من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق الشيخ مجد مكي هذه خطبة جمعة قديمة، بقيت حبيسة الأوراق مثل المئات من خطبي التي كنت أحضرها بالكتابة ؛لتكون عونا لي على الحفظ والإلقاء الشفهي المركّز ، وقد قام الأخ الحبيب طارق عبد الحميد قباوة الحلبي – وفقه الله - بإحيائها من مرقدها ، وشجعني على نشرها، فأعدت النظر فيها ، وزدت عليها ، وأعدت ترتيبها، وقسمتها في حلقات ؛ لتكون أيسر في قراءتها ، والانتفاع بها . أرجو أن تكون ذكرى لي ولمن سمعها وقرأها . - 1 -إن الرفق كلمة تدل على نفسها بنفسها، وتبعث معانيها إليك من أصوات حروفها، فالرفق مادة دافئة تجد منها الرفيق والرفاق ومثلها الوفاق، وهو ضد العنف والشدّة، ويُراد به اليسر في الأمور والسهولة في التوصل إليها، وأصل الرفق في اللغة هو النفع، ومنه قولهم: أرفق فلان فلاناً إذا مكّنه مما يرتفق به، ورفيق الرجل: من ينتفع بصحبته، ومرافق البيت: المواضع التي ينتفع بها، ونحو ذلك.ويقال: رَفَقَ ـ به، وله، وعليه ـ رِفقاً، ومَرْفِقاً: لانَ له جانبه وحَسُنَ صنيعه. فالرفق يعني لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل ،واللطف في اختيار الأسلوب وانتقاء الكلمات وطريقة التعامل مع الآخرين وترك التعنيف والشدة والغلظة. قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }[آل عمران: 159] فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة ،وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم .. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء ...وهكذا كان قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهكذا كانت حياته مع الناس. وقال عز وجل :{َواخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (الشعراء:21) فهو اللين والتواضع والرفق في صورة حسية مجسمة، صورة خفض الجناح كما يخفض الطائر جناحيه حين يهم بالهبوط وكذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع المؤمنين طوال حياته. وقال أيضا:{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }(الفرقان:63) أي: يمشون حلماء متواضعين في سكينة ووقار، لا يتكبرون على الناس. والرفق في معاملة الناس، يؤلف قلوبهم ويمتلك مودتهم، أما العنف فإنه يورث العداوات والأحقاد ورغبات الانتقام. من أجل ذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفق، وحثّ عليه، و حذَّر من العنف، واعتبر المحروم منه محروماً من خير كثير، وذلك لأن الرفق من شأنه أن يصلح ويعطي أفضل النتائج وأجود الثمرات.. 1 ـ روى مسلم ( 2593) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على العنف). ( إن تعالى اللّه رفيق ) أي: لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، فيكلفهم فوق طاقتهم، بل يسامحهم ويلطف بهم ،( يحب الرفق ) لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، أي يحب أن يرفق بعضكم ببعض ( ويعطي على الرفق ) في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد، وفي العقبى من الثواب الجزيل ( مالا يعطي على العنف ) وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله . فمن من أسمائه - سبحانه - الرفيق، وهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور، والتدرُّج فيها، وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجالٍ؛ فالله - تعالى - رفيق في أفعاله؛ حيث خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئًا فشيئًا، بحسب حكمته ورِفقه، مع أنه قادر على خَلقها دفعة واحدة، وفي لحظة واحدة. وهو - سبحانه - رفيق في أمره ونَهيه، فلا يأخذ عباده بالتكاليف الشاقة مرة واحدة، بل يتدرَّج معهم من حالٍ إلى حال؛ حتى تأْلَفها نفوسهم، وتأنَس إليها طباعهم؛ كما فعل ذلك - سبحانه - في فرضية الصيام، وفي تحريم الخمر والربا، ونحوهما. 2-وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من الخير- أي نصيبه منه- ، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير" . أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الرفق 4/367، برقم 2013، وقال حديث حسن صحيح. فبالرفق تنال المطالب الأخرويَّة والدنيوية وبفوته يفوتان، ونصيب الإنسان من الخير على قدر نصيبه من الرفق، وحرمانه منه على قدر حرمانه منه. 3 ـ وفي رواية البخاري (6024) : (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله). أي: لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف. وقوله :( في الأمر كله ) في أمر الدين وأمر الدنيا، حتى في معاملة المرء نفسه، ويتأكد ذلك في معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده، فالرفق محبوب مطلوب مرغوب، وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف مثله من الشر. 4 ـ روى مسلم (2594) عن عائشة رضي الله عنها أيضاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (عليك بالرفق، وإياكِ والعنفَ والفحشَ، فإنَّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه). لأن به تسهل الأمور، وبه يتصل بعضها ببعض، وبه يجتمع ما تشتت ويأتلف ما تنافر وتبدد ويرجع إلى المأوى ما شذ، وهو مؤلف للجماعات جامع للطاعات. وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن من يحرم الرفق، يحرم من خير كثير، ومن فضل عظيم جليل. 5 ـ روى مسلم (2592) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يُحرم الرفق يحرم الخير كلَّه). وفيه فضل الرفق وشرفه، ومن ثم قيل: الرفق في الأمور كالمسك في العطور. ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأنهم هيِّنون ليِّنون سمحاء: 6 ـ روى أبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/180)، والبيهقي في "شعب الإيمان "(7777) في حديث مرسل عن مكحول، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون هيِّنون ليِّنون كالجمل الآنف، إن قيد انقاد، وإن أنِخ على صخرة استناخ) والجمل الآنف هو الذلول السهل الذي يطيع صاحبه، ولا يعصيه، ويأنف من الزجر والضرب. وجاء في الحديث البشارة بالعافية من النار لمن كان هيِّناً ليِّناً، رفيقاً سهلاً، والتحذير الشديد بالحرمان من دخول الجنة لمن كان فظاً غليظاً. 7 ـ روى أحمد (3938) وقال مخرِّجوه: حسن بشواهده، والترمذي (2488) وقال: حسن غريب، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بمن يحرَّم على النار، أو بمن تحرَّم عليه النار؟ تحرَّم على كل قريب هينٍ لينٍ سَهْل). 8- وروى أبو داود (4801)،والبيهقي(7823) في "شعب الإيمان" عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة الجوَّاظ ولا الجُعظري). أي: الغليظ الفظ. فقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم أن القريب الهيِّن الليِّن السهل يُحرَّم على النار، والسبب في ذلك أنه ليِّن المعاملة، رقيق القلب، رفيق النفس، رقيق السلوك، سهل الانقياد إلى الخير، لا يتشدَّد في تعامله مع الناس، ولا يقسو عليهم، فالله يكافئه على كل ذلك بالرفق فيعفو عنه ويصفح، ويجازيه الجزاء الأوفى. |
رد: من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق(2) الشيخ مجد مكي حاجة الناس إلى الرفق : قال الغزالي: الرفق محمود ،وضده العنف والحدّة. والعنف ينتجه الغضب والفظاظة، والرفق واللين ينتجهما حسن الخلق والسلامة، والرفق ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال، ولذلك أثنى المصطفى - صلى الله عليه وسلم- على الرفق وبالغ فيه . وقال ابن عمر: العلم زين والتقوى كرم والصبر خير مركب، وزين الإيمان العلم ، وزين العلم الرفق، وخير القول ما صدقه الفعل . وعن حبيب بن حجر القيسي قال: كان يقال: ما أحسن الإيمان يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرفق، وما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم . وعن جابر رضي الله عنه قال: الرفق رأس الحكمة . وعن ابن عباس قال: لو كان الرفق رجلاَ كان اسمه ميموناَ، ولو كان الخرق رجلاَ كان اسمه مشؤوماَ . وقال جرير: الرفق في المعيشة خير من كثير التجارة . وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: وقف رجل بين يدي المأمون قد جنى جناية، فقال له: والله لأقتلنك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين تأنَّ عليّ فإن الرفق نصف العفو، قال: فكيف وقد حلفت لأقتلنك؟ قال: يا أمير المؤمنين لان تلقى الله حانثا، خير لك من أن تلقاه قاتلا، فخلى سبيله. وعن نصر بن علي قال: دخلت على المتوكل فإذا هو يمدح الرفق فأكثر، فقلت: يا أمير المؤمنين أنشدني الأصمعي: ولم أر مثل الرفق في لينه أخـرج العذراء من خدرهـا من يستعن بالرفق في أمـره يستخرج الحية من جحرها فقال: يا غلام الدواة والقرطاس فكتبهما. وما أحسن قول القائل: ورافق الرفق في كل الأمور فلم يندم رفيق، ولم يذممه إنسانُ ولا يغرَّنْكَ حظٌّ جَرَّهُ خُرُقٌ فالخُرْق هدم ورفق المرء بنيانُ مجالات الرفق وعلاماته : لا تكاد ساحة من ساحات الإسلام إلا وللرفق فيها النصيب الأكبر والحظ الأوفر، سواء على مستوى التشريع الفقهي أو في جانب العلاقات الاجتماعية أو في المعاملة حتى مع الخصوم والأعداء أو في غيرها من المواطن، هذا فضلا عن أنه تعالى عرف نفسه لعباده بأنه الرفيق الذي يحب الرفق، وكان رسوله -صلى الله عليه وسلم- نبراسا في هذا الشأن ما لم تنتهك حرمة من حرمات الله. كل هذا الارتباط الوثيق بين الإسلام والرفق جعل منه بحق دين الرحمة والسماحة مهما تعسف المغرضون في وصمه بالعنف والإرهاب. والرفق عام يدخل في كل شيء تعامل الإنسان مع نفسه، ومع أهله ،ومع أقاربه وأصحابه ومع من يشاركه في مصلحة أو جوار وحتى مع أعدائه وخصومه فهو شامل لكل الأحوال والشؤون المناسبة له. روى أحمد وصححه مخرِّجوه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق". وعلامات الرفق هي: لين الجانب، ولطافة القول، وإحكام العمل، والقصد في السير، وطلاقة الوجه، والتبسم في وجوه الناس، ونحوها. والرفق مستحب في كل شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله". أخرجه البخاري عن عائشة. ولكنه يتأكد في الأمور الآتية: 1- الرفق بالوالدين: لقوله تعالى: [وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً] (الإسراء:23-24). إلى كل ابن كريم نقول: رفقًا بوالديك وقولاً ليِّنًا؛ ألم تشعر يومًا ما بقَسوتك في التعامل معهما وهما اللذان سهِرا على تربيتك والإحسان إليك، فإذا كان الرفق مطلوبًا مع الآخرين، فهو مع الوالدين أوجب وأوْلى، بل إن التأفُّف في وجههما إثمٌ وقطيعة وجريمة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فأحسِن صُحبتهما، وارْفُق بهما؛ فإنهما باب من أبواب الجنة. ها هما بجوارك قد بدأ المشيب إليهما، واحْدَودب منهما الظهر، وارتعشَت الأطراف، لا يقومان إلا بصعوبة، ولا يَجلسان إلا بمشقة، أنهَكتهما الأمراض، وزارتْهما الأسقام، فعليك بالبر والإحسان، ولا تَبخل عليهما بمالك وجُهدك، وحُسن خلقك وطِيب مَعشرك . 2- الرفق بالزوجة والأولاد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله". رواه الترمذي وغيره. إلى كل الأزواج: رفقًا بزوجاتكم ورحمةً بهنَّ؛ فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرفقَ وأرحم بعائشة - رضي الله عنها - من أبيها أبي بكر - رضي الله عنه - فقد كان الزوج العظيم أرفق بزوجته من أبيها، وأحلمَ عليها منه وأشفقَ عليها. فهلاَّ اقتديتُم برسول الله - صلى الله عليه وسلم! إلى كل الزوجات: رفقًا بأزواجكنَّ ورحمة بهم؛ تقديرًا لظروفهم، وعدم الإثقال على كاهلهم، وتكليفهم بما لا يستطيعون، خاصة بأمر الطلبات وكثرتها، فالكفاف خير، وليكن لنا في أمهات المؤمنين - رضي الله عنهنَّ - قدوة حسنة حينما آثَروا واختاروا الباقية على الفانية، بعد أن خيَّرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك في قوله - تعالى -: ? إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ? [الأحزاب: 28 - 29]. ويا أيها الآباء والأمهات: لقد أنعَم الله عليهما بالبنين والبنات، رفقًا بالقوارير من بناتكم ومربيات الأجيال، ورفقًا بالبنين من أبنائكم صُنَّاع المجد - بإذن الله - فإنكم برِفقكم وحسن أسلوبكم، تصلون إلى ما لا تستطيعون أن تصلوا إليه بالشدة والعنف؛ فالتربية بالرفق والإحسان أكثر نفعًا وأشد قَبولاً في نفوس هؤلاء الأولاد؛ ليكون ذلك أدعى لقَبولهم ومحبتهم للخير وأهله، فالعنف معهم دون سببٍ بيِّن وكحالةٍ استثنائية، لا يُولد إلا العنف والكراهية والانفعالات. 3- الرفق بالجار. لقوله تعالى: [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ] (النساء: 36). 4- رفق الإمام بالمأمومين، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير". رواه البخاري. والرفق في تسوية صفوف الصلاة، لأن إقامة الصفوف وسد الخلل تقتضيان الاستجابة وعدم المعاندة ،وكثيرا ما يحرش الشيطان في الصدور ، في لحظة القيام للصلاة ، وتسوية الإمام للصفوف ، بتأخير هذا وتقديم ذاك إلى أن يستقيم الصف ، وقد كان من وصيته صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في الصلاة : ( ... ولينوا في أيدي إخوانكم ... ) رواه أبو داود. 5- الرفق بالخدم، وتدل عليه أحاديث، منها ما أخرجه البخاري عن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالرَّبَذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببْت رجلا فعيَّرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ". فيامن مَن أنعم الله عليهم بالخدم والأُجَراء: رفقًا بـهؤلاء الخدم، وتجنَّبوا أن تكلفوهم ما لا يُطيقون، وامتثلوا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ندعوكم للتصدق عليهم على أُجرائكم وخدمكم، زيادة على مستحقَّاتهم؛ ففيهم أجر وصدقة، وهم لها مستحقون، وإلاَّ لَما تغرَّبوا عن أبنائهم وأطفالهم، ثم لتَبرأ ذِمَّتك من زللٍ أو خطأ، أو قسوة وتقصيرٍ. 6- الرفق بالحيوان، وإذا تأمَّلنا بعضَ الأحاديث الواردة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإننا نجد ألوانًا عديدة من مظاهر الرفق بالحيوانات، ومن ذلك أنه نَهَى عن إلحاق الضرر بالحيوان، كتحميله أكثر مما يطيق، أو إرهاقه في السَّيْر؛ فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا سافرتُم في الخصب، فأعطوا الإبل حظَّها من الأرض، وإذا سافرتُم في السنة -الْجَدْب والقَحْط-، فأسرعوا عليها السَّيْر صحيح مسلم، باب مراعاة مصلحة الدواب في السَّيْر، حديث (5068 ( كما نَهَى عن اتخاذ الحيوان أداةً للَّهْو، كجَعْله غرضًا للتسابق في رَمْيه بالسهام ،فعن سعيد بن جُبير قال: مرَّ ابن عمر بفِتْيَان من قريش قد نصبوا طيْرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كلَّ خاطئة من نَبْلهم، فلمَّا رأوا ابن عمر، تفرَّقوا، فقال ابن عمر: مَن فعَل هذا؟ لعن الله مَن فعل هذا! إن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعَنَ مَن اتَّخذ شيئًا فيه الرُّوح غرضًا. صحيح مسلم، باب النهي عن صبر البهائم، حديث (5174( وعن عبدالرحمن بن عبدالله عن أبيه قال: كنَّا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفر، فانْطلق لحاجته فرأينا حُمَّرة -الْحُمَّرة - بضم الحاء وفتح الميم المشددة -: طائر صغير -أحمر اللون-معها فرخان، فأخذنا فَرْخيها، فجاءت الْحُمَّرة، فجعلتْ تفرش-أي تُرفرف بجناحيها وتقترب من الأرض-، فجاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((مَن فَجَعَ هذه بولدها؟! ردُّوا ولدها إليها""رواه البخاري في " الأدب المفرد " برقم : (382) وأبو داود برقم: (2675). تلك بعض الأحاديث التي تدلُّ على مظاهر رحمة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورِفْقه بالحيوان. الرِّفْق بالحيوان – في شريعتنا- يعني توفيرَ حاجتها مِن الطعام والشراب، ومكان ملائم يؤويها ويقيها الحرَّ والبَرد، وعدم إجهادها أو تحميلها فوقَ طاقتها، ومداواتها إنْ مرِضت، وأن نحسن ذبْحَها إنْ كانت من تلك التي سخَّرها الله وذلَّلها لنا لخِدمتنا وأكْلنا، أما الحيوانات الأُخرى السائبة التي تَعيش في محيطنا وسِواها مِن الحيوانات البريَّة، فقد نهانا دِينُنا عن حبسها أو أذيتها؛ لتظلَّ قادرةً على الاعتناء بنفسها مِن جلب لأقواتها وتكاثرها. كما أنَّنا نهينا عن قتْل الحيوانات المؤذية إلاَّ في حالات محدودة للضرورة، وحتى إنَّ ينهانا الإسلام عن سبِّ الحيوانات كما في حديثِ الدِّيك. لقد أعدّ الإسلام قانونًا متكاملاً لحقوقِ الحيوان لرحمته والرفق به، بُني على أساس متين مِن الثواب والعقاب، وتنظيمًا شاملاً لعلاقة الإنسان بالحيوان يتفوَّق على كلِّ القوانين التي صاغَها الآخرون وجمعيات حقوق الحيوان التي يتباهى بها الغربيون؟! 7- رفق الحكام مع رعيتهم . 8- الرفق في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونظرا لأهمية المجالين الأخيرين ، أفردهما بالشرح والتفصيل في الكلمات التاليات . |
رد: من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق(3) الشيخ مجد مكي رفق الحكام: إذا كان الرفق مطلوبا من كل مسلم في قوله وتعامله فإنه يتأكد على الحكام وكل من ولاه الله مسؤولية، فيجب عليهم أن يرفقوا برعيتهم، ولا يشقُّوا عليهم، فالرفق بهم يملك قلوبهم ويطوعهم بالمحبة، والعنف يورث الكراهية والتذمّر والضجر والخروج عن الطاعة، ويورث العداوات والأحقاد، ورغبات الانتقام. "أفضلُ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة إمامٌ عادلٌ رفيق، وشرُّ عباد الله عند الله منزلةً يوم القيامة إمامٌ جائر" [رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (المطالب العالية 10/85 رقم 2150) واللفظ له، وابن أبي حاتم في العلل (2/174 رقم 2016) وابن الأعرابي في معجمه (1/357-358 رقم 693 و694) والبيهقي في الشعب (13/70 رقم 6988) من طرق عن محمد بن أبي حميد، عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قُنْفُذ، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب مرفوعا. وبآخره عندهم (إلا في العلل) زيادة: جائر خَرِق. قال أبوحاتم: "هذا حديث منكر، وابن أبي حميد ضعيف الحديث". لكن الجملة الأولى يَشهد لها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عادل"]. - وروى مسلم (1828) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي: (اللهم من وليَ من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أول أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به). ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم مستجاب وهو تأكيد لسنة الله تعالى في عباده: أن الجزاء من جنس العمل. إن الرفق عنصر من عناصر القيادة الناجحة، التي يرتقب لها الاستمرار والقبض على أزمَّه قلوب الأفراد والرعية. إنَّ أعظم ما يكون الرفق سُمُوًّا حين يكون من القادر على غير القادر، وحين يكون من الراعي على الرعية، فإن الأمة إنما تنظر إلى قائدها نظر الجندي للقائد البصير الذي يقودها إلى النصر، ونظر ركاب السفينة إلى القائد الحريص على أن يتجنب برعيته العواصف والزوابع، وأما حينما يكون الراعي عنيفًا شديدَ السَّوْق للرعية حريصًا على ما في أيديهم، طامعًا فيه، ينظر إليهم نظرَ الصائد الذي ينتهز الفرصة لكي يقتنص صيده، عند ذلك سينظر الناس إليه نظرَ الطير للصائد، ومن ثَم يكونون أخوفَ ما يكونون منه ,وأحرص ما يكونون على هلاكه. روى مسلم (1830) عن عائذ بن عمرو أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ شر الرِّعاء الحُطَمة) والحطمة هو الذي يشتد على إبله أو بقره أو غنمه فيسوقها سوْقاً عنيفاً، حتى يحطم بعضها بعضاً، ويقتل بعضها بعضاً. إنَّ شَرَّ الحكام هو العنيف الشديد الذي لا رفق عنده، ولا رحمة في قلبه، فهو يقسو ويشتد على رعيته، ويوسعهم عسفاً وتحطيماً، ولا يعاملهم بالرفق والحكمة .إنهم الحكام القساة الغلاظ الذين يشتدّون على الناس ويدفعونهم بالعنف والعَسْف إلى أن يحطم بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً. ومن ترك واجب الرفق: احتجاب الراعي عن رعيته، وعدم اهتمامه بمصالحهم وحاجاتهم. - روى أبو داود (2948) ،والترمذي (1332) وقال: حديث غريب، عن أبي مريم الأزدي أنه قال لمعاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة). إلى كل مسؤول نقول: إلى كل من وَلِي أمر المسلمين - سواء كانت ولاية عامة أو ولاية خاصة - كن رفيقًا بمَن هم تحت مسؤوليَّتك، كن معينًا لهم على قضاء حوائجهم، وإياك أن تُماطل بهم، أو تسعى للإضرار بهم؛ فإن الله سائلك عن ذلك، فإن أحسنتَ، أحسن الله إليك، وإن أسأْتَ، جازاك الله على إساءتك بما تستحق، وكنت مذمومًا في الدنيا والآخرة. |
رد: من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق(4) الشيخ مجد مكي الرفق في الدعوة إلى الله تعالى: إنَّ الدعوة إلى الله عزَّ وجل هي محاولة للدخول إلى أعماق الإنسان، لتجعل من المدعوِّ شخصاً ربانياً في مفاهيمه ومشاعره وسلوكه، والدعوة الربَّانية الحقة تبدِّل كيانه كله، وتنشء منه خلقاً آخر، فكراً وشعوراً وإرادة، كما أنها تهزُّ كيان الجماعة هَزَّاً، لتغيّر عقائدها المتوارثة، وتقاليدها الراسخة وأخلاقها المتعارفة، وأنظمتها السائدة. وهذا كله لا يمكن أن يتمّ إلا بالحكمة وحسن التأِّتِّي للأمور، والمعرفة بطبيعة هذا الإنسان، وأنه أكثر شيء جَدلاً، فلابد من الترفق في الدخول إلى عقله، والتسلل إلى قلبه حتى تلين من شدته، ونكفكف من جموده، وتطامن من كبرائه. وهذا ما قصَّه علينا القرآن من مسالك الأنبياء والدعاة في الدعوة إلى الله كما نرى في دعوة إبراهيم لأبيه وقومه، ودعوة شعيب لقومه، ودعوة موسى لفرعون، ودعوة مؤمن آل فرعون، ومؤمن سورة يس وغيرهم من دعاة الحق والخير. انظروا إلى مؤمن آل فرعون كيف وقف يخاطب فرعون ومن معه إنه يشعرهم بأنهم قومه، وأنه واحد منهم، يمه أمرهم، ويعنيه أن يبقى ملكهم ويدوم مجدهم، فهو يخاطبهم بهذه الروح: [يَا قَوْمِ لَكُمُ المُلْكُ اليَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جَاءَنَا] {غافر:29}. ثم يخوفهم ممَّا أصاب الأمم من قبلهم حين أعرضوا عن طاعة الله ورسوله ويثير فيهم الخوف من عذاب الآخرة، ويستمر في دعوته لقومه بأسلوب يفيض رقة وحنواً مرغباً ومرهباً إلى أن يقول في ختام وصيته:[فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ] {غافر:44}. هذا هو الأسلوب الذي ينبغي لأصحاب الدعوات أن يتبعوه في دعوتهم للمعاندين ومخاطبتهم للمخالفين، وحسبنا وصية الله تعالى للرسولين الكريمين موسى وهارون عليهما السلام: [اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] {طه:44} . أي: اذهبا إلى فرعون الطاغية الذي جاوَز الحد في كفره وطُغيانه، وظلمه وعُدوانه"، فقولا له قولاً ليِّنًا"؛ أي: سهلاً لطيفًا، برفقٍ ولِين وأدبٍ في اللفظ، من دون فُحش، ولا صَلَفٍ، ولا غِلظة في المقال، أو فَظاظة في الأفعال؛ "لعله" - بسبب القول اللين - "يتذكَّر" ما ينفعه، فيأتيه، "أو يخشى" ما يضره، فيتركه؛ فإن القول اللين داعٍ لذلك، والقول الغليظ مُنفِّر عن صاحبه، وقد فُسِّر القول اللين في قوله تعالى : ?فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ? [النازعات: 18 - 19]. فإن في هذا الكلام من لُطف القول وسهولته، وعدم بشاعته، ما لا يخفى على المتأمِّل؛ فإنه أتى بـ: "هل" الدالة على العرض والمشاورة، والتي لا يَشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكِّي والتطهُّر من الأدناس التي أصلها التطهر عن الشرك، الذي لا يقبله عاقل سليم، ولم يقل: "أُزكيك"، بل قال: "تزكَّى" أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه الذي ربَّاه، وأنعَم عليه بالنِّعم الظاهرة والباطنة، التي ينبغي مقابلتها بشُكرها وذكرها، فقال: ? وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ?. فإن كان أسلوب الخطاب هذا لذلك الطاغية، فكيف بإخوانكم المسلمين ؟! دخل رجلٌ على المأمون ، الخليفة العباسي، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فأغلظ له القول، وقسا في التعبير، ولم يراع أن لكل مقام مقالاً يناسبه، فقال له المأمون، يا هذا، ارفق، فإن الله بعث من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌّ مني، وأمره بالرفق، بعث موسى وهارون، وهما خير منك، إلى فرعون، وهو شر مني، وأوصاهما بقوله:[اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] {طه:44} .وبهذا حجَّ المأمون ذلك الرجل، وخصمه فلم يجد جواباً. إن القول اللين في الدعوة إلى الله لا يعني بحال من الأحوال تجاوز الثوابت، ولا يعني التهاون في أمور الدين، فإن الله لما أمر موسى وهارون بالقول اللين، قال لهما - سبحانه - أن يبلغا فرعون الدعوة بكل وضوح، بدون مداهنة أو تمييع؛ ? فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ? [طه: 47 – 48]. |
رد: من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق -5- الشيخ مجد مكي الرفق في الدعوة إلى الله - إن الدعوة إلى الله تعالى لا تؤثر ما لم تقترن بخلق الرفق في دعوة الخلق إلى الحق، وتعليم الناس لا يؤتي ثمراته الطيبات ما لم يقترن بخلق الرفق الذي يمتلك القلوب بالمحبة. روى البخاري (6125)، ومسلم (1734) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا). الغلظة والخشونة والفظاظة في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : وضد الرفق: الغلظة والخشونة والفظاظة في التعامل والأسلوب والدعوة خلافاً لهدي الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. أمرنا الله تعالى أن ندعو إلى الله بالحكمة لا بالحماقة، و بالموعظة الحسنة لا بالعبارة الخشنة:[ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] {النحل:125}. ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {التوبة:128}. وخاطب رسوله مبيناً علاقته بأصحابه:[فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ] {آل عمران:159}. ولم يذكر القرآن الغلظة والشدَّة إلا في موضعين: 1 ـ في قلب المعركة ومواجهة الأعداء، وفي هذا يقول الله تعالى:[ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً] {التوبة:123}. 2 ـ وفي تنفيذ العقوبات الشرعية على مستحقيها، حيث لا مجال لعواطف الرحمة في إقامة حدود الله عزَّ وجل:[ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ] {النور:2}. أما في مجال الدعوة فلا مكان للعنف والخشونة. بعض الشباب تجده قبل الالتزام مرحـًا وخفيفـًا وبشوشـًا يجلس مع والديه وإخوانه يمازحهم ويضاحكهم ، فإذا ما منَّ الله عليه بالالتزام قطب جبينه وعبس وكشَّر ، وغاضت البسمة من وجهه ، وأخذ ركنـًا وحده ، واعتزل أهل البيت ، إذا خرج أحس أهل البيت براحة كبيرة وبهم قد انزاح عن قلوبهم ، وإذا دخل سكت المتكلم ، وأمسك المبتسم ، وانكمش الأولاد في زاوية البيت ، كلامه أوامر ، وخطابه شديد ..، .. وبعض الشباب غلب عليهم المخاطبة بالشدة والخشونة، والمواجهة بالغلظة والحدَّة، ولم يعد جدالهم لمعارضيهم بالتي هي أحسن، بل بالتي هي أخشن، ولم يفرقوا بين الكبير والصغير، ولم يميزوا بين من له حرمة خاصة كالأب والأم، ومن ليس كذلك... ولا بين من له حقُّ التوقير والتكريم كالعالم الفقيه والمعلم المربي، ومن ليس كذلك، ولا بين من له سابقة في الدعوة والجهاد، ومن لا سابقة له. والواقع المشاهد يعلمنا: أن الأسلوب الخشن يضيِّع المضمون الحسن. هذا النوع من الملتزمين يتمنى أهله لو بقي طيلة عمره بعيدًا عن الالتزام ، وعن هؤلاء المتشددين الذين خربوا عليهم الولد أو الرجل ، ومثل هذا يضر أكثر مما ينفع لجهله بالدين ، وأخلاقيات المسلمين ، وبكيفية الدعوة إلى رب العالمين . ألم يسمع هؤلاء إلى قول الله تعالى لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - : (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران/159) ، وقوله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة)(النحل/125) . هذا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - يقول لأبيه وهو يدعوه : ( يَا أَبَتِ.. يَا أَبَتِ .. يَا أَبَتِ ) .. ونوح - عليه السلام - يقول لابنه : (يَا بُنَيَّ) .. وكل نبي يقول لقومه ( يَا قَوْمِ). فهي نداءات تحمل معنى الحب والقرب والصلة بين الداعي والمدعوين ، ففيها إشارة لمدى الرحمة بهم والخوف على المخالف والشفقة على المعارض ، فليس مقصد الداعي الاستعلاء بدعوته ، وإنما المقصد استنقاذ أكبرِ قدرٍ من الناس من الهلاك . روى البخاري، ومسلمعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا ، فجعل الجنادب والفراشات يقعن فيها وهو يَذُبَّهنَّ عنها ، وأنا آخذ بِحُجَزكم ، وأنتم تفلتون مني ، تقحمون فيها ". |
رد: من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق -6- الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:الشيخ مجد مكي المتأمل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يَعْجَب من فقهه في معاملة النفوس، وحكمته في تربيتها، ورفقه في إصلاح أخطائها، وعلاج ما بها من خلل، يظهر ذلك في مواقفه التربوية الكثيرة والجديرة بالوقوف معها لتأملها والاستفادة منها في واقعنا ومناهجنا التربوية. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم أسوة حسنة في الرفق وسماحة النفس ولين الطبع وسهولة المعاملة... ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه فظاً ولا غليظاً، ولذلك أثنى الله عز وجل عليه بالرفق ولين الجانب، ونفى عنه الفظاظة والغلظة، فقال تعالى: [وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ] {آل عمران:159}. و وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {التوبة:128}. قال الشنقيطي : هذه الآية الكريمة تدل على أن بعث هذا الرسول الذي هو من أنفسنا الذي هو متصف بهذه الصفات المشعرة بغاية الكمال، وغاية شفقته علينا هو أعظم مِنَن الله تعالى، وأجزل نعمه علينا.[أضواء البيان 2/ 149] وقال تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) [آل عمران : 159 ] أي :برحمة جبلَك عليها وفَطرك بها فكنت لهم لَيِّناً . قلت : يعني أن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فُطر على خُلق الرحمة في جميع أحوال معاملته الأمة لتتكون مناسبة بين روحه الزكية وبين ما يلقى إليه من الوحي بشريعته التي هي رحمة حتى يكون تلقيه الشريعة عن انشراح نفس أن يجد ما يوحَى به إليه ملائماً رغبتَه وخلقه .[التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية 17/ 167]. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش الرفق ويتمثل به في سائر أحواله وشؤون حياته كما قالت عائشة رضي الله عنها: "ما خيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه." متفق عليه. وقد ثبت ذلك عنه في مجالات كثيرة منها: 1- الرفق مع النساء: روى البخاري بسنده عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ غُلَامٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ يَعْنِي النِّسَاءَ... قال أبو عمر في "الاستيعاب" أنجشة العبد الأسود كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، وكان حسن الصوت، وكان إذا حدا اعتنقت الإبل فقال :يا أنجشة رويدك بالقوارير. فخاف صلى الله عليه وآله وسلم أن يزعج انبعاثُ الناقة للمشي النساء اللواتي على ظهورها، وتكلم هو بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه شفقة بهذا المخلوق الضعيف الذي قد يضر به هز الناقة أو يزعجه في هودجه. أما القوارير، فهنَّ اللواتي تقر بهنَّ أعيننا، وتسعد بهن أنفسنا، أمهات وأخوات وزوجات، تكسرهن الكلمة، وتبكيهن النظرة، يقتتن المشاعر، ويعشن على الحب، سماهنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قواريرا، تشبيها لهن بقوارير الزجاج الرقيقة، التي تحفظ بعناية، لأنها قد تكسر مع أي ضربة، لذا أوصانا بهنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء)). وفي رواية لمسلم: "إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها". فالرفق مع المرأة أن يكون الرجل سلسا لينا، يعفو ويصفح، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]. فإن عفوك عنها من خير ما تتقرب إلى الله به، فيعفو عنك كما عفوت عنها، قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]. الرفق أن تجعل العقاب آخر الحلول، ولا تقول لها لشيء فعلته :لم فعلته ؟ولا لشيء لم تفعله: لم لم تفعليه؟ وإنما تقول: قدر الله وما شاء فعل، وتنصح وتبين، وتربي وتعلم، وتجعل أعصابك في قبضة عقلك، وتجعل الدعاء لها بديلا عن الدعاء عليها، وتسأل الله في صلاتك أن يصلح لك زوجك، ويمتن عليك بهذه النعمة العظيمة التي امتن بها على أيوب عليه السلام في قوله: (وأصلحنا له زوجه) الأنبياء:90.، فهذا دأب عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، والذين يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]. لو استطعت أن لا تغضب في توافه الحياة وتفاصيلها التي قدرها الله فافعل، واجعل نصب عينيك نصيحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول لمن سأله النصيحة، وقال له أوصني، فقال له: ((لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب)) والحديث في البخاري. الرفق مع المرأة أن تضع القانون في البيت وتقبل بنسبة الثلث من التجاوزات والتهاونات، والثلث قليل في جانب المرأة التي لا تستقيم لك على طريقة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل هي ما بين عقلها وهواها حائرة، ترى الشيء فتريده ولا تستطيعه، بما ركب الله فيها من قوى العاطفة التي تغلب عندها قوى العقل. فرويدك في التعامل مع المرأة، وفي تقويمها وتربيتها فهي الضلع الأعوج الذي لا تستطيع العيش بدونه، ولا تحاول أن تقيمه لأنك إن جئت تقيمه كسرته، وكسرها طلاقها. رويدك يا من تجعل المرأة خادمة في بيتك لا حديث معها إلا الأوامر والنواهي، ولم وكيف؟ تدخل عابسا وتخرج مكشرا، تظن أنك بذلك تحفظ هيبتك، وما هي بهيبة، بل هي الشؤم والخيبة، وأي هيبة وأي خير في الابتعاد عن سنة نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم الذي كان أكثر الناس تبسما. رويدك يا من تنهال على زوجتك سبا وشتما لأيِّ سبب ولأي خطأ، فلو عاملك ربك كما تعاملها لأهلكك ولتبرك تتبيرا. رويدك يا من تضيع حقوق زوجتك، وتتركها الليالي تلو الليالي، لا أنيس لها إلا الليل الموحش، والفراش البارد، وأنت بين أصحابك وأترابك، تميل مع رياح المرح يمنة ويسرة. رويدك يا من تحملها على عبادتك، وترهقها لتصل إلى زهدك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوقظ عائشة لتصلي معه صلاته من الليل، بل كان إذا أراد أن يسجد غمزها فجمعت رجلها حتى إذا قام مدتها، فوريدك في أهل بيتك، لا تنفرهم من الطاعة، ولا تحملهم على العزائم، فلهن في الرخص ما يناسب أنوثتهن وضعفهن. رويدك يا من جعلت حياتها بين أربعة جدران، وحكمت عليها بالسجن المؤبد في زنزانة الزوجية، وكبت فيها كل شيء جميل، رويدك فأنت الجاني على نفسك، وأنت أول الخاسرين، فإنك متى قتلت في المرأة حيويتها وانطلاقتها وعفويتها، لم يبق لك منها إلا جسد بال حزين، وروح كئيبة تغطيها ابتسامة جافة. أما أنت،،، يا من جعلت عصاك على عاتقك، وقدمت شرك وأخرت خيرك، واستخدمت قوتك التي وهبك الله للدفاع عن البيضة وحماية الحوزة، في الفتك بالبيضة، وتعذيب هذا الإنسان الذي لا يملك حولا ولا قوة، فلا أقول لك رويدا، بل سحقا لك وبعدا، قال تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34]. وفي علوه ما يردع طغيانك وعلوك، ويكفيك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك وفيمن يضربون زوجاتهم: ((إنهم ليسوا بخياركم))؛ النسائي في الكبرى. ثم ألا تستحي من ربك الذي صور هذه المرأة وخلقها في أحسن تقويم، ثم رعاها بنعمه وحفظها بحفظه، إلى أن صارت متعة لك إلى حين، فجعلت تهوي عليها بسوطك هوي الحمير، وتميل عليها ضربا باليمين، وكأنها أصنام النمرود! تكسر منها العظام وتجرح منها الأبشار! تضربها ضرب العبد، ثم تأتي إليها آخر النهار، عدواني بالنهار شهواني بالليل! أتضربها والله يقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]!! أتضربها وهي التي تحفظك في غيبتك، وتخدمك في حضرتك، وهي التي تربي ولدك، ومنها يتغذى الحنان والعاطفة!! صحيح أن الإسلام شرع للرجل أن يضرب امرأته إن هي لم ينفع معها وعظ ولا هجران، لكن الشرع رفق بها حتى في هذا الضرب، وحدده بأن جعله ضربا غير مبرح، وجعله آخر الحلول، بل نهى عنه في مواضع كثيرة وجعله ضرورة يلجأ إليها من نشزت زوجته عن طوعه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم))؛ البخاري. وعندما طاف بآل رسول الله صلى الله عليه و سلم نساء كثير يشتكين أزواجهن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد طاف بآل محمد صلى الله عليه و سلم نساء كثير يشتكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم) النسائي في الكبرى. ولا يمكن أن يكون أولئك بخيارنا، لأن خيار رجالنا هم خيارهم لأهليهم وأزواجهم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)؛ الترمذي. لقد خلق الله الرجل والمرأة ليبلو بعضهم ببعض، وجعل بينهما ما تجر إليه الفطرة من المودة والرحمة، فرويدك في التعامل معها والرفق بها، تكون لك بابا مشرعا إلى رضوان الله، فإن كرهتها فعسى أن تكرهها ويجعل الله لك فيها خيرا كثيرا. من مقالة: رويدك أنجشة لحامد الإدريسي . قالت عائشة رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل شيء منه قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى. رواه مسلم. وكانت زوجه عائشة إذا هويت شيئاً أتبعها إيّاه ما لم يكن إثماً، وقد أذن لها صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى أهل الحبشة وهم يلعبون، وأذن لها بالفرح واللعب يوم العيد. 2- الرفق مع الخادم: عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ_ زوج أم أنس _ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ: "فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا" البخاري 2768. كشف لنا الصحابي أنس جانبًا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسلوكًا رائعًا في تعامله عليه الصلاة والسلام. وكان أنس في العاشرة من عمره، يوم خدم رسول الله . 3- الرفق مع الأطفال: عن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ويدعو لهم." أخرجه البخاري . وعن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم".رواه النسائي. وكان دائماً يقبل الحسن والحسين ويلاعبهما. وحمل أمامة بنت زينب في الصلاة رفقاً بها. |
رد: من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق -7- الشيخ مجد مكي الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: 4- الرفق مع السائل : قال أنس : (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء) رواه البخاري، ومسلم. وروى البزار (8799) : أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب من عطاءَ، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم قم قال له: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، وقد هموا أن يؤدبوه بالعنف، فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله، فأرسل إليه وزاده شيئاً، ثم قال له: أحسنتُ إليك؟ قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنك قلت ما قلت آنفاً، وفي نفس اصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عنك) قال: نعم فلما كان الغد جاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضي، أكذلك؟) قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل هذا كمثل رجلٍ له ناقة شردت عليه، فأتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحبها، فقال لهم: خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها فأخذ من قُمام الأرض، فردها، حتى جاءت واستناخت وشدَّ عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه فدخل النار) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (14193) فيه راو متروك، وانظر: تخريج الإحياء للعراقي (3/1470) وضعفه. 5- الرفق بالناس في العبادات: قال جابر بن عبد الله: (أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذا يُصلي فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء ، فانطلق الرجل وبَلَغَه أن معاذا نال منه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فَشَكَا إليه معاذاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معاذ أفتان أنت أو فاتن ثلاث مرار فلولا صليت بـ "سبح اسم ربك"، "والشمس وضحاها" ، "والليل إذا يغشى "، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة. متفق عليه. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوَّز في صلاتي؛ كراهية أن أشقَّ على أمِّه". رواه البخاري 707، ومسلم 470 6- الرفق في تعليم الجاهل: عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يقول:" بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أميّاه، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فو الله ما كهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هوالتسبيح والتكبير، وقراءة القرآن." رواه النسائي. قال النووي : " فيه بيان ما كان عليه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته وشفقته عليهم .. وفيه التخلق بخلقه ـ صلى الله عليه و سلم ـ في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه ". 7- الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: روى البخاري (220) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه وأريقوا على بوله سَجلاً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا أصحابه كيف يكون الرفق بالجاهلين، وكيف يجب أن يكون الدعاة إلى الله عزَّ وجل ميسرين لا معسرين. وروى البخاري (6025)، ومسلم (285) عن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُزرموه ـ أي لا تقطعوا عليه بوله ـ دعوه) قال أنس: فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: ( إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذره إنما هي لذكر الله، والصلاة وقراءة القرآن) قال أنس رضي الله عنه: وأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من ماء فسَنَّهُ عليه ـ أي: فصبه على المكان الذي بال فيه الأعرابي لتطهير المكان من النجاسة ـ وفي هذه القصة، تبدو حكمة الرسول التربويَّة لهذا الأعرابي الجاهل بآداب المساجد، وهي تدل على رفق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن سياسته، وبهذا الخلق العظيم ملك قلوب أصحابه وفرض به احترامه على أعدائه. راعى الرسول صلى الله عليه وسلم بداوة الرجل ونشأته وظروف حياته، فلم يستجب لثورة أصحابه عليه، وعرفهم أن علاج الأمر سهل في مسجد لم يكن مفروشاً إلا بالحصباء، وهو صبُّ دلو من الماء، ثم نبَّههم على طبيعة رسالتهم التي كلفوا حملها للناس، وهي التيسير لا التعسير. ورد في الأثر: (من أمر بمعروف، فليكن أمره بمعروف) رواه البيهقي في "شعب الإيمان " (7198). وقال الإمام الغزالي: (لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، إلا رقيق فيما يأمر به رفيق فيما نهى عنه، حليم فيما يأمر به، حليم فيما ينهى عنه، فقيه فيما يأمر به، فقيه فيما ينهى عنه). 8- الرفق مع العاصي التائب: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال صلى الله عليه وسلم :هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال: لا . قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟ قال :لا . فمكث النبي صلى الله عليه وسلم قال: فبينما نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه بعرق فيه تمر. والعرق :المكتل ، فقال: أين السائل؟ فقال: أنا ،فقال: خذه فتصدق به. متفق عليه. وكذلك رفقه مع الرجل الذي قبَّل امرأة وجاء نادماً فبيَّن له: أن الصلاة كفارة لذنبه ولم يعنف عليه. |
رد: من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق -8- الشيخ مجد مكي الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: 9- الرفق بالمتعلم والحنوِّ عليه: وصف صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه بمنزلة الوالد لأولاده. عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم...". رواه أبو داود( 8 ) ،و النسائي( 40) من طريق محمد بن عجلان, ورواه أحمد ( 7368 ) من نفس الطريق بلفظ : "إنما أنا لكم مثل الوالد لولده .."،وكذا رواه ابن ماجه (313 ) ، ورواه ابن خزيمة ( 80 ) ،ورواه الدارمي ( 701 ) أيضاً ، وفي هذا الحديث بيان كمال وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، ورفقه بأمته، وحرصه على إفادتها والنصح لها، فهو أنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحاً، وأكملهم بياناً، وأفصحهم لساناً عليه الصلاة والسلام. قال المناوي : ( إنما أنا لكم ) اللام للأجل أي: لأجلكم ( بمنزلة الوالد ) في الشفقة والحنو لا في الرتبة والعلو وفي تعليم ما لا بد منه فكما يعلم الأب ولده الأدب فأنا ( أعلمكم ) ما لكم وعليكم وأبو الإفادة أقوى من أبي الولادة ،وهو الذي أنقذنا الله به من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان. فيض القدير [2 /570]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرفق الناس بالمتعلمين، وأبعدهم عن التشديد والتعسير، والفظاظة والغلظة، وهذا ما نوَّه به القرآن من أخلاقه صلى الله عليه وسلم: [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ] {آل عمران:159}. وكان الرجل يأتي من البادية ويخاطبه باسمه مجرَّداً، ويناديه من بُعْد، ويكلمه بجفوة، وأحياناً يستوقفه في الطريق، فيسع هذا كله لحلمه وحسن خلقه، ويجيبه عما سأل وأكثر مما سأل. روى البخاري (1396)،ومسلم (13) عن أبي أيوبرضي الله عنه: أنَّ أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفره، فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله أو يا محمد، أخبرني بما يقرِّبني من الجنة، ويباعدني عن النار؟ قال: فكفَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: لقد هدي، قال: كيف قلت؟ فأعادها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصلُ الرحم). 10-الإشفاق على المخطئ: ويتجلى الرفق كل الرفق في الإشفاق على المخطئ، فالخطأ لا يوجب مقابلة المخطئ بالعنف والقهر، أو التشنيع عليه أو السخرية منه، فإن هذا قد يؤدي إلى إذلال نفسيته وتحطيم شخصيته، أو يؤدي إلى الإصرار على الخطأ، والتمادي في الباطل والتحدي للحق، دفاعاً عن نفسه وتسويفاً للغلط. وأعظم نموذج للرفق بالمخطئين إذا أخطؤوا: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو خير من يقدِّر الظروف، ويراعي الأحوال، و يُسَعُ الناس جميعاً، حتى ذلك الأعرابي الجلف الذي لم يخجل أن يبول، في ركن من أركان المسجد أمام الناس، فلم يغلظ عليه، وقابله بما ينبغي لمثله من الرفق واللين. روى الإمام أحمد (22211 ) وقال مخرجوه: إسناده صحيح، والطبراني في المعجم الكبير ( 8/162 ) عن أبي أمامة رضي الله عنه أن فتىً من قريش جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنى؟ فأقبل القوم عليه وجروه، فقال صلى الله عليه وسلم: ادنه، فدنا، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، ثم قال له مثل ذلك في ابنته وأخته وعمته وخالته، ثم وضع يده عليه وقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، حصِّن فرجه) فلم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيء. فهذا شاب عارم الشهوة ثائر الغريزة، صريح في التعبير عن نوازعه، ورغم طلبه الذي أثار الحاضرين عليه، لم يكن منه صلى الله عليه وسلم إلا أن لقيه بهذا الرفق العجيب والحوار الهادئ، ثم أنهى هذا الحوار بلمسة حنان على صدر الفتى المتوقِّد، ومع اللمسة دعوات خالصات لله تعالى أن يغفر للفتى و يطهره ويحصنه، فإذا هو يخرج من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم كأنما كان هذا اللقاء لنار شهوته برداً وسلاماً. لقد انتفض الصحابة عند سماع الاستئذان في الزنا من الشاب، فزجروه: "مه.. مه"، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عالجه بطريقة أخرى، وذلك بيان مفاسد مطلبه، وسوء عواقبه، وفي هذا إرشاد للمعلمين والمربين والدعاة باللطف بالجاهل قبل التعليم، فذلك أنفع له من التعنيف، ثم لا وجه للتعنيف لمن لا يعلم، فالإقناع برفق وحكمة هو الباب الصحيح لصرف العقول والقلوب عن المخالفات .. ولم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الشاب على أنه فقد الحياء والخير، بل تفهم حقيقة ما بداخله من شهوة، ولمس جانب الخير فيه، فتعامل معه صلى الله عليه وسلم بمنطق الإقناع العقلي مع الشفقة والحب، فأثابه إلى رشده، وأرجعه إلى طريق العفة والاستقامة، حتى أصبح رافضا للرذيلة، كارها لها. وقد احتوى هذا الموقف على الأسلوب العاطفي في الدعوة والتربية من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب، وظهر ذلك في": ادنه" ، "فدنا منه قريبا" ، "فجلس، فوضع يده عليه ، ودعا له بقوله: "اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه"، ولا شك أن الحديث العاطفي في مواطن ومواقف كثيرة يكون مفتاحا مهما للإقناع . ولم يكتف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالإقناع بالأسلوب العاطفي، بل ضمَّ إليه الإقناع بالأسلوب العقلي بقوله: ( أتحبه لأمك؟ أفتحبه لابنتك؟ أفتحبه لأختك؟ أفتحبه لعمتك؟ أفتحبه لخالتك ، وكان يكفي قوله": أتحبه لأمك" ، لكنه عَدَّدَ محارمه زيادة في الإقناع، ودلالة على أن ما قد يأتي من النساء لا تخلو أن تكون أما، أو بنتاً، أو عمة، أو خالة لأحد من الناس . وأولى المخطئين بالشفقة : من كان خطؤه عن جهل أو غفلة أو ضعف، وبخاصة من أخطأ لأول مرة، مثل الأعرابي والشاب القرشي. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يسع بحلمه ورفقه من أقرَّ على الخطأ والمعصية نتيجة ضعف إرادته، وغلبة عادته، استبقاء له في دائرة الإيمان، وتنبيهاً له بحسن المعاملة على سوء صنيعه، عسى أن يستيقظ ضميره، فيتوب من زلَّته، وينهض من سقطته. هذا الصحابي الذي ابتلي بالخمر وأدمنها، وأُتي به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة شارباً فيضرب ويعاقب، ثم يغلبه إدمانه وشيطانه، فيعود إلى الشرب، ثم يؤتي به، ويضرب ويعاقب وهكذا عدة مرات. حتى قال بعض الصحابة يوماً وقد جيء به شارباً: ما له لعنه الله؟ ما أكثر ما يؤتى به. وهنا تتجلى الرحمة المحمدية والرفق النبوي الرفيع فيقول: (لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) رواه البخاري (6781). عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ برجل قد شرب الخمر، فقال: اضربوه، فمنا الضارب بيده ، والضارب بثوبه، والضارب بنعله، ثم قال: بكتوه، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله ؟ ! ما خشيت الله ؟ ! وما استحييت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! ، فقال بعض القوم: أخزاك الله ! قال: لا تقولوا هكذا ! لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: اللهمَّ اغفر له، اللهم ارحمه) رواه أبو داود. وفي رواية عبد الرزاق (13552 ) عن زيد بن أسلم : (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله). فما أعظم هذا القلب الكبير كيف وسع هذا الإنسان، وأحسن الظن به، رغم تلطخه بالإثم، ومقارفته لأمِّ الخبائث، فوصفه بأنه: (يحب الله ورسوله). إن لعن الناس لا يصلحهم ولا يقربهم من الخير، بل يبعدهم عنه، وأولى من هذا الموقف السلبي أن تتقدم من أخيك العاصي، فتدعه أو تدعو له، ولا تدعه فريسة للشيطان، وقد قال الحكيم: بدل أن تلعن الظلام أضي شمعة تنير الطريق. |
رد: من خلق المسلم: الرفق
من خلق المسلم: الرفق -9- الشيخ مجد مكي الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: 11- تنبيه المخطئ على خطئه : إن على المعلم أن يشفق على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه، بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة ، وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا. فالرفق بالمخطئ لا يعني السكوت على خطئه والإغضاء عنه، كلا فالرفق بالمخطئ والإشفاق عليه يوجب تنبيهه على خطئه وزجره عنه بالرفق المناسب لظروف المخطئ ومدى خطئه ونوعه. ولهذا رأيناه صلى الله عليه وسلم بعد أن ترك الأعرابي يبول في المسجد دون تقطع عليه بولته، دعاه، فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله عزَّ وجل والصلاة وقراءة القرآن). روى مسلم (537) عن معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عَطَسَ رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتُّوني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني- أي ما نهرني ـ ولا شتمني، ولكن قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن). قال النووي : قوله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه و سلم في الرفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه .[شرح النووي على مسلم 5/ 20]. لقد نبَّه النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وسلم معاوية بن الحكم على خطئه دون أن يقول له: أسأت وأخطأت، ولم تعرف للصلاة قدرها، ونحو ذلك من العبارات القاسية، وإنما بيَّن له حقيقة الصلاة برفق. وطورا يكون التنبيه على الخطأ بالهجر والاعتزال لقصد تربوي كما في هجره صلى الله عليه وسلم لزوجاته أمهات المؤمنين : عن جابر بن عبد الله قال :دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم - قال - فأذن لأبى بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- جالسا حوله نساؤه واجما (الواجم : من اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام )ساكتا - قال – فقال: لأقولنَّ شيئا أضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتنى النفقة فقمت إليها فوجأت (أي: طعنت ) عنقها ،فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: « هنَّ حولى كما ترى يسألننى النفقة ». فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول : تسألن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده!!. فقلن :والله لا نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا أبدا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: (يا أيها النبي قل لأزواجك) حتى بلغ (للمحسنات منكن أجرا عظيما) قال: فبدأ بعائشة فقال :« يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ». قالت: وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية .قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي‘ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ،وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال « لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتا ،ولكن بعثني معلما ميسرا ». [صحيح مسلم3763 4/ 187]. قال بن بطال: كان عليه السلام معلما لأمته فلا يراهم على حالة من الخير الا احب لهم الزيادة .[فتح الباري 11/ 501]. وطوراً يكون التنبيه على الخطأ في غاية الرفق، ورعاية الشعور، كما في قصة ابي بكر حين دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع، فكبَّر من أول المسجد وركع، وظل يمشي راكعا حتى وصل الصف، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله قال له هذه الكلمة الطيبة: (زادك الله حرصاً ولا تعد) رواه البخاري (783) ففي هذه الجملة الموجزة دعاء ونهي، دعاء لحرصه على الا تفوته الركعة مع الجماعة، ونهي بإشعاره بخطئه لئلا يتكرر منه مرة أخرى دون أن يقول له: أخطأت. 12- رفقه صلى الله عليه وسلم بأمته: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفيقًا، ليِّنَ الجانب في القول والفعل، يأخذ بالأسهل، ويدعو إلى الرفق في الأمر، ويبين عظيم ثوابه، ويُثني على من يتصفون به. فهذا رفقه بأمته يرويه لنا الإمام مسلم عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم - عليه السلام -: ? رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [إبراهيم: 36]. وقول عيسى - عليه السلام -: ? إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [المائدة: 118]. فرفع يديه - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((اللهم أمتي أمتي، وبكى))؛ فقال الله - عز وجل -: ((يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربُّك أعلم - فسَلْه: ما يبكيك؟)) فأتاه جبريل - عليه السلام - فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال - وهو أعلم - فقال الله - عز وجل -: ((يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نَسوءك. |
الساعة الآن : 07:09 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour