اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه
اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه أ. د. محمد عبدالله سعادة الفِعْلُ لمّا كان يَدُلُّ على المَصْدَرِ بلَفْظِه، وعلى الزمانِ بصِيغَتِه، وعلى المكانِ بمَحِلِّه، اشْتُقَّ منه لهذه الأقسامِ أسماءٌ، ولمّا كان يَدُلُّ على الفَاعِلِ بمَعْناهُ، لأنه حَدَثٌ، والحَدَثُ لا يَصْدُرُ إلا عن فَاعِلٍ اشْتُقَّ مِنه اسْمُ فَاعِلٍ؛ ولذلك اخْتَلَفَتْ تعريفاتُ اسْمِ الفَاعِلِ عندَ النُّحاةِ، فقال ابْنُ الحَاجِبِ[1]: "ما اشْتُقَّ مِن فِعْلٍ لِمَن قامَ به بمَعْنَى الحُدُوثِ" وقولُه: "لمَن قام به" يُخْرِجُ اسْمَ المَفْعُولِ؛ فإنه ليس قائمًا به، وإنما هو واقعٌ عليه، وقولُه: "بمَعْنَى الحُدُوثِ" يُخْرِجُ الصِّفَةَ المُشَبَّهَةَ؛ فإنها تَدُلُّ على الثُّبُوتِ. وقال ابْنُ مَالِكٍ[2]: "هو الصِّفَةُ الدَّالَّةُ على فاعِلٍ، جارِيَةٌ في التَّذْكِيرِ والتَّأْنِيثِ على المُضَارِعِ". وقال ابْنُ هِشَامٍ[3]: "ما دَلَّ على الحَدَثِ وفاعِلِه" فخَرَجَ بالحَدَثِ نَحْوُ أَفْضَلَ - اسْمَ تَفْضِيلٍ - وحَسَنٍ - صفةً مُشَبَّهَةً - وخَرَجَ بذِكْرِ فَاعِلِه نَحْوُ مَضْرُوبٍ. واسْمُ الفَاعِلِ الذي يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ هو الذي يَجْرِي على فِعْلِه، ويَطَّرِدُ القِياسُ فيه كما ذَكَرَ ابْنُ السَّرَّاجِ[4]، ويَجُوزُ أن يُنْعَتَ به اسْمٌ قَبْلَه نَكِرَةٌ، كما يُنْعَتُ بالفِعْلِ الذي اشْتُقَّ منه ذلك الاسْمُ، ويُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وتَدْخُلُه الْأَلِفُ واللَّامُ، ويُجْمَعُ بالوَاوِ والنُّونِ؛ كالفِعْلِ إذا قُلْتَ: يَفْعَلُونَ، نَحْوُ ضَارِبٍ وقاتِلٍ، يَجْرِي على يَضْرِبُ ويَقْتُلُ، ومَعْنَى جَرَيانِ اسْمِ الفَاعِلِ على الفِعْلِ في حَرَكَاتِه وسَكَنَاتِهِ أنَّ عَدَدَ حُرُوفِ ضَارِبٍ كعَدَدِ حُرُوفِ يَضْرِبُ، وضَادُ ضاربٍ مَفْتُوحَةٌ، كما أنَّ ياءَ يَضْرِبُ مفتوحةٌ، والأَلِفُ ثانِيَةٌ وهيَ ساكِنَةٌ، كما أنَّ ثانيَ يَضْرِبُ ساكِنٌ، والرَّاءُ فيهما ثالِثَةٌ مَكْسُورَةٌ، والباءُ فيهما حَرْفُ إِعْرابٍ. ونَبَّهَ ابْنُ هِشَامٍ أنَّ المُجَارَاةَ تَقَابُلُ حَرَكَةٍ بِحَرَكَةٍ، لا حَرَكَةٍ بعَيْنِها، فقال[5]: "اسْمُ الفَاعِلِ لا يَكُونُ إلّا مُجَارِيًا للمُضَارِع، فإنه مُجارٍ ليَضْرِبُ، فإن قُلْتَ: هذا مُنْتَقَضٌ بداخِلٍ ويَدْخُلُ، فإنَّ الضَّمَّةَ لا تُقَابِلُ الكَسْرَةَ، قلتُ: اعْتُدَّ في المُجَاراةِ تَقَابُلُ حَرَكَةٍ بحَرَكَةٍ، لا حَرَكَةٍ بعَيْنِها". وكذلك جاءَ في التَّصْرِيحِ[6]: "إذ لا يُشْتَرَطُ التَّوَافُقُ في أعْيَانِ الحَرَكَاتِ". وقال ابْنُ هِشَامٍ[7]: "فإن قُلْتَ: كيفَ تَصْنَعُ بقائِمٍ ويَقُومُ؛ فإنّ ثانيَ قائمٍ ساكِنٌ، وثانيَ يَقُومُ مُتَحَرِّكٌ؟ قلتُ: الحَرَكَةُ في ثاني يَقُومُ مَنْقُولَةٌ مِن ثالثِه، والأَصْلُ: يَقْوُمُ كيَدْخُلُ". صَوْغُ اسْمِ الفَاعِلِ: اسْمُ الفَاعِلِ مَقِيسٌ[8] مِنَ الفِعْلِ الثُّلاثِيِّ على وَزْنِ فاعِلٍ، في كلِّ فِعْلٍ على وَزْنِ (فَعَلَ) مُتَعَدِّيًا كانَ أو لازِمًا، نَحْوُ ضَرَبَ فهو ضاربٌ، وذَهَبَ فهو ذاهبٌ[9]. وإن كان الفِعْلُ على وَزْنِ (فَعِلَ) بكَسْرِ العَيْنِ، فإن كان مُتَعَدِّيًا، فقِياسُه أيضًا أن يَأتيَ اسْمُ الفَاعِلِ على فاعِلٍ؛ نَحْوُ: رَكِبَ فهو راكبٌ، وعَلِم فهو عالمٌ. وإن كان لازمًا فلا يُقالُ في اسْمِ الفَاعِلِ منه (فَاعِلٌ) إلّا سَماعًا[10]، نَحْوُ أَمِنَ فهو آمِنٌ، وسَلِمَ فهو سالِمٌ، بل قياسُ اسْمِ الفَاعِلِ منه أن يَكُونَ على فَعِلٍ في الأَعْراضِ؛ نَحْوُ: فَرِحَ فهو فَرِحٌ، ونَضِرَ فهو نَضِرٌ، وبَطِرَ فهو بَطِرٌ[11]، وأَشِرَ فهو أَشِرٌ، وتَعِبَ فهو تَعِبٌ، وحَمِقَ فهو حَمِقٌ. وشَذَّ مَرِيضٌ وسَقِيمٌ وكَهْلٌ؛ إذ قياسُها كفَرِحٍ؛ لأنها أَعْراضٌ. ويَأتي أيضًا اسْمُ الفَاعِلِ مِن ((فَعِلَ)) اللازمِ على (فَعْلان)، نَحْوُ عَطِشَ فهو عَطْشَانُ، وشَبِعَ فهو شَبْعَانُ، ورَوِيَ فهو ريَّانُ، وصَدِيَ فهو صَدْيَانُ، وسَكِرَ فهو سَكْرانُ. ويأتي على أفْعَلَ في الأَلْوانِ؛ نَحْوُ: سَوِدَ فهو أَسْوَدُ، وحَمِرَ فهو أَحْمَرُ[12]، وعَوِرَ فهو أَعْوَرُ، وعَشِيَ فهو أَعْشَى وحَوِرَ فهو أَحْوَرُ، وجَهِرَ فهو أَجْهَرُ[13]، ووَجِلَ فهو أَوْجَلُ، وعَرِجَ فهو أَعْرَجُ، وعَمِيَ فهو أَعْمَى، وعَمِشَ فهو أَعْمَشُ. ويأتي أيضًا على (فَعِيل)؛ نَحْوُ: حَزِنَ فهو حَزِينٌ، وغَنِيَ فهو غَنِيٌّ. وقد يُسْتَغْنَي عن صِيغَةِ فاعِلٍ مِن فَعَلَ بالفَتْحِ بغَيْرِها؛ نَحْوُ: شَاخَ فهو شيْخٌ، وطَابَ فهو طَيِّبٌ، وشابَ فهو أَشْيَبُ، وعَفَّ فهو عَفِيفٌ[14]. وإذا كان الفِعْلُ على وَزْنِ (فَعُلَ) - ولا يَكونُ إلّا لازمًا - فاسْمُ الفَاعِلِ منه على فاعِلٍ قَلِيلٌ؛ نَحْوُ: حَمُضَ فهو حامِضٌ، وفَرُهَ فهو فَارِهٌ[15]. ويَكْثُرُ مَجِيءُ اسْمِ الفَاعِلِ منه على (فَعْلٍ)[16]؛ نَحْوُ: ضَخُمَ فهو ضَخْمٌ، وشَهُمَ فهو شَهْمٌ، وصَعُبَ فهو صَعْبٌ، وسَهُلَ فهو سَهْلٌ. ويأتي على (فَعِيل)[17]؛ نَحْوُ: جَمُل فهو جَمِيلٌ، وشَرُفَ فهو شَرِيفٌ، وظَرُفَ فهو ظَرِيفٌ، وقَرُبَ فهو قَرِيبٌ، وبَعُدَ فهو بَعِيدٌ، وقد يَأْتِي على غَيْرِ ذلك؛ نَحْوُ: جَبُنَ فهو جَبانٌ، وشَجُعَ فهو شُجاعٌ، وحَرُمَ فهو حَرامٌ، وجَنُبَ فهو جُنُبٌ، وخَشُنَ فهو خَشِنٌ، ومَلُحَ الماءُ فهو مِلْحٌ[18]، ونَجُسَ فهو نَجِسٌ. وجميعُ هذه الصِّفاتِ[19] التي لَيست على "فاعل" صِفاتٌ مُشَبَّهَةٌ، إن قُصِدَ بها الثُّبُوتُ، وإطلاقُ اسْمِ الفَاعِلِ عليها مَجازٌ في الاصْطِلاحِ الشَّائِعِ، فإن قُصِدَ بها الحُدُوثُ والتَّجَدُّدُ كانتْ أسماءَ فَاعِلِينَ، وأما ما جاء على (فاعل) كضاربٍ وقائمٍ، فاسْمُ فاعلٍ إلا إذا دَلَّ على الثُّبُوتِ، كطاهرِ القَلْبِ، وقامتْ قرينةٌ على ذلك، وأُضِيفَ لمَرْفُوعِه؛ فيكونُ صفةً مُشَبَّهَةً تَجْرِي عليه أحكامُها على الرَّغْمِ مِن بَقَائِه على صُورَةِ اسْمِ الفَاعِلِ. والمَعْلُومُ عندَ النُّحاةِ أن اسْمَ الفَاعِلِ لا يُضَافُ لمَرْفُوعِه، بخلافِ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ؛ فلا يُقالُ: زَيْدٌ كاتبُ الأَبِ؛ لأنَّ مَنْ كَتَبَ أبُوه لا يَحْسُنُ إِسْنادُ الكِتَابةَ له[20]، أمّا الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ، فيَجُوزُ جَرُّ فَاعِلِها بها؛ نَحْوُ: "حَسَنُ الْوَجْهِ، ومُنْطَلِقُ اللِّسَانِ، وطاهِرُ القَلْبِ"[21]، واسْمُ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي لواحِدٍ تَمْتَنِعُ إضافتُه لفَاعِلِه عندَ الجمهورِ، وإن قُصِدَ ثُبُوتُه، أمّا اللازمُ "كقائِمِ الأَبِ"، فإنما تَمْتَنِعُ إضافتُه إذا قُصِدَ به الحُدُوثُ، فإن قُصِدَ به الدَّوامُ كان صفةً مُشَبَّهَةً، وانْطَلَقَ عليه اسْمُها، وجَازَ إضافتُه إلى ما هو فاعِلٌ في المَعْنَى، أما اسْمُ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي لأَكْثَرَ من واحِدٍ، فلا يُضَافُ لمَرْفُوعِه اتِّفاقًا[22]، وأَجَازَ ابْنُ مَالِكٍ[23] في اسْمِ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي لواحِدٍ أن يُضَافَ إلى مَرْفُوعِه إن لم يَلْتَبِسْ فاعلُه بمَفْعُولِه؛ نَحْوُ: مَرَرْتُ برجلٍ ضاربِ الأَبِ زَيْدًا، أي: ضاربٌ أبوه زيدًا؛ والحاصِلُ من ذلك أنك إذا أَرَدْتَ ثُبُوتَ الوَصْفِ، قلتَ: حَسَنٌ، ولا تَقُولُ: حَاسِنٌ، وإن أردتَ حُدُوثَه قلتَ حاسِنٌ، ولا تَقُولُ حَسَنٌ[24]؛ ولهذا اطَّرَدَ تحويلُ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ إلى فاعلٍ في قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12]، عند قَصْدِ النصِّ على الحُدُوثِ[25]، فإن قُصِدَ بالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ مَعْنَى الحُدُوثِ حُوِّلَتْ إلى فاعِلٍ، وإن قُصِدَ ثُبُوتُ مَعْنَى اسْمِ الفَاعِلِ، عُومِلَ مُعَامَلَةَ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ، ولو كان مِن مُتَعَدٍّ، إن أُمِنَ اللَّبْسُ[26]. قال ابْنُ النَّاظِمِ[27]: "ولو قُصِدَ بالصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ مَعْنَى الحُدُوثِ حُوِّلَتْ إلى بِنَاءِ اسْمِ الفَاعِلِ، واسْتُعْمِلَتْ اسْتِعْمالَهُ؛ كقولك: زَيْدٌ فارِحٌ أَمْسِ وجامِعٌ غدًا"؛ ومِن ذلك قولُه تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30]؛ لأنّه أُرِيدَ الصِّفَةُ الثابتةُ، أي: إنكَ مِنَ المَوْتَى، وإن كنتَ حَيًّا؛ كما يُقالُ: إنّكَ سَيِّدٌ، فإذا أُرِيدَ أنكَ سَتَمُوتُ أو سَتَسُودُ، قيلَ: مائِتٌ وسائِدٌ"[28]. قال الزَّمَخْشَرِيُّ[29] "والفَرْقُ بين المَيِّتِ والمائِتِ أن المَيِّتَ كالحَيِّ صفةً ثابتَةً ، وأمّا المائتُ، فيَدُلُّ على الحُدُوثِ، تَقُولُ: زيدٌ مائتٌ الآنَ، ومائتٌ غدًا، ونَحْوُهما: ضَيِّقٌ وضائِقٌ، وقُرِئ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَائِتُونَ} [المؤمنون: 15] بالأَلِفِ، يُرِيدُ حُدُوثَ الصِّفَةِ". وقد يَأتي اسْمُ الفَاعِلِ على (فُعَلَة) بفَتْحِ العين؛ نَحْوُ: حُطَمَةٍ، وضُحَكَةٍ، وهُمَزةٍ، ولُمَزةٍ، للَّذي يَفْعَلُ ذلك بغَيْرِه، واسْمُ المَفْعُولِ بسُكُونِها؛ قال ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: "ما جاءكَ مِن هذا البابِ على (فُعَلَة) فهو الفاعل، وما جاءكَ على (فُعْلَة) فهو المَفْعُولُ"[30]. وقد يَأْتي (فاعِل)[31] بمَعْنَى ذِي كَذا، في "الصِّحَاحِ": رَجُلٌ خَابِزٌ: ذو خُبْزٍ، وتامِرٌ: ذو تَمْرٍ، ولَابِنٌ: ذو لَبَنٍ، ودَارِعٌ: ذو دِرْعٍ، ونابِلٌ: ذو نَبْلٍ. وفي "نَوَادِرِ أبي زَيْدٍ": "يُقالُ: القومُ سامِنونَ زابِدُونَ، أي: كَثُرَ سَمْنُهم وزُبْدُهم"، وفي "أَدَبِ الكاتبِ" لِابْنِ قُتَيْبَةَ: "رجلٌ شاحِمٌ لاحِمٌ: ذو شَحْمٍ ولَحْمٍ". وإن كان الفِعْلُ الثُّلاثِيُّ قدِ اعْتَلَّتْ عَيْنُه؛ نَحْوُ: "قَامَ وبَاعَ"، تُبْدَلُ الهَمْزَةُ مِنَ الياءِ والواوِ إذا وَقَعَتَا عَيْنَيْنِ في اسْمِ الفَاعِلِ، بعدَ أَلِفٍ زائدةٍ؛ نَحْوُ "قائم وبائع" فتَحَرَكَّتِ الواوُ والياءُ في قَاوِم وبايِع، وقبلَهما فَتْحَةٌ، وليس بينَهما وبينَها حاجِزٌ إلّا الألفَ الزائدةَ، وهي حاجزٌ غَيْرُ حَصِينٍ، فاعْتَلَّتِ الواوُ والياءُ في اسْمِ الفَاعِلِ حَمْلًا على الفِعْلِ، فقُلِبَتا أَلِفًا، فاجْتَمَعَ ساكِنَانِ، فأُبْدِلَ مِنَ الثانيةِ همزةً، فإن صَحَّ حَرْفُ العِلَّةِ في الفِعْلِ صَحَّ في اسْمِ الفَاعِلِ، نَحْوُ "عاوِر" المَأْخُوذِ مِنْ (عَوِرَ)، ولا يَجُوزُ اللَّفْظُ بالأصلِ في "قائمٍ وبائعٍ ونَحْوِهما"، فلا يُقالُ: "قاوِم"، ولا "بايِع"[32]. يتبع |
رد: اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه
اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه أ. د. محمد عبدالله سعادة صَوْغُ اسْمِ الفَاعِلِ مِنْ غَيْرِ الثُّلاثِيِّ: بِزِنَةِ المضارِعِ منه بعدَ زيادةِ مِيمٍ مَضْمُومَةٍ في أَوَّلِهِ، وبكَسْرِ ما قبلَ آخِرِه[33] مطلقًا؛ نَحْوُ: قاتَلَ يُقَاتِلُ فهو مُقاتِلٌ، ودَحْرَجَ يُدَحْرِجُ فهو مُدَحْرِجٌ، وشذَّ الفَتْحُ في ألفاظٍ؛ نَحْوُ: أَحْصَنَ فهو مُحْصَنٌ، فاسْتَغْنَوا بمُفْعَلٍ عن مُفْعِلٍ، وجاء الكَسْرُ على الأصلِ، ونَحْوُ: أَلْفَجَ الرجلُ فهو مُلْفَجٌ، أي: فَقِيرٌ، وفي الحديث: ((ارْحَمُوا مُلْفَجَكُم))[34]، وسُمِعَ: أُلْفِجَ مَبْنِيًّا للمَفْعُول، وعلى هذا فلا شُذوذَ، ونَحْوُ: أَسْهَبَ الرجلُ في الكلام، إذا أَكْثَرَ كلامَه وجاوَزَ الحَقَّ، فهو مُسْهَبٌ بالفَتْحِ، ومن ذلك[35]: أعَمَّ وأخْوَلَ، إذا كَثُرَتْ أَعْمَامُه وأَخْوَالُه، فهو مُعَمٌّ ومُخْوَلٌ. وقال الأَزْهَرِيُّ[36]: يُقالُ: أَنْتَجَتِ الناقةُ إذا اسْتَبَانَ حَمْلُها فهي نَتُوجٌ، ولا يُقال مُنْتِجٌ على الأصلِ، وهو القياسُ، إلّا أن العربَ اسْتَغْنَتْ عنه بـ (نَتُوج)، ويُقال: أَحْصَرَتِ الناقةُ إذا ضاق مَجْرَى لَبَنُها فهي حَصُورٌ. وقد يَأتي الشيءُ مَرَّةً بلَفْظِ المَفْعُولِ، ومَرَّةً بلَفْظِ الفَاعِلِ، والمَعْنَى واحِدٌ، تَقُولُ العَرَبُ[37]: "عَبْدٌ مُكاتِبٌ، ومُكاتَبٌ"، و"مكانٌ عامِرٌ، ومَعْمُورٌ"، "ومَنْزِلٌ آهِلٌ ومَأْهُولٌ". ورُبَّما اسْتُغْنِيَ عن (مُفْعِل)[38] بفاعِلٍ، قالوا: أَيْفَعَ الغُلَامُ، إذا شَبَّ، فهو يافِعٌ، والقياسُ مُوفِعٌ، وسُمِعَ يَفَعَ الغلامُ مِنَ الثُّلاثِيِّ، ويُقالُ: أَوْرَقَ الشَّجَرُ فهو وارِقٌ، والقياسُ مُورِقٌ، وأَوْرَسَ الشجرُ إذا اخْضَرَّ وَرَقُه، فهو وارِسٌ، وجاء مُورِسٌ قليلًا، وأَعْشَبَ فهو عاشِبٌ. وشَذَّ أيضًا: أَمْحَلَ البَلَدُ، إذا قَحَطَ فهو ماحِلٌ، وأَلْقَحَتِ الرِّيحُ[39] فهي لاقِحةٌ؛ قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}[40]. وقد يُسْتَغنَى أيضًا عن فاعِلٍ بمُفْعِلٍ، قالوا: حَبَّه فهو مُحِبٌّ[41]، ولم يَقُولوا حابٌّّ. كما اسْتَغْنَوْا عن (مُفْعَل) بمَفْعُولٍ فيما له ثلاثيٌّ؛ نَحْوُ: أَحَبَّه فهو مَحْبُوبٌ، ونَدَرَ: مُحَبٌّ. وقد جاء (فاعِل) في مَوْضِعِ مَفْعُولٍ، نَحْوُ: "ماءٌ دافِقٌ"[42]، أي: مَدْفُوقٌ، و"عِيشَةٌ رَاضِيةٌ"، أي: مَرْضِيَّةٌ. وكذا يَكونُ اسْمُ الفَاعِلِ بوَزْنِ المَفْعُولِ؛ كقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61]؛ أي: آتِيًا، قال الرَّضِيُّ[43]: "والأَوْلى أنه مِنْ أَتَيْتُ الأمْرَ؛ أي: فَعَلْتُهُ، فالمَعْنَى::إِنَّهُ كان وَعْدُه مَفْعُولًا كما في الآيةِ الأخْرَى". وقد يَأتي اسْمُ الفَاعِلِ مَقَامَ المَصْدَرِ[44]؛ نَحْوُ: قُمْ قائمًا، أي: قيامًا؛ قال الرَّاجِزُ[45]: قُمْ قائمًا، قُمْ قائما لَقِيتَ عَبْدًا نائما وقد جاء المَصْدَرُ[46] على فَاعِلَة؛ نَحْوُ: باقِيةٍ بمَعْنَى بَقَاءٍ؛ {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8]، وطاغِيَةٍ بمَعْنَى الطُّغْيَانِ. قال أَبُو حَيَّانَ[47]: "مِنْ بَاقِيَةٍ"؛ أي: من بقاءٍ، مَصْدَرٌ على فاعِلَةٍ، كالعاقِبَةِ. وقال أَبُو حَيَّانَ[48] - في قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}- جَوَّزُوا أن تَكُونَ (خائنة) مَصْدَرًا كالعاقبة، أي: يَعْلَمُ خيانةَ الْأَعْيُنِ. وقال ابنُ جِنِّي[49] "فيَجُوزُ أن يَكونَ مَصْدَرًا، أي: خِيانةً منهم". وقال ابنُ جِنِّي[50]: "مَرَرْتُ به خاصَّةً، أي: خُصُوصًا، مِنَ المَصَادِرِ التي على فاعِلَة". وقال أَبُو حَيَّانَ[51] في قوله تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} [الحاقة: 5]: "وقِيلَ: الطَّاغِيَةُ مَصْدَرٌ؛ كالْعاقِبَةِ، ويَدُلُّ عليه: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}. وقال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا}، قال الزَّمَخْشَرِيُّ[52]: "النَّفْسُ النَّاشِئَةُ مَصْدَرٌ، مِن نَشَأَ، إذا قام ونَهَضَ على (فاعِلَة) كالعاقِبة". وقد يُوضَعُ المَصْدَرُ مَقامَ اسْمِ الفَاعِلِ، نَحْوُ: رجلٌ عَدْلٌ، أي: عادِلٌ، وماءٌ غَوْرٌ، أي: غائِرٌ، وجاء رَكْضًا، أي: راكِضًا؛ قال أَبُو حَيَّانَ[53]: {وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ}، الفُرْقانُ: مَصْدَرٌ في الأَصْلِ، وأُرِيدَ به اسْمُ الفَاعِلِ، أيِ: الفَارِقُ". وقال تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}،كَرْهًا: مَصْدَرٌ يَقَعُ بمَعْنَى اسْمِ الفَاعِلِ؛ أي: كارِهاتٍ[54]. وجاء أسماءٌ بمَعْنَى اسْمِ الفَاعِلِ، نَحْوُ: "حَسْبُنا اللهُ" بمَعْنَى المُحْسِبِ، أيِ: الْكَافِي، قال أَبُو حَيَّانَ[55]: ألَا تَرَى أنه يُوصَفُ به، تَقُولُ: مَرَرْتُ برجلٍ حَسْبِكَ مِنْ رجلٍ؛ أي: كافِيكَ، فتَصِفُ به النَّكِرَةَ؛ إذْ إضافتُه غَيْرُ مَحْضَةٍ؛ لِكَونِه في مَعْنَى اسْمِ الفَاعِلِ غَيْرِ الماضي المُجَرَّدِ مِنْ أَلْ، فلا يَتَعَرَّفُ بالإضافةِ. وقد يُقالُ: لماذا سُمِّيَ "اسْمُ الفَاعِلِ" بلَفْظِ الفَاعِلِ، الذي هو وَزْنُ اسْمِ الفَاعِلِ منَ الثُّلاثِيّ، ولم يَقُولوا: "اسْمُ المُفْعِل" إذا كان مِن غَيْرِ الثُّلاثِيِّ؛ قال ابنُ الحَاجِبِ[56]: "إنما سُمِّيَ اسْمُ الفَاعِلِ بلَفْظِ الفَاعِلِ لِكَثْرَةِ الثُّلاثِيِّ، فَجَعَلُوا أَصْلَ البابِ له، فلم يَقُولوا: "المُفْعِل" ولا "المُسْتَفْعِل"؛ ولأنهم أَطْلَقُوا اسْمَ الفَاعِلِ على مَنْ لم يَفْعَلِ الفِعْلَ؛ كالمُنْكَسِرِ، والمُتَدَحْرِجِ، والجَاهِلِ، والضَّامِرِ". يتبع __________________ |
رد: اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه
|
رد: اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه
|
رد: اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه
|
الساعة الآن : 08:28 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour