محاضرات في التربية وإدارة المدارس
محاضرات في التربية وإدارة المدارس (1) الشيخ طه محمد الساكت محاضرات التربية للشهادة العامة بالتخصُّص للسنة الثالثة كلية أصول الدين 1352هـ - 1933م العناصر: 1- الإدارة المدرسية.2- تقسيم التلاميذ إلى فصول، والطرق المختلفة لذلك التعليم الفردي والجَمْعي. 3- مدرس الفرقة، ومدرس المادة. 4- جدول الدروس والمبادئ التي يُبنَى عليها عمل الجدول. 5- التعب: أسبابه، والعوامل المؤدية إليه، ووسائل علاجه. 6- الواجبات المنزلية. 7- الكتب المدرسية وشروطها.8- الامتحانات: الفرق بين الاختبارات التي يُعطيها المدرس في فصله والامتحانات التي يقوم بها غير المدرس، وأثر الامتحانات في التعليم، والشروط التي تُراعى في وضع الأسئلة، وتقدير الدرجات، والامتحانات الشفوية وقيمتها. أولًا: الإدارة المدرسية: تقوم وزارة المعارف بتنظيم مدارس القطر على اختلاف أنواعها، وتجعلها تعمل متعاونة على سدِّ حاجات البلد المتعددة، وتقريب الأُمَّة من المثل الأعلى الذي تَرْمي إليه. وإنَّ حُسْنَ إدارة المدرسة وتنظيمها وأثر شخصية الناظر فيها - يجعلها خير بيئة صالحة للتربية والتعليم، فاطِّراد (تتابُع) العمل فيها ونظامه، والعناية بكل شأن من شؤونها صغيرًا كان أم كبيرًا، وقيام كل مدرس وموظفٍ فيها بعمله اللائق به والملائم لميوله ومقدرته، وحُسْن توزيع التلاميذ على فصولهم توزيعًا يجعل كلًّا منهم؛ بحيث يستطيع أن يحصل على أكبر فائدة من التعليم والتَّدرُّب، وعدد التلاميذ في الفصل الواحد، وتنظيم المقاعد في الفصول تنظيمًا يجعل كل تلميذ معتمدًا على نفسه في استذكاره وتعلُّمه، وعمل جدول الدراسة بحيث تقع كل مادة في الوقت الملائم لها، والاهتمام بأمر المواظبة والتبكير، وتسجيل كل ما يجب تسجيله في سجلَّات المدرسة ودفاترها، والعناية بنظام دخول التلاميذ في الفصول الدراسية ومغادرتهم إيَّاها؛ كل هذه لها الشأن الكبير في تعويد التلاميذ النظام والطاعة والاجتهاد وحُكْم أنفسِهم بأنفُسِهم؛ ولا سيَّما إن كانوا يُكلَّفُون بإدارة ناديهم المدرسي وسائر جمعيَّاتهم المدرسية، وتنظيم أحوالهم واجتماعاتهم وألعابهم، واختيار رؤسائهم وممثليهم، وإدارة المكتبة بأنفسهم، والمعاونة في إدارة الفصل نفسه، والإشراف على الحدائق، وإدارة شركات تعاونهم، وتنظيم حفلتهم السنوية، والحرص على تنظيم مركز الاقتصاد والإبداع في صناديق التوفير، وما إلى ذلك ممَّا يتعلق بالحياة الاجتماعية في المدرسة. هذه وإن كثيرًا من المدرسين الآن يُشرِكُون التلاميذ إشراكًا فِعليًّا في إدارة المدرسة نفسها، ويتركون أمر العقوبة أو الثواب إلى مجلس يُعقَد من التلاميذ أنفُسِهم. فالإدارة المدرسية: هي قيام ناظر المدرسة وغيره ممَّن له الإشراف عليها بتَيْسِير العمل فيها بسهولة وانتظام؛ تَيْسِيرًا يَكْفُل تحقيق الغرض الذي من أجله أُنْشِئَت المدرسة، فيكون كل شيء في المدرسة وكل تلميذ وكل مدرس بها - يُؤدِّي العمل المطلوب منه على الوجه الصحيح الأكمل. ولحُسْنِ التنظيم المدرسي والإدارة المدرسية شأنٌ كبيرٌ في نجاح التعليم بالمدرسة؛ فهو يكفُل راحة المعلم والمتعلم معًا؛ لهذا تجب العناية بالأمور الآتية: 1- اختيار موقع الدراسة، وحسن بنائه وتنظيمه بحيث يُحقِّق الغرض الذي ترمي إليه المدرسة. 2- حسن أثاث المدرسة، ووجود الأدوات التي تُساعد على حُسْن التدريس، وفهم الدروس. ويُراعى في اختيار الأثاث الراحة، والفائدة الصحية، وتقليل التعب والمتانة، وجمال الشكل، وسهولة النقل، وسهولة التنظيف. 3- تقسيم التلاميذ إلى فِرَقٍ وفصولٍ تقسيمًا يُمَكِّن كل تلميذ على حِدَتِه من الحصول على أكبر فائدة من التعليم يستطيع الحصول عليها مَنْ هو في مثل سِنِّه وفي المرحلة التي هو فيها. 4- توزيع العمل على المدرسين توزيعًا يتَّفق مع كفايتهم وخبرتهم واستعدادهم وفائدة التلاميذ أنفسهم. 5- جدول الدروس الذي به يَسير العمل سيْرًا حسنًا، فتُدرَّس كل مادة في أنسب الأوقات وأصلحها للاستفادة منها، من غير أن تُرهِق التلاميذ إرهاقًا يُحْدِث فيهم من التعب ما يَضُرُّ بهم وبالعمل بنفسه. 6- الطرق العامة للتدريس. 7- دفاتر المدرسة وسجلَّاتها حيث يُدَوَّن تَقَدُّم كل تلميذ ومواظبته وترقيته، وكل ما يتعلَّق به. ثانيًا: تقسيم التلاميذ إلى فصول والطرق المختلفة لذلك: إن تقسيم التلاميذ إلى فِرَقٍ وفصولٍ ووضْع كل تلميذ في الفصل الذي يُناسبه - مشكلة من المشاكل التي يصعُب حَلُّها حلًّا صحيحًا؛ وذلك لأن الأطفال يختلفون في المقدرة العقلية اختلافًا كبيرًا، كما يختلفون في المهارة والميول والاستعدادات الخاصة والظروف المنزلية، وفيما عرَفوه من المعلومات، وكذلك يختلفون من حيث الصحة والقوة الجسمية والقدرة على الاحتمال، فيجب على ناظر المدرسة أن يُعطي كل مدرس طائفةً من التلاميذ المتجانسين في القوى العقلية والعلمية تجانُسًا يُمكِّنُهم من العمل معًا، ومن الاستفادة في الدروس التي تُلْقَى عليهم بحيث يترقّون كلٌّ بحسب قوَّتِه الطبيعية، وينبغي أن يضع الناظر الأمور الآتية نُصْبَ عينيه عندما يقسم التلاميذ إلى فصول: 1- أن يكون كل تلميذ في الفصل الملائم له تمام الملاءمة؛ حتى يستفيد أكبر فائدة من الدروس التي يتلقَّاها أو يُكَلَّف بِإعْدادِها. 2- أن يكون تلاميذ الفصل الواحد متقاربين بعضهم من بعض؛ من حيث التحصيل والمعلومات والمستوى العقلي، وبذلك تُراعى المقاييس العلمية ومقاييس الذكاء. 3- التقارُب في السن، بمعنى أن يوجد التلاميذ في مرحلة واحدة من مراحل التَرَقِّي بحيث يكون العمر الميلادي مُتقاربًا؛ فتكون غرائزُهم وميولهم وقُواهم العقلية مُتجانسةً أو متقاربةً، فمن الخطأ أن يكون في الفصل الواحد تلاميذُ في سنِّ العاشرة وآخرون في سِنِّ التاسعة عشرة؛ لأن هؤلاء يختلفون بعضهم عن بعض اختلافًا كبيرًا. 4- أن يكون بالفصل الواحد من التلاميذ ما يجعل لِرُوح الجماعة أثرًا واضحًا في أفراده؛ حتى يستطيع المدرس أن يَسْتَثِير في نفوس التلاميذ الميول والبواعث التي تدفعهم إلى العمل وتُحرِّكهم إلى المثابرة فيه. 5- يجب ألا يزيد تلاميذ الفصل الواحد على العدد الذي يستطيع المدرس حكمه وتأديبه، والعناية بأفراده عنايةً تستلزمها أحوالُ كُلٍّ منهم النفسية والجسمية. 6- حال الجسم العامة: إن لحال الجسم العامة - من حيث الصحة والقوة والقدرة على الاحتمال - أثرًا كبيرًا في تقدُّم التلاميذ واستفادتهم من التعليم، فيجب ألا يُكَلِّف المدرس ضِعاف الأجسام ما يُكَلِّفُه أقوياءهم القادرين على العمل المتواصل؛ فذلك يُرهِقُهم، ويجعل التعب الشديد يُدركهم بسرعة، هذا وإنَّ من العاهات والأمراض ما له أثر كبير في وقف تَقَدُّم التلاميذ عقليًّا وجسميًّا. فالتلاميذ المصابون بالزوائد الأنفية أو ثِقَل السَّمْع أو قِصَر النظر الشديد، لا يتسنَّى لهم أن يجاوروا إخوانهم الأصِحَّاء في مضمار واحد؛ فقِصَار النظر، وثِقَال السَّمْع - يجب أن يُوضَعُوا على الأقل في الصف الأول من الفصل، إن لم تُجعَل لهم فصول خاصة بهم. ومما تقدَّم يتبيَّن لنا أن التقسيم الصحيح للتلاميذ إلى فِرَقٍ وفصول متلائمة، له فوائد تعليمية وإدارية كثيرة؛ فهو يضع كل تلميذ في الفصل المناسب له تمام المناسبة؛ من حيث السن والذكاء والمقدرة العلمية، ويكون التلميذ مشغولًا طول وقته بالعمل المطلوب منه؛ فلا يجد وقتًا للتكاسُل أو الإخلال بالنظام، ويسهُل على المدرس تأديب التلاميذ وضبطهم الضبط الكافي. وإن وُجِد التلميذ في الفصل المناسب له، يوَفِّر جزءًا كبيرًا من جهده ووقته، ويفسح له المجال لإظهار شخصيته وتقدُّمه فيما يميل إليه بطبعه واستعداده، أما وجود التلميذ في فصل غير ملائم له، فقد يقف في سبيل تقدُّمه، وقد يُعطِّله زمنًا طويلًا. نظم التقسيم: إن تقسيم التلاميذ إلى فصول يكون إمَّا على أساس: 1-تقارب قواهم ومعلوماتهم في كل مادة على حدتها من مواد المنهج. 2- أو على تقارُب قواهم في جميع مواد المناهج جملة واحدة. 3-أو على تقارُب قواهم في مجموعة معينة من هذه المواد. كل ذلك مع مراعاة السن إلى حدٍّ ما، ولنشرح كلًّا من هذه النظم الثلاثة: (1) في الحالة الأولى: يوضع كل تلميذ في كل مادة على حِدَتِها في الفصل الملائم لقوَّتِه، ودرجة معلوماته في كل مادة على حدة، وبذلك لا يكون التلميذ طول الوقت في فصل واحد معين؛ بل ينتقل في الفصول المختلفة حسب مصلحته ومقدرته، فتلميذ الفقرة الثالثة الابتدائية مثلًا قد يكون في فصل منها في اللغة العربية والتاريخ، وفي فصل آخر من فرقة السنة الثانية في الجغرافيا، وفي السنة الرابعة في الحساب، وفي السنة الخامسة في اللغة والخط مثلًا؛ أي: إن هناك تقسيمًا في كل حصة وفي كل مادة، ولا شك في أن هذه هي الطريقة الْمُثْلى؛ لأن التعليم يكون عندئذٍ مناسبًا للتلميذ تمام المناسبة، فيتقدَّم في كل مادة بحسب ميوله ومواهبه وسرعته الطبيعية غير مُقَيَّد بسرعة زملائه، على أن في هذه الطريقة مصاعبَ كثيرةً: 1- إنها تستخدم كثيرًا من الفصول والمدرسين. 2- لا بد فيها من تدريس مادة واحدة في وقت واحد لجميع الفصول في المدرسة. 3- تقتضي أن يكون لكل تلميذ جدولٌ خاصٌّ به. 4- يضيع وقت كبير في كل حصة من جرَّاء الانتقال من فصل إلى آخر. 5- تدعو التلميذ إلى أن يتخصَّص قبل الأوان، ويعني بمادة ويُهمل أخرى. 6- فيها يصعب اختبار هؤلاء التلاميذ في امتحان عام. وهذا النظام هو المعروف الآن بالتعليم الفردي، [وهذا النظام ما يُسمَّى حاليًّا بنظام الساعات الْمُعتمدة]، وعلى الرغم من صعوباته الكثيرة تتَّجه إليه التربية الحديثة اليوم، وتعمل له جهد الطاقة؛ لأنه يناسب التلميذ ومقدرته العلمية والعقلية في كل مادة على حدة. (2) في الحالة الثانية: وهي المتَّبعة الآن في مصر وفي أكثر المدارس الألمانية والفرنسية والإنجليزية، فتجد أنه لا بد من تقسيم التلاميذ حسب قوَّتهم في كل مادة على حدة، ثم يُقسَّمُون حسب متوسط قوَّتهم في جميع مواد المنهج، فلكل فرقة من الفِرَق منهاج مُعَيَّن قائم بنفسه، تَنْتَظِر المدرسة من كل تلميذ أن يُلِمَّ به إلمامًا عامًّا، وإن أساس هذا التقسيم هو المناهج كلها، لا كل مادة على حِدَتها. ومحاسن هذا التقسيم: أنه سهل يُؤدِّي إلى الثقافة العامة في الابتدائي والثانوي قبل التخصُّص، وبه تنال كل مادة حظَّها من العناية والاهتمام، ويسهل ربط المواد بعضها ببعض، ولا سيما إن كان المدرس هو مدرس الفصل، ويُدَرِّس أكثر من مادة، ويجعل تنظيم الفصل سهلًا على المدرس العادي. ولهذه الطريقة كما لغيرها والمَثالِب (العيوب)؛ منها: إن التلاميذ النُّجَباء لا يتقدَّمون تقدُّمًا مناسبًا يناسب نجابتهم وتفوُّقهم، بل يُضطرُّون إلى السير مع المتوسطين من زملائهم، فيضيع عليهم وقتهم الثمين، وقد تحبط هِمَّتُهم، كما أنها تُهمِل ميول التلاميذ واستعداداتهم، فتَضْعُف لقلة ما تجده من التشجيع، أما التلاميذ الضِّعاف فيُهمَلون ولا يجدون العناية الكافية بهم من المدرس، فيظلُّون على ضَعْفِهم، في حين أن المتوسط يبقى متوسِّطًا، ومن التلاميذ من يضطرُّه هذا النظام إلى البقاء سنة أخرى في فرقته لرسوبه في مادة واحدة قد تكون غير ذات شأن كبير على الرغم من تقدُّمه في المواد الأخرى تقدُّمًا كبيرًا، وفي ذلك من ضياع الوقت ما فيه. والتعليم بحسب هذه الطريقة من التقسيم يُعرَف باسم التعليم الجَمْعِيِّ. (3) في الحالة الثالثة: فهي وسط بين الطرفين السابقين، وهي مزيجٌ منهما، وتقتضي أنْ يبقى التلميذ في فصله في عدة مواد تكون درجته فيها متقاربة، وفي فصل آخر أرقى منه أو أدنى في مادتين أو ثلاث مثلًا. ومن فوائد هذه الطريقة: أن التلميذ يبقى في فصل واحد معين في أكثر المواد، فيحصل على الفوائد التي تنجم عن الطريقة الثانية، وهي طريقة التعليم الجَمْعِيِّ، وفي الوقت نفسه يُشجع على التقدُّم في مادتين أو أكثر من المواد التي يميل إليها، أو التي يشعُر بالضَّعْف فيها؛ وبذلك يحصل على قسط وافر من العناية الفردية، ومثل هذه الطريقة هي المتَّبَعة في المدارس الإنجليزية الحديثة؛ حيث إن لكل ناظر مدرسة الحريةَ في تقسيم التلاميذ على أي أساس يريد. المدارس الصغيرة: وكلما صغرت المدرسة قلَّ عددُ تلاميذها، وازداد التقسيمُ صعوبةً، فإذا كان عدد حجرات المدرسة وعدد المدرسين بها قليلًا، لم يكن ثَمَّةَ بُدٌّ من اجتماعٍ فرق كثيرة في حجرة واحدة أو اثنتين، يقوم رئيس المدرسة بالتدريس في واحدة منها، ويقوم المدرس الآخر بالتدريس في الحجرة الأخرى، وهذا هو الواقع في كثيرٍ من المدارس الأوَّلية والإلزامية في مصر وغيرها، وعندئذٍ يجب أن يُراعى في عمل الجدول أن يكون جميعُ التلاميذ مشغولين بعمل نافع في وقت اشتغال المدرس بالانتباه إلى فرقة معينة منهم، وكذلك يجب ألا يكون العملُ في فرقةٍ ما مُعَطِّلًا للعمل في فرقة أخرى تشتغل على مقربة منها. وأهم الوسائل لتخفيف المضار التي تنشأ عن التعليم الجَمْعيِّ أربعة، وهي: 1-جعل نقل التلاميذ مَرِنًا: في النظام المدرسي الحاضر يُضطرُّ التلميذ إلى أن يبقى سنة دراسية كاملة في كل فرقة من الفرق، ولا ينتقل منها إلى فرقة عُلْيا إلا إذا اجتاز امتحانًا في كل المواد الدراسية، ونجح فيها حسب النُّظُم الموضوعة للامتحان، فمهما كان التلميذ ذكيًّا قادرًا، فلا بد أن يبقى سنة مكتبية إذا رسب في مادة لا يميل إليها على الرغم من نجاحه وتقدُّمه في المواد الأخرى. وإنَّ هذا النظام الجامد الذي يحتِّم ألا يُنقَل تلميذ من فرقة إلى فرقة أعلى منها، إلا في نهاية السنة بعد تأديته امتحانًا مع سائر أفراد فرقته، ونجاحه في ذلك الامتحان - نظامٌ فاسدٌ، وقلما يدافع عنه أحد الآن من علماء التربية؛ لذلك يرى كثيرون من المربِّين جعل مواعيد النقل مرة كل ثلاثة أشهر، أو كل نصف سنة مثلًا، فإذا رسب تلميذ واضطرَّ إلى أن يعيد، فهو يعيد المقرر لثلاثة الأشهر، لا المقرر للسنة كلها، وبدلًا من أن يتأخَّر سنة، فهو يتأخَّر رُبع سنة، وفي ذلك ما لا يخفى من الفوائد الكثيرة، فهو يُقلِّل بقاء التلاميذ للإعادة إلى حَدٍّ كبير، وهذا التقليل له أثر كبير في نجاح التلاميذ والدراسة نفسها؛ لأن النجاح يُساعد على النجاح، ولقد قِيل: إن من يرسب في الامتحان، ويعيد مرتين يغلب عليه أن يخفق في الحياة، فرسوبه هذا يُثبِّط هِمَّتَه، ويُوحي إليه أنه أقل من زملائه، ويشعُر بأنه لا فائدة من أن يبذل جهده أو يُثابر في التعلُّم، في حين أن تشجيع التلميذ ونقله إلى فرقة أعلى من فرقته، يحمل سائر التلاميذ على الانتباه والاجتهاد، ومضاعفة الهِمَّة والمجهود، ويضطرُّ المدرس إلى العناية بما يُلقيه من دروس، وإلى العناية بدرس تلاميذه وتفهُّمهم، وتشجيع المجتهد منهم على التقدُّم. ومع ذلك يجب الاحتراس من التهاون في النقل والتساهُل فيه، كما يجب الاحتراس من الحكم على التلميذ بالإعادة، فنقل التلميذ من غير استحقاقٍ يَضُرُّ به وبتقدُّمه من غير شك، كما يَضُرُّهُ الرسوب والإعادة ظُلْمًا. 2-إعطاء دروس إضافية: وفي كثير من المدارس يعمل المدرسون على تقليل الفروق التي بين تلاميذ الفصل الواحد بقِسْمَتهم إلى أقسام ثلاثة: ضعاف، ومتوسطين، وأقوياء؛ فالضِّعاف يُعْطَون دروسٌ إضافية في أوقاتٍ غير أوقات الدراسة العادية بطرقٍ تُناسبهم، يُسْتَكثَر فيها من وسائل الإيضاح المختلفة، ويقلُّ ما فيها من الأمور المعنوية، وتَكثُر فيها الأمور المحسوسة، ويُدرَّس لهم أكثر الدروس بطرقٍ مُشَوِّقة، في حين أن الأقوياء يُساعدون على زيادة التعمُّق في مادتهم، بدلًا من أن يُضطرُّوا إلى السير بخطوات المتوسطين أو الضِّعاف من زملائهم؛ فهذا الترتيب يُقرِّب الأقوياء من الفرقة التي فوق فرقتهم؛ ويُقرِّب الضِّعاف من متوسطي الفرقة التي هُم فيها. 3- جعل الفصول متقاربةً متجانسةً في القوى: لكي يكون كل جماعة من التلاميذ أكثر تجانُسًا فيما بينهم؛ من حيث القوة العقلية ومقدار التحصيل، يلجأ كثير من المدارس إلى ما يُسمَّى "بالفصول المتوازية"، أو "المتقاربة في القوى"، ففرقة السنة الأولى بالمدارس الثانوية مثلًا تقسم إلى ثلاثة فصول؛ ففي الفصل الأول الأقوياء، ويدرسون في السنة الواحدة مقرَّر السنة وربع سنة، وفي الفصل الثاني المتوسطون ويدرسون مقرر السنة في سنة، وفي الفصل الثالث الضِّعاف من هذه الفرقة عينها ويعطونهم في سنة ثلاثة أرباع المقرر للسنة ذاتها، فكأن منهاج التعليم الثانوي مثلًا وهو خمس سنين مُقسَّم إلى أقسام ثلاثة: القسم الأول يُوزَّع على أربع سنوات، والثاني على خمس، والثالث على ست. 4- الاختيار في مواد الدراسة: وفي بعض المدارس يُكلَّف التلاميذ دراسة بضع مواد أساسية، ثم يُسمَح لهم باختيار ما يميلون إلى دراسته بعد ذلك من المواد التي تدرس في المدرسة، فيختار كل تلميذ ما تميل إليه نفسه، أو ما يتَّصل بحياته العملية والعلمية في المستقبل، وهذا الاختيار يكون طبعًا بإشراف المدرسة وإرشادها. كل هذه الوسائل والنُّظُم ترمي إلى تقليل الأضرار والْمَثالِب (العيوب) التي تنشأ عن نظام الفصول المألوف، وهو ما نُسَمِّيه الآن بالتعليم الجَمْعيِّ، وكلها تَفْرِض أولًا ضرورة جمع التلاميذ في فصول وتكليفهم العمل والدراسة معًا بنظامٍ واحد، ثم تحاول إيجاد وسائل مختلفة كالتي ذكرناها لتخفيف المضارِّ التي تنشأ عن التعليم الجَمْعِيِّ المتَّبَع في معظم المدارس، لكنها لا تعمل على ما يُسمَّى الآن بالتعليم الفردي، وهو أحسن الطرق الحديثة في التربية. التعليم الفردي والتعليم الجَمْعيُّ: يُسمَّى التعليم على نظام الفصول من غير مراعاة للفروق العلمية والعقلية بالتعليم الجَمْعيِّ، والتربية الحديثة ترمي إلى أن يكون التعليم فرديًّا بقدر الإمكان؛ بحيث تُراعى فيه مقدرة الفرد من الوجهتين العلمية والعقلية، ولنتكلم عن كل منهج بإيجاز. التعليم الجَمْعيُّ: إن نظام الفصول والتعليم فيها تعليمًا جَمْعيًّا، كان له أثر كبير في نشر التعليم وتقليل نفقاته، فهو الذي مَكَّن الشعوب من تعليم الملايين من جماهيرها، أما اليوم وقد تَقَدَّمت التربية تقدُّمًا كبيرًا، فلا يرضى عنه أحد من الْمُجَدِّدين، وذلك لأسباب: 1- فيه يكون المدرس مضطرًّا إلى أن يهمل جزءًا كبيرًا من التلاميذ، فإن سار في تدريسه بحسب الأقوياء والأذكياء أرهق المتوسطين إرهاقًا كبيرًا، وأهمل الضِّعاف، وإن سار حسب قوة الضِّعاف أَحَسَّ الأقوياء بأنهم أُهمِلوا، فتَفْتر هِمَّتُهم، ولا يستفيدون فائدةً تُذكَر. 2- وفيه يهمل المدرس ما بين التلاميذ من اختلافٍ، فيعاملهم كأنهم جميعًا من نوعٍ واحد، وكأن ميولهم واحدة ونفسيتهم واحدة، والحق أنهم ليسوا كذلك، فالأطفال يختلفون اختلافًا كبيرًا من حيث الذكاء الطبيعي والمهارة المكتسبة، والقدرة على العمل، ومن حيث المعلومات، وكذلك يَتَباينون من حيث الصحة والقوة البدنية تَبايُنًا عظيمًا، فالمدرس في التعليم الجَمْعيِّ يُهْمِل الفرد إهمالًا كثيرًا من حيث ميوله ومواهبه وشخصيته. 3- إنَّ هذا التعليم الذي يجعل المدرس يقوم بكل شيء، ويَسْتَبْقي التلاميذ جامدين في أمكنتهم ينتبهون في الظاهر إلى ما يقوله، ويعتمدون كل الاعتماد عليه - خطأٌ؛ لأنه يؤدي إلى تهاوُن التلاميذ في التحصيل والاستفادة، ويجعلهم معتمدين على غيرهم. 4- التعليم الجَمْعيُّ يُضيِّع وقتًا كبيرًا على التلاميذ والمدرسين جميعًا، وفيه يُضطرُّ المدرس إلى أن يسير بحسب الطرق العقيمة في التدريس؛ لأنه ليس لديه الحرية الكافية. التعليم الفردي: تَجلَّى للباحثين في علوم التربية والنفس ضرورةُ مراعاة الفروق الكبيرة التي بين التلاميذ في التعليم والتهذيب والمعاملة، ولقد أدَّى بهم البحث إلى أنه ينبغي ترك نظام الفصول كليةً، والعمل على جعل نظام التعليم فرديًّا، فتكون طريقة التربية التي يتَّبِعها المدرس مع زيد مناسبة لقوَّة زيد نفسه وسرعة تقدُّمه وميوله وحاجاته النفسية، ومميزاته الشخصية، وعلى هذا وُجِد التعليم الفردي، ووُضِعَتْ كُتُبٌ وأجهزة خاصة؛ لكي يُعلِّم التلميذ نفسه بنفسه بحسب قوَّته وميوله، مع إرشاد المدرس عند الحاجة، ومراعاة مقدرته في كل مادة على حِدَةٍ. وأحسن الطرق التَّوسُّط بين الطريقتين بمراعاة التعليم الجَمْعيِّ والتعليم الفردي معًا في نظام الفصول المتقاربة المتجانسة في المقدرتين العقلية والعلمية، وفي السن أيضًا. ومن أهم الطرق الحديثة التي تتَّبع نظام التعليم الفردي، طريقة منتسوري "الطبيبة الإيطالية"، وطريقة دالتون "وهي بلدة بأمريكا"، وصاحبة هذه الطريقة "مِس هِيلين بَارْك هِيرِسْت" بالولايات المتحدة، وطريقة "وِنْتِكا" وصاحبها الدكتور "كَارْلِتُون وَاشْبورْن" الْمُرَبِّي الأمريكي، وطريقة "وِيكرولي" الْمُرَبِّي البلجيكي. ولا يتسع المقام لشرح هذه الطرق وغيرها من الطرق الحديثة في التربية التي ترمي كلها إلى التعليم الفردي. |
توزيع الأعمال على المدرسين
توزيع الأعمال على المدرسين الشيخ طه محمد الساكت محاضرات في التربية وإدارة المدارس (2) توزيع الأعمال على المدرسين يَقْتَضِي حُسْن توزيع العمل على المدرسين وغيرهم من موظفي المدرسة - حِكْمةً وسَداد رأيٍ وخبرة بالمدرسين أنفسهم؛ من حيث كفايتهم وطول خبرتهم، وعملهم ومقدرتهم على حفظ النظام بين التلاميذ، وقد دَلَّت الخبرة على أن المدرسين يختلفون اختلافًا كبيرًا من حيث قدرتهم على التدريس للتلاميذ في المراحل المختلفة وعلى تَأْدِيبهم. ومن المدرسين من يُحْسِن التدريس لصغار الأطفال كالمعلمات، ولا شك في أن المدرسات أَقْدَر من المدرسين عادة على فَهم هؤلاء الصغار، ومن المدرسين من يُحْسِن التدريس بالمدارس الابتدائية وحدها، أما المدارس الثانوية فتلاميذُها في دور المراهقة والشباب، وهو أشدُّ أطوار الحياة خطرًا، والتعليم بها يقتضي من المدرس والمدرسة علمًا غزيرًا، ومهارة كبيرة وقدرة على معاملة الفتيان أو الفتيات من غير تعسُّف ولا إرهاق، ويتطلب جزءًا كبيرًا من الحرية المنظمة، لهذا كله وجب أن يكون ناظر المدرسة، وكل مشرف على التربية والتعليم ممن مارسوا التدريس طويلًا، وتوافرت فيهم الحِكْمة، وبُعْد النظر، وأصالة الرأي، وطول الخبرة، وحُسْن الإدارة والتنظيم؛ حتى يستطيع أن يُحْسِن إدارة مدرسته، ويعهد إلى كل مدرس بالأعمال التي يميل إليها، ويستطيع القيام بها على الوجه المرضي. طرق توزيع المدرسين على الفرق والفصول: لتوزيع المدرسين على الفرق والفصول ثلاث طُرِق:1- أن يستقلَّ المدرس بفصل معين ثابت، فيُدَرِّس له جميع مواد الدراسة الْمُبَيَّنة في الخطة، ويُسَمَّى مثل هذا المدرس عادة "بمدرس الفصل". 2- أو أن يستقلَّ بالموادِّ الدراسية جميعها، ولكن ينتقل مع تلاميذه من فرقة إلى أخرى، حتى إذا تخرَّجوا على يديه، عاد وتَسَلَّم طائفة أخرى وهكذا، ويُسَمَّى هذا المدرس كذلك "بمدرس الفصل". 3- أو أن يختصَّ كل مدرس منهم بمادة واحدة أو عدة مواد متجانسة، يُدَرِّسُها في فصول وفرق مختلفة، ويُسمَّى مثل هذا المدرس عادة "مدرس مادة". مدرس الفصل: إذا أُعطِي مدرسٌ من الفصول المدرسية فصلًا يُدَرِّس له كل المواد المقررة أو معظمها - كان من وراء ذلك فوائد كثيرة للمدرس والتلاميذ؛ ففي هذه الحال:1- يستطيع مدرس الفصل أن يَدْرِس كلَّ تلميذٍ من تلامذته عن كثبٍ، ويَتعَرَّف أخلاق كل منهم وميوله ومواهبه ونَقَائِصَه وقوَّته أو ضَعفه، وبذلك يَتَسَنَّى له معالجة ما فيهم من أوجه النقص، وتشجيعهم على ترقية ما فيهم من أوجه الكمال، ويستطيع كذلك أن يُقسِّمهم طوائف بحسب مقدرتهم وذكائهم أو ضَعْفهم وتَأخُّرِهم، ويعني بكل طائفة عنايةً خاصةً. 2- يُمكِنُه ربط مواد الدراسة بعضها ببعض، فيَحصُل التلاميذ على ما في الربط من الفوائد الكثيرة. 3- يقوى شعور كلٍّ من المدرس والتلاميذ بما عليه من التَّبِعة والواجب، فيبذُل المدرس جهده في الإفادة، والتلميذ في العمل والاستفادة. 4- يكون التلميذ نفسه موضع عناية المدرس واهتمامه، لا مادة الدرس ومحتوياته، فيُعْنَى المدرس عندئذٍ بتربية الطفل وتكوين خُلُقِه، وإعداده للحياة الحقيقية في المجتمع. 5- تكون مواد الدراسة كلها في نظر المدرس في مستوى واحد من الأهمية. 6- يجد المدرس راحة وتَرْوِيحًا للنفس في تغيير مادة درسه في كل جهة من الحصص. ومن الواضح أن المدارس الأولية والابتدائية ليست في حاجة إلى مدرس اختصاصي في مادة ما، فليس الاخْتِصاص من شأن هذه المدارس. أما المثالب (العيوب) التي أُخِذَت على هذه الطريقة، فكثيرة أيضًا: 1- منها أن يكون من الصعب على الْمُدرس أن يكون قادرًا كل القدرة على تدريس جميع المواد بدرجة واحدة من العمل والمهارة، وإذا لبث أعوامًا طويلة يُعَلِّم فِرْقة مُعَيَّنة، اقتَصرت معلوماته على المقَرر لهذه الفِرْقة وحدها، وعندئذٍ يَضيق أُفقه العقلي، ويُصبِح عِلْمُه آليًّا، لا حياة فيه ولا لذَّة. 2- ومنها أن المعلم الضعيف أو المتَهاوِن في عمله، أو الكارِهَ له أو السيئ الطريقة، أو العاجز عن تأديب التلاميذ - يكون شرًّا مستطيرًا على تلاميذه لطول مُكْثِه معهم في الدراسة. مدرس المادة: يرى أنصار هذه الطريقة: أن مدرس المادة يكون مُلِمًّا كلَّ الإِلْمام بمادته، مُقْبِلًا على دراستها، مُتَّبِعًا كلَّ جديد فيها، قائمًا بالعمل الذي يميل إليه، ويهتم به، وبذلك يكون قادرًا على إفادة التلاميذ فائدةً كبيرةً، ثم إنَّ المدرس المهتم بمادة من المواد يكون أقدر على تدريسها من غيره.ويرى المعارضون أن مدرس المادة: 1- لا يكون لديه الوقت الكافي ولا الفُرَص التي تُمَكِّنه من أن يَدْرُس كلَّ تلميذ من تلاميذه، ويَتَعرَّف ميولَهم واستعداداتهم، وما بهم من نَقْصٍ أو كمالٍ، والمهم هو تربية التلميذ لا حشْو عقله بالمعلومات والمعارف.2- وإنَّ قلة الوقت الذي فيه يرى التلاميذ مدرس المادة - تجعل سُلْطَته عليهم ضعيفة؛ فلا يُؤثِّر فيهم الأثر المطلوب. 3- وعادةً يكون اهتمامه بتدريس مادته الخاصة أكثر من اهتمامه بالتلميذ نفسه؛ فتصبح للمادة الْمَنْزِلة الأولى للتدريس، وعندئذ يُهمِل الْمُدرس العناية بتكوين أخلاق التلاميذ والالتفات إلى صحة أجسامهم، وتَثْقِيف عقولهم؛ أي: إنَّ عمله يكون مَقْصُورًا على التعليم لا التربية. 4- يُعَظِّم من شأن مادته ويَغْلو بها غُلُوًّا قد يضُرُّ بالمواد الأخرى وبالتلميذ نفسه في النهاية، وتكون الموادُّ المختلفة مُفَكَّكةً في أذهان التلاميذ، لا ترَابُط بينها ولا اتِّساق، وذلك لأن كل مُدرِّسٍ لا يهتمُّ إلا بمادته وحدها، ولا يَكتَرِث بربطها بالمواد الأخرى. يَتبيَّن لنا من هذه الموازنة أن الكِفَّة راجحة في ناحية مدرس الفصل للمدارس الأوليَّة والابتدائية على الأقل، ولا غِنى لنا عن المدرس الاختصاصي في مادة أو أكثر في المدارس الثانوية والعالمية، ولا يسَعُنا أيضًا أن نستغني عن الاختصاصي في تدريس بعض المواد الابتدائية؛ كالأشغال اليدوية، والرسم والألعاب الرياضية، فإنها تستلزم مهارةً خاصَّةً. وخير طريقة نراها لتوزيع الدروس في الظروف التي نحن فيها الآن هي: 1- أن يكون المدرس في المدارس الأوليَّة مدرس فصلٍ؛ حتى يُحْسِن القيام بتربية أبناء الشعب تربيةً صحيحة. 2- يَحْسُن أن يُعطَى المدرس الواحد في المدارس الابتدائية أكبرَ عدد مُمكن من الحصص في الفصل الواحد؛ حتى يستطيع رَبْط المواد بعضها ببعض، ومعرفة تلاميذه معرفةً صحيحة. 3- أما في المدارس الثانوية، فيَحْسُن أن يُعْهَد إلى مدرس المادة بتدريس المواد المتَخَصِّص فيها؛ لأنَّ تلاميذَها أشدُّ مَيْلًا إلى الاستزادة من العلم؛ فهم في المرحلة التي تَسْبِق مرحلة التعليم العالي؛ حيث يكونُ التَخصُّص والإعداد المباشر للمِهَن والحِرَف. 4- ويَحْسُن عدم فَصْل فروع كل لغةٍ بعضها عن بعض، ولا فروع الرياضة، ولا فَصْل الجغرافيا عن التاريخ، ويَنْبغِي أن يَتَّصِل المدرس بتلاميذه في المدرسة في ألعابهم واجتماعاتهم، وجَمْعِيَّاتهم.. وغيرها. 5- ويجب أن يَتَذَكَّر المدرس أن مادته ما هي إلا إحدى المواد، وأنَّ واجِبَه الأول هو العناية بتربية الطفل الذي أمامه، لا بالمادة المعَيَّنة التي يُدَرِّسُها فقط، وينبغي أن يُظْهِر اهتمامه بجميع المواد حتى ولو كان مدرس مادة، وأَلَّا يحاول الغَضَّ من شأن أي مادة في نظر التلاميذ - (غَضَّمِنْ شَأْنِهِ: حَطَّ مِنْ قَدْرِهِ) - بإعلاء شأن مادته هو. |
التعب: العوامل المؤدية إليه ووسائل علاجه
التعب: العوامل المؤدية إليه ووسائل علاجه الشيخ طه محمد الساكت محاضرات في التربية وإدارة المدارس (3) التعب: العوامل المؤدية إليه، ووسائل علاجه التعب مظهر من المظاهر العادية في الحياة، وإذا لم نشعُر بتعبٍ بعد القيام بمجهود طويل، فإننا نعجب لذلك كل العجب؛ فالتعب يَتبع الشغل والعمل، فهو مُؤشِّر لحاجة الجسم للراحة، وهذه حقيقة لا جدال فيها ولا مراء، فدراسة التعب وأعراضه وأسبابه وعلاجه... إلى آخره، لها أهمية كبيرة للمُرَبِّين. تعريفه: التعب: هو الحالة التي يشعُر معها الإنسان بالاحتياج إلى الراحة وبعدم القدرة على الاستمرار في العمل بعد القيام بمجهود عقلي أو جسمي. وعند التعب يشعُر الإنسان بالْمَلَل، ويقِلُّ نشاطُه، وتكثُر أخطاؤه، وتقلُّ نسبة العمل الذي يقوم به عن النسبة التي اعتادها. ويتوقف أداء العمل على ثلاثة أجزاء من الجسم، وهي: 1- المخ 2- الأعصاب 3- العضلات فالتعب نوع من التَسَمُّم ينتج في الأنسجة والعضلات في أثناء قيامها بعملها، وبإزالة هذه الفَضَلات بالراحة والرياضة الخفيفة في الهواء الطلق، وإيقاف العمل وتغيِيره، والاستحمام بالماء الساخن، ودَلْكِ الجسم بعد ذلك جيدًا؛ حتى يجري الدم في الجلد، وتخرج السموم من الجسم؛ فيزول التعب، ويعود للجسم نشاطه، ويقول العلامة "موسو" الإيطالي: "لو أخذنا بعض الدم من كلب مُتعَب وحَقنَّا به حيوانًا آخر غير متعب، لظهرت على الأخير أعراض التعب في الحال". أنواع التعب: التعب نوعان: جسمي وعقلي، ولا يمكن فَصْل أحدهما عن الآخر، فما يُتْعِب الجسم يُتْعِب العقل والعكس، وما يُؤَثِّر في أحدهما يُؤَثِّر في الآخر؛ لأن الجسم والعقل وحْدةٌ مُتماسِكة الأجزاء، مَتِينة الارتباط، متصلة بعضها ببعض كل الاتصال، فالتعب الجِسميُّ أو العَضَليُّ لا ينشأ عن إجهاد العضلات فقط، ولكن قد ينشأ عن تعب العقل أيضًا، كما أن التعب العقليَّ لا ينشأ عن التعب الفِكري وإجهاد العقل فَحَسْب، ولكن ينشأ عن إجهاد الأعصاب والعضلات أيضًا، فكثيرٌ من التعب العقلي يَحدُث بعد تعب العضلات في أثناء التمرينات البدنية الشاقَّة. أما كراهية العمل أو سآمته مِن جهة الميل لأعمالٍ أخرى شائعة تَسْتَمِيلُنا نحوها وتَعُوقنا عن الانتباه إلى العمل الذي في يدنا، فلا تُعَدُّ من التعب العقلي. أعرض التعب وعلاجه: ليست أعراض التعب مقصورة على الشعور الداخلي بالقلق والضَّجَر والسآمة والْمَلَل، فالشخص الْمُتْعَب من المجهود الجسمي والعقلي، يبدو عليه التعب؛ فتُصبِح حركاته أقلَّ نشاطًا، وتَصِير مُحَادثته مَيتةً لا حياة فيها، ويتثاءب ويميل إلى النوم ويَمَلُّ العمل أيًّا كان نوعه، والطفل الْمُتْعَب من اللعب قد ينام ولُعَبُه بين يديه، والجندي الذي أجهدته الموقعة الحربية قد ينام بين طلقات الغدَّارات (الغَدَّارة: آلة إطلاق قذائف، بين المسدس والبندقية) ودَويِّ المدافع. وفي أثناء التعب يحاول الإنسان أن يتذكَّر الشيء فيَصْعُب عليه تَذَكُّره، وهذه الأعراض إنذار من الطبيعة، يستدعي إيقافَ العمل والاستجمام بالراحة أو المحادثة الودِّيَّة، وترك الأشياء التي تحتاج إلى حَصْر الفكر والتفكير العميق. وبالرياضة الخفيفة في الهواء الطلق تجد راحة واستعادة للقوَّة، والنشاط بعد الانتهاء من العمل العقليِّ الطويل، أما الرياضة البَدَنِيَّة التي تستدعي مجهودًا شاقًّا فلا تُقَلِّل من تَعَبِنا؛ ولكنها تزيد الْمُتْعَب تَعبًا على تَعبه كما ذكرنا. وليس من الحكمة أن يأكل الرجل أكلةً ثقيلة إذا كان يشكو شِدَّة التعب؛ لأن هذه الأكلة مُتعِبة في ذاتها فيتضاعف التعب على الشخص ويُضَرُّ ضررًا كبيرًا. وقد يصير التعب مزمنًا بأن يبدو على الشخص النُّعاس والكسل دائمًا في الصباح، وهذا النوع من التعب عادي بين التلاميذ في المدارس الذين يَقْضُون يومهم المدرسي في العمل، فإذا ما ذهبوا إلى منازلهم وجدوا أنفسهم مُثْقَلِين بالواجبات المنزلية التي تستدعي قضاء جزءٍ كبير من وقتهم في أدائها؛ فلا يجدون الراحة الكافية، ولا النوم الكافي فيَتَثاءَبون كثيرًا في الصباح ولا يستفيدون الفائدة الْمَرْجُوَّة في النصف الأول من اليوم، مع أن ذلك الوقت هو وقت النشاط والعمل الذي يستطيع فيه الإنسان أن يقوم بأهمِّ الأعمال التي تستدعي تفكيرًا جَدِّيًّا؛ وهذه الحالة تعتبر إنذارًا بالخطر! فيجب أن يَنْتَبِه المدرس إليها، ويعمل على تخفيفها بإِراحة أمثال هؤلاء الأطفال، وتخفيف العمل عنهم وعدم إِثْقال كَاهِلهم بواجبات يمكن الاستغناء عنها، فإن هذا الإجهاد لو استمرَّ أَضَّرَ الأطفال وأعصابهم وأدى إلى مرضهم. ومن أعراض التعب الْمُزْمِن الصداع وثِقَل العينين، وصعوبة فتحهما، ووجود هالات سوداء حولهما، وبطء حركتهما واصفرار اللون والفُتُور العام والكسل، وبطء الحركات الجسمية، وعدم انتظامها، وكثرة الخطأ في القراءة أو الكتابة وضَعْف الانتباه، وخفض الصوت، والأرق والنوم الْمُتَقَطِّع، والانزعاج والرُّعْب في أثناء النوم بالهذيان والأحلام المزعجة، وكل هذه الأشياء تُؤثِّر في نفس الشخص الْمُتْعَب وأخلاقه؛ فتبدو عليه علامات الاكتئاب والحزن، ويضيق صدره ويَكثُر غضبه على غير العادة، ويشتدُّ تَأثُّره وهياجه، وتسوء صحَّتُه على العموم، وتضطرب حالته، وتقل رغبته في الطعام، وتخور قواه، ويَضْعُف نشاطُه، ويَقِلُّ اكتراثه، وهذا كله ناشئ عن كثرة العمل، وقلة الراحة حتى يوم الجمعة، وإن راحة يوم في الأسبوع تُقَلِّل من نتائج التعب ومضارِّه. فالتعب الْمُزمِن هو نتيجة العمل المستمرِّ، وإنه لا يُقَلِّل من مقدار العمل وجَوْدَته فَحَسْب، ولكنه يَضُرُّ الشخص الذي أَجهَد نفسه إلى درجة الإعياء، فالتلميذ الْمُتعَب يجد صعوبةً كبيرة في الانتباه، وصعوبة كبيرة في تذكُّر الدروس وفَهمها، وقد يتخذ كل وسيلة ليقوم بالواجب إذا كان مخلصًا في عمله، فيزداد تعبًا على تعب، ولا تبدو منه أي شكوى! كل ذلك والمدرس لَاهٍ عنه، متفائل، لا يُفكِّر في هذا التلميذ المسكين، وإرشاده إلى الطريقة التي بها يُريح نفسه ويُؤدِّي عمله، وقد يزداد التَّعَب لدرجةٍ لا يستطيع معها التلميذ أن يشعُر بالتَّعَب، وإذا أُنْهِكَت الأعصاب وأُجْهِدت فوق طاقتها؛ فإن التخلُّص من نتاج هذا الإجهاد يكون صعبًا، وقد تحدث أنواع من الشَّلَل في الجزء الْمُجْهَد من الجسم؛ وذلك لضَعْف الخلايا العصبية التي في العمود الفقري، وفي الأحوال التي يُجْهَد فيها المخ قد تُضَرُّ خلايا اللحاء "القشرة السنجابية للمخ" ضَرَرًا كبيرًا لا يُشْفَى إلا بعد راحة طويلة، وقد يعسر شفاؤه أو يستحيل، وحينما يصل التعب العصبي حقيقة إلى درجة يستطيع معها الإنسان أن يرى ذلك التعب، فإن الشخص الْمُتعَب يُعْتَبر في حالة خطرة تقريبًا، ولا تظهر علامات هذا التعب إلا إذا وصل المريض إلى درجة الإعياء العصبي التام. أسباب التعب أو العوامل المؤدية إليه: ينشأ التعب العادي من تراكم الفضلات السامَّة في العضلات والخلايا العصبية؛ كحامض الكربونيك وحامض اللبينيك، ولا وسيلة لإزالة هذه الفضلات إلَّا الدم الصالح، وينشأ أيضًا عن قلة الأكسجين واستنفاد القوَّة المحركة الْمُنَشِّطة في الجسم، والتخلُّص من هذه الموادِّ السامَّة ضروريٌّ لحفظ الحياة الإنسانية، فالإحساس بالتَّعَب يقتضي إيقاف العمل، ثم الراحة أو النوم أو الرياضة في الهواء الطلق؛ لتعويض ما فَقَده الجسم والتخلُّص من الفضلات السامة؛ حتى يزول التعب، ويعود إلى الإنسان نشاطُه باسترداد القوَّة التي استنفدها، فتتجدَّد قُواه، ويستطيع أداء العمل ثانية، كما يقتضي الامتناع عن الإسراف في استِنْفاد النشاط الجسمي؛ لأن الإسراف مُضِرٌّ بالجسم عمومًا وبالعضو الْمُجْهَد خصوصًا، ولو اشتغل الإنسان باستمرار لمدة طويلة من الوقت أُجهِد وقلَّ نشاطُه، والأحسن أن يُعطي الشخص جزءًا من العمل ثم يَتْلُو ذلك شيءٌ من الراحة؛ فإن الاستمرار في العمل وقلة الراحة وعدم الرياضة تُؤَدِّي إلى مضاعفة التعب وضَعْف الجسم، والعجز عن أداء العمل الواجب كما ينبغي. ولقد ذكر "ثورندايك" العالم الأمريكي أن التعب العقلي يجب أن يُفعَل معه ما يُفعَل في التعب الجسمي لإزالة الفضلات السامة والتغيُّرات الكيماوية التي تُسبِّب التعب؛ لأنه إذا لم تُزَلْ هذه الموادُّ السامَّة، فمن الصعب القيام بعمل عقلي يحتاج إلى تفكير عميق. أما أسباب التعب العصبي فكثيرة؛ منها: 1- الوراثة: يختلف الناس كثيرًا في مقدار الطاقة العصبية التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، فهذا قد يكون ضعيف الأعصاب لا تتحمَّل أعصابُه كثيرًا، وذلك قد يكون متوسطًا، وذلك قد يكون قويَّ الأعصاب يتحمَّل كثيرًا من الإجهاد، فما يُتعِب الأول قد لا يُتعِب الأخير. 2- رداءة الغذاء أو قلَّته: للغذاء الذي يتناوله الطفل صلة كبيرة بطاقته العصبية؛ فالطفل الذي لا يجد من الطعام ما يكفيه، والذي لا يجد لذَّة في الطعام الذي يأكله، والذي يتناول غذاءً غير صحي؛ كل هؤلاء الأطفال ضِعافُ الأعصاب؛ لأن أعصابهم لا تجد من الغذاء ما يكفيها، فما يتغذَّى به الجسم تتغذَّى به الأعصاب؛ فإذا كان الغذاء صحيًّا مقبولًا، استفاد منه الجسم، وتغذَّى منه الجهاز العصبي، وإذا كان رديئًا أو قليلًا أو تمجُّه نفسُه؛ ضعف الجسم، وتحمَّلت الأعصاب نصيبها من الضَّعْف أيضًا. وإن أكثر من نصف الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة من غير إفطار يفعلون ذلك؛ لا لأنهم لا يجدون طعامًا في الإفطار، بل لأنهم من التعب لا يجدون رغبة في الأكل صباحًا، وقد أجهدت المدرسة أعصابَهم بكثرة الأعمال حتى رغبوا عن الأكل، وإذا ما ابتدؤوا يشعُرون بالراحة في العطلة الصيفية أخذوا ما يرغبون فيه. 3- البيئة غير الصحية: يُقَاسي الأطفال كثيرًا من تعب الأعصاب إذا كانت البيئة غير صحية في المنزل أو في المدرسة؛ فهذه البيئة تضُرُّ بصحَّة التلاميذ وأعصابهم، وخاصة إذا كُنَّا نُطَالِبُهم وهم صِغارٌ بكثرة الأمور العقلية. وهذه الأسباب الثلاثة السابقة منفردة أو مجتمعة تُعتبَر أسبابًا رئيسية في تعب الأطفال من الوجهه العصبية. 4- قلة النوم: إن النوم أكبر مُجَدد للصحة، ولا يقلُّ في أهميته للطفل عن الطعام ذاته، وفي أثناء الطفولة يحتاج الطفل إلى مدة طويلة من النوم، وينتقد الأطباء الإنجليز المدارس الخاصة لديهم؛ لأن التلاميذ فيها لا ينامون المدة الكافية، وإن قلة النوم مُضِرَّة بصحَّتِهم مُجِهدة لأعصابهم، وأنهم لا يجدون كل الهدوء والسكون في حجرة النوم، أما الأطفال الذين يُضطرون إلى أن يستيقظوا مُبكِّرين في الصباح، فيجب أن يُعوضوا النوم مُبكِّرين في المساء، أما حجرة النوم فيجب أن يُطفأ نورُها بعد ذهاب التلاميذ إلى النوم. 5- طول الحصص مع كثرتها: إذا نظرنا إلى التعب العصبي الناشئ عن العمل المدرسي، وجب أن نذكر من أسباب هذا التعب طول الحصص مع كثرة ساعات الدراسة في اليوم، وقد أثبتت التجربة أن صِغار الأطفال لا يستطيعون أن يُوجِّهُوا كل انتباههم إلى مادة من المواد إلا مدة قصيرة؛ ولذا يَحْسُن أن تكون الدروس للأطفال قصيرةً، وأن يُعْطَوا فترات للراحة أو الرياضة واللعب الخفيف بعد كل درسين مثلًا، فإذا طالت مدة الحصص عما يجب، فلا تعجب إذا سَئِم التلاميذ العمل، ولم يستفيدوا الفائدة الْمَرْجُوَّة من الدراسة، وتكوَّنَتْ لديهم عادات الكسل والعبث بالنظام وعدم الانتباه إلى الدرس والتَّلَهِي عنه بأشياء أخرى، فطول الدروس للأطفال مُدعاة لسَآمتهم وتعبهم؛ أما قِصَرها فيُقلِّل منها. وترى "مارجريت إيفَري" أن التعب الناشئ عن العمل المدرسي لا ينشأ عن كثرة العمل فَحَسْب، ولكنه ينشأ أيضًا عن طول الدروس وسوء ترتيب المواد، ورَداءة التهوية، وقلة النوم، وكثرة الضوضاء ورَداءة الجلسة... وأنه يجب الابتداء بالأعمال التي تحتاج إلى دِقَّة وتفكير في الأوقات التي يشعُر فيها التلاميذ عادة بالراحة والقوَّة والنشاط، كأول النهار وأول الأسبوع وأول السنة. وأما الواجبات المنزلية فيجب ألَّا تُكلَّف للطفل قبل أن يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة، وألا تخرج عن الإعادة والمراجعة، أو التطبيق على ما أخذه التلاميذ من الدروس والقواعد. 6- القلق وانشغال البال: إن انشغال البال والقلق والضجر من جهة الأعمال المدرسية أو غيرها، كثيرًا ما تؤدي إلى التعب العصبي. علاج التعب: إن خير علاج طبيعي للتعب هو الراحة والنوم العميق؛ ففي النوم يجد الجسم فرصةً لتجديد ما فقده من المركَّبات الكيميائية الْمُولِّدة للقوَّة الحيوية، وفرصة لإزالة الفضلات السامَّة المتراكمة في الخلايا، ومعلوم أن تناول بعض الأطعمة وبخاصة السكرية منها يُسرِع في إزالة التعب مؤقتًا، وكذا بعض المنبهات؛ كالشاي والقهوة. وإذا كان التعب من النوع العقلي، فذاك يستدعي إيقاف العمل حتى يقف الهدم، ويستدعي أيضًا تعويض ما فقده المخ، وإزالة هذه الفضلات، أما إيقاف الهدم فإنما يكون بالراحة التامَّة أو الامتناع عن العمل فترة من الزمن، وأما الأمران الآخران فلا وسيلة إليهما إلا بالدم الذي يأتي من القلب وينصبُّ في المخ، فيكتسح ما فيه من الفضلات، ويُغذِّيه بما أتى به من المواد الصالحة لتكوين الأنسجة العضلية، ولا يخفى أنه كلما كان الدم نقيًّا قويًّا كان قادرًا على القيام بهذا العمل، ومن هنا نجد أن الانقطاع عن العمل، وتناول الغذاء الجيد، وأخذ الإنسان كِفايته من الراحة من الأمور الضرورية لمعالجة التَّعَب. ومسألة التعب العقلي من المسائل التي ينبغي أن يلتفت إليها المعلمون؛ فإن الجهل بطبيعة المخ كثيرًا ما يؤدي إلى إفساد عقول الأطفال، فكما أن كثرة الطعام تُفسِد المعدة وتُسبِّب التُّخمة، كذلك كثرة المعلومات واستمرار النظر فيها بالنسبة للطفل الصغير تؤدي إلى إفساد عقله، وقتل ما فيه من مواهب واستعداد. والذي يُؤسَف له كثيرًا أن المعلمين يُثْقِلُون كَواهِل الأطفال بالأعمال العقلية في زمن يجب أن يصرفه الطفل في اللعب والسرور، نَاسِين أن التعب العقلي زيادة على إفساد عقولِ الأطفال يعوق أجسامهم عن النموِّ بما يأخذه الدماغ من الغذاء الذي يحتاج إليه الجسم. والآباء كثيرًا ما يكونون السبب في إعنات الطفل، وإتعاب عقله بإلزامه بالاستذكار بعد انتهاء عمله، أو باحضار مدرس خاص يغتصب من أوقات لَعِبه، فليس بعجيب بعد هذا أن تستولي البَلادة على عقول الأطفال، ويُصيبهم النحافة والهزال، ويصبحوا عُرضةً للإصابة بالأمراض العصبية وأمراض الدورة الدموية والسُّل وسُوء الهضم. |
قياس التعب
قياس التعب الشيخ طه محمد الساكت محاضرات في التربية وإدارة المدارس (4) قياس التعب لقد عَني العلماء أخيرًا بقياس التعب وخاصة التعب المدرسي، ومن الطرق التي يُمكن أن يُقاس بها التعب العقلي: 1- عمل موازنة بين مقدار عمل الشخص وغَلَطاتِه في العشر الدقائق الأولى من الدرس وبين مقدار عمله وغَلَطاتِه في العشر الدقائق الأخيرة من الدرس؛ فإن قَلَّ مقدار العمل وكثُرت الأخطاء فيه عن العمل الأول، كان ذلك دليلًا على مقدار التعب العقلي. 2- إعطاء اختيارات حسابية متساوية في الجمع أو الطرح أو الضرب قبل الدرس وبعده، ثم الموازنة بين الأولى والثانية، فتُعرف نتيجة التعب العقلي. 3- اختبار الإِمْلاء بأن تعطي جماعة من التلاميذ قطعة إِمْلاء في الابتداء، ثم تعطيهم قطعة أخرى تساوي الأولى في طولها وصعوبتها في نهاية المدة التي يُراد اختبار التعب فيها، فمقدار التعب يُقاس بِكَبر نسبة الغَلَطات في القطعة الثانية. 4- اختبار الذاكرة كأن يذكر المدرس على مَسْمَعٍ من التلاميذ ثمانية حروف أو أعداد مثلًا بنسبة حرف أو عدد في الثانية الواحدة قبل الدرس وبعده، ثم يُطالِب التلاميذ أن يكتبوا بالترتيب مما يذكرونه من الحروف أو الأعداد، فإذا كانت النسبة التي تَذْكروها أصغر من النسبة الأولى كان ذلك دليلًا على التعب. ومن أمثلة الاختبارات للتعب الجسمي: 1- الاختبار بالألجومِيتَر. 2- الاختبار بالأرجوجراف وما إليهما من الأجهزة. الوسائل المدرسية لتخفيف التعب العقلي: 1- ترتيب جداول الدروس: يجب أن تكون الدروس التي تحتاج إلى تفكير عميق؛ كالحساب، والإنشاء مثلًا وقت الصباح؛ حيث يكون النشاط العقلي، أما المواد العملية؛ مثل: الخط والرسم فتُعطى بعد الظهر. 2- الواجبات المدرسية: يذهب بعض الباحثين في صحة الأطفال إلى وجوب منع هذه الواجبات على الإطلاق لكبار التلاميذ وصغارهم؛ لأن سِت ساعات في اليوم في رأيهم كافية جدًّا لتعليم الأطفال، فلا تصحُّ الزيادة عليها، غير أن بعض المرَبِّين يمنع تلك الواجبات قطعيًّا لصغار الأطفال ويُبِيحُها لكبارهم بشرطين: "أ"- ألَّا يتجاوز وقت عمل الواجب ساعة. "ب" - أن يكون الواجب تطبيقًا على شيء أُخِذ في المدرسة؛ حتى لا يحتاج إلى مجهود كبير وتفكير عميق، أما الواجبات التي تعطى عادة في العطلة الصيفية، فيجب أن تُلغَى لِمَا فيها من الضرر الكبير بصحة الأطفال. 3- التنويع والتَّغْيير في طرق التدريس: بأن ينتقل المعلم بالتلاميذ من الطريقة الاسْتِنْباطية مثلًا إلى الطريقة الإِخْبارية والعكس، ولا يستمع التلاميذ أو يكتبوا طول الدرس، فإنَّ ذلك مَدْعاة للسآمة والملل. 4- عقاب التلاميذ: لقد جرت العادة بين المعلمين أن يحجزوا الأطفال في آخر النهار أو في فترات الراحة التي تَتخَلَّل الدروس مع تكليفهم القيام بعمل، وهذا العقاب غير سائغ من الوجهه الصحية. 5- زمن الدروس: بأن تُفَرِّق المدرسة بين الطفل الصغير والكبير في طُول الحِصَّة وقِصَرها كما ذكرنا قبل قليل. 6- وقت الفسح: بأن يُخَصَّص وقت للراحة بين كل حصة وأخرى وبين الحِصتين الثانية والثالثة والرابعة والخامسة بإعطاء التلاميذ مدة كافية لترويح أنفسهم وغذائهم. 7- مسامحة التلاميذ: نصف اليوم من بعد ظهر الاثنين؛ حتى يُجَدِّدوا نشاطهم في النصف الثاني من الأسبوع. ملخص نتائج الاختبارات المختلفة للتعب المدرسي: 1- ليس التعب الناشئ عن الأعمال المدرسية خطيرًا: إن موضوع التعب المدرسي مُبالَغٌ فيه كثيرًا، ولا ضرورة تدعو إلى القلق حينما تظهر على التلاميذ بعض علامات التعب، فينبغي أن يُعَوَّد التلاميذ إلى حدٍّ ما تجاهل السآمة الناشئة عن التعب. 2- تجاهل العوائق يُساعد على الاستمرار في العمل: مما يساعد كبار التلاميذ على القيام بالعمل تجاهل العوائق التي تعوق عن الانتباه إلى الدرس وتَنَاسِي الإحساس بالتعب في أثناء تنفيذ العمل، هذا إذا استطاعوا أن يقفوا في سبيل هذه العوائق والملاهي، لكن معظم التلاميذ يتركون أعمالهم بعد مدة قصيرة لمجرد السآمة أو عدم الرغبة في العمل، وما ذلك إلَّا لِأنهم لم يُعَوِّدوا أنفسهم المثابرة والاستمرار في العمل وتجاهل المتاعب ومقاومة الملاهي بالإقبال على العمل، ويُؤْخَذ من تجارب كثيرين من علماء النفس أنه إذا تُجُوهِلت هذه العوائق وأُهمِلت هذه المؤثرات، فإن كبار الطلبة يستطيعون بذلك أن يستمروا في عملهم العقلي ساعات مُتَتابِعة من غير أن يلحق عملهم نقصٌ أو يبدو فيه قصورٌ أو إهمال. أما الأطفال وصغار التلاميذ فالأمر معهم يختلف بعض الاختلاف، فليس من الحكمه مطالبتهم بالاستمرار في العمل مدة طويلة كما نُطالب كبار الطلبة مثلًا؛ لِأن ذلك يُتْعِبهم كثيرًا ويضُرُّهم ضررًا بالغًا، ولو طَالَبْناهم بمقاومة الإحساس بالتعب، لأَدَّى ذلك إلى كراهية العمل والنفور منه وعدم الاستفادة، فيصبح العمل مُبغَضًا لديهم غير مُثْمِر. 3- حب العمل يؤدي إلى قلة التعب: إنَّ حب العمل يُؤدِّي إلى قلة التعب، وكَراهية العمل تُؤَدِّي إلى كثرة التعب، والعمل السار أقل إعْياءً من العمل الْمُحْزِن؛ فقد ثَبُت في علم وظائف الأعضاء أن السرور يزيد في قوة الإنسان ويبعث فيه النشاط، أما الحزن فيضعف القوة ويُؤدِّي إلى الفُتُور والخمول، وعلى ذلك يقل التعب إذا أَقْبَل الإنسان على عمله وكُلُّه مَيْلٌ إليه ورغبة فيه، ويكثُر التعب إذا أُرْغِم على أَدَاء ما يكره واستذكار ما لا يميل إليه. 4- العمل الجسمي الشاق يُتعِب أكثر من العمل العقلي: بما أنَّ العمل الجسمي الشاق يُتعِب أكثر من العمل العقلي؛ فلا ينبغي أن تَجعَل التمرينات البَدَنية الشاقَّة علاجًا للتعب العقلي؛ لأنها تستدعي كثيرًا من الإجهاد، وإن الراحة التامة أحسن وسيلة لعلاج التعب؛ سواء كان جِسميًّا أم عقليًّا، أَمَّا الرياضة البدنية الحفيفة فإنها تُخفِّف من التعب؛ لأنها تساعد الدورة الدموية والتنفس وهما مفيدان في معالجة التعب. 5- التعليم الآلي أقل إِجْهادًا من التعلم العقلي: ليس المقصود من التعليم الآلي العمل من غير تفكير؛ بل العمل الذي أصبح سهلًا بطريق التَعَوُّد عليه، وهذا التعلم الآلي أقل إِعْياءً من التعلم العقلي. 6- في حالة التعب يضعف التفكير وربط الأفكار بعضها البعض: في أحوال التعب يضعف التفكير ويَصعب على العقل ربط الأفكار بعضها ببعض، وتقل الاستفادة من الاستذكار، إلا إذا ثَابَر الطالب وحاول الفهم بالمقاومة وتَجاهل التعب، وحينئذٍ لا يأتي الفهم إلا بعد عناءٍ ومثابرة ومجهود. 7- ساعات الصباح أحسن وقت للعمل المدرسي: لقد بَرْهَنت تجارب علماء النفس على أن نشاط التلاميذ والطلبة بعد الظهر أقل من نشاطهم في الصباح، وأن أعمالهم المدرسية في الصباح أحسن منها بعد الظهر، وأن الأطفال في الحِصَّتين الثانية والثالثة من اليوم المدرسي أكثر نشاطًا منهم في الحصة الأولى، وأنهم في النصف الأول من الأسبوع أقوى من النصف الثاني، ولنا أن نقول ينبغي أن يُخَصَّص النصف الأول من اليوم المدرسي للدروس التي تستدعي تفكيرًا عميقًا، والنصف الثاني للدروس السهلة التي تحتاج إلى كثير من التفكير والدقة. 8- التعب العصبي الشديد يتطلب علاجًا خاصًّا: تختلف أعراض التعب العصبي الشديد عن أعراض التعب المدرسي العادي، فإذا لم يستَردَّ الطفل قواه بعد النوم وكان عَصبِيَّا سريع التَّأثُّر والتَأَلُّم، ولم يستطع أن يجلس مُنْتَبِهًا إلى دروسه، بل تَناوَم (تَنَاوَمَ الوَلَدُ: تَظاهَرَ بِالنَّوْمِ) هنا وهناك، وكانت أعصاب يَديه مُرتَخِية إذا مَدَّها وعجز عن أن يقف مرفوع الرأس وعيناه مقفلتان، وكان وجهه مُحْتَقِنًا يبدو التعب على حالته العامة، ويَلُوح عليه الإهمال وعدم الرغبة في شيء مطلقًا، ثم اختبرناه فلاحظنا عليه نقصًا كبيرًا في دقة إحساسه وقابليَّته للتأثُّر، أمْكَننا أن نَسْتَنْبِط أن ذلك الطفل ضَحيةٌ للإجْهاد العصبي الشديد أو المزمن أو ضحيةٌ لِاضطرابٍ آخر؛ وفي هذه الحالة يجب أَلَّا يستمر الطفل في المدرسة، وليس معني ذلك أن يُفْصَل منها؛ بل يجب العمل على معالجته عِلاجًا خاصًّا، فالتعب العصبي أو المزمن الذي يصل إلى هذه الدرجة لا يُرجَى شفاؤه في الحال؛ لِأنه يستغرق مدة طويلة في علاجه، ويجب على المدرس إذا لاحظ بعض هذه الأعراض على أي تلميذ من التلاميذ أن يُبادِر في الحال بإخبار الإدارة المدرسية بشأنه لعرضه على الطبيب المختص في ابتداء الأمر قبل أن يشتدَّ ويتضاعف الإعياء ويصعُب الشفاء. 9- تنظيم العمل يقلل من تأثيرات التعب: وفي النهاية نقول: إن أحسن وسيلة لاجتذاب انتباه التلاميذ وتلافي اللهو فى أثناء العمل العقلي أن يكون العمل مُنَظَّمًا ومُرتَّبًا ترتيبًا منطقيًّا؛ فإن ترتيب العمل يُخفِّف من التعب، أما غير الْمُنظَّم فمُتعِب في ذاته. |
رد: محاضرات في التربية وإدارة المدارس
قياس التعب (5) الشيخ طه محمد الساكت محاضرات في التربية وإدارة المدارس (5) الواجبات المنزلية يُقصَد بالواجب المنزلي الأعمال المدرسية التي يُكلَّف التلاميذ بأدائها في غير أوقات الدراسة تطبيقًا على ما عرَفوه من الدروس في فصولهم، أو تمهيدًا لُحْسن فَهْم هذه الدروس عند أخذها، أو لأية غاية أخرى؛ كتعوِيدهم البحث والتنقيب. ولقد اختلف المرَبُّون في الواجبات المنزلية، فأَوْجَبَها بعضُهم، ومنعَها بعضُهم، وتوسَّط آخرون منهم في الرأي. أما الفريق الأول فيرى أن قيام التلاميذ بتأدية الواجبات المنزلية يَعُود عليهم بفوائد كثيرة، وهي: 1- إعطاء التلاميذ فرصة في الاشتغال خارج المدرسة. 2- حفظهم من العبث بأوقات فراغهم وإضاعتها عنها بالإضرار بأنفسهم وبغيرهم. 3- هي تطبيق على القواعد التي أخذوها في المدرسة، وبذلك تثبُت المعلومات في أذهانهم. 4- تَعويدهم البحث، وتشجيعهم على تحصيل العلم وعلى الاستدلال الصحيح والتفكير المنطقي. 5- تَعويدهم الاعتماد على النفس والاستقلال بالأعمال والاجتهاد فيها، وتَحمُّل تَبِعة نتائجها. 6- هي حلقة اتِّصال بين المدرسة والبيت، فهم يتعلَّمون في المنزل كما يتعلَّمون في المدرسة، ويقف آباء التلاميذ على ما يتلقَّاه أبناؤهم في المدارس، فيكون ذلك داعيًا إلى اهتمامهم بالمدرسة والتعاون معها في تربية الأبناء ومراقبتهم. ولكن هذه الفوائد قد تضُرُّ التلاميذ إذا أفرَط المدرسون في الواجبات المنزلية، وأهمل التلاميذ أداءها. ولذا يرى الفريق الثاني وهو المعارض منعها قطعًا في المدارس الأوليَّة والابتدائية على الأقل وفي بعض البلدان كإنجلترا يُعَادِي الرأي العام الواجبات المنزلية؛ لأنهم يعدونها مُضِرَّة بالطفل من كل ناحية؛ من حيث صحَّته وعقله وأخلاقُه، كأن يكذب أو يغش، وتضُرُّه أيضًا من الناحية الاجتماعية، والاعتراضات التي يعترضون بها على الواجبات المنزلية هي: 1- يقضي التلاميذ مدة من النهار بين جدران المدرسة مشتغلين بأعمال عقلية مجهِدة، فليس من الصواب إطالة الإجهاد وحرمانهم اللعب والحركة الجسمية والرياضة البدنية، فهما لازمان للصحة والنمو العقلي. 2- تكون عقبة أمام الطفل تحرمه الحياة الاجتماعية في الأسرة بين ذويه وإخوانه. 3- تحرمه ترقية ميوله الخاصة التي لا يجد لها مجالًا في المدرسة، فلا يجد وقتًا لدية لتعلُّم فنون أخرى إذا شاء. 4- أن بيوت الأطفال الذين في المدارس الأوليَّة وغيرها من الأُسَر الفقيرة ليس بها من المعدَّات ما يمكِّن الطفل من تأدية واجبه المنزلي، فإخوته الكثيرون ومِصباحه الضئيل وضيق الحجرة، وسُوء الجلسة أثناء الكتابة والضوضاء الشديدة حوله، تعوِّده عادات سيئة وتُشتِّت فكره، وتضُرُّ بصحَّته ضَرَرًا بالغًا. 5- تعلُّم التلاميذ الغش والكذب والتهاون والكسل؛ لأنهم يعتمدون أحيانًا على إخوتهم الكبار في رسم الخرائط لهم أو في حل المسائل؛ فكأنها مُفسِدة لأخلاقهم، لا وسيلة من وسائل إصلاحها. 6- إنها لا تُصحَّح بعناية كافية، وهذا يؤدي إلى التهاوُن في الواجب. 7- إنها إرهاق لصغار التلاميذ ومُضِرَّة بصحتهم ومُؤدِّية للتعب العقلي. وأما الفريق الثالث فيرى إزالة هذه الأضرار أو تقليلها للحصول على الفوائد التي تعود على التلاميذ من هذه الواجبات أن ترعى الشروط الآتية: 1- يجب ألَّا تُكلِّف الأطفال الصِّغار الذين في روضة الأطفال أو في السنوات الثلاث من المدارس الأوليَّة والابتدائية واجبًا يُؤدُّونه في منازلهم. 2- أن يكون الواجب مناسبًا لقوى التلاميذ العقلية والعلمية، وأن يكون أقرب إلى السهولة منه إلى الصعوبة؛ حتى لا يجد التلاميذ مشقَّةً في القيام به، ولا يضطرُّوا إلى الاستعانة بمن هم أكبر منهم. 3- أن تكون أكثر الواجبات تطبيقًا على ما أخذه التلاميذ في المدرسة ولا مانع من أنه يُكلَّف التلاميذ أحيانًا تحضير بعض الدروس بأنفسهم. 4- ألَّا تستغرق من التلاميذ الصغار أكثر من ساعة في اليوم، وألا تستغرق أكثر من ساعتين تقريبًا في المدراس الثانوية. 5- أن تُصحَّح بالعناية الواجبة وبطريقة يستفيد منها التلاميذ من غير أن يُرهِق المدرس نفسه. 6- أن تكون معتدلة المقدار بحيث لا تُؤدِّي إلى الغش والكذب. 7- أن يكون إصلاحُها سهلًا لا يستدعي جهدًا كبيرًا، ولا وقتًا كثيرًا من المدرس. 8- أن تكون شائقة تستميل التلاميذ إليها. 9- أن يراعي المدرس الفرق بين الأقوياء والضعفاء من التلاميذ، فيعطي الأقوياء واجبًا أكثر من الضعفاء. |
جدول ترتيب الدروس وتوزيعها
جدول ترتيب الدروس وتوزيعها الشيخ طه محمد الساكت ضرورته والغرض منه: لَمَّا نشأت المدارس الحديثة وكَثُر عدد تلاميذها، ولا سيما بعد أن جُعِل التعليم إلزاميًّا، وزادت المواد الدراسية، وتنوَّعت تِبَعًا لتقدُّم العلوم والفنون، وازْدِياد حاجات الإنسان نفسه - لم يكن ثَمَّت بُدٌّ به من تنظيم أوقات الدراسة، وتوزيع الزمن على المواد المختلفة توزيعًا يضمن لكل منها العناية الواجبة؛ بحيث يستفيد التلاميذ منها أقصى فائدة من غيرِ إرهاقٍ لهم، ولا إحْداث تَعَب يَضُرُّ بهم.ومعلومٌ أن النجاح في أي عملٍ يقتضي أن يكون له نظامٌ ثابت وخطةٌ مُعيَّنة يسير عليها سَيْرًا مُنظَّمًا لا تضارُب فيه ولا اضطراب، و"جدول الدراسة" هو تلك الوثيقة التي تُبَيِّن سيْر العمل المدرسي كله بدقَّة ووضوح في مختلف الفِرَق والفصول، وتُبَيِّن توزيع الأوقات على المدرسين في السنين المختلفة، وهذا الجدول لا بد منه في التعليم الجَمْعيِّ المألوف؛ ليَتَبَيَّن منه للمدرسين والتلاميذ ما عليهم من دروس في كل يوم من أيام الأسبوع، وفي كل حصة من الحصص. وللجدول أثرٌ كبير في تعويد التلاميذ كثيرًا من العادات الصالحة كالنظام والمواظبة، وبه يَعرف كل شخص في المدرسة ما يجب عليه عمله في أيِّ وقتٍ، وفي أي لحظة، ومتي يَبْتَدِئ العمل ومتى يَنتهي. أما التعليم الفردي فلا يحتاج إلى مثل هذه الجداول العامة، فكل تلميذ يسير في دروسه على حسب قدرته في كل مادة من المواد، وله جدول خاص به. فوائد الجدول الصالح ومحاسنه: للجدول الصالح فوائدُ كثيرة؛ منها: 1- أنه يُبَيِّن لمن يَطَّلِع عليه نوع العمل الذي يقوم به كلُّ فصل من فصول المدرسة والوقت المخَصَّص لكل مادة من المواد، وتوزيع الأوقات على المدرسين بشكل واضح لا يستغرق الاطِّلاع عليه وقتًا طويلًا.2- به تسير جميع أعمال التدريس سيرًا مُنظَّمًا مُطَّردًا. 3- به يُقتصَد جزءٌ كبير من وقت المدرسين والتلاميذ، فلا يضيع منه شيء في التردُّد أو التفكير، ولا يحدث تضارُب بين الدروس بعضها وبعض. 4- إن انتظام العمل واطراده يُساعدان على تعويد التلاميذ من الابتداء النظام في العمل والمثابرة وأداء الواجب في وقته. 5- يُقلِّل التعب والسَّآمة لدى التلاميذ؛ وذلك للعناية بحُسْنِ توزيع المواد، ووضع كل مادة في الوقت الملائم لها من حيث صعوبتها وسهولتها. وللجدول مثالب (عيوب)؛ منها: أ- أنه يُقيِّد حرية المدرس والتلاميذ تَقييدًا كبيرًا، فهو ينظِّم لهم كلَّ شيء، ولا يُبْقِي لهم شيئًا يُنظِّمُونه بأنفسهم؛ من حيث توزيع أوقاتهم أثناء العمل، أو اختيار المواد التي يدرسونها. ب- أنه كثيرًا ما يقطع على التلميذ لذَّته واهتمامه بالموضوع الذي يَدرسه، فإن كُنتُ الآن أدرس الجغرافيا ودق الجرس، فلا بد من تَرْكِي المادة والموضوع الذي أشتغل به، والبدء بغيرهما؛ فكأن الجدول يقول للتلميذ: "إلى هنا يجب أن نقف وتُغيِّر عملك، ويجب أن تدرس مادة أخرى أُعَيِّنها لك"، ولذلك ترى بعض المدارس الحديثة كالتي أُنْشِئت أخيرًا في هامبورج خالية مما نُسَمِّيه جدولًا، فالمدرس يمكث في حجرته، والتلميذ يذهب ليتعلم، ويبحث في أي حجرة يريدها، ويدرس ما يراه نافعًا له في الوقت الذي يُناسبه. المبادئ التي يبني عليها عمل الجدول: إن الأمور والمبادئ التي يُبْنَى عليها عمل الجدول كثيرة، وكثيرًا ما يكون التأليف بينها على الوجه المرْضِي شاقًّا، يحتاج إلى مهارة كبيرة وخبرة طويلة من ناظر المدرسة، أو ممن يُكَلف من قِبَلِه إنشاء الجدول تحت إشرافه؛ ويزداد عمل الجدول صعوبةً على صعوبة كلما كبرت المدرسة، وكان عدد الأقسام فيها كبيرًا، أو كان لدى الطلبة مجال لاختيار المواد التي يريدون تعلُّمَها، أو كان مَسْمُوحًا لناظر المدرسة أن يُوزِّع التلاميذ، ويُقسِّمهم على الفصول حسب تقدُّمِهم أو تأخُّرِهم في المواد المختلفة. ومما يزيدها صعوبة أيضًا في كثير من المدارس الأوروبية - أن لناظر المدرسة اختيارَ المواد الدراسية ومناهجها التفصيلية، وتعيين عدد الدروس لكلٍّ منها بحسب حالة تلاميذه، وما تَتَطَلَّبُه بيئتُهم ورغباتهم ورغبات آبائهم الخاصة. ومن الصعب عمل جدول لمدرسة إلزامية ليس بها من الحجرات ما يتَّسِع للعدد الذي بها من الفصول والفِرَق؛ فيُكَلَّف المدرسُ بالتدريس لفِرَقٍ عدةٍ مجموعةٍ في حجرة واحدة، وتشتغل في الوقت نفسه بمواد مختلفة، كلٌّ بحسب قوته. ولا شك أن الصعوبات التي يُلاقيها ناظر المدرسة في مصر من هذا القبيل، أخفُّ مما يُلاقيه كثيرون من زملائه في البلدان الأخرى، فوزارة المعارف هي التي تضع خطة الدراسة، وتُبيِّن له المواد التي يجب تدريسها، وعدد حصص كلٍّ منها، وطول كل حصة وكل فترة، كما أن المناهج التفصيلية لكل مادة من المواد تضعها الوزارة له، ولهذا كان مستريحًا من جهة، ومُقَيَّدًا من جهة أخرى. أما زميله الإنجليزي، فيجد صعوبةً أكثرَ، لكنه أوسع حرية وأبعدُ دائرة في عمله، ولذلك كانت التَّبِعة الملقاة على عاتقه كبيرة. ومهما كثرت الصعوبات أو قَلَّت، وزادتْ حرية الناظر، أو نَقصَتْ - يجب مراعاة الشروط الآتية عند عمل جدول الدراسة: 1- مراعاة القوانين واللوائح والمنشورات التي تُحَتِّم عليه وزارة المعارف اتِّباعَها؛ كعدد الحصص وتنظيم أوقاتها، وبداية اليوم ونهايته. 2- مراعاة خطة الدراسة ومنهجها، ففيهما تتبيَّن الموادُّ التي يجب أن تُدَرَّس في كل فِرْقة من الفِرَق ويتَبيَّن عدد الحصص المخصَّصة لكل مادة من المواد، وقد رُوعِي عند وضع المناهج أن تكون الموادُّ ملائمةً لمدارك الطفل في مراحله المختلفة ومناسبة لحاجة المجتمع. 3- مراعاة طول مدة الدروس؛ بحيث يكون زمن الدرس الواحد مناسبًا لِسِنِّ التلاميذ وقواهم العقلية؛ ففي رياض الأطفال مثلًا يجب ألَّا تزيد الحصة على عشرين دقيقة، وفي المدارس الابتدائية يجب ألَّا تزيد على خمس وثلاثين دقيقة، وفي الثانوية يجب ألَّا تزيد على خمس وأربعين دقيقة، وفي العالية يجب ألَّا تزيد على ساعة كاملة. ومن الخطأ الكبير أن يُجْعَل طُول الحصة واحدًا في الفِرَق كلها كما هو في بلادنا، ومن الواجب أن تتدرَّج بحسب أعمار التلاميذ؛ بحيث لا تزيد الحصة في السنة الأولى من المدارس الابتدائية على عشرين دقيقة، وفي الثانية على خمس وعشرين دقيقة، وفي الثالثة على نصف ساعة، وفي الرابعة على خمس وثلاثين أو أربعين دقيقة. وقد يكون في تنفيذ هذا النظام شيء من الصعوبة، لكنها تزول إذا كان المدرس هو مدرس الفصل أكثر منه مدرس مادة. وكما يجب مراعاة السِّنِّ، كذلك يحب مراعاة الجهد الذي يتطلَّبُه الدرس الواحد، فليست الموادُّ متساويةً في المجهود الذي تتطلَّبُه؛ فالحساب مثلًا أو الهندسة تَتَطَلَّب مجهودًا أكبر مما يتطلَّبه الرسم أو الخَطُّ؛ فيَحْسُن أن نراعي الأوقات المناسبة لكل مادة، بحيث توضع المواد التي تتطلَّب كثيرًا من التفكير في الصباح؛ مثل: علوم الرياضة، والتوحيد، واللغة العربية، واللغات الأجنبية، ونضع الأشغال اليدوية والرسم والخط والمطالعة في النصف الثاني من النهار. وقد دلَّ البحث على أن خير الأوقات للدراسة هو الصباح، وأن خير وقت في الصباح هو ما بعد الحصة الأولى، حين يكون المرء قد بدأ عمله، وأخذ فيه كل مأخذ، ففي الدرس الثاني من الصباح يكون الطالب أقدر على العمل منه في الدرس الأول، ويكون في منتهى النشاط. 4- توزيع الحصص للمادة الواحدة على الأسبوع، بحيث لا تَتَوالى حِصَّتان في مادة واحدة، إلا في أحوال استثنائية، فذلك يُؤدِّي إلى سرعة نَصَبِ التلاميذ وسآمتهم من استمرار العمل واطِّراده على وتيرة واحدة. 5- مراعاة أوقات العمل وأوقات الراحة؛ بحيث تكون هناك فترة نحو خمس دقائق بين الحصة الأولى والثانية، وفترة نحو ربع ساعة بين الحصتين الثانية والثالثة، وفترة للغذاء بحيث تكون كافية لهضم ما يتناوله التلاميذ من الطعام؛ حتى يستفيدوا من غذائهم المادي والعقلي بالراحة والسير الهادئ في الهواء الطلق والمحادثة، والألعاب الرياضية الخفيفة. ومن الخطأ أن يقضي التلاميذ والطلبة وقت الفسحة في الاستذكار في فصولهم، أو في فناء المدرسة، ويجب ألا يُحْجَزَ الطلبة أثناء الفُسَح عقابًا لهم على ذنب جَنَوه. 6- ومراعاة المدرسين وعددهم وكفايتهم ومقدرتهم؛ بحيث يُعطى كل واحد منهم المادة التي يُتْقِنُها، والفِرْقة التي يُحْسِن التدريس لها. ومن كُلِّف منهم أعمالًا كثيرة إدارية أو كتابية، يجب أن يُقَلَّل له عدد الدروس التي يقوم بها، وكذلك ينبغي أن نعطي حصصًا أقل لمن تستلزم دروسه إصلاح عدد كبير من الكراسات أو تحضيرًا دقيقًا طويلًا. وعند توزيع الحصص يجب أن تُراعى مصلحة المدرس وراحته، كما تُراعى مصلحة التلميذ وراحته. 7- ملاحظة ما يستلزمه الدرس من الأدوات، فالدروس التي تستلزِم أجهزة خاصة وإعدادًا خاصًّا؛ كالطبيعة، والكيمياء، ومبادئ العلوم، والأشياء، والتاريخ الطبيعي، والرسم؛ ينبغي أن يُعطى المدرس وقتًا كافيًا لإعداد الأدوات ووسائل الإيضاح المختلفة التي تقتضيها هذه الدروس. 8- اعتماد الجداول وعدم تغييرها، وينبغي أن يقوم ناظر المدرسة بعمل الجدول قبل ابتداء الدراسة بزمن كافٍ؛ حتى يعرِف كلُّ مدرس الموادَّ التي سيقوم بتدريسها، فيُعِدها. وبعد أن يستقر الرأي على الجدول يجب أن تُرسَل صورة منه إلى وزارة المعارف أو إدارة المعاهد الدينية؛ كي تعتمده، وتعرف منه سير المدرسة. وإننا نرى أن الواجب استعمال الجداول في المدارس؛ حتى يتعوَّد التلاميذ النظام والعمل المرَتَّب، على أن يُتَرك للتلاميذ جزءٌ يسير من النصف الثاني من اليوم المدرسي، يكون التلاميذ فيه أحرارًا للمذاكرة والاطِّلاع في أي مادة يريدونها. |
رد: محاضرات في التربية وإدارة المدارس
قياس التعب (6) الشيخ طه محمد الساكت محاضرات في التربية وإدارة المدارس (7) الامتحانات المدرسية وأهميتها ضرورتها: الامتحانات مشكلة كبرى من مشاكل التربية في العصر الحاضر، فهي مَهْمَا اختلفت أشكالها وتَبَاينت نُظُمها وأساليبُها، ضرورية لا يُستَغنى عنها في كل نظام من نُظُم التعليم؛ لفوائدها الكثيرة، والحاجة إلى تقدير كفايات الناس وعِلْمهم، ومعرفة مدى صلاحهم وقدرتهم في الأعمال المختلفة، وهي تُعَرِّف المدرس مقدار ما استفاده التلاميذ من دروسه، وبها نستطيع أن نَعرف قيمة أعمال المدرسين والنُظَّار، وأثر ما بذلوه من الجهود في التعليم والتهذيب والإدارة، ولكنها بشكلها الحاضر المألوف وعلى الرغم من ضرورتها وفوائدها، تترك آثارًا سيئة كثيرة في نفوس التلاميذ وصحتهم.. فضلًا عن أنها ليست معيارًا صحيحًا لا يُخطئ في تقدير الكفايات والمعلومات؛ لذلك نرى أنه ليس من سَدَاد الرأي أن نحُكم عليها حُكمًا مطلقًا، فهي مع ضرورتها ليست كافية كل الكفاية، وليست بالمقياس الصحيح، ويَنجُم عن الإفراط فيها أضرارٌ كثيرة؛ وأحسن ما قِيل عنها أنها شرٌ لا بد منه؛ كما يقول الإنكليز، وستظل الامتحانات الوسيلة الوحيدة في أداء الغَرَض، حتى تأخذ الاختبارات العقلية والاختبارات العلمية مكانها من الصحة والذيوع اللائقين بها. تاريخها: والامتحانات على أشكالها المختلفة قديمة العهد، ولم يُعْنَ بها إلا في القرن التاسع عشر، وأول امتحان عُقِد في مصر للشهادة الابتدائية كان في عام 1892م، والظاهر أن الامتحانات كلها كانت شفهية؛ تتخذ شكل سؤال وجواب، أو مناظرة، أو الدفاع عن مقالة تُكتَب، أو إلقاء محاضرة عامة. أثر الامتحانات في التعليم: فوائد الامتحانات: يرى أنصار الامتحانات المألوفة أن لها كثيرًا من الفوائد التعليمية، فهي: 1- تُشَوِّق التلميذ إلى بَذْل الجهد المتواصل لبلوغ الغاية التي يَرمي إليها. 2- تَحْمِل الطفل على أن يَعْلَق دروسه في ذهنه ويربطها بعضها ببعض، وتُلْزِمه مراجعتها واستذكارها والبحث عنها في مراجعها؛ وهذه فائدة يجب ألا يُستهان بها. 3- تدل على مقدار ما عرَفه التلاميذ. 4- تُعَوِّد التلاميذ المثَابرة والاعتماد على النفس، والعمل المُنظَم لإدراك غاية مُعَينة. 5- تؤدي إلى إيجاد المنافسة الصالحة بين التلاميذ، وتدفَعُهم إلى الاجتهاد في العمل. 6- تُبيِّن للمدرس الحالة العلمية لتلاميذه، وتُظهِر له نتيجة عمله، وتُبيِّن له مَوَاطَن ضَعفه، وأَثر طُرق التعليم التي اتبَعَها؛ فيُصْلِحها إن كانت خطأً، كما أنها تُبيِّن للناظر وأولياء أمور التلاميذ نتيجةَ عملِ المدرسة والتلاميذ. 7- تُمَكِّننا من اختيار أصلح التلاميذ للالتحاق بالمدارس العالية مثلًا. مثالب (عيوب) الامتحان ومضارُّه كما يراها بعض الدارسين: أما مضارُّ الامتحانات ومثالبها، فكثيرة أيضًا؛ فهي حُكم على نتيجة عمل التلاميذ والمدرسة نفسها، فإن كانت النتائج حسنة اعْتُبِرت المدرسة حسنةً، وإن كانت سيئة اعتُبِرت كذلك، ولا شك أن الحُكم على المدرسة نتيجة امتحانها قد يكون خطأً. ويعتبر كثيرون الامتحانات عَقَبة في إصلاح التربية وطُرُقها الإصلاحَ المرغوب فيه؛ لعدة أسباب: 1- إن الامتحانات لا تُبيِّن إلا مقدار ما حَصَّله التلاميذ من المعلومات؛ وليست المعلومات هي كل شيء في التربية، فمعرفة التلاميذ قواعد النحو والصرف والحوادث التاريخية، وحَلُّ المسائل الحسابية لا تدُل على كفايتهم واستعدادهم، ولا تدل على ما يَصْلُحُون له مِن الأعمال في مناحي الحياة المختلفة (مَنَاحِي الْحَيَاةِ: مَجَالاَتُهَا)، وبالامتحانات المألوفة لا يُمكِننا أن نقيسَ أثَرَ التربية في تنظيم العقل وتدريبه، وفي تقوية الجسم والعناية بالصحة، وفي غرس العادات الصالحة، وفي تهذيب الأخلاق، وفي إِعْدَاد الطفل للحياة الاجتماعية الراقية، وتَفْهِيمه كيْفية الاستفادة بأوقات الفراغ، ولذلك نرى أن من الخطأ الكبير الحُكم على عمل المدرسة وصلاحها بعَدَدِ مَنْ ينجَح من تلاميذها في الامتحان العام، فَكَم من تلميذٍ نجح في الامتحان؛ لكنه لم ينجح في الحياة العملية والاجتماعية. 2- أنها تُهمِل الفروق الكبيرة بين التلاميذ في الميول والاستعدادات، وتَتَطلَّب أن يكونوا جميعًا على طرازٍ واحد؛ لأنَّ الامتحانات العامة تَتَطلَّب مِنهَاجًا واحدًا مُعَينًا يسير عليه التلاميذ المقَدَّمون لها؛ ولذلك يُضطَرون إلى حفظ المعلومات المختلفة التي سَيَمْتَحِنون فيها من غير نَظَرٍ إلى ميولهم وقواهم، وهي أيضًا تَفرِض أن الأطفال جميعًا متساوون في المقدرة العقلية؛ فتعمل على تَرْقَيَتهم جميعًا بنسبةٍ واحدة وخُطَى واحدة، ولم يَقُل أحدٌ بهذا التساوي. 3- أنها تجعل التعليم في المدارس مُتَكَلَّفًا غير طبيعي، فالمُعلم يبذل جهده في حَشْر أكبر قِسطٍ من المعلومات في عقول التلاميذ في أقصر وقت استعدادًا للامتحان، ولا يَعْني بِفَهْمهم لدروسهم، أو تَعوِيدهم التفكيرَ فيها، ويَحصر جُهده في عمل مُلخصَات وحفظ مذكرات، واختيار المواضع التي يُنتَظر أن تكون فيها الأسئلة، وإرهاق التلاميذ بتفاصيل لا قيمة لها، وتعاريف لا يَفهَمون معناها، فتكون معلوماتهم كلها ألفاظًا لا علاقة لها بالحياة، ولا بتجاربهم الشخصية، ولا غرابة إذا نَسِي التلاميذ كل هذه المعلومات بعد الامتحان بقليلٍ. وبدلًا من أن تَخدُم الامتحانات التربية؛ أصبحت الامتحانات عَقَبة في سبيل التربية الصالحة، فالعناية كلها مُوَجَّهةٌ إلى الامتحانات، أمَّا إعداد التلاميذ للحياة فمُهْمَلٌ كلَّ الإهمال. 4- تجعل الامتحانات المدرس مَيَّالًا إلى إهمال طائفةٍ من التلاميذ في فصله، فقد يُعْني كل العناية بالأقوياء لثِقَته بنجاحهم، ويُهمِل الضعفاء الذين يُنتَظر رسوبُهم، وقد يَعكس المدرس الأمرَ، فيُعْني بالضعفاء عنايةً كبيرة، حتى يصل بهم إلى الحد الذي يُمَكِّنهم من النجاح في الامتحان، وأما الأقوياء فيُهمَلون للثقة بنجاحهم، وفي كِلتا الحالين إهمالٌ لطائفة كبيرة من التلاميذ، وتَضيِيع جزءٍ كبير من وقتهم. 5- إن الامتحانات تقلل من قيمة المواد الدراسية، فَكُل مادة من المواد تُقَدَّر بالدرجات المعَيَّنة لها في الامتحان، أما المعلومات النافعة التي تتصل بحياتهم وأخلاقهم وسلوكهم، فلا يُفكر فيها أحد؛ لأنها ليست من مواد الامتحان؛ كدروس الدين والألعاب الرياضية، والأشغال اليدوية، وغيرها من المواد التي لها أثرٌ كبير في تربية التلاميذ تربية خُلُقية صحية. 6- كثيرًا ما تكون الامتحانات سببًا في سوء الأخلاق؛ فقد تَحْمِل التلاميذ على الكذب والغش بطُرقٍ مختلفة، وقد يعمل التلميذ إذا سُئل عن شئٍ يَجْهله على أن يُوهِم الممتَحِن أنه فاهمُ السؤال، وهذا نوعٌ من الغش. 7- كثيرًا ما يكون الامتحان سببًا في ضرر التلاميذ من الوجهة العقلية والصحية؛ فالخوف والانزعاج اللذان يَتَوَلدان في نفوس التلاميذ أثناء الامتحان قد يُحدِثان اضطرابات عصبيةً قد تؤدي إلى عواقبَ وخيمةٍ. |
أنواع الامتحانات
أنواع الامتحانات الشيخ طه محمد الساكت محاضرات في التربية وإدارة المدارس (8) أنواع الامتحانات الامتحانات نوعان: مدرسية، وعامة؛ فالامتحانات المدرسية؛ إما أن تشمل المدرسة كلها، وإما أن تكون مَقْصُورة على فصل أو أكثر من فصولها، ولنتكلم عن كل منها: 1- الامتحانات المدرسية التي تشمل المدرسة كلها: هي تلك الامتحانات التي تَعْقِدها المدرسة نفسُها كلَّ ثلاثة أشهر في المدارس الابتدائية، وكلَّ نصف سنة في المدارس الثانوية، أو في نهاية السنة الْمَكتَبيَّة، ومنها امتحانات النقل من فِرْقة إلى أخرى، وامتحانات القبول. ويجب أن يُراعى في هذه الامتحانات حُسْنُ سَيرها مع الدِّقَّة التامَّة، وإشراف ناظر المدرسة عليها نفسِه إشرافًا تامًّا في وضع الأسئلة، ونظام سير الامتحان، وتقدير درجات الإجابة، ورَصْدها، وتدوينها بالدِّقَّة التامَّة في الوقت الملائم؛ بحيث تُراعى الأمانة المطلقة، وإلَّا انْقَلَبت شرًّا كبيرًا؛ حتى تكون المدرسة مثلًا للنظام والعدالة وعدم التَّحَيُّز. 2- الامتحانات المدرسية المقصورة على فصل أو أكثر من فصول المدرسة: هي تلك الامتحانات التي يقوم بها كلُّ مدرِّس في فصله الخاص في أوقاته المختلفة؛ لاختبار مقدار استفادة التلاميذ من الدروس السابقة، ومعرفة مقدرتهم على التطبيق عليها؛ حتى يعرِفَ مَواطِنَ الضَّعْف فيهم، أو مَواطِنَ الضَّعْف في طريقته؛ فيعمل على تلافي النقص وإصلاح الضَّعْف، وهذه الامتحانات لا تخرج عن أنها جزءٌ من العمل المعتاد للمدرِّس، ولا تخرج عن أنها تطبيق أو اختبار عادي، وهي عظيمة الفائدة للمدرِّس وللتلاميذ جميعًا، ولا يَنْجُم عنها ضررٌ من الأضرار السابقة، فالإكثار منها يُفيد ولا يَضُرُّ بمصلحة التعليم، على أنه مع ذلك يجب أن تُراعى فيها الأمور الآتية: أ- أن تكون أسئلتُها ممَّا يُنتَظَر أن يُجيبَ عنها كُلُّ تلميذ متوسِّط في ذكائه واجتهاده، فما هي إلا أنواعٌ من التمرينات. ب- يَحْسُن ألا يكون لدى التلاميذ عِلْمٌ سابقٌ بميعادها؛ حتى يكونوا حريصين دائمًا على فَهْم دروسهم الأول فالأول. ج- يجب أن تكون شفهيةً أو عمليةً في السنتين: الأولى، والثانية في المدارس الابتدائية، وتحريريةً وشفهيةً معًا في السنوات الباقية، وفي المدارس الثانوية والعالية. د- أنَّ يُعِدَّ الْمُدرِّس أسئلتها من الأسئلة التلْخِيصية، بحيث تُعتَبر نوعًا من المراجعة. ه- ينبغي ألَّا يكون هناك اختيارٌ مطلقًا في الأسئلة؛ إذ المفروض أن التلميذ يجب أن يعرف كلَّ درس من الدروس التي كُلِّف بها. وعلى المدرس أن يحتفظ بالدرجات التي يحصل عليها التلاميذ في هذه الاختبارات؛ لتكون دليلًا على تقدُّمِهم أو تأخُّرِهم، واجتهادهم أو كسلهم. الامتحانات العامة: أما الامتحانات العامة، فهي التي تَعْقِدها الحكومة أو أية هيئة حرة؛ لاختيار الأصلح مِمَّن يتقدَّمُون إليها، أو للاعتراف به من جهة الكفاية لعملٍ من الأعمال، فهي امتحانات تَظْهَر فيها المنافسة والمسَابقة كُلَّ الظهور، وكثيرًا ما تكون علامةً على نهاية مرحلة من مراحل التعليم، وبداية مرحلة أخرى جديدة، وتتميَّز عن الامتحانات المدرسية وامتحانات الدخول بأن المظاهر الرسمية باديةٌ فيها، وبالاحتياطات الكثيرة لمنع محاولات الغِشِّ على أي شكل كان، ويقوم بها مُمتحِنُون من غير أساتذة المدرسة تَنْتَخِبهم الوزارة أو إدارة المعاهد. الامتحان الشفوي والتحريري: إن الامتحان الشفوي هو اختبارٌ يُعْقَد للتلاميذ في أوقات مختلفة، يَدْفَع العقل إلى سرعة التفكير ويُدَرِّبه على اليقظة والنشاط، كما يُدَرِّب اللسان على حُسْن التعبير، ويُبَيِّن مقدرة التلاميذ في المحادثة باللغات التي يدرسونها، ومقدار فَهْمهم لها، وهناك مواد - كالمحادثة والمطالعة - لا يمكن اختبار التلاميذ فيها إلا شفويًّا، وإن الْمُمْتَحِنَ الخبيرَ بعقول التلاميذ وطرق تفكيرهم، يستطيع أن يعرف بالامتحان الشفوي ما لا يمكن معرفته بالامتحان التحريري؛ فإنه في التحريري لا يستطيع أن يُوَجِّه إلى التلاميذ أسئلة متنوِّعة فى جميع المواد المقرَّرة، أو في أمور الحياة العامة التي ينبغي الإلمام بها، وكثيرًا ما يكون التلميذ مُنْتَظِرًا أن يكون الامتحان في فصول معينة من كتابٍ مثلًا، فيَستَذكِر هذه الفصول فَيَجُوز الامتحانَ التحريريَّ وهو غير أَهْل للنجاح، ومع ذلك فللامتحانات الشفوية أضرارُها؛ لأنها تتطلب زمنًا طويلًا لاختبار آلاف التلاميذ اختبارًا صحيحًا، ولا سيما في الامتحانات العامة، وكثيرًا ما تدعُو إلى سأم الْمُمْتَحِن ومَلَلِه، وبذلك لا يَتَسَنَّى له أن يضبط الدرجات التي بها يُقَدِّر إجابة التلاميذ، فتارة يتساهل معهم، وآوِنة يَشتَدُّ، حسب أحواله النفسية، ومرة يُوحِي إليهم بالجواب، وأخرى يُضَلِّلهم أو يُخِيفُهم، فلا يستطيعون أن يُجيبوا إجابةً صحيحةً حتى عمَّا يجيدون معرفته، وأيضًا فإن الأسئلة التي تُوَجَّه إلى التلاميذ شفويًّا لا تكون متساويةً في صعوبتها وسهولتها، ولا تتوافر فيها العدالة. ومن معايبها أيضًا أنَّ كثيرًا من الأسئلة الشفوية تكون إيحائِيَّةً، ومن نوع يَعْلَمُه التلاميذ والطلبة مِمَّن امتُحِنوا قبلهم على يدي هذا الْمُمتحِن نفسه، أما الامتحانات التحريرية، فقد تكلمنا في أول الموضوع عن ضرورتها وفوائدها ومثالبها. وبالاختصار يمكننا أن نقول: إن فوائدها كثيرة؛ متى رُوعيَتْ فيها الشروط الواجبة، فهي تُدَرِّب التلاميذ على العمل المنتظم، وتُعَوِّدهم الاتِّكال على أنفسهم، وعلى تذكُّر معلوماتهم والتطبيق عليها، وتُبَيِّن لهم ضرورة ترتيب أفكارهم واستعمال عقولهم، وتُبَيِّن لهم مواضعَ النقص في معلوماتهم، وتُلْزِمهم مراجعة دروسهم، وتُبيِّن للمدرِّس وأولياء أمور التلاميذ مدى معلوماتهم، ومقدار ما بذلوه من الجهد في تحصيلها وفَهمها. أسئلة الامتحان والشروط التي يجب أن تُراعى في وضعها: إن حُسْن اختيار أسئلة الامتحان يتطلَّب مهارةً وخبرةً طويلةً بالتلاميذ ومقدرتهم، وبالتدريس وطُرُقِه، فوَضْع الأسئلة مُهمةٌ شاقَّةٌ، إذا أحْسَنَ اختيارها الْمُمْتَحِن، قَلَّل كثيرًا من أضرار الامتحانات وشرورها، وإن عدم الاهتمام بها وقلَّة مراعاة ما يجب أن يتوافر فيها من الشروط، يكون لهما أسوأ أثرٍ في التعليم ونُظُمِه، فالاختيار في وضع الأسئلة للامتحانات العامة له أهمية كبرى، فعلى حُسْن اختيار هذا الْمُمْتَحِن أو سُوئه، تترتَّب نتائج خطيرة. أما الشروط التي تُراعى في وَضْع الأسئلة، فهي: 1- أن تكون ملائمةً تمامَ الملاءمة لسِنِّ التلاميذ، فلا تَتطلَّب من صِغارهم أن يعرفوا ما لا يُنتَظَر إلَّا من الراشدين الناضجين، فإنها لا يُقصَد بها إعجاز التلاميذ وإرهاقهم، ولا إظهار ضَعْفِهم وجهلهم؛ بل يُقْصَد بها الوقوف على مقدار ما عرَفَه التلاميذ، ومبلغ فَهْمِهم له. 2- أن تكون مناسبةً للزمن المحدَّد، بحيث لا تستدعي أكثر من الوقت المفروض للإجابة، ولا وقتًا أقلَّ، بشرط أن يُراعي الْمُمْتَحِن أن يكون لدى الطالب وقتٌ كافٍ للإعادة والمراجعة. 3- أن تكون فيما هو مفروض دراسته على التلاميذ، وفيما يُنتظَر منهم أن يكونوا قد أتْقَنُوه. 4- أن تكون واضحةً في صيغتِها، لا لَبْسَ فيها ولا غموض؛ حتى لا يُسيء التلاميذُ فَهْمَها، وحتى يُجيبوا عنها إجابةً محدودةً واضحةً. 5- ألا تكون من نوع يُشَجِّع على الحفظ والاستظهار، والاعتماد على الذاكرة وحدها. 6- أن يُترك للتلاميذ فرصةٌ في الاختبار؛ بحيث يُعطَوْنَ عددًا كثيرًا من الأسئلة، يختارون منها عددًا معينًا. 7- أن تكون الأسئلة متنوِّعة، وفي أجزاء مختلفة من المنهاج. 8- يجب أن يُراعى فيها اختلافُ التلاميذ في الذكاء والمقدرة العقلية؛ حتى يجد كل نوع من التلاميذ ما يستطيع أن يجيب عنه، وينبغي أن يَجعل الممتحِن التلميذ المتوسط مقياسًا عند وَضْع الأسئلة. تقدير الدرجات: إن تقدير الدرجات أشقُّ عملٍ في الامتحانات، فالْمُمتَحِنون يختلفون في تقدير درجات الورقة الواحدة اختلافًا قد يكون كبيرًا، فهم دائمًا يتأثرون بعوامل نفسية مختلفة، ولا يَزِنون الإجابة عادة بميزان عادل لا يُخطئ؛ لأن ذلك الميزان غير موجود، فيجب على الْمُمْتَحِن عند تقدير الدرجات أن يُفكِّر في الإجابة التي تُنْتَظر من أمثال التلاميذ الْمُمْتحَنين من جهة مقدارها ونوعها، مُراعيًا في ذلك سهولةَ الامتحان أو صعوبته، والزمن الْمُحدَّد للإجابة وسِن التلاميذ، ويَحسُن به أن يُعِدَّ نموذجًا للإجابة الْمُنتظرة، وبعد فحص الأسئلة كلها ومعرفة ما فيها من صَعْب وسَهْل، تُوزَّع النهاية الكبرى على الأسئلة بحسب سهولتها أو صعوبتها، وينبغي أن يقرأ إجابة سؤال معين لعدة أوراق مختلفة؛ حتى تتكوَّن لدى الْمُصَحِّح فكرة عن متوسط إجابة التلاميذ عن هذا السؤال، ويُكوِّن لنفسه مقياسًا يقيس به ويحكم بحسبه؛ وليذكر الْمُصَحِّح العدالة والدقَّة، والعناية والحرصَ حينما يقدِّر الدرجات؛ فإنَّ أقل إهمال قد يؤدي إلى رسوب من يستحقُّ النجاح، أو إلى نجاح من يستحقُّ الرسوب، وليس ذلك من العدالة في شيء، وينبغي ألا يرسب إلا من يستحقُّ الرسوب، ولا ينجح إلا من كان جديرًا بالنجاح، وعلى الْمُصحِّح أن يُراعي ترتيب المعلومات، والدقة العلمية في التعبير والمصورات التي رسمها الطلبة عندما يُقَدِّر الإجابة، ويُصحِّح الأوراق. ويجب ألا يتأثَّر الْمُمتَحِنون بأي عامل من العوامل الخارجية، وأن يكون من بينهم أساتذة للطلبة، حتى تُضْمَنَ العدالةُ، ويأخذ كلُّ طالب ما يستحقُّ من الدرجات؛ لأن المدرس الماهر يستطيع أن يعرف قوَّةَ كل طالب لديه معرفة تامة في المادة التي يُدَرِّسها، ويضع له الدرجة التي لا تنقص عن درجة الامتحان التحريري، ولا تزيد عنها إلا قليلًا، مع أن الامتحان التحريري يكون في العادة سريًّا، أما إذا كان الممتحِنُون جميعًا من الخارج، فينبغي ألَّا يرصدوا الدرجات إلا بعد أن يروا عددًا معيَّنًا من الطلبة يَسمَح لهم بمعرفة مستواهم العام في الامتحان الشفوي، ولكي تُضمَنُ العدالةُ يَحْسُن أن يضع كل مُمتحِن درجة سريَّة لكل طالب، ثم يُؤخَذ المتوسِّط، وينبغي أن تراعي الحالةُ الصحية للطالب العصبي، وينتظر حتى يهدأ روعه مثلًا، ثم يؤخذ باللين واللطف حتى تعرف مقدرته العلمية. الامتحانات الحديثة: إننا مهما راعينا الدِّقَّة في الامتحانات وفي تقدير الدرجات، فإن التقدير تقريبي على أي حال؛ لأن المعيار الذي يقيس به الممتحِن يختلف اختلافًا كبيرًا بحسب علم الممتحِن وذوقه ومزاجه وهواه، ومتى اختلف المقياس اختلفت النتائج، وقد عُملت تجاربُ عدة لمعرفة مدى اختلاف المصححين لورقة معينة، فكان الاختلاف كبيرًا؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية وُزِّعَتْ نُسَخ من ورقة من أوراق الإجابة في امتحان الهندسة على مائة وست عشرة مُدَرسة، فاختلف تقدير المصححين فيها اختلافًا كبيرًا مع أن الهندسة مادة محدودة في أسئلتها وأجوبتها، فما بالك بالإجابة في موضوعات التاريخ والإنشاء والأدب مثلًا. لهذا اتجهت الحاجة إلى محاولة إيجاد مقياس ونُظُم في الامتحانات، بحيث لا تختلف نتائج القياس بها، ولا تتغيَّر بحسب أهواء الممتحِنين أو المصحِّحين وتعدُّدهم، وهذه المقاييس "مقاييس المعلومات والمعرفة"، تتكوَّن من عدة أسئلة تتطلَّب الإجابة عنها أجوبة قصيرة عادة، وهي موضوعة بحيث تكون مناسبة كل المناسبة للفصل الذي وُضعت له من حيث السِّنِّ والمعلومات. أسئلة الامتحانات العادية وأسئلة الامتحانات الحديثة: تختلف أسئلة الامتحانات الحديثة عن أسئلة الامتحانات المألوفة من حيث: 1- أن ما يُعطى من الأولى كثير العدد جدًّا بالنسبة للثانية. 2- أنها تتطلَّب أجوبة قصيرة محدودة كل التحديد، وليس كالثانية تتطلَّب مقالات طويلة. 3- إن الوقت يُراعى فيها كل الْمُراعاة، فالأسئلة في الامتحانات المألوفة تكون قصيرة العبارة؛ ولكنها تستلزم إجابة طويلة، أما في الامتحانات الحديثة، فإنها طويلة العبارة، لكنها تستلزم أجوبةً قصيرةً، ربما كانت بضع كلمات أو علامات تُوضَع تحت ألفاظ من السؤال نفسه. 4- وللأسئلة الحديثة مقاييس خاصة يسهُل تقدير إجابة التلاميذ بها تقديرًا تامًّا، في حين أن ذلك غير ميسور في الامتحانات العادية؛ ففي الامتحان العادي لا يميز بين السريع الْمُتقِن عمله وبين البطيء في التفكير ما دامت الإجابة واحدة، في حين أن ذلك التفريق ركنٌ من أركان الامتحانات الحديثة، فقد دلَّتْ التجارب في علم النفس على أن السرعة في العمل والإجادة فيه لا يَتَنافيان؛ بل هما صِنْوان في الغالب. وللأسئلة في الامتحانات الحديثة أشكال كثيرة، وهي قريبة كلَّ القُرْب من أَقْيسة الذكاء المختلفة، فقد تُعطى على شكل: 1- عدة جمل من الحقائق الثانية حُذِفت بعض ألفاظها أو عباراتها، ثم يُطلَب من التلميذ الْمُمتَحن ذكر المحذوف، فهي أشبه بالأسئلة البتراء. 2- عدة أسئلة يُطلَب من الْمُمتَحن الإجابة عنها بكلمة واحدة. 3- تُذكَر عدة أجوبة مختلفة لسؤال معين، بعضها خطأ، وبعضها صواب، ويُطلَب من التلميذ تعيين الجواب الصحيح بعلامة أو خط. على أن هذه الامتحانات الحديثة لا تُدرِّب الطالب على تنسيق معلوماته وتنظيمها، وترتيبها ترتيبًا منطقيًّا، وتدعو التلميذ إلى استظهار حقائق منفردة منعزلة، يعتمد في معرفتها على الذاكرة. |
الكتب المدرسية وشروطها
الكتب المدرسية وشروطها الشيخ طه محمد الساكت يُقصد من الكتب المدرسية الكتبُ التي تُؤَلَّف في المواد الدراسية بالمدارس على اختلاف أنواعها، ليَرَجِع إليها الطلبة في استذكار دروسهم؛ فتَكْفيهم مَؤُونة البحث والتنقيب في الكتب المُطولة، ولا يصح الاقتصار عليها؛ بل يجب أن يُعَوَّد التلاميذ قراءة غيرها من الكتب؛ حتى نُحَبِّب إليهم الاطلاع والاستزادة العلمية. وقد آخذ بعضُ علماء التربية المعلمين في إهمالهم الكتبَ المدرسية وعنايتهم بالإِلقَاء على التلاميذ فقط، وقد قال أحد المُربين مُتَهَكِّمًا: "بينما كان التلميذ في الزمن الماضي يحفظ درسه ليُلْقِيَه على مُعلمِه؛ إذ بالمعلم اليوم يحفظ درسه ليُلْقِيَه على التلميذ". وإنَّ الاقتصار على ما يُلقِيه المعلم أو يُمْلِيه من غير رجوعٍ إلى كتب تُوَفِّي الموضوع حقَّه، يُمِيت استقلال التلاميذ في الفكر والعمل، ويعَوِّدهم الاتكالَ على غيرهم في التحصيل، مع أنَّ أهم الأغراض التي يجب على المعلم تحقيقها أن يكون في نفوس تلاميذه عادة التعَلُّم، وحُب المطالعة، ويُرَبِّي قوة التحصيل فيهم، وتشجعيهم على العمل بأنفسهم؛ لأن كل ما يُحَصِّله التلميذ بنفسه لا ينساه، وكل مسألة يحلها بإجهادِ قَرِيحته، تَثبُت في نفسه وترسخ في ذهنه، لذا يجب أن يُكَلِّف المدرس تلاميذَه أحيانًا بإعداد دروسهم في بعض الكتب المدرسية قبل إلقائها، ثم يَبْنِى دروسه على مناقشتهم فيما حَصَّلوه أثناء إعدادهم، إلا في فِرَق صِغار التلاميذ؛ فإن التعليم بها يجب أن يكون شفويًّا، فلا تُستعمل الكتب مطلقًا، ومتى استطاع التلميذ قراءة الحروف والكلمات السهلة، ينبغي أن يُعَوَّد القراءةَ في الكتب التي تلائم قواه العقلية في أي مادة من المواد، فإذا اقترب من مرحلة التعليم الثانوي، وَجَب أن تكون الكتب المدرسية جزءًا أساسيًّا من أعماله اليومية؛ بحيث تسير الكتب مع التعليم الشفوي جنبًا إلى جنبٍ، ومتى التحق الطالب بالمدارس العالية، وَجَب أن يكون اعتماده في تحصيله على الكتب المدرسية الملائمة لسِنِّه وقوة تحصيله وقواه العقلية، ويصبح عمل المدرس مَحْصُورًا في إرشاده إلى المصادر التي يَسْتَمد منها ما يحتاج إليه من المعلومات، واسْتِحْثاث هِمَّته للقراءة ومناقشته فيما قرأ وحصَّل، ونَقْدِه والتعليق عليه، وحَل المُعْضِلات التي يتعذَّر عليه فهمُها. لذا يجب على من يضع كتابًا مدرسيًّا أن يلاحظ سِنَّ التلاميذ ومرحلة الطلبة في الوقت الذي يُؤَلِّف لهم كِتَابه، ويلاحظ حاجاتهم المختلفة، ويجب أن تكون الكتب لصغار التلاميذ واضحة تتَّفق مع ميولهم وطفولتهم، أما مع كبار التلاميذ، فيجب أن تكون الكتب حديثة تَسْتَدْعِيهم إلى البحث والاطلاع، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت شائقة، وفيها ما يحتاج إليه الطالب، أما المُعلم فمُهِمَته الإرشاد وحل المُعْضِلات. شروط الكتب المدرسية: يشترط في الكتاب المدرسي عدة شروط؛ ليكون صالحًا للاستعمال، وافيًا بالغرض المقصود؛ بحيث: 1- تكون لغتة سهلة مناسبة للتلاميذ الذين يوضَع لهم. 2- يُراعى في عباراته الإحكامُ والضبط والدقة. 3- تكون وسائل الإيضاح به من الصور وغيرها جَلِيَّة وافية بالغرض المقصود منها. 4- يكون الطبع مُتْقَنًا، والحروف كبيرة، والورق جيد، ويُجَلَّد الكتاب تجليدًا متينًا. والأَوْلَى أن يضع الكتب المدرسية مدرس عَمَلِي مُجَرِّب، ماهرٌ في مهنة التدريس، عالمٌ بطبائع الأطفال واستعداداتهم، وقواهم العقلية في المراحل المختلفة، فإن جَمَع إلى ذلك إِلْمَامًا بالمادة وإحاطة بجميع دَقَائِقها، جاء كتابه خيرَ كتابٍ. فكتب المطالعة مثلًا؛ ينبغي أن تحتوي على موضوعات متعددة في مواد مختلفة؛ بحيث تكون مناسبة لكل فِرْقة من الفِرَق، ويجب أن تكون هناك عدة كتب للمطالعة؛ لأن هذا يُوقِظ شوق التلاميذ، ويستَحِثُّهم على المطالعة، ويُوَسِّع دائرة معارفهم في اللغة والمواد، أما إذا لم يكن للفِرقة إلا كتابٌ واحد؛ فإن التلاميذ لا يجدون في الكتاب الواحد ما يَسْتَمِيلهم، ويُحَبِّبهم في البحث والاطلاع، وحَبَذا الأمر لو أُنشِئت مكتبة في كل فصل من الفصول المدرسية، بحيث تحتوي على كتب متنوعة في كل مادة من المواد لتناسب قوة الفصل. ويُشترط في كتب المطالعة زيادةً على ما تقدَّم: 1- أن تكون صحيحة الأسلوب. 2- أن تَتدرَّج الدروس فيها على حسب تدرُّج التلميذ في السِّن والمقدرة. 3- أن يكون موضوعها وأسلوبها مما يُحَبِّب المطالعةَ إلى الأطفال، ويُربِّي فيهم الذوق السليم؛ بأن تتناول كثيرًا من العلوم كالجغرافيا والتاريخ، والعلوم الطبيعية، وتُوضَع في قالب سهل الأسلوب سَلِس العبارة. أما كتب الحساب، فيجب أن تحتوي على تمارين متنوعة مُرَتَّبة، وأن تكون عَمَلِيَّة بقدر المُستطاع، بحيث تتصل بالحياة العَمَلِيَّة وبيئة الطفل، فلا يقال مثلًا: "اشترى فلان أُقَّة (معيار للوزن في مصر) عنب بمائة قرش"، إلى غير ذلك من المسائل البعيدة عن الحياة العملية؛ لأننا نريد أن يكون العَالَم المدرسي مُمَاثِلًا للعَالَم الخارجي سواءً بسواء في حقائقه ومسائله.. إلخ، فلا تكون المَدْرَسة في وَادٍ والعَالَم في وادٍ آخرَ؛ لأنَّ من الواجب أن نعيش في عالم الحقيقة لا في عالم الخيال. أما كتب الهندسة، فيُشترط أن تكون أشكالها مُتقَنة الرسم واضحة الطبع، وأن تكون اللغة المستعملة في البراهين ظاهرة جَلِيَّة مُرَتَّبة ترتيبًا منطقيًّا. وأما كتب الجغرافيا للأطفال، فيجب أن تكون مملوءة بحكايات جغرافية، فالطفل المصري مثلًا يعطي حكايات؛ بحيث يعرف من هذه الحكايات شيئًا عن معيشة الطفل في البلدة التي يُنسب إليها؛ أما كبار التلاميذ، فيجب أن يُعْنَوْا أولًا بجغرافية بلادهم، ثم يُعْنَوْا بجغرافية البلاد الأخرى. وأما كتب التاريخ، فيجب أن تكون في السنين الأولى عبارة عن حكايات تاريخية، وأن يُبتَدأ فيها بتاريخ العصر الحاضر للأمة التي ينتسب إليها التلاميذ، ويتدرَّج من هذا العصر إلى تاريخ العصور القديمة لهذه الأمة، ثم يُؤتَى بتاريخ البلاد الأجنبية، ويُلاحظ في الكتب الموضوعة للأطفال سِن التلاميذ؛ فلا يُكَلَّفون وهم صغار بمعرفة مثل هذة الرموز "ق م" (ما قبل التاريخ الميلادي)، "ب م" (ما بعد التاريخ الميلادي). |
الساعة الآن : 02:53 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour