها، والتزامها في التزيِّي بما يتفق مع الشرع، وكان لكلام الغزالي وقعه الطيب في نفوس المؤمنين الصامتين في الوقت الذي هاجت فيه أقلام الفتنة، وسلطت سمومها على الشيخ الأعزل فارس الميدان، وخرجت جريدة "الأهرام" عن وقارها وسخرت من الشيخ في استهانة بالغة، لكن الأمة التي ظُن أنها قد استجابت لما يُدبَّر لها خرجت في مظاهرات حاشدة من الجامع الأزهر، وتجمعت عند جريدة الأهرام لتثأر لكرامتها وعقيدتها ولكرامة أحد دعاتها ورموزها، واضطرت جريدة الأهرام إلى تقديم اعتذار. في عهد السادات واتسعت دائرة عمل الشيخ في عهد الرئيس السادات، وبخاصة في الفترات الأولى من عهده التي سُمح للعلماء فيها بشيء من الحركة، استغله الغيورون من العلماء؛ فكثفوا نشاطهم في الدعوة، فاستجاب الشباب لدعوتهم، وظهر الوجه الحقيقي لمصر. وكان الشيخ الغزالي واحدًا من أبرز هؤلاء الدعاة، يقدمه جهده وجهاده ولسانه وقلمه، ورزقه الله قبولا وبركة في العمل؛ فما كاد يخطب الجمعة في جامع "عمرو بن العاص" -وكان مهملا لسنوات طويلة- حتى عاد إليه بهاؤه، وامتلأت أروقته بالمصلين. ولم يتخلَّ الشيخ الغزالي عن صراحته في إبداء الرأي ويقظته في كشف المتربصين بالإسلام، وحكمته في قيادة من ألقوا بأزمّتهم له، حتى إذا أعلنت الدولة عن نيتها في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر، وتسرب إلى الرأي العام بعض مواد القانون التي تخالف الشرع الحكيم؛ قال الشيخ فيها كلمته، بما أغضب بعض الحاكمين، وزاد من غضبهم التفاف الشباب حول الشيخ، ونقده بعض الأحوال العامة في الدولة، فضُيق عليه وأُبعد عن جامع عمرو بن العاص، وجُمّد نشاطه في الوزارة، فاضطر إلى مغادرة مصر إلى العمل في جامعة "أم القرى" بالمملكة العربية السعودية، وظل هناك سبع سنوات لم ينقطع خلالها عن الدعوة إلى الله، في الجامعة أو عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. في الجزائر ثم انتقل الشيخ الغزالي إلى الجزائر ليعمل رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسطنطينة، ولم يقتصر أثر جهده على تطوير الجامعة، وزيادة عدد كلياتها، ووضع المناهج العلمية والتقاليد الجامعية، بل امتد ليشمل الجزائر كلها؛ حيث كان له حديث أسبوعي مساء كل يوم إثنين يبثه التلفاز، ويترقبه الجزائريون لما يجدون فيه من معانٍ جديدة وأفكار تعين في فهم الإسلام والحياة. ولا شك أن جهاده هناك أكمل الجهود التي بدأها زعيما الإصلاح في الجزائر: عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، ومدرستهما الفكرية. ويقتضي الإنصاف القول بأن الشيخ كان يلقى دعما وعونا من رئيس الدولة الجزائرية "الشاذلي بن جديد"، الذي كان يرغب في الإصلاح، وإعادة الجزائر إلى عروبتها بعد أن أصبحت غريبة الوجه واللسان. وبعد السنوات السبع التي قضاها في الجزائر عاد إلى مصر ليستكمل نشاطه وجهاده في التأليف والمحاضرة حتى لقي الله وهو في الميدان الذي قضى عمره كله، يعمل فيه في (19 من شوال 1270هـ = 9 من مارس 1996م) ودفن بالبقيع في المدينة المنورة. الغزالي بين رجال الإصلاح يقف الغزالي بين دعاة الإصلاح كالطود الشامخ، متعدد المواهب والملكات، راض ميدان التأليف؛ فلم يكتفِ بجانب واحد من جوانب الفكر الإسلامي؛ بل شملت مؤلفاته: التجديد في الفقه السياسي ومحاربة الأدواء والعلل، والرد على خصوم الإسلام، والعقيدة والدعوة والأخلاق، والتاريخ والتفسير والحديث، والتصوف وفن الذكر. وقد أحدثت بعض مؤلفاته دويًّا هائلا بين مؤيديه وخصومه في أخريات حياته مثل كتابيه: "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" و"قضايا المرأة المسلمة". وكان لعمق فكره وفهمه للإسلام أن اتسعت دائرة عمله لتشمل خصوم الإسلام الكائدين له، سواء أكانوا من المسلمين أو من غيرهم، وطائفة كبيرة من كتبه تحمل هذا الهمّ، وتسد تلك الثغرة بكشف زيغ هؤلاء، ورد محاولاتهم للكيد للإسلام. أما الجبهة الأخرى التي شملتها دائرة عمله فشملت بعض المشتغلين بالدعوة الذين شغلوا الناس بالفروع عن الأصول وبالجزئيات عن الكليات، وبأعمال الجوارح عن أعمال القلوب، وهذه الطائفة من الناس تركزت عليهم أعمال الشيخ وجهوده؛ لكي يفيقوا مما هم فيه من غفلة وعدم إدراك، ولم يسلم الشيخ من ألسنتهم، فهاجموه في عنف، ولم يراعوا جهاده وجهده، ولم يحترموا فكره واجتهاده، لكن الشيخ مضى في طريقه دون أن يلتفت إلى صراخهم. وتضمنت كتبه عناصر الإصلاح التي دعا إليها على بصيرة؛ لتشمل تجديد الإيمان بالله وتعميق اليقين بالآخرة، والدعوة إلى العدل الاجتماعي، ومقاومة الاستبداد السياسي، وتحرير المرأة من التقاليد الدخيلة، ومحاربة التدين المغلوط، وتحرير الأمّة وتوحيدها، والدعوة إلى التقدم ومقاومة التخلف، وتنقية الثقافة الإسلامية، والعناية باللغة العربية. واستعان في وسائل إصلاحه بالخطبة البصيرة، التي تتميز بالعرض الشافي، والأفكار الواضحة التي يعد لها جيدا، واللغة الجميلة الرشيقة، والإيقاع الهادئ والنطق المطمئن؛ فلا حماسة عاتية تهيج المشاعر والنفوس، ولا فضول في الكلام يُنسي بضعه بعضا، وهو في خطبه معلِّم موجه، ومصلح مرشد، ورائد طريق يأخذ بيد صاحبه إلى بَر الأمان، وخلاصة القول أنه توافرت للغزالي من ملكات الإصلاح ما تفرق عند غيره؛ فهو: مؤلف بارع، ومجاهد صادق، وخطيب مؤثر، وخبير بأدواء المجتمع بصير بأدويته. اقرأ أيضًا: § الداعية المجدد الشيخ محمد الغزالى § مذكرات القرضاوي: إمامنا الشيخ الغزالي.. كم سعدت بصحبته!! § مذكرات القرضاوي: من الطور إلى هايكستب.. رحلة قاسية لا تنسى * من مصادر الدراسة: · يوسف القرضاوي: الشيخ الغزالي كما عرفته - دار الشروق - القاهرة - 1420-2000م. · عبد الحليم عويس وآخرون: الشيخ محمد الغزالي.. صور من حياة مجاهد عظيم ودراسة لجوانب من فكره - دار الصحوة للنشر - القاهرة 1413هـ = 1993م. · محمد عمارة: الشيخ محمد الغزالي.. الموقع الفكري والمعارك الحربية - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1992م. · محمد رجب بيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين - دار القلم - دمشق 1420هـ = 1999م. |
رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )
عمـر بـن عبـد العـزيـز خـامـس الخلفـاء الـراشـديـن شخصية عمر بن عبد العزيز . نبـذة عـن حيـاتـه : عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص كنيته أبو حفص ولقب بالخليفة الصالح ، وبالملك العادل ، وبخامس الخلفاء الراشدين ، ولد في حلوان بمصر سنة 61هـ ، وكان أبوه والياً على مصر حين ولادته ، أمه ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب . ضربته دابة في وجهه وهو غلام فجعل أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول : "إن كنت أشج بني مروان فإنك لسعيد" وذلك لأن سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول : "من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلاً" . رواه الإمامان البيهقي وابن عساكر . كان والي المدينة للوليد بن عبد الملك ووزير سليمان بن عبد الملك بالشام . تعلم على مشايخ قريش ، وتأدب بأدبهم ، واشتهر ذكره ، فلما مات أبوه أخذه عمه عبد الملك وخلطه بولده وقدمه على كثير منهم وزوجه ابنته فاطمة . قال عنه محمد بن علي بن الحسين "أمَا عَلِمتَ أنَّ لكُلِّ قوم نجيباً .. وأن نجيب بني أُمية عمر بن عبد العزيز وأنه يُبعث يوم القيامة أُمَّة وَحْدَهُ". بويع بالخلافة بعد موت ابن عمه سليمان بن عبد الملك سنة 99 هـ ، كان شديد التنعم ، فترك كل النعيم والمتاع بعد توليه الخلافة . ولى على البلاد والقضاء والجيش خيرة الخلق وقتها .. كالحسن البصري ، والفزاري ، وإياس بن معاوية، والشعبي، وعبد الرحمن الغافقي، والسمح بن مالك الخولاني ... وغيرهم . كان شديد المحاسبة لولاته ، فعزل الجراح الحكمي ، لأنه أخذ الجزية ممن أسلم من الكفار حيث علم أنهم أسلموا فراراً منها . غزا بلاد الروم ووصلت جيوشه بقيادة السمح بن مالك الخولاني إلى فرنسا ، أعطى الفقراء وزوج الشباب وامتلأت خزائن بيت مال المسلمين ولم يجدوا فقيراً يعطونه . أصلح الأراضي الزراعية وحفر الآبار وعمّر الطرق وأعدّ الخانات لأبناء السبيل وأقام المساجد ، وأعاد الأراضي المغتصبة لبيت مال المسلمين . كتب إلى أحد ولاته يقول : "إذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم ، فاذكر قدرة الله تعالى عليك ، ونفاد ما تأتي إليهم ، وبقاء ما يأتون إليك" .... عنه الشافعي : الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز. حدثت زوجته أنه يكون في الفراش فيتذكر الآخرة فينتفض كما ينتفض العصفور في الماء ويجلس ويبكي ، فتقول زوجته يا ليت بيننا وبين الخلافة بعد المشرقين . قال عنه الصحابي الجليل أنس بن مالك : "ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله من هذا الفتى" رواه النسائي في سننه . مات وهو ابن تسع وثلاثين سنة ونصف . من العوامل التي أثـرت فـي تكـويـن شخصيـة عمـر بـن عبـد العـزيـز : 1ـ الواقع الأسري : نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة، فلما شب وعقل وهو غلام صغير كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه منه، ثم يرجع إلى أمـه فيقول: يا أم أنا أحب أن أكون مثل خالي ـ يريد عبد الله بن عمر ـ فلما كبر سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميرًا عليها، ثم كتب إلى زوجته أم عاصم أن تقدم عليه وتقدم بولدها، فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته بكتاب زوجها عبد العزيز إليها فقال لها: يا ابنة أخي هو زوجك فالحقي به، فلما أرادت الخروج قال لها: خلفي هذا الغلام عندنا ـ يريد عمر ـ فإنه أشبهكم بنا أهل البيت فخلفته عنده ولم تخالفه، فلما قدمت على عبد العزيز اعترض ولده فإذا هو لا يرى عمر، قال لها: وأين عمر؟ فأخبرته خبر عبد الله وما سألها من تخليفه عنده لشبهه بهم، فسرّ بذلك عبد العزيز، وكتب إلى أخيه عبد الملك يخبره بذلك، فكتب عبد الملك أن يجري عليه ألف دينار في كل شهر، وهكذا تربى عمر رحمه الله تعالى بين أخواله بالمدينة من أسرة عمر بن الخطاب، ولا شك أنه تأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة. 2 ـ إقباله المبكر على طلب العلم وحفظه القرآن الكريم : فقد رزق منذ صغره حب الإقبال على طلب العلم وحب المطالعة والمذاكرة بين العلماء كما كان يحرص على ملازمة مجالس العلم في المدينة وكانت يومئذ منارة العلم والصلاح زاخرة بالعلماء والفقهاء والصالحين، وتاقت نفسه للعلم وهو صغير وكان أول ما ظهر من رشد عمر بن عبد العزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب، وجمع عمر بن عبد العزيز القرآن وهو صغير وساعده على ذلك صفاء نفسه وقدرته الكبيرة على الحفظ وتفرغه الكامل لطلب العلم والحفظ. وقد تأثر كثيراً بالقرآن الكريم في نظرته لله عز وجل والحياة والكون والجنة والنار، والقضاء والقدر، وحقيقة الموت وكان يبكي لذكر الموت بالرغم من حداثة سنه فبلغ ذلك أمه فأرسلت إليه وقالت ما يبكيك؟ قال: ذكرت الموت. فبكت أمه حين بلغها ذلك ، وقد عاش طيلة حياته مع كتاب الله عز وجل متدبراً ومنفذاً لأوامره، ومن مواقفه مع القرآن الكريم: أ- عن ابن أبي طالب: قال: حدثني من شهد عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة، وقرأ عنده رجل: وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا [الفرقان: 13]. فبكى عمر حتى غلبه البكاء وعلا نشيجه، فقام من مجلسه فدخل بيته، وتفرق الناس . ب ـ وعن أبي مودود قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قرأ ذات يوم: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس: 61]. فبكى بكاءً شديداً حتى سمعه أهل الدار، فجاءت فاطمة ـ زوجته ـ فجعلت تبكي لبكائه وبكى أهل الدار لبكائهم، فجاء عبد الملك، فدخل عليهم وهم على تلك الحال يبكون فقال: يا أبه، ما يبكيك؟ قال: خير يا بني، ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه، والله يا بني لقد خشيت أن أهلك والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار . جـ- وعن ميمون بن مهران قال: قرأ عمر بن عبد العزيز ألهاكم التكاثر فبكى ثم قال: حتى زرتم المقابر ما أرى المقابر إلا زيارة ، ولابد لمن يزورها أن يرجع إلى جنة أو إلى النار ، هذه بعض المواقف التي تبين تأثير القرآن الكريم على شخصية عمر بن عبد العزيز. 3 ـ الواقع الاجتماعي : إن البيئة الاجتماعية المحيطة لها دور فعال ومهم في صناعة الرجال وبناء شخصيتهم، فعمر بن عبد العزيز عاش في زمن ساد فيه مجتمع التقوى والصلاح والإقبال على طلب العلم والعمل بالكتاب والسنة، فقد كان عدد من الصحابة لا زالوا بالمدينة، فقد حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحاً شرب منه النبي ، وأمّ بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى ، فكان للإقامة بالمدينة آثار نفسية ومعان إيمانية، وتعلق روحي، وكان لذلك المجتمع قوة التأثير في صياغة شخصية عمر بن عبد العزيز العلمية والتربوية . 4 ـ تربيته على أيدي كبار فقهاء المدينة وعلمائها : اختار عبد العزيز والد عمر صالح بن كيسان ليكون مربياً لعمر بن عبد العزيز، فتولى صالح تأديبه وكان يلزم عمر الصلوات المفروضة في المسجد، فحدث يوماً أن تأخر عمر بن عبد العزيز عن الصلاة مع الجماعة فقال صالح بن كيسان ما يشغلك؟ قال: كانت مرجّلتي، (مرجلتي: مسرحة شعري) تسكن شعري، فقال: بلغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟ فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك، فبعث أبوه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه ، وحرص على التشبه بصلاة رسول الله أشد الحرص، فكان يتم الركوع والسجود ويخفِّف القيام ، والقعود ، ولمّا حج أبوه ومرّ بالمدينة سأل صالح بن كيسان عن ابنه فقال: ما خبرت أحداً الله أعظم في صدره من هذا الغلام ، ومن شيوخ عمر بن عبد العزيز الذين تأثر بهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فقد كان عمر يجله كثيراً ونهل من علمه وتأدب بأدبه وتردد عليه حتى وهو أمير المدينة، ولقد عبّر عمر عن إعجابه بشيخه وكثرة التردد إلى مجلسه فقال: لمجلس من الأعمى: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحب إليّ من ألف دينار ، وكان يقول في أيام خلافته لمعرفته بما عند شيخه من علم غزير، لو كان عبيد الله حياً ما صدرت إلا عن رأيه ولوددت أن لي بيوم واحد من عبيد الله كذا وكذا ، وكان عبيد الله مفتي المدينة في زمانه، وأحد الفقهاء السبعة ، قال عنه الزهري: كان عبيد الله بن عبد الله بحراً من بحور العلم ، وكان يقرض الشعر، فقد كتب إلى عمر بن عبد العزيز هذه الأبيات: بسم الذي أنـزلت مـن عنده السـور والحمــد لله أمّـا بعــد يـا عــمـر إن كنـت تعلـم مـا تـأتـي ومـا تـذر فكـن علـى حـذر قـد ينفع الحـذر واصبـر على القـدر المحتوم وأرض به وإن أتــاك بمـا لا تـشتـهي القــدر فمـا صفــا لامـرئ عيـش يُســرٌّ بـه إلا سيتبـع يــومــاً صـفــوه كــدر ومن شيوخ عمر سعيد بن المسيب ، ومن شيوخه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قال فيه سعيد بن المسيب: كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به . وتربي وتعلم عمر بن عبد العزيز على يدي كثير من العلماء والفقهاء وقد بلغ عدد شيوخ عمر بن عبد العزيز ثلاثة وثلاثين، وثمانية منهم من الصحابة وخمسة وعشرون من التابعين ، فقد نهل من علمهم وتأدب بأدبهم ولازم مجالسهم حتى ظهرت آثار هذه التربية المتينة في أخلاقه وتصرفاته فامتاز بصلابة الشخصية والجدية في معالجة الأمور والحزم وإمعان الفكر وإدامة النظر في القرآن، والإرادة القوية والترفع عن الهزل والمزاح ، هذه هي أهم العوامل التي أثرت في تكوين شخصيته . معا الى الجزء ........................ الثاني |
الساعة الآن : 05:20 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour