وجوب رعاية الأولاد والأهل
وجوب رعاية الأولاد والأهل الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الأولاد، وفتح لنا من أسباب الهداية كل باب، ورغب في طرق الصلاح، وحذر من طرق الفساد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكريم الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الخلق بلا ارتياب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليما. أما بعد: فياأيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الأولاد، واعلموا أن هذه النعمة فتنة للعبد واختبار، فإما منحة تكون قرة عين في الدنيا والآخرة، وسروراً للقلب وانبساطاً للنفس وعوناً على مكابد الدنيا وصلاحاً يحدوهم إلى البر في الحياة وبعد الممات، واجتماعاً في الدنيا على طاعة الله واجتماعاً في الآخرة في دار كرامة الله: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين}، وإن من أسباب هذه المنحة أن يقوم الوالد من أم وأب - والأب هو المسؤول الأول؛ لأنه راع في أهله ومسؤول عن رعيته - أن يقوم كل من الوالدين على أولاده وفي أولاده بما يجب عليه من رعاية وعناية وتربية صالحة ليخلف بعده ذرية صالحة تنفعه وتنفع المسلمين؛ فإن العبد متى أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله له ما بينه وبين الخلق، ومع حسن النية والاستعانة بالله وكثرة دعائه واللجوء إليه يحصل الخير الكثير والتربية الصالحة؛ يقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}، فوالله ما سألوا ذلك وقعدوا عن فعل الأسباب؛ فإن العقل والشرع كل منهما يقتضي أنك إذا سألت الله شيئاً فلا بد أن تفعل ما تقدر عليه من أسبابه فإن كل أحد لو سأل الله رزقا لسعى في أسبابه؛ لأنه يعلم أن السماء لا تمطر ذهبا، ولو سأل الله ذرية لسعى في حصول الزوجة؛ لأن الأرض لا تنبت أولادا، وهكذا إذا سأل الله صلاح ذريته وأن تكون قرة عين له فلا بد أن يسعى بما يقدر عليه من أسباب ذلك لتكون نعمة الأولاد فهو منحة. أما الشطر الثاني من نعمة الأولاد، أن تكون محنة وعناء وشقاء وشؤما على أهلهم ومجتمعهم، وذلك فيمن لم يقم بما أوجب الله عليه لهم من رعاية وعناية وتربية صالحة، وأهملهم فلم يبال بهم أكبر همه نحوهم حين كانوا شهوة قذفها في رحم الأم أضاع حق الله فيهم فأضاعوا حق الله فيه، لم يحسن إليهم بالتربية فلم يحسنوا إليه بالبر جزاء وفاقا؛ ففاته نفعهم في الدنيا والآخرة وأصبح من الخاسرين وليكونن من النادمين: {قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين}. لقد ضل أقوام اعتنوا بتنمية أموالهم ورعايتها وصيانتها وحفظها، فشغلوا أفكارهم وأبدانهم وانشغلوا بها عن راحتهم ومنامهم، ثم نسوا أهلهم وأولادهم، وما قيمة هذه الأموال بالنسبة للأهل والأولاد؟! أليس من الأجدر بهؤلاء أن يخصصوا شيئا من قواهم الفكرية والجسمية لتربية أهلهم وأولادهم حتى يكونوا بذلك شاكرين لنعمة الله ممتثلين لأمره حيث يقول جل وعلا: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}؟! لقد جعل الله لكم الولاية؛ وحملكم مسؤولية الأهل، وأمركم بأن تقوا أنفسكم وأهليكم تلك النار المزعجة، ولم يأمركم أن تقوا أنفسكم فحسب بل أنفسكم وأهليكم، ومن عجب أن هؤلاء المضيعين لأمر الله في حق أولادهم وأهليهم لو أصابت نار الدنيا طرفا من ولده أو كادت لسعى بكل ما يستطيع لدفعها وهرع إلى كل طبيب للشفاء من حرقها، أما نار الآخرة فلا يحاول أن يخلص أولاده وأهله منها. أيها الناس، إن على كل واحد منا أن يراقب أهله وأولاده في حركاتهم وسكناتهم، في ذهابهم وإيابهم، في أصحابهم وأخلائهم؛ حتى يكون على بصيرة من أمرهم ويقين في اتجاهاتهم وسيرهم، فيقر ما يراه من ذلك صالحا، وينكر ما يراه فاسدا، ويكلمهم بصراحة، ويأخذ منهم ويرد عليهم، ولا يغضب فيجفوهم ويعرض عنهم؛ فإن ذلك يزيد من البلاء والفساد. إن الإنسان إذا لم يقم على مراقبة أهله وأولاده وتربيتهم تربية صالحة فمن الذي يقوم عليها؟! هل يقوم عليها أباعد الناس ومن لا صلة له بهم؟! أو يترك هؤلاء الأولاد والأغصان الغضة تعصف بها رياح الأفكار المضللة والاتجاهات المنحرفة والأخلاق الهدامة، فينشأ من هؤلاء جيل فاسد لا يرعى لله ولا للناس حرمة ولا حقوقا، جيل فوضوي متهور لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، متحرر من كل رق إلا من رق الشيطان، منطلق من كل قيد إلا من قيد الشهوة والطغيان، نعم لا بد أن تكون هذه هي النتيجة إلا أن يشاء الله. إن بعض الناس يقول معتذرا: أنا لا أستطيع تربية أولادي، إنهم كبروا وتمردوا عليّ، وجوابنا على هذا أن نقول: لو سلمنا هذا العذر جدلا أو حقيقة واقعة، ثم فكرنا لوجدنا أنك أنت السبب في سقوط هيبتك من نفوسهم؛ لأنك أضعت أمر الله فيهم في أول أمرهم فتركتهم يتصرفون كما يشاؤون، لا تسألهم عن أحوالهم ولا تأنس بالاجتماع إليهم، ولا تجتمع معهم على غداء ولا عشاء ولا غيرهما؛ فوقعت الجفوة بينك وبين أولادك فنفروا منك ونفرت منهم، فكيف تطمع بعد ذلك أن ينقادوا لك أو يأخذوا بتوجيهاتك؟! ولو أنك اتقيت الله في أول أمرك وقمت بتربيتهم على الوجه الذي أمرت لأصلح لك أمر الدنيا والآخرة: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}. أيها الناس، لقد كانت المدارس تأخذ وقتا كثيرا من أوقات الأولاد وتتحمل عبئا ثقيلا من تربيتهم، والآن سيجدون فراغا كبيرا فكريا وزمنيا؛ فعلينا أن نحاول ملء هذا الفراغ واستغلال هذه الفرصة من أعمال شبابنا بما يكون نافعا لهم؛ حتى لا نخمل أفكارهم أو يستغلوها بما يكون لغوا أو ضارا. إنه يمكن استغلال هذه الفرصة بقراءة الكتب النافعة كل بحسب طبقته وما يتحمله عقله، أو بمراجعة مقررات السنة التي نجح إليها، أو بأعمال نافعة من بيع وشراء ومساعدة أبيه في أعماله. علينا أن نضاعف جهودنا في مراقبتهم وتربيتهم وأن نشعر بأن العبء ثقيل علينا حتى ننمي هذه المضاعفة. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أمر خطير يفعله بعض الطلاب في كتب دروسهم حين ينتهون منها، إنهم يرمون هذه الكتب في الأسواق تداس بالأرجل والنعال، بل يرمونها في المزابل مع الأقذار والأوساخ، إنهم يرمون هذه الكتب غير مبالين بما فيها، قد تكون كلام الله أو تفسيرا لكلام الله أو حديثا عن رسول الله [ أو شرحا لذلك أو كلاما لأهل العلم يتضمن شرح أحكام الله، وكل هذا إهانة لهذه الكتب ووضع لقدرها. فعلى المؤمن أن يتقي ربه وأن يعظم ما أوجب الله عليه تعظيمه؛ حتى يكون قائما بشكر الله عز وجل ليزيده من فضله، وإذا انتهى من هذه الكتب فليدخرها عنده أو يهدها لمن ينتفع بها أو ببيعها، وإن لم تكن صالحة لذلك فليحرقها إن شاء إحراقا كاملا لا يبقي منها شيئاً، أما أن يرمي بهذه الكتب في المزابل والأسواق فهذا غير لائق وليس من شكر نعمة الله عليك الذي سهلها لك حتى أكملت دراستك بها. اللهم وفقنا للقيام بما أوجبت علينا من عبادتك وحقوق عبادك، واهدنا صراطك المستقيم، واغفر لنا وللمسلمين، إنك أنت الغفور الرحيم. اعداد: للعلامة محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله |
| الساعة الآن : 11:15 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour