الجمع بين المتناقضات في شعر المتنبي
الجمع بين المتناقضات في شعر المتنبي د. إبراهيم عوض يكثر في شعر المتنبي الجمع بين الشيء ونقيضه، ويتَّخِذ هذا عنده صورًا مختلفة: فقد تجتمع في الشيء الواحد صفة ونقيضها، وقد يكون الشيء نقيضًا لنفسه، وقد يتحقق الشيء من خلال نقيضه، وقد يشبه بهذا النقيض، وقد يكون التضاد في الزمن، وقد يتَّخِذ شكل دور، وسوف يتضح كل ذلك فيما يلي: (أ) اجتماع الصفة ونقيضها في الشيء الواحد: متفرقُ الطعمينِ مجتمعُ القوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكأنه السراءُ والضراءُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif جاءتك تطفحُ وهي فارغةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مَثْنَى به وتظنُّها فردا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (كان قد أرسل إليه أحد معارفه آنية فيها طعام وحلوى، فردَّها إليه تطفح بالشكر، وإن كانت فارغة من أي طعام أو حلوى). وهولٌ كشفتُ، ونصلٌ قصفتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ورمح تركتُ مبادًا مُبيدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif دانٍ بعيدٍ، محبٍّ مبغضٍ، بَهِجٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أغرَّ، حلوٍ ممرٍّ، لينٍ شرسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (ممدوحه). الحزن يقلقُ، والتجمُّلُ يردعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والدمعُ بينهما عَصِيٌّ طيِّعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يحاجي به: ما ناطقٌ وهو ساكتٌ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يرى ساكتًا والسيفُ عن فيه ناطقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (الممدوح). وندعوك الحسامَ، وهل حسامٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يعيش به من الموتِ القتيلُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وما للسيفِ إلا القطعُ فعلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأنت القاطعُ البرُّ الوصولُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأنا الذي اجتلب المنيةَ طرفُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فمَن المطالبُ والقتيلُ القاتلُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (ب) مناقضة الشيء لنفسه: وكم ذدتُ عنهم ردى بالردى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكشَّفتُ من كُرَبٍ بالكُرَبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: الجمع بين المتناقضات في شعر المتنبي
حتى إذا لم يَدَعْ لي صدقُه أملًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif شرِقْتُ بالدمعِ حتى كاد يشرَقُ بي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أهمُّ بشيءٍ والليالي كأنها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تطارِدُني عن كونِهِ وأطاردُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (تطاردني وأطاردها). ♦ ♦ ♦ هنيئًا لك العيدُ الذي أنت عيدُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعيدٌ لمن سمَّى وضحَّى وعيَّدا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لولا العُلا لم تجُبْ بي ما أجوبُ بها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَجْناءُ حرفٌ ولا جرداءُ قيدودُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (وجناء حرف): (صفتان لناقته، وجرداء قيدود: وصفان لفرسه). ♦ ♦ ♦ الجيشُ جيشُك، غير أنك جيشُهُ *** في قلبِه ويمينِه وشمالِهِ (و) تشبيه الشيء بضده: وعقابُ لبنانٍ وكيف بقطعِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَهْوَ الشتاءُ وصيفُهنَّ شتاءُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لبس الثلوجُ بها عليَّ مسالكي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكأنَّها ببياضها سوداءُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وماذا بمصرَ مِن المضحكاتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولكنَّه ضَحِكٌ كالبُكَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والمتنبي حين يفعل هذا فإنه يفعله عن وعي؛ إذ ليس يعقل أن يحوي شعره على عدد كبير من شواهد هذه الظاهرة العربية، من غير أن يعي ذلك ويتعمَّده. كذلك فإن بيتًا كالبيت التالي: لم تُجمَعِ الأضدادُ في متشابهٍ *** إلا لتجعلَني لغرمي مغنمَا تدل شطرته الأولى على أنه كان يقظًا لهذا المعنى، وشطرته الثانية على أنه كان مغرمًا بتحقيقه في شعره، ومما لا شك أن في الحياة أمثلة كثيرة من هذه التناقضات؛ لأن اختلاف زوايا الرؤية لا يؤدي إلى اختلاف الجوانب المرئية فقط، بل إلى تناقضها في كثيرٍ من الأحيان، ولا شكَّ أن حساسية المتنبي وتجاربه الغنيَّة والمرَّة قد أوقفته في كثير من المناسبات على هذه الحقيقة، وطبعتها في ذهنه وقلبه.ولا أستبعد أيضًا أن يكون قد اتَّخذ من هذه الحقيقة أداةً يشدهُ بها العقولَ، ويحير الأبصار؛ (كالذي يمسك في يده بمرآة مقابلًا بها عين الشمس ويقلبها في اتجاه شخص آخر لإعشاء عينه)؛ إذ إنه في كثير من الأحيان لم يكن يشير إلى أن هذا التناقض إنما هو وليد الاختلاف في زاوية الرؤية، بل كان حريصًا على أن يقنعنا أن الشيء يناقض نفسه رغم ثبات الزاوية. ومن المعروف أن أبا تمام كان مغرمًا بما اصطلح على تسميته بـ(نوافر الأضداد)، فلعل المتنبي تنبَّه في شعر ذلك الشاعر لهذه السمة، التي صادفت استعدادًا وميلًا في نفسه، فزاد واتَّخذها وسيلة يلفت بها أنظار السامعين وأسماعهم، وبخاصة ممدوحه[1]. ولعل هذه فرصة أن يراجع مؤرِّخو الأدب أنفسهم، فلا يحسبوا أن أبا تمام قد انفرد بهذه السمة، فهذا هو المتنبي له أيضًا نوافر أضداده، ولعلها أكثر تشعبًا وتعقدًا من نوافر أضداد أبي تمام، والأمثلة التي مرت خير شاهد على ما أقول. [1] انظر: في (نوافر الأضداد) عند أبي تمام د. شوقي ضيف / الفن ومذاهبه في الشعر العربي / 250 - 254. |
الساعة الآن : 07:26 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour