شرف العلم
شرف العلم عبدالرحمن الآنسي ولا يزال الناس يبحثون عن المناصب المشرِّفة في كل زمان ومكان دون وعي منهم بهذا المنصب الشريف الذي لو علموا بفضله ومنزلته حقَّ العلم، لتسابقوا لنيله دون كَلَلٍ أو مَلَلٍ. أنا لا أتحدث هنا يا عزيزي عن شرف الغنى، ولا عن شرف المكانة، ولا حتى عن شرف النسب والحسب؛ ولكنني أتحدَّث هنا عن شرف "معلم الناس الخير". يموت كل شيء إلا ما تتركه في صدور الآخرين من الخير والعلم، فهو يبقى صدقةً جاريةً تُلازمك حتى ما بعد الموت، فأفضل الحياة حياة القلوب، وأفضل النور هو نور الأبصار؛ لذا فضل طلب العلم وفضل طالبه عظيمٌ عند الله وعند الناس؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام:((إن العالم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر))[1]؛ أي: تستغفر له هذه الدوابُّ، وفي حديث آخر:((إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير))[2]،فهكذا طالب العلم تستغفر له الملائكة، وتستغفر له الدوابُّ، ويستغفر له كلُّ شيء حتى حيتان البحر، وكذلك تضع الملائكة له أجنحتها تواضُعًا((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع))[3]فيا له من شرفٍ عظيم أن تستغفر لك الملائكة والحيتان، ويصلي الله عليك وملائكته في سماه! فأي منصبٍ أشرف من هذا المنصب! وأي فضلٍ أكبر من فضل معلم الناس الخير! أما تعلم أن العلم هو الأنس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل في الظُّلْمة، والنصر على الأعداء وقت الشدة؛ لذا من طلبه نال منه الشرف، ومن حمله زاده من الوقار زينة، كيف لا وهو الشيء الوحيد الذي أمرنا الله تعالى أن نتزوَّدَ به حين قال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. ربما إذا تركت لأولادك أموالًا طائلة فإنهم سيفسدون بها؛ فعلِّمْهم الخير، واترك لهم العلم، فهو خير ما يترك الوالدُ لأولاده، واحذر أن تستصغر من مهنة المعلِّم؛ فوالله لا توجد أمةٌ استهانت بالمعلِّم إلا استهانت بهم الأُمَم، وذلَّهم اللهُ أمام الخَلْق. [1] الترمذي: العلم (2682)، وأبو داود: العلم (3641)، وابن ماجه: المقدمة (223)، وأحمد (5 /196). [2] الترمذي: العلم (2685)، والدارمي: المقدمة (289). [3] الترمذي: الدعوات (3535)، والنسائي: الطهارة (158)، وأحمد (4 /239). |
الساعة الآن : 02:04 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour