مكارم الصفات في كتاب التعريفات وأجمل ما قيل فيها من أبيات
مكارم الصفات في كتاب التعريفات وأجمل ما قيل فيها من أبيات د. المعز مهدي علي محمد الأمين هذا أحسبُهُ إن شاء الله كلامًا جميلًا؛ لأنه كتب في شيءٍ جميل، ألا وهو الصفات الكريمة، والأخلاق الفاضلة، فليس هناك أفضل منها ليتزيَّا به المرءُ ويتزين، يقول عمرو بن معد يكرب: ليس الجمال بمئزر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فاعلم وإن ردَّيت بردَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن الجمال معادن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وموارث أورثن مجدَا[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مؤلف كتاب التعريفات هو: علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفي: 816هـ)، حاز قصبات السبق في التحرير، فصيح العبارة دقيق الإشارة... وكان سُنيًّا حنفيًّا، درس الفقه وفروعه على قاضي قضاة الحنفية في مصر أكمل الدين، وهو مشهورٌ بالشريف الجرجاني، ويسمى عَالم الشرق وَيعرف بالسيد الشريف، وَهُوَ من أَوْلَاد مُحَمَّد بن زيد ... وَقَرَأَ الْمِفْتَاح على شَارِحه ... ثمَّ خرج إلى بِلَاد الروم ثمَّ لحق بِبِلَاد الْعَجم وَصَارَ إمامًا فِي جَمِيع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَغَيرهَا متفردًا بهَا مصنفًا فِي جَمِيع أَنْوَاعهَا مبتحرًا في دقيقها وجليلها، وطار صيته في الْآفَاق وانتفع النَّاس بمصنفاته في جَمِيع الْبِلَاد، وَهِي مَشْهُورَة فِي كل فن، يحْتَج بهَا أكَابِر الْعلمَاء وينقلون مِنْهَا ويوردون وَيَصْدُرُونَ عَنْهَا، فَمن مصنفاته الْمَشْهُورَة: شرح الْمِفْتَاح، وَشرح المواقف العضدية، وشرح الجغميني في علم الْهَيْئَة، وَشرح فَرَائض الْحَنَفِيَّة، وَشرح الْوِقَايَة، وَشرح الكافية بالعجمية، وَله من الحواشي: حَاشِيَة على أَوَائِل الْكَشَّاف، وعَلى أَوَائِل شرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى للعضد، وعَلى أَوَائِل البيضاوي، وعَلى الْخُلَاصَة للطيبي وعلى العوارف وَالْهِدَايَة، وعَلى التَّجْرِيد لنصير الدَّين، وعَلى الْمطَالع، وعَلى المطول، وعَلى شرح الشمسية، وعَلى الطوالع للأصبهاني، وعَلى شرح هِدَايَة الْحِكْمَة، وعَلى الرضي في النَّحْو، وعَلى الخبيصي، وعَلى العوامل الجرجانية، وعَلى رِسَالَة الْوَضع، وعَلى التَّلْوِيح والتوضيح، وعَلى أشكال التأسيس وعَلى تَحْرِير اقليدس، وَله تَفْسِير الزهراوين، وَله مُقَدمَة في الصرْف بالعجمية، ورسالة في الْوُجُود... وغير ذلك[2]. أما كتابه (التعريفات)، فقد قدم فيه شرحًا لكثيرٍ من المصطلحات في فنون وضروب معرفية مختلفة، ورتَّبه ترتيبًا أبجديًّا، بداية بالألف، ونزولًا حتى الياء، ولا أودُّ أن أطيل، فنحن على موعد مع الجمال المتألق في فضائل الخصال، وهي: المروءة: هي قوة للنفس مبدأ لصدور الأفعال الجميلة عنها، المستتبعة للمدح شرعًا وعقلًا وفرعًا[3]. ومن أجمل ما قيل في المروءة قول حسان بن ثابت الأنصاري: نُسوِّد ذا المالِ القليلِ إذا بدتْ *** مروءتهُ فينا وإنْ كانَ مُصرما[4] وفي قوله هذا رفع وإعلاء لشان المروءة، وبها ينال المرء السؤدد وإن كان معدمًا. العفة: هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور، الذي هو إفراط هذه القوة، والخمود الذي هو تفريطها، فالعفيف من يباشر الأمور على وَفق الشرع والمُروءة[5]. ومن هذا فإن العفة صفة لازمة، وتعني الطهر أيضًا، بها تكملُ صفات المرء، وهو مثل قول الشاعر في المدح: فأنب توبة نصوحًا فإن الله https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يعفو عن المسيء المنيب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن إسحاق قد تكامل فيه ال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فخر من عفة وطهر وطيب[6] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والعفة تلزمها مجاهدة للنفس وشهوتها، قال "ابن الإطنابة": أبت لي عفَّتي وأبى حيائي *** وأخذي المجد بالثمن الربيح[7] الكرم: هو الإعطاء بسهولة[8]. لكن هذه السهولةُ في رأيي قد تشوبها عُسرة، فالكرمُ كغيره من السجايا، يكون من طبع المرء وتكوينه، وهو أمرٌ غيرُ خاضعٍ إلى يسر أو عسر، والكريمُ يُكرِم ويبذل إرضاء لنفسه، فإن كان مُعسرًا تَمَّ له ذلك بعد جهدٍ، لكن برضا وسعادة، ومن ذلك الأبيات المنسوبة لحماد عجرد: إن الكريم ليخفى عنك عُسرته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حتَّى تراه غنيًّا وهو مجهود https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بثَّ النوال ولا تمنعك قلَّته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكلُّ ما سدَّ فقرًا فهو محمود[9] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الجود: صفة، هي مبدأ إفادة ما ينبغي لا بعوض، فلو وهب واحد كتابه من غير أهله، أو من أهله، لغرض دنيوي أو أخروي، لا يكون جودًا[10]. قال عوف بن عطية: لَعمْرُكَ إِنَّنِي لأَخُو حِفَاظٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وفي يَوْم الكَريهَةِ غَيْرُ غُمْرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَجودُ على الأَباعدِ باجْتداءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولم أَحْرِمْ ذَوِى قُرْبَى وإِصْرِ[11] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أي: إنه يجود على البعيد والقريب، وباجتداء معناها بجدوى وبذل وعطاء، والجود هو المطر في الحقيقة، وإني أرى الجود أعلى منزلة من الكرم. الشجاعة: هيئة حاصلة للقوة الغضبية بين التهور والجبن[12]. ومن أصدق وأقوى وأوقع ما قيل في الشجاعة أراه شعر الفتى القتيل (طرفة بن العبد): سائِلوا عَنَّا الذي يَعْرِفُنَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بقُوانا يَوْمَ تَحْلَاقِ اللِّمَمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أجْدَرُ النَّاسَ برأسٍ صِلْدِمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حازِمِ الأمرِ، شُجاعٍ في الوَغَم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نَذَرُ الأبطالَ صَرْعَى بَيْنَها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَعْكُفُ العِقْبانُ فيها والرَّخَمْ[13] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يوم تحلاق اللمم: يوم من أيام حرب البسوس، والصلدم: القوي الشديد، والوغم: الحرب الشديدة. الحياء: انقباض النفس من شيء وتركه حذرًا عن اللوم فيه، وهو نوعان: نفساني وهو الذي خلقه الله تعالى في النفوس، كلها كالحياء من كشف العورة، والجماع بين الناس، وإيماني وهو أن يمنع المؤمن من فعل المعاصي خوفًا من الله تعالى[14]. إن الحياءَ هو أبو الخصالِ جميعًا وسيدها، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناسَ من كلام النبوةِ الأولى: إذا لم تستحِ فاصنَع ما تشاء) [15]، ومما قيل شعرًا في الحياء، قول "جميل الفزاري": فلا وأبيك ما في العيش خيرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا الدنيا إذا ذهب الحياء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: مكارم الصفات في كتاب التعريفات وأجمل ما قيل فيها من أبيات
يعيش المرءُ ما استحيا بخير https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويبقى العودُ ما بقي اللحاء[16] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الرحمة: هي إرادة إيصال الخير[17]. عباد الله يرجون الرحمة من الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، وهو الذي أنزلها على قلوب عباده، فيرحم بعضهم بعضا، يقول الشاعر: إن كنت لا ترحم المسكين إن عدما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا الفقير إذا يشكو لك العدما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكيف ترجو من الرحمن رحمته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإنما يرحم الرحمن من رحما[18] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الشفقة: هي صرف الهمة إلى إزالة المكروه عن الناس[19]. إن الشفقة شعورٌ وإحساسٌ أراه أوسعَ من هذا التعريف، فهناك من يشفق على نفسه، مثل قول الشاعر: ما بالهم لمْ يُبَالوا إذ هجرتُهُم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأنت من هجرِهِمِ كدْت تحْترقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قد كنت أشْفق مِمَّا قد فجعت بِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِن كَانَ يدْفع عَن ذِي اللوعة الشَّفق[20] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهناك من يشفق على الغنم مثل أبي عروة الذي يقال له: أبو عروة السباع، يصيح بالسبع وقد احتمل الشاة، فيخليها ويذهب هاربًا على وجهه، فضرب به الشاعر المثل - وهو النابغة الجعدي - فقال: وأزجرُ الكاشحَ العدوَّ إذا اغتا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بك عندي زجرًا على أضم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif زجر أبي عروة السباع إذا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أشفق أن يلتبِسْن بالغنم[21] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الحلم: هو الطمأنينة عند سَوْرة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظالم[22]. وهذه الخنساء تبكي أخاها صخرًا، وتسبغُ عليه هذه الصفة، تقول: يا عَينِ جُودي بالدموع https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif المُسْتَهِلَّاتِ السَّوَافِحْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الغافِرُ الذنْبِ العَظيمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لذي القرابة والممالحْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بتعمُّدٍ منهُ وَحلمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حينَ يبغي الحلمَ راجحْ[23] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الصدق: مطابقة الحكم للواقع، وقول الحق في مواطن الهلاك، وقيل: أن تصدق في موضع لا ينجيك منه إلا الكذب. قال الكشيري: الصدق: ألا يكون في أحوالك شوب، ولا في اعتقادك ريب، ولا في أعمالك عيب، وقيل: الصدق: هو ضد الكذب، وهو الإبانة عما يخبر به على ما كان[24]. قال الشاعر: إن خير القول أصدقه *** حين تصطكُّ الأقاويل[25] وقال حسان بن ثابت: يا أيُّها الناسُ أبدوا ذاتَ أنفسِكم *** لا يستوي الصدقُ عند اللهِ والكذبُ[26] العدل: مصدر بمعنى: العدالة، وهو الاعتدال والاستقامة، وهو الميل إلى الحق[27]. قال الشاعر: عنِ العدلِ لا تَعْدِل وكُن مُتيقِّظًا *** وحُكْمُك بين الناس فليكُ بالقسطِ[28] ختامًا: فإن الحديث ذو شجون، غير أني أستودعكم اللهَ، وإلى لقاء قريبٍ بإذن الله. [1] ابن قتيبة الدينوري: عيون الأخبار، دار الكتب العلمية، بيروت 1418هـ، ج1، ص 418. [2] انظر: الشوكاني محمد بن علي بن محمد بن عبدالله: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص 488، وأيضًا أبو الحسنات محمد عبدالحي اللكنوي الهندي: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، عنى به محمد بدر الدين أبو فراس النعساني، ط1، دار السعادة، مصر1324هـ، ص 125، وأيضًا وليد بن أحمد الحسين الزبيري، وآخرون: الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة، ط1، الحكمة للنشر، مانشستر، بريطانيا، 2003م، ج2، ص 1705. [3] التعريفات، ص 210، مروءة. [4] (الخالديان) أبو بكر محمد بن هاشم الخالدي، وأبو عثمان سعيد بن هاشم الخالدي: حماسة الخالديين، الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين والجاهليين والمخضرمين، تح: الدكتور محمد علي دقة، منشورات وزارة الثقافة، سوريا1995، ص 60. [5] التعريفات، ص 124، عفة. [6] الصولي، أبو بكر محمد بن يحيى بن عبدالله: الأوراق قسم أخبار الشعراء، شركة أمل، القاهرة 1425 هـ، ج1، ص 198. [7] العسكري، أبو أحمد الحسن بن عبدالله بن سعيد بن إسماعيل: المصون في الأدب، ط2، تح: عبدالسلام محمد هارون، مطبعة حكومة الكويت1984م، ص 137. [8] التعريفات، ص 184، كرم. [9] ابن قتيبة الدينوري: الشعر والشعراء، دار الحديث، القاهرة 1423هـ، ج2، ص 767. [10] التعريفات، ص: 79، جود. [11] المفضل الضبي، بن محمد بن يعلى بن سالم: المفضليات، تح: أحمد محمد شاكر وعبدالسلام محمد هارون، ط6، دار المعارف، القاهرة، ص 328. [12] التعريفات، ص 125، شجاعة. [13] طَرَفَة بن العَبْد بن سفيان: ديوان طرفة بن العبد، تح: مهدي محمد ناصر الدين، ط3، دار الكتب العلمية2002م، ص 75. [14] التعريفات، ص 94، حياء. [15] العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المكتبة التوفيقية، القاهرة، ج1، ص 671. [16] عبدالقادر بن عمر البغدادي: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ج1، تح: عبدالسلام محمد هارون، ط4، مكتبة الخانجي، القاهرة 1997م، ص 398. [17] التعريفات، ص 110، رحمة. [18] حسين بن محمد المهدي: صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، وزارة الثقافة اليمنية، دار الكتاب2009م، ج2، ص 171. [19] التعريفات، ص 127، شفقة. [20] أبو هلال العسكري الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران: جمهرة الأمثال، دار الفكر، بيروت، ج1، ص 72. [21] البيان والتبيين؛ الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب، دار ومكتبة الهلال، بيروت1423هـ، ج1، ص 123. [22] التعريفات، ص 92، حلم. [23] الخنساء: ديوان الخنساء، ط2، شرح: حمدو طماس، دار المعرفة، بيروت2004، ص 26. [24] التعريفات، ص 132، صدق. [25] ابن عبد ربه، أبو عمر شهاب: العقد الفريد، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت1404هـ، ج2، ص 71. [26] حسان بن ثابت: ديوانه، شرح: مهنا، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت1994، ص 27. [27] التعريفات، ص 147، عدل. [28] الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب، أبو محمد، بدر الدين: نسيم الصبا، مطبعة الجوائب، القسطنطينية 1302هـ، ص 110. |
| الساعة الآن : 09:31 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour