قولي: سبحان الله
قولي: سبحان الله آمنة بريري بَدَتْ صديقتي مهمومةً وحزينةً عندما التقينا في مركز تجاري قصدته لشراء بعض لوازم البيت، وقالت لي منفعلة عندما سألتها عن أحوالها بعد أن تبادلنا السلام والتحيَّة: • لا شيء يسرُّ؛ إنَّ حياتي تزداد تعقُّدًا يومًا بعد يوم، وكمِّية المشاكل التي تلاحقني بغَّضَت الحياة كلَّها في عيني. الحقُّ أنِّي كرهت وجودي نفسه في هذه الدنيا ولم أعد أجد فيها ما يجعلني راغبة في مواصلة العيش. وكنت أعلم أنَّ صديقتي تعيش مشاكل جمَّة مع زوجها الذي يسيء معاملتها، وينكِّد عيشتها، خاصَّة أنَّه رجل معروف بسوء الخُلُق وغلظة الطباع. فقلت أسعى لبعث شيء من الصبر في نفسها: • هوِّني عليك عزيزتي، ستُفرَج بإذن الله، فاصبري وتوكَّلي على الله ولن يكون إلَّا الخير. فتنهَّدت ملتاعة تقول: • وأين هذا الخير؟ الحقيقة أنِّي أكاد أفقد الأمل، إنَّ الحياة ما تفتأ تضيِّق عليَّ الخناق فتكاد تزهق روحي. ما العمل؟ لقد غدت حياتي كابوسًا خانقًا ولم أعد أجد في الدنيا ما يسرُّني. • لا يمكن أن ينعدم السرور من الدنيا؛ فإنَّ رحمة الله قد وسعت كلَّ شيء، ومن دواعي رحمته أن يهبنا في حياتنا نقاطًا مضيئةً مهما تكاثف الظلام حولنا، فابحثي في حياتك عن هذه النقاط لتسعدي ويهدأ بالك. فهزَّت كتفيها في يأس تقول: • تعبت من البحث وسئمت كلَّ شيء، أنا إنسانة قُدِّر عليها الشقاء وليس لي سوى الاستسلام لقدري. • إيَّاكِ والاستسلام لليأس فلا ييأس من رحمة الله عبد مؤمن واثق بربِّه، ومهما كانت ظروفك صعبةً فإنَّ بمقدورك أن تنالي من هبات الله ما يشدُّ على قلبك ويسعد نفسك، وإذا نظرتِ إلى حياتك فوجدت ظلامًا وعتمةً فانظري إلى الوجود الذي أبدعه الله فسترين بهاءً وروعةً، تأمَّلي عظيم قدرته والسحر الذي بثَّه في كونه. تأمَّلي ما حولك: الناس، المخلوقات، الأشياء، اخرُجي في الصباح إلى شرفتك تأمَّلي انعكاس أشعَّة الشمس على الكون، استمعي إلى زقزقة العصافير، استنشقي الهواء النقيَّ، انظُري واسمعي وأدركي جمال الوجود الذي أنشأه الخالق سبحانه وتعالى. إنَّ في تأمُّل بديع خلق الله وتبصُّر الجمال الذي بثَّه في الكون لما يغني عن كلِّ ما عداه ويصرف الإنسان عن أحزانه الخاصَّة وهمومه الفانية. انظُري إلى عظمة خلق الله وقولي: "سبحان الله، سبحان الله وبحمده"، واصرفي قلبك عن أحزان الدنيا العابرة بالانشغال بقدرة الله الخالدة، تلك القدرة التي لن يعجزها صرف الحزن عنك وتبديله فرحًا وسرورًا إذا ما آن الأوان لذلك. لم يبدُ على صديقتي الاقتناع وهي تقول واجمة: • وهل تظنِّين فعلًا أنَّ كلمة "سبحان الله" هي ما سينسيني همومي؟ لا يبدو كلامك مقنعًا لي يا صديقتي. • إنَّ كلمة "سبحان الله" ليست مجرَّد كلمة جوفاء تُقال وتُردَّد باللسان، بل هي وعي عميق وإحساس بالغ الشفافية، فعندما تقولين: "سبحان الله"، يجب أن يكون في داخلك إدراك عميق لمعنى تلك الكلمة، ذلك المعنى العظيم المذهل، أن نقول: "سبحان الله"؛ يعني: إقرارنا بعظمة الله التي ليس لها مثيل، بقدرته التي لا يستوعبها العقل، بروعة آثاره في الكون، ببديع جمال نوره المنعكس على الكائنات. سبحان الله هي هُتاف المؤمن الذي سطع نور المعرفة في قلبه فانتشى كيانه، ورفرفت روحه في علياء المحبَّة، سبحان الله هو ذلك الشعور الغامر بأنَّ كلَّ ما عدا الله أمر تافه لا قيمة له وكلَّ شغل للقلب غيره خسران ومضيعة، وإزاء ذاك الشعور تضمحلُّ مشاكل الحياة وتتراجع سطوة الدنيا ويُمنح القلب قوَّة وثباتًا؛ لذلك صديقتي هذه نصيحتي إليك: انظُري إلى الكون حولك، وقولي: "سبحان الله". |
الساعة الآن : 05:15 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour