الورطة الاقتصادية الأمريكية ... [حسين بن محمود] 4 شوال 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم الورطة الاقتصادية الأمريكية كثيرة تلك المقالات والدراسات التي حامت حول سبب هذه النكبة الاقتصادية في الدولة الأمريكية ، وكثيرة تلك النظريات التي عرضها الخبراء والمحللون في الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية وشاشات الفضائيات ، ورغم كثرة هذه التحليلات والآراء والأفكار ، إلا أننا لم نجد من تطرّق لأصل المشكلة ولبها الذي بسببه طرأت هذه المشكلة الاقتصادية منذ قرابة التسعة أشهر !! إن سبب المشكلة المباشر ليس بضعة شركات عقارية ، ولا بضعة بنوك استثمارية ، ولا بضعة قوانين ربوية ، فهذه أعراض ظهرت بعد تراكم آثار المشكلة الحقيقية التي اتفق المحللون على تغييبها لأسباب عدة ، ليس هذا مجال بيانها ، وكل له سببه ، فالحقيقة لا تخفى على من له أدنى اطلاع على أبجديات علم الإقتصاد .. ما هي الحقيقة !! عندما تكون رب بيت ولا تنفق على أهل بيتك أو تقلل من نفقاتهم فإن أهل البيت لا بد متضررون ، وعندما تكون مالكاً لتجارة فلا بد من إعادة الإستثمار فيها وإلا فإنها تبور ، وعندما تكون حاكم دولة وتخرج أموالها خارجها دون مقابل لما أخرجته فلا بد أن تتضرر الدولة ، وهذه هي مشكلة أمريكا اليوم .. لقد أنفقت الحكومة الأمريكية قرابة الـ (560) مليار دولار كنفقات معلنة مباشرة في حرب العراق ، أما النفقات المباشرة في الحرب الصليبية على الإسلام ككل فقد بلغت أكثر من (ألف ألف ألف ألف) أي أكثر من "تريليون" دولار ، وهذا المبلغ سُحب من الإقتصاد الأمريكي ليُنفق خارجها فتعطّلت عجلة الإقتصاد فيها ، هذا عدا النفقات الغير مباشرة والغير مُعلنة .. لعل من لم تكن عنده معلومات عن مبادئ التجارة والإقتصاد أن يعي معنى هذا الكلام من خلال هذا المثال البسيط : لنفرض أن الحكومة الأمريكية – بدلاً من خوض الحرب على العراق – بنت مدرسة ابتداية في مدينة صغيرة في إحدى الولايات ، هذه المدرسة تحتاج إلى : طابوق وأسمنت وحديد وخشب وزجاج وتراب وحصباء وأصباغ وأسلاك ومعدات كهربائية وأطقم دورات مياه وأطقم صفوف ومكاتب إدارية ، ثم تحتاج إلى حفارات وخلاطات ومكائن ومعدات بناء ، وتحتاج إلى عمال حاذقين لجميع هذه المواد ، وتحتاج المدرسة إلى مدرسين وإداريين وعمال نظافة وغيرهم ، وتحتاج إلى تصريحات من دوائر الكهرباء والبلدية وغيرها من الدوائر الحكومية ، وتحتاج إلى مراقبة وتعاهد من جهات حكومية أخرى ، وتحتاج إلى أجهزة حاسب آلي وأجهزة مختبرات وكتب وأقلام وغيرها من المستلزمات المدرسية .. للقارئ أن يتصور حجم التداخل في بناء هذه المدرسة ، فلكل مادة من مواد البناء مصنع فيه عمال ، ولكل نوع من أنواع المعدات شركات خاصة ، ولكل نوع من أنواع الأطقم شركات أخرى ، والدوائر الحكومية بها موظفون مسؤولون عن التصريحات والمراقبة ، هذا فضلاً عن مراقبة وزارة التربية الأمريكية ومراكز تطوير الدراسات والمناهج وغيرها .. لا شك أن الأطفال في المدرسة يحتاجون إلى الطعام ، وهذا مصدر آخر غير ما ذكرنا ، ولا شك انهم يحتاجون إلى أدوات ترفيهية ، وهذا اختصاص آخر له مصانعه وعماله ، ولو قلنا بأن هذه المدرسة الوحيدة في المنطقة فإن ولاة أمر الطلبة سيوفرون مبالغ لا بأس بها جراء عدم نقلهم أبنائهم إلى مدارس أخرى بعيدة ، وهذا يجعلهم يدخرون أموال الوقود ، وبذلك تزيد قوتهم الشرائية ، وكذلك فإن العمال المشتغلون في المدرسة سيحتاجون إلى خدمات كالمطاعم والمستوصفات وأماكن الترفيه وغيرها ، ولو جلسنا نحصي جميع ما يتداخل في بناء وإقامة هذه المدرسة الإبتدائية فإن الأمر يطول ، وما ذكرناه هنا شيء يسير .. يتضح من المثال السابق حجم الخسارة الأمريكية من جراء عدم بناء مدرسة ابتدائية واحدة ، فهذه المصانع قلّت مواردها ، وهؤلاء العمال قل دخلهم وربما استغنت المصانع والشركات عن كثير منهم بسبب نقص الموارد الذي سببه نقص الطلب على منتجاتهم ، وهذا في كل مادة خام وفي كل منتج ، وهؤلاء العمال سيكونون عالة على المجتمع ، وربما اتجه كثير منهم إلى الإجرام لتوفير دخل لهم ولأهليهم ، وهذا يحدث كثيراً في أمريكا ، وبذلك تكتظ السجون وتتحمل الحكومة نفقات بقائهم فيها بدلاً من استثمار الأموال في أمور أخرى تعود بالفائدة على الإقتصاد ، واستقصاء مثل هذا يطول .. لو قلنا بأن قيمة بناء المدرسة الواحدة تساوي ثلاثة ملايين دولار ، فإن القيمة المعلنة للحرب على العراق كانت كفيلة ببناء (186000) مدرسة ، وللقارئ أن يتخيل حجم هذا الإستثمار ومدى فاعليته في فتح المصانع الجديدة وتشغيل العمال ، وقل هذا عن بناء الجامعات والمعاهد العلمية أو الشوارع والجسور أو غيرها من البنى التحتية أو مراكز الأبحاث وغيرها من الإستثمارات الداخلية الكثيرة المتنوعة .. الإقتصاديون يدركون بأن للوحدة النقدية دورات في الإقتصاد ، معنى هذا أنك لو أدخلت دولاراً في اقتصاد ما فإن هذا الدولار يتعدى قيمته ليصبح أكبر من حجمه بكثير بسبب دورته ، فأنت حينما تبني مدرسة فإنك لا تشتري الطابوق فقط ، بل تشتري جميع ما ذكرنا سابقاً وتُنفق على جميع المصانع والعمال ومن يخدمهم ومن يوفر لهم المواد الخام ومن يستفيد من خدماتهم ، فهذا الدولار ليس طابوقاً في جدار المدرسة ، بل هو سلسلة من العمليات والإستثمارت المتشابكة في الدورة الإقتصادية للمدينة .. إن المصيبة التي أحلها بوش بالإقتصاد الأمريكي هو سحبه لهذه المبالغ الضخمة من الإقتصاد في بلاده بدون مقابل ، وهذه كارثة اقتصادية يعرف نتيجتها طلاب سنة أولى اقتصاد !! لعل البعض يتسائل : لماذا رضي الكونجرس ومجلس الشيوخ وخبراء البيت الأبيض بهذه المغامرة الكبيرة المعروفة المآل !! الحقيقة أن الإدارة الأمريكية لم تُقدم على هذه الخطوة إلا بعد دراسة وحسابات بعيدة ، وهذه المبالغ الضخمة التي أُنفقت على الحرب لم يخطط لها أن تكون على حساب الإدارة الأمريكية بهذا الشكل ، فالإدارة الأمريكية حسبت حساباتها قبل بدئ هذه المغامرة ، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في تقدير أمر أعماها الله عنه .. كانت خطة أمريكا أن تدخل أفغانستان وتطيح بالإمارة الإسلامية وتنشئ خط أنابيب للنفط يشق أفغانستان إلى البحر عن طريق باكستان أو إيران ، ثم تحتل العراق وتبني قواعد عسكرية دائمة فيها لتحتل بعدها إيران والخليج العربي فتسيطر على مخزون النفط العالمي وتستعيد ما أنفقته على الحرب من عوائد النفط ويكون العالم كله تحت رحمتها .. هذا ما أرادته أمريكا من الناحية الإقتصادية والسياسية .. لم تكن أمريكا تتوقع هذه المقاومة الجهادية في أفغانستان ، وظنّت أن الإمارة الإسلامية ذهبت إلى غير رجعة وأن "قاعدة الجهاد" انتهت ، وهذا ما شجعها على اتخاذ الخطوة الثانية : غزو العراق ، وبينا هي في نشوة النصر والغرور إذا بقدر الله يتحقق ، وعلَم الجهاد يُرفع في العراق وأفغانستان في ظروف خيالية لم يتوقعها أكثر المحللون الأمريكيون تشائماً !! سبع سنوات عجاف مرّت على الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي : استُنزِفت فيها الأموال ، وسُكبت فيها الدماء ، وحُملت الأشلاء سراً لتُقبر في أمريكا ، ومعتوه البيت الأبيض يمني شعبه النصر على "الإرهاب" !! في هذه السنوات الطوال على الشعب الأمريكي ، كان بوش يُنفق أكثر من 40% من ضريبة الفرد الأمريكي على جيشه المهزوم ، وهذه كارثة اقتصادية بكل المقاييس ، ولكن إدارة بوش كانت تأمل بتعويض هذه الأموال من نفط بحر قزوين والخليج والعراق وإيران ، والله سبحانه وتعالى خيّب أملها ورجائها بالمجاهدين .. إن سبب سقوط أمريكا في هذه الأزمة الإقتصادية ليس الربا والسوق العقاري والبنوك والشركات ، وإنما السبب الرئيس لهذه الورطة الكبيرة للدولة الأمريكية هو مكر الله بها أن أوجد من باع نفسه ابتغاء مرضاته فحمل روحه على كفة وجال به في ساح الوغى ليدمّر الله به حلم الإمبراطورية الأمريكية التوسعية .. لقد أوقف المجاهدون الزحف الأمريكي على البلاد الإسلامية ، وخلطوا أوراق الإدارة الأمريكية ، وبدّدوا حلمها ، وجعلهم الله سبباً في جعل تدبير الحكومة الأمريكية تدميراً لدولتها ، وها هي أمريكا تحاول الآن استدراك الأمر بضخ أموال في اقتصادها لتعود إليه الحياة من جديد ، وهذا الضخ مصداق لما قلنا – وبيّنا - من أن الإستثمار الداخلي في الدولة هو سبب انتعاش اقتصادها ، فالحكومة الأمريكية لم تستثمر داخلياً في السنوات الماضية طمعاً في الغنيمة المرجوة من احتلال البلاد الإسلامية ، وما تسرقه من نفط العراق لا يكفي لسد العجز في الإقتصاد الأمريكي ، فرجعت أمريكا تدفع من جيبها ثمن غبائها ، ولو بقيت الإدارة الأمريكية على حالها فإن هذه الأموال لن تنفع اقتصادهم ، فهذه الإدارة لها سوابق في السرقات وسوء التصرف بالأموال العامة ، فلو ذهبت هذه الأموال في جيوب كبار القوم فإن الإقتصاد لا بد ينهار .. إنه مكر الله واستدراجه للكفار المتغطرسين العُمي الذين لا يعقلون .. إنه الجهاد وبركته .. إنه النصر الذي وعد الله عباده .. إنها المعية الإلهية .. إنه مآل من عادى أولياء الله .. إن هذا المكر لم يكن بالأمريكان خاصة ، وإنما بجميع حكومات الدول التي تآمرت على الجهاد وعادت المجاهدين ، فأوروبا واليابان وكثير من الدول اليوم تدفع ضريبة الوقوف مع أمريكا في وجه الإسلام .. لقد أراد هؤلاء الكفار سرقة أموال المسلمين فدمر الله اقتصادهم ، وأرادوا أن يُذلّوا المسلمين فأرغم الله أنوفهم ، وأرادوا أن يُضعفوا المجاهدين فكان نقيض إرادتهم {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} (النمل : 50) ، فها هي الجموع المجاهدة تزداد قوة في العراق وأفغانستان ، بينما تقل معنويات الجيوش الكافرة ويكثر في أفرادها الإنتحار والأمراض النفسية والهروب من المعركة {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة : 20-21) .. نعم ، لقد مكر أكابر مجرمي الأرض في أمريكا وأوروبا بالمسلمين الموحدين ، فكان مكرهم وبالاً عليهم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام : 123) ، فها هي أموالهم تضيع أمامهم ولا يستطيعون إلا إنفاق مزيد من الأموال للتغطية على الإخفاق الذي أوصلهم إليه المجاهدون بفضل من الله ومنّة ، فكانت خسارة الكفار في أعز شيء عندهم (المال) {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف : 99) : خسروا الأموال ، وخسروا الوجاهة الكاذبة ، وخسروا ماء الوجه ، وخسروا المعركة واندحروا وانهزموا أمام الثلّة المؤمنة .. لقد جمع بوش زعماء العالم وأعلن - بعد دخول قواته أفغانستان وقتله النساء والأطفال - على الملأ "أنا قطب العالم الأوحد" كما فعل أخوه فرعون من قبل {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات : 23-24) !! وقال بوش وعملائه بأن أهل الجهاد مفسدون في الأرض كما قال عملاء فرعون من قبل {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ ...} {الأعراف : 127) !! وقال بوش للناس بأنه يريد لهم الخير والديمقراطية ، كما قال أخوه بالأمس {... قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر : 29) !! لقد استخف بوش ببعض الفسقة والمرتدين فاتبعوه كما فعل إخوانهم مع فرعون الأول {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (الزخرف : 54) ، فماذا حصل لفرعون مصر ولأتباعه {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} (الزخرف : 55) ومعنى آسفونا : أغضبونا ، فلما أغضبوا الله انتقم الله منهم فأغرقهم جميعاً ، وقال تعالى عن فرعون {فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (النازعات : 25-26) ، لكن فرعون اليوم لم يعتبر بأخيه ، فما كان إلا أن ضرب الله بأهل الجهاد الأرض لينفلق بحر اقتصاد دولة الكفر فيغرق القوم في ديونهم وركودهم ليعاملهم ربنا بنقيض قصدهم : ففرعون الأمس أراد الأرواح فأخذ الله روحه ، وفرعون اليوم أراد الأموال فجعل الله الفقر في داره .. إننا ننتظر سنة الله فيهم {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} (النحل : 26) ، لقد اجتمعت في أمريكا جميع الآفات والأمراض والطوام التي كانت الأمم السابقة الكافرة ، تلك الأمم التي دمرها الله بالرياح والأعاصير والمسخ والزلازل والطوفان ، وقد رأينا ما فعل آخر إعصار بهم ، ولا زالت مراصدهم تتوقع أعاصير أخرى قريبة ، فنسأل الله أن يجعلها القاضية القاصمة فيحق عليها القول فيدمرها تدميرا {... وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً} (فاطر : 43) .. نسأل الله أن يعجّل على الكفار العذاب ويرينا فيهم ما يشفي الصدور .. كما نسأله تعالى أن يبارك في أهل الجهاد وأن يرزقهم الثبات على الطريق ، فليس مصادفة أن يقول الله تعالى في كتابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران : 200) ، وحاشا لله أن يصدف ، وإنما هذه حكمة بليغة تختبر إيمان الصادقين وتربط الصبر بالتقوى والفلاح وبعمل المجاهدين من الرباط حتى لا يستعجل المؤمنون ثمار الأعمال ولا يشغلوا أنفسهم بغير النزال ، وإنما النصر من عند الواحد الأحد ، والمجاهدون أسباب ، ولم يشترط الله عليهم النتائج ، فعلى أهل الجهاد أن يجعلوا هذه الآية نصب أعينهم والله يتكفل بهم وينصرهم من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون .. إن من ترك الصبر والمصابرة والرباط والجهاد وهجَر السلاح فإن الله قضى في محكم تنزيله {إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التوبة : 39) ، وهذا الخطاب ليس موجهاً للمافقين ، بل هو موجه لأهل الإيمان ، فقد قال الله تعالى في الآية التي قبلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (التوبة : 38) قال البغوي في تفسيره "نزلت في الحث على غزوة تبوك ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم ، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس ، وشدة من الحر ، حين طابت الثمار والظلال ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة ، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ، ومفاوز هائلة ، وعدواً كثيرا ، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم ، فشق عليهم الخروج وتثاقلوا فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم} أي : قال لكم رسول الله : {انفروا} اخرجوا في سبيل الله {اثاقلتم إلى الأرض} أي : لزمتم أرضكم ومساكنكم ، {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} ، أي : بخفض الدنيا ودعتها من نعيم الآخرة {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} ..." (انتهى) . فالله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين ، بل يخاطب الصحابة ويتوعدهم بالعذاب والإستبدال إن هم تركوا الجهاد ، وليس أحد أكرم عند الله بعدهم منهم ، فمن ترك الجهاد وتثاقل عنه ورضي بالقعود ورضي بالدنيا وأراد أن يداهن الأعداء ويعقد معهم اتفاقيات استسلام ويخلد إلى الأرض ويلقي السلاح ويستبدله بما يسمى بالعمل السياسي وطاولات المفاوضات فإن الله لا بد مستبدله بمن يحمل لواء الجهاد ويقاتل في سبيله ، هذا بعد أن يصيب أهل التقاعس والتخاذل والتثاقل العذاب الأليم .. لقد جاء في تفسير قوله تعالى {ويستبدل قوما غيركم} : "خيرا منكم وأطوع ، قال سعيد بن جبير : هم أبناء فارس . وقيل : هم أهل اليمن" (تفسير البغوي) ، فلما ترك العرب الجهاد في العقود الماضية أقام الله علَمه على أيدي أبناء خراسان والشيشان وكشمير والفلبين والصين وطاجيكستان ونزاع بعض القبائل العربية ، ولا عزة اليوم لبشر في هذه الأرض إلا لهذه الثلة المجاهدة ، وكل من سواهم عبيد لأهوائهم أو أهواء أسيادهم ، وهذا الذل من أعظم العذاب وأشده لمن كان له قلب .. لعقد علمتنا تجارب القرون الماضية بأن الأعداء لم يلتزموا بعهد أو اتفاقية عقدوها مع المسلمين ، وقد أخبرنا الله تعالى بذلك في كتابه فقال سبحانه {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (البقرة : 100) ، فمن العبث الجلوس على طاولات المفاوضات مع قوم هذا شأنهم وديدنهم ، والتفاوض معهم من مخادعة النفس ومخادعة المسلمين ، ولم يحدث في تاريخ الأمة أن استرجعت حق لها بغير الجهاد في سبيل الله ، وهذه سنة الله في هذه الأمة ، والله لا يغير سنته لجماعة أو حزب أو شخص ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم "ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب" (حسنه ابن النحاس في مشارع الأشواق والمنذري في الترغيب) ، فهذا خير البشر (النبي صلى الله عليه وسلم) قاد خير جيش على وجه الأرض (الصحابة رضي الله عنهم) ليدخل بلده التي هي خير بقعة على وجه الأرض ، فكيف يريد من هو دونه من أمته أن يستعيد حقه بغير قتال !! إن ترك الجهاد خرق لسفينة الإسلام ، ويجب على العقلاء الأخذ على أيدي من أراد خرق السفينة ، فقد جاء في الحديث الصحيح "مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها ، مثل قوم استهموا سفينة ، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها ، فتأذوا به ، فأخذ فأسا ، فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا : ما لك ، قال : تأذيتم بي ولا بد لي من الماء ، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم ، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم" (البخاري) . و"المدهن" : المحابي التارك للأمر بالمعروف ، و"الواقع فيها" أي : الواقع في المعصية التي هي ترك التحاكم لشرع الله ، وحكم التارك والمدهن واحد ، فيجب على العقلاء أن يأخذوا على يد من أراد خرق سفينة الأمة بترك الجهاد ، فإن في تركه تعميم العذاب على الأمة ، وبهذا يبطل قول من قال بأن مسألة الجهاد في قطر معين هو مسألة داخلية لذلك القطر ، فالجهاد شأن الأمة كلها ، وخاصة أهل الحل والعقد ، وهم في زماننا : قادة وأمراء الجهاد والعلماء الصادعين بالحق العاملين به ، فجهاد العراق من شأن الأمة كلها ، وجهاد أفغانستان من شأن الأمة كلها ، وجهاد فلسطين من شأن الأمة كلها ، وجهاد الفلبين والصين وكشمير وتايلاند والشام والجزيرة والمغرب والصومال وكل بقعة يرتفع فيها راية الجهاد هو شأن الأمة كلها ، ولا يجوز لأحد أن يستأثر براية وينفرد بها عن سائر الأمة ويقول بأنه شأن داخلي ، فهذا ليس لأحد ، لأن الأمة كلها معنية ، ولذلك نقول ببطلان أي معاهدة أو اتفاقية يبرمها أي شخص باسم الأمة في أي بقعة من بقاع الإسلام يتنازل فيها عن حق الأمة ، لأنه تنازل من لا يملك لمن لا يستحق ، ونحن لسنا أمة تنازلات ، وإنما أمة جهاد ، وليس لعدونا منا إلا السيف ، أو نهلك دون حقوقنا .. إن الذي يحمل راية الجهاد في هذا الزمان ما خرج إلا لنيل الشهادة ، فالتي يكرهها البعض هي التي خرج لطلبها المجاهدون ، وأهل الجهاد بين إحدى الحسنيين : إما نصر في الدنيا أو شهادة في الآخرة ، والآخرة خير وأبقى ، فكيف يساوم المجاهد على آخرته الباقية بدنيا الناس فانية !! إن من يفعل ذلك لم يكن يقاتل في سبيل الله ، بل كان يقاتل في سبيل دنياه ، ولما ظن أنه ينال بعضاً منها وضع سلاحه وجلس ليستريح - بزعمه - ويقطف ثمار نضاله !! أما أهل الصدق فلا يضعون السلاح حتى يقاتل آخرهم الدجال ، ولا راحة لهم إلا بعد نيل الشهادة أو لقاء الله سبحانه ، فثمرة جهادهم : إيمان في القلب ويقين بالوعد .. وشتان بين الفريقين !! والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. كتبه حسين بن محمود 4 شوال 1429هـ |
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تحليل منطقي . بارك الله فيك اخي على المقالة المفيدة التي شرحت لنا أمور وبينت لنا ما يحدث او ما حدث لأمريكا . إستفدت كثيرا من الموضوع والله يدمر امريكا اكثر واكثر |
بارك الله فيك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليبكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك أختنا الفاضلة flower3 على ما طرحت وهذا النقل الموفق وما من شيء أرتفع الا على الأرض وقع وهذه هي بداية النهاية بعون الله لحقبة الظلم والكفر والعصيان ......... بارك الله فيك وتسلم يمينك........ |
الإقتصاد العالمي والجهاد الإسلامي ... [حسين بن محمود] 10 شوال 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم الإقتصاد العالمي والجهاد الإسلامي الحمد لله القادر القاهر فوق عباده ، ثم الصلاة والسلام على المبعوث بين يدي الساعة بالحسام ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى بغذن الله .. أما بعد .. فقد بدأت بعض الصحف الغربية تلمّح على استحياء إلى سبب هذه النكبة الإقتصادية ، فأصابع الإتهام بدأت تتجه نحو الإدارة الأمريكية وسياساتها الغبية ، وكثير من البسطاء يتسائل : إذا كانت الحكومة الأمريكية أساءت التصرف في اقتصادها ، فما بال اقتصاد العالم كله يتهاوى ؟ إن الإقتصاد العالمي ، أو دعنا نقول : الحكومات في دول العالم لها ارتباطات اقتصادية كبيرة بالإقتصاد الأمريكي ، وخاصة الدول الأوروبية والعربية ، فكثير من استثمارات هذه الدول عبارة عن صكوك وطنية أمريكية ، أو استثمارات في سوق الأسهم الأمريكية ، وكثير من هذه الدول لها مصانع وشركات كبرى في أمريكا ، وبعضها دخل السوق العقاري الأمريكي منذ زمن ولها فيه استثمارات بمليارات الدولارات ، فهذه الإستثمارت في السوق الأمريكي من قِبل هذه الدول يجعلها تتأثر تأثراً كبيراً بأداء السوق الأمريكي الذي هو في حقيقته اقتصاد عالمي مصغّر ، فيكفي أن نعرف بأن أمريكا تستهلك ربع النفط المنتج على مستوى العالم .. حينما تضعف القوة الشرائية في أمريكا ، يضعف اقتصادها وبالتالي يضعف اقتصاد الدول المرتبطة بها ، ونقصد بالقوة الشرائية : ما عند الفرد في أمريكا من أموال يستطيع بها أن يشتري فوق حاجياته الأساسية ، فهذه الأموال هي المحرك للإقتصاد الأمريكي ، لأن بها تُطلب الحاجيات التي تُصنّع في المصانع ، وبها تُطلب الخدمات التي تُقدمها الشركات ، ومنها تأخذ الحكومة الأمريكية الضرائب ، فعندما تقل هذه القوة الشرائية فإن الطلب على الحاجيات والخدمات يقل ، وبالتالي تضطر الشركات إلى تقليل انتاجها حتى لا يحصل عندها فائض لا تستطيع تصريفه ، وهذا يؤدي على المدى المتوسط إلى تقليل الرواتب أو الإستغناء عن كثير من الموظفين والعمال الذين ستقل قوتهم الشرائية بسب خسارتهم لوظائفهم ، وهذه دورة وسلسلة يصعب تداركها على المدى القصير .. هذه المشكلة ظهرت واضحة في السوق العقاري الذي هو عصب حياة الإقتصاد الأمريكي (مع سوق الأسهم) ، فالسوق العقارية ليست أول من تأثر بالإقتصاد المتدهور ، وإنما ظهرت العوارض فيها أولاً مما حدى بالبعض إلى اعتقاد أنها سبب النكبة الإقتصادية .. لا شك أن المذهب الربوي الذي انتهجته أمريكا هو من أهم أسباب هذه النكبة الإقتصادية ، ولكن السبب الرئيس من الناحية العملية ليس السوق العقاري وما فيه من قروض ربوية ، بل السبب الرئيس هو عدم استثمار الإدارة الأمريكية للأموال في داخل بلادها على الوجه المطلوب وعلى مدار سبع سنوات ، وهذا ما ذكرناه في مقالة سابقة ووضحناه بذكر بعض الأمثلة المبسطة ليفهمه غير أهل الإختصاص .. المشكلة التي تواجه المسلمين اليوم هي أن أكثر اقتصاديات بلادها مربوطة بالإقتصاد الأمريكي ، وخاصة دول الخليج العربي الغنية : كبلاد الحرمين والإمارات والكويت ، فهذه الدول الغنية بالموارد النفطية كسبت كثيراً جراء ارتفاع أسعار النفط ، ولكنها خسرت من باب آخر ، فهي ليست مربوطة بالعملة الأمريكية فقط ، ولكن بالإقتصاد الأمريكي ، ولهذا عرضت هذه الدول مساعدة الحكومة الأمريكية لتجاوز هذه الأزمة ، وهذا يعني أنها ستسحب من أقوات أبناء بلادها مليارات الدولارات لتنقذ اقتصاد من يقتل المسلمين ويحتل بلادهم ، لا لشيء إلا لتسلم لها استثماراتها التي هي حكر على الأسر الحاكمة فيها !! إن من أبجديات الإستثمار المالي أن تنوّع مصادر دخلك ، وأن لا تجعل كل "بيضك" في سلة واحدة ، وهذه الحكومات جعلت معظم بيضها في السلة الأمريكية ، بل ربطت سعر النفط بالدولار الأمريكي الذي ينهار منذ سنوات أمام أعينها ، وهي لا تزال مصرة على هذا الربط !! هناك بعض الدول (كالكويت والإمارات) عندها تنوع في مصادر الإستثمار ، ولعلها تستطيع تجاوز المحنة بأقل الخسائر ، أما غيرها من الدول العربية فهي تحت رحمة الإقتصاد الأمريكي .. لقد بدأ الإقتصاد الأمريكي بالإنتكاس في لحظة انهيار الأبراج التجارية في نيويورك ، وقد تحدّث شيخ المجاهدين أسامة - حفظه الله – عن هذا الأثر الإقتصادي في شريط مرئي ، وقال بأن خسائر أمريكا من الضربات قارب – أو تجاوز – الترليون دولاراً بعد الضربات بقليل ، وهذا مبلغ كبير جداً في حسابات الدول اليوم ، ولعل البعض يتسائل : ما شأن الضربات في الإقتصاد ؟ وهل تؤثر عمارتين أو برجين في اقتصاد دخله السنوي 13 ترليون دولار !! لعلنا نوضح الصورة ونبين معنى ومغزى هذا الكلام : إن الإقتصاد يقوم على مبادئ عدة ، من أهمها : الأمن (التشريعي والنظامي والإستثماري) ، وهذا الأمن إذا غاب تغيب معه رؤوس الأموال ، فالتاجر لا يستثمر في بيئة لا يأمن فيها على أمواله ، وأمريكا تخوض حرباً ضد أناس يتطلعون للحصول على قنابل نووية ، وهم جادون في الأمر ، فهذا يخوّف المستثمر ويجعله يبحث عن بيئة أكثر أماناً لاستثماراته ، وقد رأينا كيف أعلنت بعض شركات الطيران الأمريكية إفلاسها بعد وقت قصير من الضربات ، فالناس حينما فقدوا الأمن فيها : تركوها لغيرها كما فعل التجار العرب عندما رأوا الإدارة الأمريكية تصادر رؤوس أموال بحجة الحرب على الإرهاب ، واستثمارات هؤلاء تقدر بمئات المليارات ، فأمريكا فقدت الأمن التشريعي بإصدارها قوانين جديدة لمحاربة "الإرهاب" ، وفقدت الأمن النظامي بسبب المجاهدين ، وفقدت الأمن الإستثماري بسبب قلة الربح والجدوى الإقتصادية الناتجة عن الأمرين السابقين .. لقد استغلّت أمريكا الإعلام بشكل كبير لتبتز الدول بل والعالم أجمع ، فهي تخوّف الناس من سقوط اقتصادها لتدفعهم دفعاً للمشاركة في تعديها هذه المرحلة بالإستثمار فيها ، وتجد الآن تحليلات ودراسات وتصريحات كثيرة في أكثر الوسائل الإعلامية تحذّر من انهيار الإقتصاد العالمي ، وهذا التحذير مبالغ فيه جداً ، وهي مبالغة مقصودة ، تؤدي غرضين : أولهما : تخويف الناس ودفعهم لبيع ممتلكاتهم من الإستثمارات العينية وتحويلها إلى نقدية ، وهذا يؤدي إلى تدهور قيمة العقارات والأسهم بشكل كبير وقبل كل شيء ، فالبيع بهذه الطريقة الهستيرية يزيد من العرض ويقلل من الطلب ، وهذا هو سبب انهيار الكثير من أسواق الأسهم ، وليس هناك سبب حقيقي لهذا البيع غير الخوف من القادم ، وهذا الخوف زرعته القنوات الإعلامية ، وأغلب الظن أن بعض رؤوس الأموال الكبيرة ترتقب سقوط أسواق الأسهم لتلتقطها من القاع ، وشراء الأسهم بكميات كبيرة ستعيد الثقة فيها وبالتالي سيشتري الناس هذه الأسهم بعد ارتفاع سعرها ، فهؤلاء الكبار سيثرون ثراء فاحشاً يقدر بآلاف المليارات جراء هذه الحيلة ، وسيكون هذا على حساب مدخرات الشعوب في الأرض ، ولا يعلم أحد متى تكون ساعة الصفر التي ينطلق منها هؤلاء .. إن لكل سوق حيتانه (أو أسماك القرش كما يلقبهم البعض) ، وهذه الحيتان لن تكتفي بالأسواق المحلية كما كانت تفعل من قبل ، بل هذه المرة ستكون الفريسة : العالم كله ، وربما أثرى المتنفذون في الحكومات بسبب هذه الأزمة إذا استطاعوا معرفة ساعة الصفر بطريقة أو بأخرى ، وقد تخلق بعض الحكومات ساعات صفر وهمية بضخ بعض سيولة في أسواقها حتى يطمئن الناس ويبدؤوا في الشراء ثم تبيع بعد فترة لتجني أرباحها على حساب الناس ، وقد تفعل هذا بعض المحافظ الكبيرة .. ثانياً : مطالبة الناس حكوماتهم - أو عدم ممانعتهم - لإنقاذ الإقتصاد الأمريكي حتى تسلم استثماراتهم وممتلكاتهم ، فأمريكا تريد اقناع الشعوب في العالم بتبني ما ستفرضه على بعض الحكومات من ضخ سيولة في اقتصادها ، وأمريكا فعلاً أمرت بعض الحكومات الخليجية بضخ سيولة في اقتصادها ، ولن يكون هناك اعتراض لأن الناس اقتنعوا بأن عافيتهم تكمن في شفاء الإقتصاد الأمريكي .. إن مثل هذا التدخل ليس في صالح البلاد الأخرى ، لأن الإستثمار في بلادها أولى وأكثر فائدة لاقتصادها ، ولو لم تكن هذه الحكومات مستعبدة لسحبت استثماراتها من أمريكا الآن وبأقل الخسائر واستثمرت هذه الأموال في بلادها لبناء البنى التحتية وإنشاء المصانع والمؤسسات الحيوية ، فينتعش اقتصادها وتترك الإقتصاد الأمريكي للأمريكان ينقذونه من غباء إدارتهم وحمقها ، ولكن العبيد لن يسحبوا هذه الإستثمارات التي بدأ اليابانيون والصينيون بسحبها من أمريكا .. هل من الممكن أن يتعافى الإقتصاد الأمريكي ؟ الجواب : إذا تركت أمريكا مغامراتها الخارجية وركّزت على مشاكلها الداخلية فإنها قد تتعافى اقتصادياً في غضون سنوات قليلة ، وهي لا تحتاج إلا إلى ضخ سيولة في اقتصادها ، وهذه السيولة يجب أن تذهب للقنوات الصحيحة وليس للشركات والبنوك الكبرى كما تفعل الإدارة الأمريكية الآن ، وهو ما حذّر منه بعض الإقتصاديون في أمريكا ، فإذا فعلت الحكومة الأمريكية القادمة هذا ، وضخت السيولة في مشاريع تخلق فرص عمل وتشغّل الشركات والمصانع ، وتوجد مصادر دخل حقيقية ملموسة للشعب – غير الربا الذي هو حبر على ورق – عندها سيتعافى الإقتصاد الأمريكي ، هذا إذا أوقفت مغامراتها الحربية الخاسرة في العراق وأفغانستان .. إن علاج المشكلة الأمريكية سيحتاج إلى سنوات ، وخلال هذه السنوات سيكون تأثير أمريكا الخارجي ضعيفاً نسبياً ، وهذا ما حدى بالحكومة الأمريكية إلى شطب "كوريا الشمالية" من قائمة الإرهاب ، فهي تريد التركيز على بعض الدول لأنها لن تستطيع تحمل كلفة الإنتشار العرضي .. ربما تظهر دول أخرى منافسة للإقتصاد الأمريكي (كالصين واليابان والهند والإتحاد الوروبي) وهذا ما يقصده بعض المحللين عندما يقولون بأن العالم لن يكون أحادي القطب بعد الآن ، فهذه الدول لم تتأثر كثيراً بما يحدث في العالم ، وخاصة الدول الثلاثة الأولى ، وإن كانت اليابان تضررت لوجود استثمارات ضخمة لها في أمريكا وكذلك بعض دول الإتحاد الأوروبي ، أما الصين فهي المرشحة الأولى لتكون وريثة الإتحاد السوفييتي في التصدي للهيمنة الأمريكية على العالم ، وإذا تحالفت الصين مع روسيا والهند فيما يسمى بـ "مثلث بريماكوف" فإن أمريكا ستفقد أكثر ثقلها السياسي والدولي ، والحيلولة دون تواصل هذا المثلث كان من أهم أسباب احتلال أفغانسان الواقعة في قلب هذا التحالف .. لقد أعلنت أمريكا عزمها على ضخ (700) مليار دولار في اقتصادها ، وهذه الأموال قد تأتي عن طريق المخزون الإستراتيجي أو عن طريق الضرائب أو عن طريق اصدار سندات حكومية وبيعها على الهيئات والدول وهذا الأخير سيورطها أكثر ، وهذا المبلغ غير كافٍ لمثل الإقتصاد الأمريكي الكبير ، وأمريكا في حربها على الإسلام تخسر مقابل ما تضخه في اقتصادها ، وهذا ما يقوله المرشح الديمقراطي باراك أوباما ، فهو يريد سحب قواته من العراق لأنها تكلفهم الكثير ، ويريد تركيز جهوده في أفغانستان ليخرج بانتصار رمزي يحفظ ما وجوههم ، ونحن وإن كنا نريد أن تخرج أمريكا من أرض المسلمين إلا أن خروجها من العراق الآن سيبطئ من سقوطها ، ولو انتُخب مرشح الحزب الجمهوري "ماكين" فإنه سائر على خطى بوش في تدمير الإقتصاد الأمريكي ، بل وتدمير أمريكا كدولة ذات كيان ، لأن البطالة وضعف الإقتصاد من أسباب التوتر الأمني في أي دولة .. يتسائل البعض : أليست أمريكا تسرق نفط العراق وتبيعه !! فكيف تؤثر الحرب على اقتصادها . الجواب : إن العراق تنتج مليوني برميل في اليوم ، وهذا يعني أن مدخولها قرابة (150) مليون دولار في اليوم (55 مليار في السنة) وهذا بحساب السنة الأخيرة فقط ، هذا المبلغ لا يذهب كله للجيب الأمريكي ، فهناك فواتير تشغيل دولة العراق نفسها ، وهناك أمراء الحرب وتجار الدماء الذين تراضيهم أمريكا ببعض هذا المال كالرافضة والمرتدين وغيرهم ، فأمريكا لا تستطيع أن تغطي الحرب على الإسلام بهذا المبلغ ، فهي تدفع من جيبها ثمن هذه الحرب ، وما تدفعه يذهب لتجار الحرب من صانعي السلاح وشركات ما يسمى بإعادة الإعمار والشركات الأمنية والمرتزقة وبعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية ، وهذه الشركات ثبت أنها لا تعمل شيئاً يُذكر ، وإنما تأخذ هذه الأموال دون مقابل ، والأدهى من هذا أنها لا تدفع ضرائب لأنها أموال غير مسجلة رسمياً في كثير من الأحيان ، وكثير من هذه الأموال تودع في بنوك خارج أمريكا لتلافي المحاسبة ، فمن هنا قلنا بأن أموال أمريكا تذهب لخارجها دون مقابل .. الخلاصة : إن سبب هذه النكبة الإقتصادية هو سحب السيولة من الإقتصاد الأمريكي وتوقف الإستثمارات فيها ، وهذا ناتج من بعثرة أوراق المكر الأمريكي الذي أراد السيطرة على مقدرات العالم النفطية ، فالمجاهدون هم من جعلوا هذه الحرب مكلفة لدرجة لم يتصورها الخبراء الأمريكان ، فبصمود المجاهدين وعزمهم على مواصلة القتال - رغم كل الظروف - تباطأت عجلة الإقتصاد الأمريكي التي قد تتوقف إذا استمرت أمريكا في الحرب واستمر المجاهدون في الصمود تماماً كما حدث للإتحاد السوفييتي .. كثير من الناس لا يستطيع استيعاب هذا الأمر ، وذلك لعدم تصورهم تكاليف الحروب الحديثة من الناحية الإقتصادية والنفسية ، فالجنود الروس كانوا يرقصون طرباً لما خرجوا من أفغانستان وكأنهم منتصرون ، وذلك لِما لحق بهم من ضغط نفسي كبير وإرهاب ورعب ، ودولة السوفييت انهارت سياساً لأنها لم تستطع التماسك اقتصادياً بسبب نزيفها في حرب أفغانستان التي لم يكن الشعب السوفييتي مقتنع بها ولا بأسبابها ، ولم يستطع تحمل تكاليفها على الصعيد النفسي والبشري والإقتصادي والعسكري ، وهذا هو الحاصل في حرب أمريكا اليوم .. إن سنّة الله سبحانه وتعالى ماضية في الأمم ، وأمريكا ليست استثناء من سنن الله ، فهي دولة ظالمة جائرة معتدية ، فلا بد من سقوطها وانهيارها ، وهي ساقطة لا محالة ، ولكن سقوطها مرهون بقدر الله وحده ، وإنما دورنا أن نسأل الله تعالى تعجيل ذلك وأن ننال نحن من كل هذا بعض الأجر كما يناله المجاهدون إن شاء الله ، وأن نتعلّم وندرس المعطيات التي أمامنا ونحاول استغلال الأوضاع لصالحنا ، وأن لا نفشل كما فشلنا بعد سقوط الإتحاد السوفييتي .. لقد انتصر المجاهدون ، بل انتصرت الأمة في حربها ضد الإتحاد السوفييتي ، ولكنها فشلت بعد الحرب في المحافظة على النصر ، فتنازع الناس وافترقوا وتقاتلوا فيما بينهم ، ففشلوا وذهبت ريحهم ، ثم أتت أمريكا لتقطف ثمار نصرنا وتنتزعه من أيدينا لتنفرد بالأرض !! نعم ، انتصرت أمريكا لأننا لم نمتثل لأوامر الله .. انتصرت أمريكا لأن بعضنا تقاتل على حطام الدنيا .. انتصرت أمريكا لأنها حفرت لنا حفرة فوقعنا فيها دون بصيرة .. انتصرت أمريكا التي أعلنت شعار بريطانيا : "فرّق تسُد" ، ففرّقتنا ونحن المأمورون بعدم التفرّق !! المجاهدين تفرقوا وكانوا شيعاً ، والأمة تفرّقت وكانت شيعاً ، والجماعات المسلمة تفرّقت وكانت شيعاً .. انتصرت أمريكا لأنها عرفت كيف تفرقنا ولم نعرف نحن كيف نجتمع أو نتعاون أو حتى نكف عن بعضنا البعض ويكفي بعضنا شر بعض .. انتصرت أمريكا لأننا لا نتعلم من تأريخنا القريب جداً ، بل لم نتعلم من حياتنا وتجاربنا مع الكفار .. ولمَ لا تنتصر أمريكا وقد بذلنا لها جميع مقومات النصر !! إنا والله لا نخشى الحرب مع أمريكا ولا مع غيرها لأنا نعلم أن أهل الإسلام أصدق في الحرب وأصبر من غيرهم ، ولأن قلوب المسلمين أخشع وأخضع ما تكون في الحرب ، ولكننا نخشى ما خشيه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال "والله لا الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم" (البخاري) .. إننا نخشى مرحلة ما بعد الحرب : مرحلة المكر والخداع والتضليل ، مرحلة الإشتغال بالنفس عن العدو ، مرحلة جمع الغنائم قبل انتهاء المعركة كما حدث في غزوة أحد ، وكما حدث في أفغانستان !! إن معركة الإسلام لا تنتهي حتى يقاتل آخر هذه الأمة الدجال ، فمن وطّن نفسه على هذا : لم يضره مكر أو كيد ، ولم تغره الدنيا ، ولم يشتغل بالغنائم الموهومة عن الجهاد في سبيل الله .. إن على قادة المجاهدين مسؤولية عظيمة في توعية الأمة عامة وأهل الجهاد خاصة ، فلا بد من دروس مكثفة وإلزامية تُعطى للمجاهدين في العقيدة والفقه والفكر والأخلاق ، وهذه لا تستغني عنها جبهة : - أما الفقه فظاهر أهميته ، وخاصة فقه الجهاد والسياسة الشرعية .. - والعقيدة تشمل أكثر نواحي الدين ، ومن أهم هذه النواحي - بعد توحيد الله تعالى - عقيدة الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله .. - وأما الفكر : فالتوعية بمخططات الأعداء ، وربط الماضي بالحاضر ، وجمع التجارب والإستفادة منها .. - وأما الأخلاق : فكيفية معاملة الزملاء والقادة خاصة ، والمسلمين عامة ، بل وحتى الكفار ، فالمجاهد واجهة للأمة اليوم ، ولا بد أن يكون على درجة عالية من الأخلاق والمسؤولية .. إن على القيادة العليا في كل جبهة أن تخرّج قيادات متوسطة وصغيرة ، وهذه القيادات ينبغي لها أن تُصقل وتُدرّب لحمل الراية في المستقبل ، وكل قائد من هؤلاء يدرّب على أساس أنه جبهة مستقلّة ، ولا بد لنا أن نعلم بأن العملية التربوية لا تقل في أهميتها عن العمليات العسكري ، وذلك لأننا أصحاب رسالة ومنهج ودعوة ، فلا بد من الأمرين معا ، ولا بد أن نُدرك بأن هذه الحرب باقية ماضية وإن سقطت أمريكا وهلكت ودُمّرت ، فإن السنّة في دعوة الأنبياء أن يوجِد الله لها الأعداء فيحصل الإختبار والإمتحان والتمحيص والإبتلاء ويتّخذ الله من عباده شهداء .. قد تكون هذه هي نهاية أمريكا ، أو تكون نهاية انفرادها بالساحة الدولية ، أو تكون بداية ظهور قوى أخرى على الساحة ، وهذه القوى لا شك أنها ستصطدم بالقوة الإسلامية ، فدورنا نحن أن نستغل هذه الظروف ونخرج منها ونحن أكثر قوة وتأثيراً في الساحة العالمية ، وإن نحن استطعنا استغلال الظروف كما ينبغي ، وتوكلنا على الله واتقيناه فإننا لا شك سنكون قوة عظمى في المستقبل القريب ، ولكن لا بد من اليقضة والحذر في التعامل مع المعطيات ، ولا بد من انتهاز الفرص وعدم تفويتها ، ولا بد من تقوى الله ونصرة دينه ، فلا نصر إلا بنُصرة دين الله ، ولا قوّة إلا بالله ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ويكفيه الله غيره .. والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. كتبه حسين بن محمود 10 شوال 1429هـ |
بارك الله فيك أخي أحمد على النقل الطيب |
وبكم بارك الله جزاكم الله خيرا على مروركم |
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يتم دمج الموضوعين لنفس الكاتب في موضوع واحد بما أنه في نفس السياق ** الأخ أحمد ، الرجاء الإنتباه في عرض التواقيع ، فتوقيعك اليوم غير مقبول ، و نرجو الإحتفاظ بالتوجهات الخاصة بعيدا عن التوجه به في العام في المنتدى ، لذا ، إقتضى التوضيح ، و تم حذف التوقيع أيضا في أمان الله |
الحمد الله وكفى والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى سلاما ... سلاما ... سلاما جزاكم الله خيرا على مرورك مراقبتنا الفاضلة ملاك النور وجهودكم مشكورة |
الساعة الآن : 02:30 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour