تأملات في أخوة المصالح
تأمـلات في أُخُـوَّة المصـالح د. سعد الله المحمدي كثيرون هم الذين يدَّعون المحبة والأخوة، والاحترام والحب، يملؤون رأسك بالمديح الزائف، والنفاق الظاهر، يصفِّقون لكل ما تقوم به، سواء أكان حقًّا أم باطلًا، خيرًا أم شرًّا، وكأن لسان حالهم يقول: إذا نحن أثنينا عليك بصالحٍ فأنت كما نُثني وفوق الذي نُثني والله ما نوفي أياديك حقها إذا نحن أثنينا عليك بصالحِ في خضم هذا الزيف، تجد بعض أصحاب القلوب المريضة ينادونك بأجمل الألقاب أمامك، ويسمُّونك بأقبحها خلفك، فأنت في ظاهرهم "الحبيب العزيز"، وفي باطنهم "العدو اللدود". يمتدحونك بكلام منمَّق، ثم ينالون منك بمجرد أن تغيب عن أعينهم؛ لكونهم ذئابًا في ثياب بشر، "فلا أدب يفيد ولا أديب"، لا يعرفون للصداقة حقًّا، ولا يمنعهم حياء عن الطعن والهمز واللمز، يدَّعون الإخلاص، وهم في الحقيقة لا عهد لهم ولا ذمة، ولا وفاء ولا ملح. وما الناس بالناس الذين عهدتهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا الدار بالدار التي كنتَ تعرفُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وما كل من تهوى يحبك قلبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا كل من صاحبته لك منصفُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقد ألَّف الإمام العلامة محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام، أبو بكر المحولي (ت ٣٠٩هـ) كتابه "فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب"، مبينًا فساد بعض الناس، ولؤم طِباعهم، الذين يأكلون لحوم أصدقائهم دون إضافة شيء من الملح الذي كان بينهم، وهو بالمناسبة مؤلف كتب نفيسة منها: "المروءة" بتحقيق محمد خير رمضان يوسف، و"ذم الثقلاء" بتحقيق د. مأمون محمود ياسين. فيقول رحمه الله: "ذكرتَ - أعزك الله - زماننا هذا وفساد مودة أهله، وخِسة أخلاقهم، ولؤم طباعهم، وأن أبعد الناس سفرًا من كان سفره في طلب أخٍ صالح، ومن حاول صاحبًا يأمن زلته، ويدوم اغتباطه كان كصاحب الطريق الحيران، الذي لا يزداد لنفسه إتعابًا، إلا ازداد من غايته بعدًا، فالأمر كما وصفت". ذهب الذين يُعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجربِ ويقول كذلك: "ولو فتَّشت في دهرنا هذا، لوجدتَ كثيرًا ممن تعاشره إذ لقيك، رحَّب بك، وإذ رغبت عنه، أسرف في الغِيبة، وتلقَّاك بوجه المحبة، ويُضمر لك الغش والمسبة". لقد انحدر هؤلاء إلى قاع النفاق، وشربوا من ينابيع الخديعة، حتى صاروا لا يؤمَن جانبهم، ولا يُرجى خيرهم، إنهم إخوان السوء، وأصدقاء المصالح، وزملاء الطمع، وطلاب الفرص. شمعة أخيرة: أشرت إلى ظاهرة اجتماعية منتشرة منذ قديم الزمان، ولا أقصد أحدًا بلحمه وشحمه، فليُحسن القارئ الظن؛ قال الشاعر: ولا خير في ودِّ امرئ متلون إذا الريح مالت مال حيث تميلُ |
الساعة الآن : 04:28 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour