ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى العلمي والثقافي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=54)
-   -   اللامساواة من منظور اقتصادي (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=319417)

ابوالوليد المسلم 06-10-2025 01:33 PM

اللامساواة من منظور اقتصادي
 
اللامساواة من منظور اقتصادي

د. زيد بن محمد الرماني


الملاحظ في السنوات الأخيرة ازدهار الدراسة الاقتصادية لظاهرة عدم المساواة كموضوع دراسي، وذلك على أيدي روَّاد عظام.

وليس معنى هذا إنكار أن تركيز الاهتمام على الفعالية واستبعاد الاعتبارات الأخرى مسألة شديدة الوضوح في بعض المؤلفات الاقتصادية، ولكنَّ الاقتصاديين كمجموعة لا يمكن اتهامهم بإغفال ظاهرة اللامساواة كموضوع للدراسة.

وإذا كان من المهم التمييز من حيث المفهوم بين فكرة الفقر كنقص في القدرة، والفقر كنقص في الدخل، فإنه ليس في الإمكان ربط المنظورين بعضهما ببعض ما دام الدخل وسيلة مهمة للحصول على القدرات. وحيث إن القدرات المعززة من أجل بناء الحياة تنزع طبعيًّا إلى توسيع قدرة المرء ليكون أكثر إنتاجية وأقدر على الحصول على دخل أكبر.

إن الأمر لا يقتصر على أن، كمثال، توافر تعليم أساس أفضل ورعاية صحية أفضل من شأنهما أن يؤديا إلى تحَسُّن نوعية الحياة مباشرة، بل إنهما أيضًا يزيدان من قدرة الشخص على الحصول على الدخل والتحرُّر من فقر الدخل أيضًا. وكلما زاد المدى الذي يتحقق بفضل التعليم الأساس والرعاية الصحية أصبح من المرجَّح أكثر أن تتوافر لمن يتوقع حالة من الفقر فرصة أفضل للتغلب على ما يعانيه من عوز.

وإذا كان من المهم تأكيد هذه الروابط بين فقر الدخل وفقر القدرة، فإنه من المهم أيضًا ألَّا تغيب عن نظرنا حقيقة أساسية؛ وهي: أن خفض فقر الدخل وحده ربما لا يكون الحافز النهائي للسياسة المناهضة للفقر. وثمة خطر من النظر إلى الفقر بمعنى ضيق ومحدود هو الحرمان من الدخل، ثم تبرير الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية وغير ذلك على أساس أنها وسائل جيدة لبلوغ الغاية وهي خفض دخل الفقر؛ إذ إن هذا خلط بين الوسائل والغايات.

إن القضايا التأسيسية الرئيسة تلزمنا بأن نفهم الفقر والحرمان في ضوء الحياة التي يمكن للناس عمليًّا أن يحيوها، والحريات التي يمكن فعليًّا أن يحظوا بها.

فالفقر المدقع يتركز الآن، بكثافة شديدة الوطأة، في إقليمين محددين في العالم: جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ إن بهما من بين جميع مناطق العالم أدنى المستويات من حيث دخل الفرد.

بيد أن هذا المنظور لا يعطينا فكرة واضحة وكاملة عن طبيعة ومحتوى حالات الحرمان في كل منهما ولا عن فقرهما النسبي. إننا بدلًا من هذا، إذا نظرنا إلى الفقر باعتباره حرمانًا من القدرات الأساسية، فسوف نحصل على صورة أكثر وضوحًا ودلالةً من المعلومات عن مظاهر الحياة في هذه الأجزاء من العالم.

إنَّ هناك من ينتقد الاقتصاديين أحيانًا لإفراطهم في التركيز على الفعالية دون المساواة. وقد نجد بعض العذر لهذه الشكوى، ولكن يجب ملاحظة أن ظاهرة عدم المساواة حظيت باهتمام الاقتصاديين أيضًا على مدى تاريخ البحث العلمي.

إن آدم سميث الذي غالبًا ما يراه البعض "أبًا للاقتصاد الحديث" كان معنيًّا للغاية بالهوة بين الغني والفقير.

كذلك فإن بعض العلماء الاجتماعيين والفلاسفة كانوا جميعًا من المعنيين موضوعيًّا بهذه الظاهرة، وهم اقتصاديون نذروا جهدهم لدراستهم.

ختامًا أقول: وإذا كان ثمة سبب للامتعاض، فإنه ينصبُّ على الأهمية النسبية التي توليها أغلب الدراسات الاقتصادية لحالة عدم المساواة داخل نطاق محدود، أعني اقتصاد اللامساواة.









الساعة الآن : 06:21 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 6.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 6.65 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]