من صور الاستبدال في شعر الجواهري
من صور الاستبدال في شعر الجواهري د. صالح عبدالعظيم الشاعر إكمالًا لِما سبَق في موضوع "ظاهرة الاستبدال في النحو العربي.. آفاق غير محدودة"، يمكن التمييز في شِعر الجواهري بين عدَّة أنواع من الاستبدال؛ حيث تنوَّعَت صورُه بين صور الاستبدال المألوفة وصور أخرى. فمن الاستبدال الاسمي النَّمطي قوله في قصيدة (يا غادة الجيك، ويا سحرهم)[1]: يا غادة الجيك ولم يجتمع https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كحسن أهليك لأهلٍ وآلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بوهيميا والنَّاس في خطَّةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأنتِ في أخرى كحربٍ سجالْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقوله: (وأنتِ في أخرى) يساوي قوله: (وأنتِ في خطَّة)، ومجيء (أخرى) محل (خطَّة) مساهم في سبْك النصِّ؛ لاختصاره من جهة، ولربط الجملتين والشَّطرين بعضهما ببعض من جهةٍ أخرى. أمَّا الاستبدال الاسمي غير النَّمطي في شعره، فنَجِد منه هذا البيت الذي يَبدو الاستبدال في ظاهره وكأنَّه إحالة، وهو قوله في (وخزات)[2]: طيَّارةٌ في بلادي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تكفي لحلِّ المشاكلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وحفنةٌ من نُضارٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تهدُّ كلَّ الهياكلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أصاحبُ الأمرِ يَهْوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif شيئًا ونحن نجادلْ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نُريدُ وضعًا جديدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لكن بغير مخاضِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif شعبي لهذا وهذا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif غنيمةٌ بالتَّراضي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإتيانه بأسماء الإشارة: (لهذا وهذا) ليس من قبيل الإحالة؛ لعدم وجود مَرْجع لهذه الأسماء مذكورٍ فيما سبَق من النصِّ، ويظهر أنَّ الشاعر كان يَبغي أن يقول: (لفلان وفلان)، ثمَّ توسَّل بالاستبدال إلى التعتيم؛ حرصًا على ألَّا يؤخذ بإشاراته إلى مَن يملك السلطةَ بالخيانة والرِّشوة، لا سيَّما وهو يَعترف ضمنًا بأنَّ كلامه هذا (وخزات). كما أنَّ من الاستبدال الاسمي غير النمطي قوله في (أحمد شوقي)[3]: طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُرَرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأصبح شوقي رهينَ الحُفَرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأُلقيَ ذاك التراث العظيمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لثقْلِ التراب وضغطِ الحَجَرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وجئنا نعزِّي به الحاضرينَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كأنْ لم يكن أمسِ فيمن حضرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والحديث هنا عن قوله: (ذاك التراث العظيم)، وإذا استبعدنا اسمَ الإشارة والصِّفة، تبقَّى لنا لفظ (التراث) بديلًا لـ (الشاعر) في المفهوم من اللَّفظ، وطريق الاستبدال هنا الاستِعارة، وقد جاءت وسيلةَ سبكٍ دلاليَّة المقصد وبعيدة الغور؛ ففي مجيئها على هذا النحو إيحاءٌ بصِفة يريد الشاعر إثباتها لمَرثيِّه؛ إذ القضيَّة التي يريد إثباتَها هي (الشاعر أحمد شوقي = التراث). وإذا انتقلنا إلى الاستِبدال الفعليِّ، وجدنا الجواهري لم يَستعمل مطلقًا الاستبدالَ الفعلي بالصيغة العامَّة (فَعَل) ومشتقَّاتها، وقد أضناني البحث عن موضع واحد لهذا الاستعمال في شِعره، وحتَّى في قوافٍ يُحتمل وجودها فيه لم ترِد مطلقًا، وفي هذا ملمحٌ نصِّي، فهذا الاستبدال مرتبطٌ أكثر بالنصوص النثريَّة، وحتَّى لو وردَت في نصٍّ موزون لكانت صياغته نثريَّة، كما لو قيل: "وأتيت من شوقٍ إليك وليت أنِّي ما فعلت"، فالتعبير (ما فعَلْت) بعيد عن روح الشِّعر، وإذا ورد في شعرٍ ما حُكِم على قائله بالضَّعف، وغير عجيب أن يتجنَّبه الجواهري؛ لطول نفَسه وتنوُّع أسلوبه، وعدم هبوطه إلى مثل هذا الأسلوب. غير أنَّ في شعره أنماطًا أخرى للاستبدال الفعلي، ومنها ما ورد في (جناية الأماني) من قوله[4]: جلبتْ لِي الهمَّ والهمُّ عنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif آهِ ما أروحَني لولا المُنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif آهِ ما أخيَبني من غارسٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif شجرَ الآمالِ لكنْ ما جنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: من صور الاستبدال في شعر الجواهري
شجرَ الآمالِ لكنْ ما جنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقوله: (غارِس) اسم فاعل عمِلَ عمَل فعله، والموضع هنا يَستدعي الفعل بقوَّة؛ نظرًا للعطف عليه بجملة (ما جنى)، فكأنَّ تركيب الجملة الأصلي: (ما أخيبني من غارِس، [غرَسَ] شجر الآمال لكن ما جنى)، ثمَّ اختزل التركيبَ (غارس غرس) في (غارسٍ)، واستبدَل اسمَ الفاعل بفعله. ومن الاستبدال الفِعلي أيضًا في شعره قوله في (مستهام)[5]: إنْ سعى الواشي يريك الغيَّ رُشدا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لا تكن أهلًا وصُنْ للودِّ عهدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حاش لله بقايا ذمَّةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif منك أن تُشمِتَ بي خصمًا ألدَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أنا إن بُلِّغتُ عنكم ريبةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قلتُ: شكرًا لهمُ منِّي وحمدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإذا قيل: جفا من سلوةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قلتُ: لا أسلو وإن عاف وصدَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مُستهامٌ كرع الدَّمع فما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif زاده إلا جوًى فيكم ووقْدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والسِّياق المتوقَّع أن يقول: (إنْ سعى الواشي يريك الغيَّ رشدا، فلا تسمع له)، لكنَّه قال: (لا تكن أهلًا)، وهذا جواب شرط غير متوقَّع لدى المتلقِّي، رفَع به الشاعر درجةَ الإعلاميَّة في النصِّ، ومقصده هنا أنَّ السَّماع للواشي يَجعل السامع أهلًا للواشي، لا أهلًا لحبيبه؛ لورود (لا تكن أهلًا) بديلًا لـ (لا تسمع للواشي). ينتهي بنا الحديث إلى الاستبدال العِباري في شِعر الجواهري، وممَّا ورد منه قولُه في ختام (جائزة الشعور)[6]: قم يا جميلُ فحامني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا حامِيَ الأدب العراقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا من بشعرك ظنَّت ال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أقوامُ أنَّ الشَّعب راقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قبلي بأحجارٍ رُشِقْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَ لقاء هاتيك الرِّشاقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تلك العرائس كم لقتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ضيمًا وهنَّ بلا صَداقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أوَبعد ذا يتشدَّقو https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نَ بقُرب دور الإنعتاقِ؟! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ففي (ذا) من قوله: (أوَبعد ذا) استبدالٌ عِباري؛ لأنَّه محيلٌ على كلِّ ما ذُكِر في القصيدة مما آل إليه حالُ الأدب العراقي، وقد جاء هذا الاستبدال في ختام النصِّ مساهمًا في تذكُّر الأبيات السابقة وما ورد فيها من معاني انحطاط الأدب وجناية السياسة عليه. [1] الأعمال الشعرية الكاملة، ص 941. [2] الأعمال الشعرية الكاملة، ص 108. [3] الأعمال الشعرية الكاملة، ص 286، ومثله ص 189. [4] الأعمال الشعرية الكاملة، ص 75. [5] الأعمال الشعرية الكاملة، ص 109. [6] الأعمال الشعرية الكاملة، ص 189. |
الساعة الآن : 06:56 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour