كسوف الشمس وخسوف القمر
خلق الله الليل والنهار والشمس والقمر لحكمة بالغة وغاية سامية ، فهم يسبحون الله تعالى لقوله تعالى : { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون } ( يس40 ) ، فالليل سكن وراحة واطمئنان والقمر نوره ، أما النهار فمعاش وكد وتعب ونصب والشمس ضياؤه ، ولهذا قال الله تعالى : { وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً } ( الفرقان47 ) ، والله تعالى حكيم عليم لا يخلق شيئاً عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإنما خلق كل شيء لحكمة ، ومما خلق الله تعالى الشمس والقمر ، وهما آيتان من آيات الله تعالى خلقا من أجل مصلحة عامة أو خاصة وكل ذلك بتقدير الله عز وجل ، فقال جل من قائل سبحانه : { هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون } ( يونس5 ) ، وقال تعالى : { فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم } ( الأنعام96 ) ، يقول بن كثير في تفسير هذه الآية : [ والشمس والقمر حسباناً أي يجريان بحساب مقنن مقدر ، لا يتغير ولا يضطرب ، بل لكل منهما منازل يسلكها في الصيف والشتاء ، فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً ] انتهى . وقال بن سعدي في تفسير هذه الآية : [ والشمس والقمر حسباناً ، بهما تعرف الأزمنة والأوقات فتنضبط بذلك أوقات العبادات ، وآجال المعاملات ، ويعرف بها مدة ما مضى من الأوقات ] انتهى . ومن حكته الله تعالى أن جعل في تلك الآيتين العظيمتين ـ الشمس والقمر ـ جعل فيهما تخويفاً لعباده إذا طغوا وبغوا ، أن يراجعوا دينهم قبل أن يحل بهم عذاب ربهم ، ولهذا كان الكسوف والخسوف ظاهرتين غريبتين يخوف الله بهما عباده ، قال تعالى : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } ( الإسراء59 ) . لذلك كان الدافع للكسوف والخسوف هو تخويف العباد ، وليس أموراً فلكية عادية طبيعية كما يصورها أعداء الملة والدين ليبعدوا المسلمين عن دينهم فتقسوا قلوبهم ولا يعد لديهم أي اهتمام بهذه الآية العظيمة ، حتى أن البعض منهم يفرح ويستبشر بوجود هاتين الآيتين ، ومنهم من يذهب إلى قمم الجبال وأعالي التلال ليشاهدوا ذلك الحدث العظيم بالمناظير والتلسكوبات ويغمرهم الفرح والسرور ، وغفلوا بل عميت عقولهم عن السبب الحقيقي لذلك ، فسبحان الله العظيم . ومعلوم أن الكسوف والخسوف لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فالأمر أكبر من ذلك وأخطر ، فهي آيات من آيات الله تعالى الدالة على عظمته وجبروته وقوته ليخوف بها عباده حتى يتوبوا إلى بارئهم ويعودوا إلى دينهم . فالواجب إذا رأى الناس ذلك أن يفزعوا خائفين وجلين ، ويتضرعوا إلى الله بالدعاء والتوبة والإنابة إليه ، وأن يكثروا من الصدقة والاستغفار وأعمال البر والخير ، والإحسان إلى الفقراء والمساكين ، ومساعدة اليتامى والأرامل ، وأن يهرعوا إلى الصلاة ، وهي صلاة غير مألوفة ، لم يألفها الناس ولم يعتادوها . حال السلف والخلف مع صلاة الكسوف والخسوف : كسفت الشمس في عهد رسول الله http://vb.islam2all.com/images/smili...Sala-allah.png ففزع وفزع معه المسلمون فزعاً شديداً ، وخرج عليه الصلاة والسلام مسرعاً إلى المصلى حتى أن رداءه سقط من عليه ولم يشعر به من شدة فزعه وخوفه وهول تلك الآية العظيمة ، وعندما وصل المصلى نادى مناد بالناس ( الصلاة جامعة ) ، فاجتمع الناس رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً ، فصلى بهم صلاة غريبة لغرابة واقعتها ، والناس يصرخون ويبكون خوفاً من الله تعالى ، ولقد رأى النبي http://vb.islam2all.com/images/smili...Sala-allah.png في تلك الصلاة الجنة والنار ورأى أموراً جساماً ، فرأى النار ، فقال : ما رأيت منظراً أفظع منها ـ اللهم أجرنا من النار ـ ثم بعد الصلاة خطب الناس خطبة بليغة وعظهم وذكرهم بربهم سبحانه . أما حالنا اليوم مع الكسوف والخسوف فحال غريبة قد لا يمت للإسلام بصلة والعياذ بالله ، فكم وقع الكسوف والخسوف ، وكم صلينا تلك الصلاة ، ومع ذلك فالناس بل أكثرهم ما بين لهو ولعب ، ومشاهدة للحرام عبر القنوات والشاشات والمجلات ، وبين جلوس على الشوارع والأرصفة لسماع دندنة خبيثة محرمة ، وما بين نائمون لا هون غافلون وغارقون في بحر الذنوب والمعاصي ، فإذا رأوا تلك الآيات لم يحرك ذلك فيهم ساكناً ، فهل بعد هذه الغفلة من غفلة ، فهم سكارى وما هم بسكارى ، ألهتهم المغريات والملهيات ، فلا إله إلا الله . وسبب ذلك ما أوقعه أعداء الدين في قلوب المسلمين ، من تهوين وتسهيل لأمر الكسوف والخسوف ، وأن ذلك أمر طبيعي يحدث كل عام ، وأن سببه ظاهر طبيعية لا خوف ولا قلق منها البتة ، حتى قست قلوب كثير من المسلمين فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، والصحيح غير ذلك إطلاقاً ، فالكسوف والخسوف كما أسلفنا آيتان من آيات الله تعالى يظهرهما لحكمة بالغة ، ليراجع الناس دينهم ويصحوا من غفلتهم ، فتم للأعداء ما أرادوا فتساهل الناس بأمر الكسوف والخسوف ، حتى لم يقبل على المساجد إلا كبار السن ومن كتب الله لهم الهداية والتوفيق ، أما الآخرون فهم غارقون في سباتهم وغفلتهم ولهوهم ولعبهم ، لا خوف ولا حياء من الله تعالى ، وهذه مخططات صهيونية نصرانية لابعاد المسلمين عن دينهم حتى يقعوا فريسة في حبائل الشيطان وأعوانه من الإنس ـ أعاذ الله المسلمين من ذلك وردهم إليه رداً جميلاً . فأقول : أين هؤلاء الخلف عن أولئك السلف ؟ أين نحن عن خير القرون قرن النبي http://vb.islam2all.com/images/smili...Sala-allah.png وصحابته الكرام رضوان الله عليهم عندما رأوا تلك الآية العظيمة هرعوا جميعاً إلى الصلاة وهم يبكون ويجأرون إلى الله بالصلاة والدعاء ، أين تلك الحال من حالنا بعض المسلمين اليوم الذين إذا رأوا تلك الآيات العظام هرعوا إلى الطرب والرقص واستعدوا مبكراً لرؤية الكسوف والخسوف ـ نعوذ بالله من الغفلة . أسباب الكسوف والخسوف : هناك سببان للكسوف والخسوف ، بسببهما يقع كل منهما : أولاً : سبب حسي : فسبب كسوف الشمس ، أن القمر يقع بينها وبين الأرض فيحجب بعض ضوئها عن الأرض ولا يحجب ضوءها كله لأن الشمس أكبر وأرفع من القمر ، لذلك لا يمكن أن يحدث كسوف كلي على بقاع الأرض . وخسوف القمر يحدث بسبب وقوع الأرض بين الشمس والقمر ، فتحول الأرض بينهما ، ومعلوم أن القمر جرم معتم يستمد نوره من الشمس ، فإذا حالت الأرض بينهما وقع الخسوف . ثانياً : السبب الشرعي : يتضح ذلك جلياً في الحديث الذي رواه المغير بن شعبة قال : كسفت الشمس على عهد رسول الله http://vb.islam2all.com/images/smili...Sala-allah.png يوم مات إبراهيم فقال الناس : كسفت الشمس لموت إبراهيم ، فقال رسول الله http://vb.islam2all.com/images/smili...Sala-allah.png : [ إن الشمس والقمر لاينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا الله ] ( البخاري مع الفتح 3/223 ) . وعن أبي بكرة قال : قال رسول الله http://vb.islam2all.com/images/smili...Sala-allah.png : [ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ، ولكن الله تعالى يخوف بها عباده ] ( البخاري مع الفتح 3/235 ) . إذاً السبب الشرعي في حدوث الكسوف والخسوف هو تخويف الله للعباد ، ليتركوا ما وقعوا فيه من الذنوب والمعاصي والآثام الجسام ، وتوالى حدوث تلك الآيات في هذا الوقت بالذات لكثرة المغريات الحياتية ، والانفتاحية والإباحية التي تعيشها معظم المجتمعات ، فانجرف الناس في تيار الحضارة الزائفة ، فضلوا أنفسهم وأضلوا غيرهم ، فأرسل الله تبارك وتعالى تلك الآيات تخويفاً وإنذاراً لعباده كيلا يحل بهم ما بحل بمن سبقهم من الأمم الغابرة ، فعليهم أن يرجعوا إلى ربهم ويعودوا إلى دينهم حتى لا يقع بهم سخط الله وغضبه ، قال تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } ( الروم41 ) . فالواجب على المسلم إذا رأى تلك الآيات العظام والعلامات الجسام أن يبادل إلى طاعة ربه ومولاه ، وأن يفزع إلى الصلاة خوفاً من ربه سبحانه ، ويترك ماسوى ذلك من ملاه وملاعب ومغريات . وقت الكسوف والخسوف : أما بالنسبة لكسوف الشمس فلا يمكن أن يحدث إلا في أواخر ليلة الثامن والعشرين ، أو التاسع والعشرين ، أو الثلاثين ، لأنه في تلك الأيام يكون القمر قريباً من الشمس فيحجب بعض ضوئها عن الأرض فيحدث الكسوف . أما خسوف القمر فلا يحدث إلا في أيام إبدار القمر ، أي في الأيام التي يكون فيها القمر بدراً ، ويكون ذلك في ليلة الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر . ( انظر فتاوى بن تيمية 12/370 ) . |
رد: كسوف الشمس وخسوف القمر
جزاك الله خيرا فراشتنا ونفع الله بك
موضوع مميز كعادتك حبيبتي .. |
رد: كسوف الشمس وخسوف القمر
مشكوره اختِ وجزاكِ الله خيرالدنيا والاخره
|
رد: كسوف الشمس وخسوف القمر
اقتباس:
وجزاكِ من كل خيراته ونعمه أسعدني مرورك يا أغلى أخت :o تمنياتي لكِ بالنفع والفائدة أثابك الله |
رد: كسوف الشمس وخسوف القمر
شكرا لك
وبارك الله بك اختي الفاضلة المتميزة الفراشة المتالقة موضوع مهم ومميز بارك الله فيك دمت بجفظ الله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم |
رد: كسوف الشمس وخسوف القمر
جزاك الله خيرا اختي الكريمة على الطرح المبارك
ونسأل الله تعالى العفو والعافية بالتوفيق |
رد: كسوف الشمس وخسوف القمر
اقتباس:
الشكر لله عزيزتي وجزاكِ بمثل ما دعوتِ لي وزيادة . دمتِ بحفظه محفوفة |
رد: كسوف الشمس وخسوف القمر
مشكوره اختِ وجزاكِ الله خيرالدنيا والاخره
|
رد: كسوف الشمس وخسوف القمر
السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة بارك الله فيكِ حبيبتى الغاليه فرشتنا العطرة الفراشه المتألقه وجزاكِ الله خيرا |
الساعة الآن : 03:34 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour