تفسير قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ... }
تفسير قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ... ﴾ سعيد مصطفى دياب قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]. سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ لقوا نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا على أن يبلغ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، أَنَّهم قَدْ جَمَعُوا لَهُمْ، فَأَخْبِرْهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ ليثبطهم عن القتالِ، فَزَادَهُمْ قولهُ إِيمَانًا، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا نَدِمُوا يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَقَالُوا: ارْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَهُزِمُوا، فَلَقُوا أَعْرَابِيًّا، فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّا قَدْ جَمَعْنَا لَهُمْ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، فَلَقُوا الْأَعْرَابِيَّ فِي الطَّرِيقِ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالُوا: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾، ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي لَقِيَهُمْ: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾. ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾؛ أَيْ: جَمَعُوا لَكُمُ الْجُمُوعَ، فَاخْشَوْهُمْ أَيْ: فَكُونُوا خَائِفِينَ مِنْهُمْ، وإنما قال ذلك تثبيطًا للهِمم، وتخذيلًا لهم عن القتال. ﴿ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾، فَزَادَهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ إِيمَانًا، وَزَادَهُمْ هَذَا الْكَلَامَ إِيمَانًا لعزمهم عَلَى طَاعَةِ اللهِ ورَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثقتهم بنصر الله تعالى، وفي الآية دليل على أن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فإن ما يقبل الزيادة يقبَل النقصان. ﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾؛ أَيْ: قَالُوا يَكْفِينَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْكَافِي، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْوَكِيلُ: الْكَافِي. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقي فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾[1]. الأَسَالِيبُ البَلَاغِيةُ: من الأساليب البلاغية في الآية العَام الذي يراد به الخصوصُ؛ فإنَّ لفظَ ﴿ النَّاس ﴾ هنا من العَام الذي يراد به الخصوصُ، فإن القائل هُوَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ كما قَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ، وقولهُ: ﴿ إِنَّ النَّاسَ ﴾ أيضًا من العَام الذي يراد به الخصوصُ، فإن المراد بالناس هنا أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ. ومنها الحذف في قوله: ﴿ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾، أَيْ: جَمَعُوا لَكُمُ الْجُمُوعَ. [1] رواه البخاري، كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ، بَابُ: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾ [آل عمران: 173] الآية، حديث رقم: 4563. |
| الساعة الآن : 10:06 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour