تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع بفعلها
تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع بفعلها فواز بن علي بن عباس السليماني الأسباب كثيرة منها الحسِّيَّة ومنها المعنويَّة، نذكر نزرًا يسيرًا منها: فمن الحسيَّة: قول الله تبارك وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك:15]. وقوله تعالى: ﴿ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 102]. وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)؛ رواه أحمد برقم (205)، والترمذي (2344)، وقال: حسن صحيح؛ اهـ. ورواه الحاكم (7894)، وقال: صحيح الإسناد؛ اهـ[1]. قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث أصل في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلَب بها الرزق اهـ[2]. قلت: وقوله صلى الله عليه وسلم: (تغدوا خماصًا، وتروح بطانًا)، واضح الدلالة في فعل السبب، وهو الغدو مبكرًا للبحث عن القوت، والرَّواح بطانًا؛ أي: مملوءة بطونها رزقًا، والله أعلم. وروى أبو نعيم في «الحلية» (1/26)، عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن روح القدس نفث في رَوْعِي: أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقَها، فأجملوا في الطلب، ولا يَحمِلَنَّ أحدُكم استبطاء الرزق أن يَطلُبَه بمعصية الله؛ فإن الله تعالى لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعته)[3]. وله شاهدٌ عند الحاكم (2/4)، وابن حبان برقم (3239)، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: (يا أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ، ودعوا ما حرم)[4]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: «اعقلها وتوكل»؛ رواه الترمذي برقم (2517)[5]. ومن الأسباب المعنوية: قوله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15ـ 16]. وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق:2]. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق:4]. وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ [الطلاق: 3]. وقال بعض أهل العلم:الاعتماد على السبب شرك، وترك السبب قدح في الشريعة؛ اهـ[6]. فصلٌ: في معنى قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64] وأمثالها من الآيات: قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال:62]. قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/84): أي: صَالِحْهم، وتوكل على الله، فإن الله كافيك وناصرك، ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا،﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ ﴾؛ أي: كافيك وحده؛ اهـ. وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]. قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/86): يحرِّض تعالى نبيه صلوات الله وسلامه عليه والمؤمنين على القتال ومناجزة الأعداء ومبارزة الأقران، ويخبرهم أنه حسبهم، أي: كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم، وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادُهم، ولو قل عدد المؤمنين. قال ابن أبي حاتم ـ وساق بسنده ـ عن الشعبي في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ قال: حسبك الله، وحسب من شهد معك. قال: ورُوي عن عطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم مثله؛ اهـ. وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق:3]، قلت وبناءً على ما تقدم، فلا يجوز لأحدٍ أن يقول لمخلوقٍ: أنت حسبي، وإنما الله وحده، هو حسب عباده وخلقه أجمعين، والله أعلم. [1] صحيحٌ: قال الضياء المقدسي: في «المختارة» برقم (227): إسناده صحيح؛ اهـ، وراجع: «الصحيحة» برقم (310)، و«الصحيح المسند» (986). [2] من «جامع العلوم والحكم» (ص409). [3] صالحٌ بشواهده: والله أعلم. [4] على شرط مسلم: راجع: «الصحيحة» برقم (2607)، و«الصحيح المسند» (250). [5] حسنٌ: راجع: «صحيح وضعيف الترمذي» ـ عقب الرقم المذكور؛ اهـ. [6] من «إعانة المستفيد» (1/278). |
| الساعة الآن : 03:01 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour