ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=41)
-   -   مشاهد من عبودية الجنة والنار (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=292290)

ابوالوليد المسلم 23-05-2023 05:38 PM

مشاهد من عبودية الجنة والنار
 
مشاهد من عبودية الجنة والنار
الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي



عبوديةُ اختصامِ الجنةِ والنارِ:
إن مما يُستدل به على عبودية الجنّةِ والنّارِ اختصامهما إلى ربهما تبارك وتعالى، ومن أبرز شواهد الأدلة على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تحاجَّت الجنةُ والنارُ، فقالت النّارُ: أوثرتُ بالمتكبِّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّةُ: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاءُ الناس وسقطهم وغبرتهم، فقـال الله عزّ وجل للجنّةِ: إنما أنت رحمتي أرحمُ بك من أشاءُ من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذِّبُ بك من أشاءُ من عبادي، ولكل واحدةٍ منكما ملؤها"[1].

قال النووي رحمه الله: والحديثُ على ظاهره، وأن الله يخلقُ في الجنّةِ والنارِ تمييزًا يدركان به ويقدران على المراجعةِ والاحتجاج[2].

مشاهد من عبوديةِ والنّارِ:
ومن مشاهد عبودية النّار: تَغَيُّظها لرؤية الكافرين يوم القيامةِ؛ كما قال تعالى: ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴾ [الفرقان: 12].

التَّحقيقُ أنَّ النَّارَ تُبصِرُ الكُفَّارَ يَومَ القيامةِ، كما صَرَّح اللهُ بذلك في قَولِه هنا: ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾، ورؤيتُها إيَّاهم مِن مكانٍ بَعيدٍ تدُلُّ على حِدَّةِ بَصَرِها، كما لا يخفى، كما أنَّ النَّارَ تتكَلَّمُ، كما صرَّح اللهُ به في قَولِه تعالى: ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ [ق: 30]، والأحاديثُ الدَّالَّةُ على ذلك كثيرةٌ؛ كحَديثِ مُحاجَّةِ النَّارِ مع الجنَّةِ[3]، وكحديثِ اشتكائِها إلى رَبِّها، فأذِنَ لها في نفَسَينِ[4]، ونحوِ ذلك، ويكفي في ذلك أنَّ اللهَ جَلَّ وعلا صَرَّحَ في هذه الآيةِ أنَّها تَراهم، وأنَّ لها تغيُّظًا على الكُفَّارِ، وأنَّها تقولُ: ﴿ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾.

واعلَمْ أنَّ ما يزعُمُه كَثيرٌ مِن المفَسِّرينَ، وغيرُهم مِن المنتسبينَ للعِلمِ - مِن أنَّ النَّارَ لا تُبصِرُ ولا تتكَلَّمُ ولا تغتاظُ، وأنَّ ذلك كُلَّه مِن قَبيلِ المجازِ، أو أنَّ الذي يفعَلُ ذلك خزَنتُها: كُلُّه باطِلٌ، ولا مُعَوَّلَ عليه؛ لمخالفتِه نُصوصَ الوَحيِ الصَّحيحةَ بلا مُستَندٍ، والحَقُّ هو ما ذكَرْنا[5].

ومن مشاهد عبودية النار: استجابتها لأمر الله؛ قال تعالى: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]؛ أي: فأوقَدوا له نارًا لِيَحرِقوه، فلمَّا ألقَوا إبراهيمَ فيها قُلْنا لها: يا نارُ، كوني بردًا وسلامًا على إبراهيمَ، فأنجاه اللهُ منها لم يَنَلْه فيها أذًى، ولا أحسَّ بمكروهٍ [6].

وبالفعل قد أنجاه الله من نارهم؛ كما قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 24].

وعن ابنِ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قالها إبراهيمُ عليه السَّلامُ حينَ أُلقِي في النَّارِ، وقالها مُحمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم حينَ قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173][7].


[1] رواه البخاري: (4850)، ومسلم (2846).

[2] شرح صحيح مسلم للنووي: (17/ 181).

[3] رواه البخاري: (4850)، ومسلم: (2846) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد سبق تخريجه.

[4] رواه البخاري: (4850)، ومسلم: (2846) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] أضواء البيان، للشنقيطي: (6/ 25).

[6] يُنظر: تفسير الطبري: (16/ 306)، تفسير الرازي: (22/ 159)، (أضواء البيان: للشنقيطي (4/ 162، 163).

[7] رواه- البخاري (4563).




الساعة الآن : 07:26 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.33 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]