المصادر الكلية الأساسية التي يرجع إليها المفسر ويستمد منها علم التفسير تفصيلا
المصادر الكلية الأساسية التي يرجع إليها المفسرُ ويستمد منها علمَ التفسيرِ "تفصيلًا" الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي وأما المصادرُ الكلية الأساسية التي يرجع إليها المفسرُ، ويستمد منها علمَ التفسيرِ عند تصدُّره لتفسير كلام الله تعالى - فتنقسم لقسمين على النحو التالي: تنقسم تلك المصادر إلى قسمين أساسيين. أما القسم الأول، فهو المصادر الأساسية الكلية الأولية التي يعتمد عليه المفسر لكلام الله تعالى، وذلك من لَدُن العهد الأول للتفسير في زمن الرعيل الأول من جيل الصحابة - رضي الله عنهم - الذي تعرَّض وتصدَّر لتفسير كلام العزيز الحميد إلى عصرنا الحاضر. وهي: "القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولغة العرب بضروبها؛ (نحو وصرف وبلاغة - معاني وبيان وبديع")، والبعض ألْحَق بها معرفةَ أسباب النزول وترتيبها والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد والعام والخاص، والمجمل والمبيَّن، أو (المفصَّل)، والصريح والمؤول، وكذلك معرفة مشكل القرآن للإجابة عن تساؤلاته، كما ألْحَق البعض المعرفةَ والإلمام بعلم الدخيل والإسرائيليات). وأما القسم الثاني، فهو ما يَلحَق بالتفسير بالمأثور بعد القرآن والسنة، ألا وهو: أقوال السلف: أي أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - وأقوال التابعين، وفي أقوال تابعي التابعين خلاف. وقد اعتمَد عليها المفسرون؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - عاهدوا التنزيل، والتابعون أخذوا عمن عاهَد وعاين التنزيل، وجيل تابعي التابعين أخذ عن صفوة التابعين الذين تلقَّوْا من مَعين عذبٍ رَقراقٍ قد أخذ التفسير صافيًا، وهم جيلُ الصَّحب الكِرام - رضي الله عنهم - أجمعين. وقد ذهب الزركشي (ت: 794هـ) - رحمه الله - إلى أن تفسير القرآن قسمان، منه ما ورد تفسيره بالنقل، ومنه ما لم يَرد، وبهذه الطريقة المنهجية الرائعة استطاع الزركشي أن يبيِّن أن مصادر التفسير الأساسية خمسة مصادر، وهي التي كاد العلماء يُجمعون عليها أمرَهم، وهي على النحو التالي إجمالًا: 1- القرآن الكريم. 2- السنة النبوية الشريفة. 3- أقوال الصحابة. 4- أقوال التابعين. 5- اللغة وعلومها [1]. وفي ذلك يقول: "واعلم أن القرآن قسمان: أحدهما: ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره، والثاني: وقسم لم يرد. والأول على ثلاثة أنواع: إما أن يَرِد التفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن الصحابة - رضي الله عنهم - أو عن رؤوس التابعين. فالأول: يُبحث فيه عن صحة السند. والثاني: يُنظر في تفسير الصحابي، فإن فسَّره من حيث اللغة، فهم أهل اللسان، فلا شك في اعتمادهم، وإن فسَّره بما شاهَده من الأسباب والقرائن، فلا شك فيه، وحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة، فإن أمكَن الجمعُ فذاك، وإن تعذَّر قدِّم ابن عباس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشَّره بذلك؛ حيث قال: (اللهم علِّمه التأويل)[2]. وقد رجَّح الشافعي (ت: 204هـ) قول زيد في الفرائض، لما رُوِي في الحديث: (أفرضُكم زيد)، وفيه ضعف[3]، فإن تعذَّر الجمع جاز للمقلِّد أن يأخذ بأيِّها شاء. وأما الثالث، وهم رؤوس التابعين؛ إذ لم يرفعوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا إلى أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - فحيث جاز التقليد فيما سبق، فكذا هنا، وإلا وجب الاجتهاد. أما الثاني:[4] وهو ما لم يَرِد فيه نقلٌ عن المفسرين، وهو قليلٌ، وطريقُ التوصل إلى فَهْمه النظرُ إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها، واستعمالها بحسب السياق"[5]. [1] ينظر: مصادر التفسير؛ أحمد بزوي الضاوي،عن موقع مشكاة. [2] وقد ورد بلفظ: (اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"،(6/ 173)،وبلفظ: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)؛ رواه البخاري (143)، ومسلم (2477)، وبلفظ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ)؛ "رواه البخاري (75). [3] وقد ورد من حديث أنس - رضي الله عنه - بلفظ: (أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر، وأشدُّها حَيَاء عُثْمَان، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله تَعَالَى أُبِيّ، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هَذِه الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح)، قد صحَّحه الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (1224)، المشكاة (6111)، هداية الرواة (6065) صحيح موارد الظمآن (1863 / 2218)، الترمذي (3790و3791)، ابن ماجه (154)،ولكن قال مشهور حسن آل سلمان في التعليق على الحديث في الطبعة التي اعتنى بها من طبع دار المعارف: (الصواب أنه مرسل، عدا ذكر أبي عبيدة، قاله الحاكم في "المعرفة"، والخطيب في "الفصل للوصل" وجمعٌ، وذكرت كلامهم، وقرأته على شيخنا الألباني - رحمه الله - في مكتبه وأقرَّني على ما توصلت إليه، وكان ذلك بعد هذا التصحيح، وعلق تضعيفه بخطه على هامش الثالث من الصحيحة)؛ اهـ، وهو من الأحاديث والآثار التي تكلم عليها شيخ الإسلام ابن تيمية: أعني حديث: "أفرضكم زيد"، قال: ضعيف لا أصل له، ولم يكن زيد على عهد النبي معروفًا بالفرائض؟ وحديث: "أقضاكم علي"، قال: هذا الحديث لم يثبُت، وليس له إسناد تقوم به الحجة، وقوله: "أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل"، أقوى إسنادًا منه؛ [منهاج السنة (7/ 512 - 515) الفتاوى (1 /471)]. [4] وهو الذي تقدم ذكره آنفًا من قول الزركشي: "واعلم أن القرآن قسمان؛ أحدهما: ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره، وقسم لم يرد. [5] البرهان: (2 /313): البرهان في علوم القرآن المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ)؛ المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة: الأولى، 1376هـ - 1957م - الناشر: دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركائه - عدد الأجزاء: 4. |
| الساعة الآن : 02:01 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour