هوس الشهرة عند الشباب والفتيات
هوس الشهرة عند الشباب والفتيات عدنان بن سلمان الدريويش إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: فأوصيكم - أيها المؤمنون - ونفسي بتقوى الله؛ فهي العصمة من البلايا، والمَنَعة من الرزايا؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]. يا عباد الله: الأولاد هم زينة الحياة الدنيا، وهم نعمة تستحق الشكر عليها، وهم مسؤولية يجب العناية بها؛ قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله سائلٌ كلَّ راع عما استرعاه، أحفِظ أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته))؛ [أخرجه الترمذي]، وهنا على الأسرة أن تحرص على تربية أولادها تربيةً صحيحةً سليمةً، ليكونوا أعضاء صالحين، نافعين لأنفسهم ولأوطانهم. وفي عصرنا الحاضر – يا عباد الله - صار الإعلام بكل قنواته المرئية والمسموعة والإلكترونية المؤثرَ الأقوى في شخصيات أولادنا، حتى أصبح الشباب والفتيات يسعَون إلى الظهور الإعلامي، وإلى الشهرة المزيَّفة، بل صارت الشهرة في نفوسهم لها بريقٌ ساحر جذَّاب، ومحطة أحلامهم، والرغبة الأولى نحو النجومية، فهنا أضواء تلاحقهم، وأناسٌ تمدحهم، وهناك أصوات تهتف بأسمائهم، وتطير فرحًا بالتصوير مع غيرهم. أيها المسلمون، إن الشهرة عندما تكون لأصحاب الأفكار الضعيفة، والقلوب المريضة، والعقول التافهة، وعندما تكون من أشخاص صنعوا من حياتهم أفلامًا لغيرهم، واستغنَوا عن حياتهم من أجل الشهرة والمال، هم يتسللون إلى قلوب وعقول معجبيهم بأتفه الطرق، من أجل زيادة عدد المتابعين على صفحاتهم، فإن ذلك نذيرُ سوءٍ على أخلاق وقيم شبابنا وفتياتنا. كم من فتاةٍ أو شابٍّ دفع الغاليَ والنفيسَ! وكم ضيَّع من أخلاقه وقيمه، ومبادئه وكرامته من أجل هوس الشهرة! حتى أصبحت أفكاره تافهة، وأقواله بذيئة، وأفعاله شائنة، لا يفكر في مستقبله ولا في أسرته، ولا في دينه ولا في وطنه، أين أثرهم الإيجابي في المجتمع؟! وأين بصماتهم وأهدافهم النبيلة التي تخدم الدين والأسرة والوطن؟! يا عباد الله، نحن مسؤولون أمام الله وأمام المجتمع والوطن عن أنفسنا، وعن شبابنا وفتياتنا، في تربيتهم وثقافتهم وأصدقائهم، وأفكارهم وإبداعاتهم، أولادنا لهم أحلامهم ومواهبهم، من حقهم علينا أن نرتقيَ بهم، ونساعدهم على التعرف والاقتداء بأصحاب العقول النَّيِّرة السليمة والراقية التي تخاف الله فيهم، وتدعو إلى القيم والأخلاق، وبناء المجتمع والوطن. ورسالتي للآباء والأمهات، ولكل من يحلم أن يكون مشهورًا من الشباب والفتيات: أولًا: إن الشهرة وكثرة الأتباع ليست دائمًا خيرًا للإنسان، بل قد تكون وبالًا وحسرةً وندامةً في الدنيا وفي الآخرة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لبِس ثوبَ شهرةٍ، ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة))؛ [رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني]. ثانيًا: إن طلب الشهرة ينافي الإخلاص، حتى لو كان ذلك في أمور الدنيا، فالواجب على الإنسان إخلاص نيته، وإحسان مقصده، لكي يُؤجَر عند الله سبحانه وتعالى، فإحسان العمل يكون بالإخلاص ومتابعة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ثالثًا: قد تدفع الشهرة صاحبها إلى الكِبر والعُجب بالنفس، وإلى احتقار الآخرين والاستعلاء عليهم، وترك الواجبات، وفعل المحرمات؛ روى مسلم في صحيحه، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبرٍ)). نفعني الله وإياكم بهديِ نبيِّه، وبسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثمٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إن ربي لَغفور رحيم. الخطبة الثانية الحمد لله، خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1]؛ أما بعد عباد الله:فإن كثرة الأتباع تجعل المسؤولية مضاعفةً على المشهور من الشباب والفتيات، فكل ما ينشره من أقوال وأفعال، أو صور أو مقاطع، أو غير ذلك، هو مسؤول عنها أمام الله والدولة والقانون، وهو يتحمل أوزار كلِّ من تأثر به، قلوا أو كثروا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من يتبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا))؛ [رواه أبو داود والترمذي]. أيها المسلمون، إن من سنن الله تمايُزَ الناس، وعلوَّ بعضهم على بعض في أمور الأرزاق، وتفضيل فئة على غيرها؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 32]، وهو أمر مقدَّر ومكتوب، فالواجب علينا هو التسليم والرضا، والقناعة وعدم التسخُّط، بل وعدم النظر للغير باحتقار أو حسد؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131]. يا عباد الله، إن الشهرة تُبعد الشباب والفتيات عن التفكير في الدين والدراسة، وعلو الهمة، والتخطيط للمستقبل وبناء الوطن، وتجعله يلهث وراء الجاه والمال، واستعراض نفسه، ومتابعة المُفلسين. هذا، وصلُّوا وسلِّموا - عباد الله - على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا ووالدينا عذاب القبر والنار. عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]. |
الساعة الآن : 07:28 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour