الرسائل الاسبوعية للمرشد العام للاخوان(متجدد)
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغرِّ المحجَّلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد.. فإن الشباب في كل أمة هم عماد نهضتها، وسرُّ قوتها؛ فهم الذين تتوفَّر فيهم القوة والفتوَّة، والحماس للعمل، والقدرة على بذل الجهد، والعزيمة والإرادة، والرغبة في التضحية، وتلك أمورٌ لا تنهض الأمم إلا بها، ولا تجتاز العقبات والكبوات إلا بتوافرها. والله تبارك وتعالى يبارك مَن يستخدم قوته وشبابه لنصرة الحق وتدعيم بنيانه، ومواجهة الباطل وتقويض أركانه؛ فوصف فئةً منهم بأنهم (... فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)) (الكهف). وبيَّن سبحانه أن الذين ناصروا موسى النبى عليه السلام ضد فرعون الطاغية هم الشباب؛ على حين خاف الشيوخ وجبُنوا.. (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83)) (يونس)، وأمر نبيَّه الشاب يحيى (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)) (مريم) فالشباب هم الذين ناصروا دعوات الحق في كل أطوارها ومراحلها، هكذا كان أصحاب موسى وحواري عيسى وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جُلُّ أصحابه من الشباب الفتي (أمثال: علي بن أبي طالب ومصعب بن عمير وأسامة بن زيد وعمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وغيرهم)، وكذلك كان قادة النصر وجنوده البواسل في المعارك الفاصلة في حطين وعين جالوت، وغيرها من الشباب القويّ الجادّ التقيّ المجاهد المحتسب. وفي نهضتنا الإسلامية المعارضة بدأ قائد دعوتنا الإمام البنا حركته المباركة وهو في الثانية والعشرين من عمره، واستُشهد في سن الثالثة والأربعين، في إحدى وعشرين سنة فقط، هي عمر الشباب الناضر، نشر دعوة الحق، وأضاء بها العالمين، وحرَّك الجموع الهادرة بمنهج القرآن الساطع وسنة النبي الكريم، وأسَّس حركةً إسلاميةً عالميةً هي أمل المسلمين في كل بقاع الأرض الآن. ولقد اعتمد القائد المربي على الشباب في كل مراحل الدعوة، وأنشأ لهم نظامًا يستوعب طاقتهم، ويفجِّر مواهبهم، وينمِّي قدراتهم، ويربط قلوبهم بالعليِّ الأعلى، ويضبط أخلاقهم، وينظِّم سلوكهم، ويجعلهم قوةً إيجابيةً بناءةً؛ تحفظ للأمة استقلالها وتدعم بنيانها وتجاهد أعداءها وتوحِّد قواها. وجعل أساس نجاح الدعوة بناء الفرد الصالح (شابًّا أو فتاةً)، ووضع لذلك صفاتٍ أساسيةً؛ لا بد أن تتوفر وتُستكمل وتُصقل؛ فطلب من كل شاب أن يكون "قويَّ الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شئونه، نافعًا لغيره"، فكل من كان لديه نقص في أي جانب من هذه الجوانب عليه أن يستكملها، ولكي يكون المنهج عمليًّا في أرض الواقع ضمَّ الشباب في (أُسَر)، وصفَّ الأسر في "كتائب"، وأقام "الشُّعَب"، ونظَّم المعسكرات والمخيمات، وأقام النوادي الرياضية، وأنشأ الجمعيات الخيرية والمدارس والمستوصفات والمؤسسات الاقتصادية، ودفع الشباب إلى العلم والعمل والمشاريع النافعة والثقافة الواسعة، وندبهم إلى تكوين البيت المسلم وإرشاد المجتمع، ونشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمبادرة إلى فعل الخير في كل مجالات الحياة؛ حتى وصل بهم إلى الدفاع عن الأمة والجهاد في سبيل الله؛ لطرد المحتل من ضفاف القناة ومقاومة الغاصبين في أرض فلسطين. ما أحوجنا اليوم وقد تكالبت علينا الأمم، ورمانا الأعداء عن قوسٍ واحدةٍ، أن نحشد طاقات الشباب، وأن نلبي أشواقها، وننمِّي قدراتها؛ بتقوية العقيدة، وغرس الإيمان، وتقويم الأخلاق، وتقوية الأبدان، وتفجير المواهب، وفتح مجالات العمل النافع المثمر؛ لإنقاذ الأمة، وإحياء مواتها، وتنمية مواردها، وتنشيط كل مظاهر الحياة. لا بد من قيادة واعية، تقود الشباب وترشده، وتحفظ قواه، وتفتح له مجالات العلم والتدريب، والثقافة الواعية، والعمل والاحتراف، والإبداع والابتكار، وهذا واجب الدولة بكل إمكاناتها إن قصرت في أدائه؛ فقد أهدرت طاقات الأمة وضيَّعت الحاضر وهدَّدت المستقبل وعلى كل شاب أن يشعر بقيمة الوقت والمرحلة التي يعيش فيها، فيستكمل كل جوانب النقص، وينمي قدراته، وأن يكثر العمل الصالح؛ في صفٍّ مؤمنٍ، وجماعة منظمة، وعمل جماعي، وفكر إبداعي، لا وقت للإجازة والراحة والدعة والخمول، وإنما العمل المثمر والجهد الجادّ المخلص والتدريب المستمر واكتساب المهارات وتحصيل الثقافات، ولا بأس مع ذلك من بعض الراحة والترفيه البريء، والترويح عن النفس لاستئناف العمل بعد ذلك في همة ونشاط. * علينا بالتبكير في اليقظة والمنام، نبدأ يومنا بصلاة الفجر جماعةً في المسجد، فنشهد انفلاق الصبح، وبزوغ الفجر، ونستنشق نسيم البكورة ?وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)? (التكوير)، ونقطع النهار في عمل نافع؛ وفق خطة ومنهج، ونحفظ أنفسنا وصحتنا من الملاهي والعبث والمنكرات، وننام مبكرين لنستيقظ في السحر لنستمدَّ القوة من رب الأرض والسماوات، ونكون مثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذين كانوا "رهبان الليل وفرسان النهار". * علينا بحفظ كتاب الله ومدارسته، وأن نجعل ذلك "مشروعًا للصيف"، وكذلك دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته والتفقه في الدين؛ فهذه رسالتنا لهداية البشرية وإنقاذ العالم "من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين". * علينا بالصحبة الصالحة المؤمنة؛ المُعِينة على الخير، والبعد التام عن البطالين من أصحاب الأخلاق المنحرفة والذين يهدرون أعمارهم على المقاهي وفي أماكن العبث والمجون، بل علينا دعوة هؤلاء إلى منهجنا الصحيح لإنقاذ أعمارهم وأخلاقهم وطاقاتهم من الضياع والانهيار. * علينا الاهتمام بقوة البدن بممارسة الرياضة البدنية المفيدة.. "فالمؤمن القوى خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف".. "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".. (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) (الأنفال: من الآية 60)، "ألا إن القوة الرمي". * علينا الاهتمام بالنظافة؛ فذلك أخص ما أوصانا به الإسلام.. النظافة في المظهر والمخبر.. النظافة في القلب واللسان.. النظافة في المأكل والمشرب.. النظافة في المكان الخاص والعام؛ حتى نكون شامة بين الأمم (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: من الآية 222). * علينا بتعليم الحرف اليدوية والصناعات الصغيرة، واكتساب المهارات؛ كي ننهض باقتصادنا، ونأكل من عمل أيدينا.. "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده".. "إن الله يحب المؤمن المحترف".. "هذه يد يحبها الله ورسوله".. "اليد العليا خير من اليد السفلى". * علينا باستكمال العلم وارتياد مجالاته؛ فإن ما يُدرَس في مناهج التعليم لا ينهض بأمة ولا يرقى بحضارة، وعلينا أن ندرك أن طلب العلم في ديننا فريضة تُرضي ربنا وتنهض بأمتنا وتقيل عثرتنا (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه: من الآية 114)، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين: من الآية 26). * علينا الاطلاع على ثقافات العالم لمعرفة العصر الذي نعيش فيه، فنأخذ من الصالح وننبذ الطالح "فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها"، ونحن نعيش في عالم مفتوح؛ من واجبنا ورسالتنا دعوته كله إلى منهج الله وشريعته في الحياة. هناك واجبات فردية؛ ابدأ بنفسك بها، وهناك واجبات على الدولة وأولي الأمر؛ ندعوهم للقيام بها، والنهوض بأعبائها، فإن لم نجد استجابةً فعلينا الاعتماد على أنفسنا؛ فنحن جزءٌ من الحاضر، لكننا كل المستقبل. أيها الشباب الذكي الفتي تذكَّر نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز"، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: من الآية 35). والله أكبر ولله الحمد، والحمد لله رب العالمين |
رد: رسالة من المرشد العام للاخوان الى الشباب
جزاكم الله خيرا اخانا الفاضل الكريم على هذا الطرح الطيب وبارك اللهم في مرشدنا وقائد مسيرتنا |
رد: رسالة من المرشد العام للاخوان الى الشباب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة أخى الفاضل ( أبو مصعب ) بوركت فجميعنا بحاجة لتلك النصائح الغالية فتيان وفتيات فبها ينصلح حال أمتنا ويعود ديننا ليسود العالم بأسرة ، فبارك الله بك على النشر وبارك الله بكل من يعمل لصالح أمتنا ولخدمة ديننا ولأعلاء راية الأسلام خفاقة ،،، جزاك الله كل خير . |
رد: رسالة من المرشد العام للاخوان الى الشباب
اختى الفاضلة دعوة الاخوان بوركتى ونسال الله القبول والشكر موصول لاختنا فتاة التوحيد |
حفظ الله المرشد العام وجماعته من كل سوء
اللهم آمين مشكور أخي أبو مصعب المصري وبارك الله فيك وجزاك الله خيرا |
رد: رسالة من المرشد العام للاخوان الى الشباب
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته مشرفنا المتميز أبو مصعب المصري مشكور اخى الفاضل على نقلك الرائع بارك الله فيك اخى الفاضل جزاك الله كل خير دمتم في حفظ الرحمن http://i350.photobucket.com/albums/q...0516xhgux0.jpg |
رد: رسالة من المرشد العام للاخوان الى الشباب
اخى الحبيب اسد المسجد بورك مروك
والشكر موصول لاختنا نور من الله جزاكما الله خيرا |
رد: رسالة من المرشد العام للاخوان الى الشباب
حياك الله اخي الحبيب..علي موضوعك الطيب..جعله الله في ميزان حسناتك..ونفعنا واياك بتلك النصائح القيمة..وجعلنا واياك ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه وادعوه تعالي ان يجعلنا ممن يسمعون فيعملون ويعملون فيخلصون.. ويخلصون فيقبلون رزقنا الله وايك حسن الخاتمه وثبتنا علي دينه وفي جند دعوته دمت بخير اخي الفاضل |
رد: رسالة من المرشد العام للاخوان الى الشباب
اقتباس:
الله اكبر استاذى شرفنا بالمروروزيارة ملتقى الشباب اهلا بك يااستاذى الحبيب ونسال الله الثبات والقبول |
السبيل إلى حقن دماء المسلمين...........يقلم فضيلة المرشد العام للاخوان المسلمين
[ ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟". قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ. قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟".. قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ. قَالَ "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟".. قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا".. فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ".. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ.. "فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". رواه البخاري. أيها المسلمون في كل مكان هذه هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمته على امتداد المكان، وعلى امتداد الزمان، إلى أن يلقوا ربهم عند انقضاء الحياة الدنيا: ويا لها من وصية عظيمة، ونصيحة بالغة، وكلمات واضحة، وعِظَة نبوية كريمة، بلَّغها لأمته، وأمرهم أن يبلغوها لمن خلفهم؛ لتبقى كنزًا موروثًا للأمة المسلمة، ينقذهم من الدواهي العظام، وينجيهم من الخطوب الجسام، ويحفظهم من الفتن التي تدع الحليم حيرانا.. وكيف لا تحار أيها المسلم وأنت أينما توجهت روَّعتك الدماء المسلمة المسفوكة بأيدٍ مسلمة، وأفزعتك الأرواح التي تزهق، وهالَكَ الخراب والدمار الذي ينزل بديار المسلمين من الاقتتال فيما بينهم.. ونظرة واحدة شاملة إلى العالم العربي والإسلامي كافية لرؤية المآسي الأليمة التي يتخبط فيها، والأحداثِ الرهيبة التي يعيشها، والدماءِ الغزيرة التي تسيل، والخَرابِ الكبير الذي يعُمّ، والمستقبلِ المظلمِ المنذرِ، وهذا الانتحارِ العبثي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي.. إذا استمرت هذه الحال. وعلى سبيل المثال في باكستان: العمليات العسكرية في وادي سوات، وقودها الوحيد دماء المسلمين من جند ومدنيين.. في الصومال: حرب مشتعلة بين الحكومة والأحزاب المسلمة الأخرى، والقتلى من الطرفين مسلمون.. ومن بينهم الأطفال والشيوخ والنساء.. في أفغانستان: منذ سنوات والحرب مستعرة بين قوات المقاومة من جانب، وجيش الدولة والقوات المحتلة من حلف الناتو من جانب آخر.. والمسلمون هم القتلى على الجانبين.. في العراق: حدِّث عن الدماء التي روت الأرض، والأرواح التي أُزهقت، والمنشآت التي دُمِّرت، وكلها دماء وأرواح مسلمة، وما دُمِّر من ممتلكات المسلمين ومقدراتهم.. في السودان: قبائل وإن اختلفت أعراقهم فإن الإسلام يجمعهم، والحربُ تأبى أن تضع أوزارها، ومع كل يوم تصعد أرواح مسلمة إلى باريها تشكو ظلم المسلمين بعضهم البعض.. في لبنان: يؤجج لنيران الفتنة التي أخمدت، ويمكرون بالليل والنهار للإيقاع بها في حرب لا تبقي ولا تذر.. وفي فلسطين: يصبون الزيت على النار، ويضعون كل العقبات والعراقيل؛ حتى لا يصطلح أبناء الوطن الواحد.. إن أعداءنا بذلك يُزهقون أرواحنا، ويستنزفون خيراتنا، ويخرِّبون ديارنا، ويمزقون شملنا، ونكفيهم مؤونة التفرغ لهم ومواجهة مؤامراتهم ومخططاتهم.. وإن أكثر الدوافع التي تؤدي للقتال بين المسلمين غير جائزة، سواء أكانت طلبًا لمصالح مادية، أو حميَّة لعصبية قبلية، أو تغليبًا لمذهب فقهي أو غير ذلك. أيتها الأمة المسلمة أعداؤنا يتربصون بنا الدوائر، ويسعون إلى ردنا إلى الكفر والعصيان بأن يقتل بعضنا بعضًا، ونقع فيما نهانا عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". ولنتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاحَ فليس منَّا". واعلموا أن الإسلام هو المستهدف من وراء ذلك كله، وما كان ذلك ليقع لولا ضعف المناعة لدى الشعوب التي ابتعدت عن عقيدتها وتشريع دينها العظيم، الذي يجعل منهم في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد، كما يجعل منهم بناء متراصًّا يشد بعضه بعضًا، وإلى جانب ذلك يمنحها قوة الممانعة والمقاومة.. وهذا البعد عن الدين جاء مقرونًا بابتلائها بأنظمة وحكومات عماد سياستها الاستبداد والطغيان، وكبت الحريات، ونشر الظلم والفساد. واعلموا أيها المسلمون أن أعداءنا يغيظهم أن نتَّحد، ويشقيهم أن نترابط ونتحاب ويضنيهم أن نتعاون، ويأبون إلا أن نظل في حرب وخصومة وعداوة، والتاريخ يعيد نفسه وما نراه ليس إلا امتدادًا لما وقع في صدر الإسلام من شَاس بْنُ قَيْسٍ اليهودي، الذي مرَّ على الأوس والخزرج، فغاظه مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الإِسْلامِ، بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ. فَقَالَ: وَاَللّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ. فَأَمَرَ فَتًى شَابّا مِنْ يَهُودَ أن يجْلِسْ مَعَهُمْ، ويذكرهم بيَوْمَ بُعَاثَ، الذي اقتتل فِيهِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَفَعَلَ. فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وتنادوا: السّلاحَ السّلاحَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللّهَ اللّهَ أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللّهُ لِلإِسْلامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ"، فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّهَا نَزْغَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرّجَالُ مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَامِعِينَ مُطِيعِينَ قَدْ أَطْفَأَ اللّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوّ اللّهِ شَأْسِ بْنِ قَيّسْ. فَأَنْزَلَ اللّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: 101). فهل نفيق يا قوم، ونخلع عن أنفسنا كل دعوى للجاهلية، تدفع بنا إلى أن يسفك بعضنا دماء بعض؟ وهل نسمع لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى نطفئ كيد أبناء شاس بن قيس في عصرنا الذين يفسدون في الأرض، وينفخون في بوق الحروب، وأينما حلوا أوقدوا للحرب نارًا؟ طريق الإنقاذ أيها المسلمون المتقاتلون: والله لا أجد لكم ولنا إنقاذًا وخلاصًا إلا بعودة صادقة إلى الإسلام المتمثل في كتاب الله الخالد، وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لعلى يقين بأن سبيل النجاة يتمثل في هذه الحقائق: 1- الاعتصام بالله عز وجل والتوكل عليه: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: 101). 2- المسلمون أمة واحدة: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (المؤمنون: 52). 3- الأخوة الإسلامية رباط مقدس: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون﴾ (الحجرات: 10)، هذه الأخوَّة تجمعنا وتحول بيننا وبين الفرقة: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103). 4- حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم: "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".. "المسلمُ من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمنُ مَنْ أَمِنه الناسُ على دمائهم وأموالهم". ويا أيها المتقاتلون: لكم في "الإخوان المسلمون" أسوة؛ فقد نزلت بهم الضربات المتوالية؛ من إعدام وتعذيب وسجن وما رفعوا السلاح في وجه من عذبوهم من المسلمين، ولا ثأروا لقتلاهم، وإن سلاحهم لم يرفع إلا في وجه المحتل الغاصب، وإنهم يعتبرون دم المسلم وعرضه وماله خطًّا أحمر يحرم اجتيازه، واحترام هذا الخط من المقاومة الإسلامية على أرض فلسطين خير شاهد. 5- الواجب على الأمة الإسلامية التدخُّلُ للصُّلْح بين المتقاتلين بمُقتضى قوله تعالى: ﴿وإنْ طائفتانِ مِنَ المؤمنينَ اقْتَتَلُوا فأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فإنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا على الأُخرَى فقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتَّى تَفِيءَ إلَى أمْرِ اللهِ فإنْ فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بيْنهمَا بالعدْلِ وأَقْسِطُوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسطينَ﴾ (الحجرات: 8- 9)، وبموجب هذه الآية يجب على المسلمين أن يضعوا حدًّا لهذه المذابح المرعبة التي يَبرَأُ منها الدين، وتبرأ منها الإنسانية، ويبرأ منها ويشجبها كل خلق كريم. 6- أن يستحضر المسلمون المتقاتلون فيما بينهم الوقفة بين يدي الله، وسؤالهم عن كل قطرة دم مسلمة أريقت، وعن كل روح أزهقت بأي ذنب قتلت، ولا يحسبوا أنهم يفلتون من الحساب.. أو ينجون من العقاب.. ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما﴾ (النساء: 93). 7- أن نكف عن التراشق بالسباب والطعن وعن كل ما يوغر الصدور، ويولد العداوة والبغضاء، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سِبَابُ المسلم فُسُوق وقتاله كُفر". 8- أن يؤدي كلُّ مسلم، وكل إنسان حرٍّ شريف دوره في النصح والصلح بأفضل ما يستطيع، وأقصى ما يستطيع، فإن ذلك من باب النصيحة الواجبة: عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ". ( رواه مسلم). تحذير ونداء ألم يأن للعالم الإسلامي أن يستيقظ وينتبه لما يحاك له، ولا يسقط في الهوة السحيقة التي أعدت لدفنه فيها؟، ألا يوقظه ما فعله ويفعله الصهاينة في فلسطين بوجه عام وغزة بوجه خاص، حتى تتوجه جميع الجهود المبذولة لنصرة المقاومة ودحر العدوان الحقيقي للأمة الإسلامية والعربية. وألم يأن للعالم الغربي أن يكف عن مكره وكيده وتدخله في شئوننا؟ خير له أن يرحل قبل أن تحل به الدواهي، وليكن له في التاريخ عبرة، فما حل مستعمر ببلد إلا ورحل خاسئًا مدحورًا: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227). ونحن نهيب بالأمة العربية والإسلامية حكومات وشعوبًا، وخاصة العلماءَ والمثقّفين والقادة الشعبيين.. أن يقوموا بدورهم وأن ينهضوا بواجبهم، وأن يتعاونوا فيما بينهم بجدّ ووعي وإخلاص.. على إنقاذ الأمة من الهلاك والدمار، كما ندعو الهيئات الإسلامية، خاصة منظمة المؤتمر الإسلامي أن تضطلع بدورها في إصلاح ذات البين، ولا تألو جهدًا ولا تدخر وسعًا في سبيل حقن دماء المسلمين. ودور اتحاد علماء المسلمين والمجامع الفقهية في ذلك من الأهمية بمكان؛ حيث يمكنهم الاتصال بعلماء الأحزاب المتقاتلة، للوقوف على سبل التقريب بين وجهات النظر، وإقناع جميع الأطراف بأن هذه الحرب لا يفرح بها إلا الأعداء، ولا يخسر فيها إلا المسلمون، وأن الأجدر بهم جميعًا أن ينصهروا في بوتقة الإسلام العظيم ويتحدوا فيما بينهم لمواجهة كيد الأعداء ومكرهم. لو فعلنا ذلك وبذلنا غاية الجهد وأخلصنا النوايا فإن الله معنا ولن يترنا أعمالنا، وسيحبط مكر أعدائنا، وسيحل بهم وعيد الله في موعده الذي قدره: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ (الكهف: 59). والله أكبر ولله الحمد. |
الساعة الآن : 03:19 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour