ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   الأربعون الوقفية الموجزة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=322483)

ابوالوليد المسلم 25-12-2025 09:32 PM

الأربعون الوقفية الموجزة
 
الأربعون الوقفية الموجزة

– 1 – الوقف حياة لا تنقطع


  • الوقف من أفضل الأعمال التي تبقى للإنسان بعد الموت فهو من الصدقات الجارية التي تجري الحسنات إلى ما بعد الممات
  • قدّم الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في الوقف فأنفقوا من أحبّ أموالهم اتباعًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -
منذ قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، بدأ التشريع الوقفي يتكون ويترسخ؛ فصار الوقف من أوائل المؤسسات الشرعية في المجتمع الإسلامي، ومع تطور الحياة في القرن الأول وما بعده، تعددت أنواعه وتشعبت مسائله، فكرّس العلماء أبوابًا مستقلة وكتبًا لجمع أحكامه، ولا يزال الباحثون يستفيدون من الأحاديث النبوية الثابتة لاستخلاص القواعد والفوائد، ليبقى الوقف جزءًا أصيلًا من الفقه الإسلامي، ومن هنا جاء هذا الجمع لأربعين حديثًا نبويًا عن الوقف، مع شرح مبسّط يوضح معانيها ودلالاتها وأحكامها، بهدف ربط مضامين الوقف بواقعنا المعاصر، وإبراز أثره الحضاري في العلم والدعوة والتنمية منذ القرن الأول وحتى اليوم.
الحديث الأول:
«إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ»
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
شرح الحديث
من نعم الله -سبحانه وتعالى- على عباده: أن جعل أبواب الخير عديدة، ومنها ما يجري فيه الثواب إلى ما بعد الممات؛ فتزداد الحسنات في السجلات؛ لأن ثوابها لا ينقطع، بل هو دائم متصل النفع؛ فالإنسان إذا مات ينقطع عمله الذي يجري عليه بعد الموت، والعمل إنما يكون في الحياة إلا من هذه الثلاث التي يندرج تحتها كثير من أبواب الخير؛ لأنه هو السبب فيها، وثوابها يدوم للإنسان بعد موته لدوام أثرها.
أولها: (صدقة جارية)
وهي الخير المستمر؛ كبناء المساجد، أو أرضٍ زراعية يتصدق بما يحصل منها على الفقراء؛ فإن الفقراء ما داموا ينتفعون بهذا العطاء أو ينتفعون بثمرة هذا البستان فإنه يكتب له، أو عمارة توقف تؤجر، ويُتصدق بأجرتها، وغيرها من الأوقاف؛ فتلك صدقة جارية يجري عليه أجرها بعد وفاته، ما دام الناس ينتفعون بها، وحمل العلماء الصدقة الجارية على الوقف.
ثانيها: (أو علم ينتفع به)
إما كتب علمية صنفها، وانتفع بها الناس، أو اشتراها، ووقفها وانتفع بها الناس، أو نشر العلم، وتعليمه، وكل من عَلّم الناس العلم النافع، وانتفعوا بعلمه بعد موته فإن له أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ لأن الدال على الخير كفاعله، وهذا دليل على بركة العلم وفائدته في الدنيا والآخرة، فكم من عالم مات من مئات السنين، وعلمه باقٍ ينتفع بما كتبه وصنفه، ويتداوله الأجيال تلو الأجيال من بعده، وكلما ذكره المسلمون دعوا له وترحموا عليه! قال العلماء: والكتب أعظمها أثرًا؛ لطول بقائها.
ثالثها: (أو ولد صالح يدعو له)
والولد الصالح من ذكر وأنثى، وولد الولد يجري نفعهم لآبائهم بدعواتهم الصالحة المستجابة لآبائهم؛ فكل من كان له ولد أحسن تربيته وتوجيهه فكان صالحًا ينفع أباه في حياته ببره، وبعد مماته بدعائه له، قال النووي في شرحه على مسلم: فيه دليل لصحة أصل الوقف، وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم، وما يصل إلى العبد من آثار عمله بعد موته ثلاثة أشياء:
  • الأول: أمور عملها غيره بعد موته؛ بسببه وبدعوته وتوجيهه إليها قبل موته.
  • الثاني: أمور انتفع بها الآخر؛ من مشاريع نافعة أقامها الميت قبل موته أو أوقاف وقفها في حياته.
  • الثالث: أمور عملها الحي وأهداها إلى الميت؛ من دعاء وصدقة، وغير ذلك من أعمال البر.
الحِكم والفوائد المستنبطة من الحديث
  • الوقف من أفضل الأعمال التي تبقى للإنسان بعد الموت؛ فهو من الصدقات الجارية التي تجري الحسنات إلى ما بعد الممات.
  • الصدقة الجارية مشروع جائز لجميع الناس: الأغنياء، والعلماء، والعامة.
  • الحث على الزواج والإنجاب، وتربية الأولاد على الصلاح والدين ليكونوا خلفًا صالحًا يدعون للوالدين بعد وفاتهم.
  • الصحابة -رضي الله عنهم- قدّموا أروع الأمثلة في الوقف؛ فأنفقوا من أحب أموالهم اتباعًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
  • الوقف يحقق استمرار النفع في الدنيا والآخرة ويثبت أثر العمل الصالح بعد انقطاع الأعمال.
الحديث الثاني
«أَرْبَعَةٌ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أُجُورُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ»
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَرْبَعَةٌ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أُجُورُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ: مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ عَلِمَ عِلْمًا أُجْرِيَ لَهُ أَجْرُهُ مَا عَمِلَ بِهِ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَجْرُهَا يَجْرِي لَهُ مَا جَرَتْ، وَرَجُلٌ تَرَكَ وَلَدًا صَالِحًا، فَهُوَ يَدْعُو لَهُ».
شرح الحديث
الأيام تمضي، والعمر قصير، والحياة زائلة، والفرصة في بذل الخير في الدنيا لن تتكرر، وقد أنعم الله على عباده وهيأ لهم من الأعمال ما يستمر فيها الأجر إلى ما بعد الممات؛ فجعل الحسنات تزداد للمتصدقين، والمحسنين وهم في قبورهم، يغنمون من الحسنات ما لم تكن في الحسبان، ومنهم أناس يكسبون من الحسنات بعد مماتهم أكثر مما كسبوه في حياتهم، وهؤلاء تحقق في وقفهم الإخلاص لله -عز وجل-، ومتابعة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبذلوا من الأسباب، واجتهدوا ليدوم عطاء وقفهم، ويخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث عن أربعة تستمر فيها الأجور حتى بعد الموت، فلا ينقطع ثوابها بموت أصحابها، وهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى- ورحمته الواسعة على عباده، أن المسلم يستطيع أن يعمل من الأعمال في حياته ما يستمر معها الأجر والثواب، ولا ينقطع بعد موته، وتفصيلها كما يلي:
  • أولاً: من مات مرابطًا في سبيل الله: فالمرابط في سبيل الله عمله عظيم، وأجره أعظم، فقد بذل نفسه للجهاد في سبيل الله، ولنشر دينه؛ فنال هذا الأجر الدائم.
  • ثانيًا: من علم علمًا أجرى له عمله ما عمل به: وما زلنا نذكر علماء ماتوا من مئات السنين، ونترحم عليهم، وندعو لهم؛ بعد أن تركوا لنا علمًا نتعلمه منذ أكثر من ألف عام، وكلما كان العلم أكثر نفعًا وأوسع انتشارًا، كان أعظم ثوابًا.
  • ثالثًا: من تصدّق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت: فمن أسس وقفًا فهو له صدقة جارية، ولو مات الواقف فإن أجره مستمر؛ ما دام الوقف مستمرا، ومن بنى مسجدًا فكل صلاة تؤدى في هذا المسجد، وكل كلمة تقرأ من كتاب الله -سبحانه وتعالى- في المسجد، وكل أذان يرفع عند كل صلاة، وكل درس علم ينعقد؛ في صحيفة من ساهم في بناء هذا المسجد، وكذلك كل وقف استمر نفعه ودام عطاؤه.
  • رابعًا: ورجل ترك ولدًا صالحًا يدعو له: أي: إنسان ترك ولدًا -ذكرًا أو أنثى- فهو يدعو له بالرحمة والمغفرة، فدعاؤه أسرع قبولا من دعاء البعيد.
فإذا قام الابن الصالح بأعمال صالحة، يُثاب والداه على تربيتهم له دون نقصان من أجره؛ فتكون صدقة جارية للوالدين. ويشمل ذلك الحفاظ على استمرار أوقافهم وصدقاتهم بعد موتهم، كالمساجد، أو العقارات الوقفية، أو العلم النافع، أو الكفالة، ليستمر الأجر والبر للميت -بإذن الله-.
الحِكم والفوائد من الحديث
  • الميت ينتفع بما قام به من عمل صالح في حياته، خصوصًا ما استمر نفعه بعد وفاته.
  • النماء الحقيقي للعمل الصالح هو استمرار أجره ونفعه بعد موت صاحبه.
  • اغتنام الحياة والأوقات بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة والصدقات الجارية التي يمتد أثرها بعد الممات.
  • تربية الأبناء تربية صالحة على طاعة الله، مع توجيههم للحفاظ على أعمال الخير التي تركها والدهم.
  • حث الأبناء على الدعاء للوالدين في حياتهم وبعد وفاتهم لضمان استمرار الثواب والنفع.




اعداد: عيسى القدومي






الساعة الآن : 10:45 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 10.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 10.72 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.87%)]