ملتقى الشفاء الإسلامي - تتابع الكلمات عند المتنبي

تتابع الكلمات عند المتنبي
د. إبراهيم عوض

تراكيب تكثر في شعر المتنبي

(تتابع عدد من الكلمات من جنس واحد، من غير عطف)

عدد مثل هذه الكلمات عند المتنبي كبير نسبيًّا، ويصل أحيانًا إلى أكثر من عشرين، وليس ذلك بالأمر الشائع، وهذه الكلمات قد تكون أسماءً، أو صفاتٍ، أو أفعالًا، أو مناديات... إلخ.

وقد يتفنَّن المتنبي في إيرادها، بأن يوفر لها نوعين من التقسيم يضفي عليها تقابلًا وتوازنًا، فيتوهم القارئ (أو السامع) أنها ليست عدة كلمات يقفو بعضها بعضًا، بل كلمتان كلمتان، كل اثنتين منها لا علاقة لهما بالكلمات الأخرى، أو يُحدث فيها رنينًا موسيقيًّا يخلع عليهما جمالًا صوتيًّا؛ مثل:

مُتلفٍ مخلفٍ وفيٍّ أبيٍّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عالمٍ حازمٍ، شجاعٍ جوادِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

♦♦ ♦♦ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قدَروا عَفَوْا، وعدوا وفَوْا سُئِلوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أغنوا، عَلَوْا أعلَوا، وَلُوا عَدَلُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

♦♦ ♦♦ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مباركُ الاسمِ، أغرُّ اللقبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كريمُ الجرشَّى، شريفُ النسبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أما البيت التالي، فإن فيه توافقًا موسيقيًّا بين كلمتَيْه الأُوليَين، ومخالفة بين الإضافة في المنادى الرابع والإفراد في المناديات الخمسة الباقية، مما يخفف شيئًا من رداءة التتابع في مثل هذا العدد من الكلمات التي من جنس واحد:

يا بدرُ، يا بحرُ، يا غمامةُ، يا ♦♦♦ ليثَ الشرى، يا حمامُ، يا رجلُ

وأحيانًا يكون الرنين الموسيقي خافتًا ولا يجري على نظام؛ مثل:

الأديبُ المهذَّبُ الأصيدُ الضَّرْ ♦♦♦ ـبُ الذكي الجعدُ السريُّ الهمامُ

وأحيانًا لا يوجد في العبارة تقابل ولا رنين، فتشعر فيها بشي من القلق؛ مثل:

أطعنها بالقناةِ، أضربُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بالسيفِ، جحجاحها، مسودُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

شمسُ ضحاها هلالُ ليلتها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

درُّ تقاصيرِها زبرجدُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

♦♦ ♦♦ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

الحازمَ اليَقِظَ الأغرَّ العالمَ الـ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فطن الألدَّ الأرْيحيَّ الأروعا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

الكاتبَ اللبقَ الخطيبَ الواهبَ الـ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ـندسَ اللبيبَ الهبرزيَّ المصقعا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأحيانَا أخرى يبرز هذا العيب للدرجة التي قد يتعثر اللسان في نطق العبارة، وذلك مثل قوله:

دانٍ بعيدٍ محبٍّ مبغضٍ بهجٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أغرَّ حلوٍ ممرٍّ لينٍ شرسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ندٍّ أبي غر وافٍ أخي ثقةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

جعدٍ سريٍّ نهٍ ندبٍ رضٍ ندسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أما في البيت التالي فقد بلغ الوضع حدًّا بعيدًا...:

عِشِ ابقَ اسمُ سُدْ جدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قُدْ مُرِ انْهَ اسرِ فُهْ تسلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عِظِ ارمِ صبِ احمِ اغزُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

اسبِ رُعْ زَعْ دلِ اثنِ نَلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بيد أن مثل هذا البيت إنما قاله المتنبي للتفكه وللإدلال بمقدرته على هذا اللون من النظم الطويل المعقد[1].

[1] انظر في ذلك: د. الشكعة / أبو الطيب المتنبي في مصر والعراقين / 202، 315 - 316.