النحو وتقويم اللسان
النحو وتقويم اللسان أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن أثر علم النحو في حفظ اللسان من اللحن والزلل والخطأ إنَّ لِعِلم النحو أكبرَ الأثر في وقاية اللسان وحفظِه من الوقوع في اللحْن، ولقد كان الجهابذةُ مِن أسلافِنا يتباهَوْن بمعرفته، ويرَوْن أن فاقِدَهُ يفتضح بكثرة الزَّلل، وأن اللحَّان لا يصلُح لوظيفة التعليم: فإنه لو أوتي مِن البراعة بأتِّم ما يكون، ولَحَنَ، ذهبتْ محاسِنُ ما أوتي به، وانهدمتْ طبقةُ كلامه، وألقَى جميع ما أحسَنه، ووقف بها عند ما جهِلَه. ولهذا قال الشاعر: لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه ♦♦♦ فلم يَبْقَ إلا صورة اللحم والدمِ وقال آخر: يموت الفتى مِن عثْرة بلسانه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وليس يموت المرءُ مِن عثرة الرِّجْلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فعثْرتُه مِن فيه ترمي برأسه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعثْرتُه بالرِّجْل تبرأ عن مَهْلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال آخر: جراحاتُ الطِّعانِ لها التِئامٌ ♦♦♦ ولا يَلْتَامُ ما جَرَح اللسانُ وقال إسحاق بن خلف المعروف بابن الطبيب: النحوُ يبسط مِن لسانِ الألْكَنِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والمرء تُعْظِمُه إذا لم يَلْحَنِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإذا طلبتَ مِن العلوم أجلَّها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأجلُّها منها مُقيمُ الألسُنِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لحْنُ الشريف يُزيله عن قَدْرِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتراه يَسقط مِن لِحَاظِ الأعيُنِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وترى الوضيعَ إذا تكلَّم مُعْرِبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نال المهابة باللسانِ الأَلْسَنِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ما ورَّث الآباءُ عند وفاتهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لِبَنِيهِمُ مثْل العلومِ فأتْقِنِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فاطلبْ هُدِيتَ ولا تكُن مُتأبِّيًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فالنحْوُ زَيْنُ العالِم المتفنِّنِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والنحْو مثْل الملْح إنْ ألقيْتَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في كلِّ صنفٍ مِن طعامٍ يحْسنِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولقد ورد عن كثير مِن سلفنا الصالح مِن الصحابة ومَن بَعدهم: كعُمر بنِ الخطاب، وعبدِ الله ابنِه، وابنِ عباس، وعمر بن عبد العزيز، والإمام أحمد؛ أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحْن. وقال المروزي عن الإمام أحمد: كان أبو عبد الله لا يَلْحَن في الكلام. وفي "مُعجم الأدباء" للحموي: حدَّث النضرُ بن شُميل قال: أخبرنا الخليلُ بن أحمد: قال: سمعتُ أيوبَ السختياني يحدِّث بحديث، فلحَن فيه، فقال: أستغفر اللهَ؛ يعني: أنه عَدَّ اللحْنَ ذنبًا. ولقد بلَغ مِن خُطورة اللحْن وقُبْحه وعظمِه عند السلف؛ أن منهم مَن عد الراويَ اللحَّانَ كاذبًا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال الأصمعي رحمه الله: إنَّ أخْوَفَ ما أخاف على طالب العِلْم - إذا لم يعرف النحْو - أنْ يَدْخُل في جملة قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كذَب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))[1]. وأخيرًا: قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله محذِّرًا مِن اللحْن: ابتعِد عن اللحْن في اللفظ والكتب؛ فإنَّ عدَم اللحنِ جلالة، وصفاءُ ذوقٍ، ووقوفٌ على مِلاح المعاني؛ لسلامة المباني[2]. [1] وبالجملة: فإن لي رسالة صغيرة في بيان مساوئ ومعايب اللحْن عند سلَفنا الصالح، وقد سميتها "ذم اللحْن في الكلام"، وهي مطبوعة مع رسالة أخرى بعنوان "القصور في طلب العلم"، وكلتا الرسالتين تم رفعُه على شبكة المعلومات. [2] إلا أنني أقول: إنه ومع عظم أمر اللحن عند السلف، كما ذكرنا، وأنَّ الفقيه الذي يلحَن يصدُّ الطلبة عن تلقِّي العِلم عنه، كما بيَّنَّا، إلا أنه لا ينبغي لطالب العِلم أن يحصُر غايتَه مِن تعلُّم عِلم النحو في صيانة لسانه مِن اللحن والخطأ في الكلام؛ بل يجعل هذه ثمرةً فرعيةً لتعلُّم هذا العِلم: تأتي تبعًا، ولتكنْ الغاية الأسمى، والغرَض الأعظم له مِن تعلُّم عِلم النحو هو: أنَّ هذا العِلم مفتاحٌ لفهْم النصوص الشرعية من الكتاب والسُّنَّة؛ فينوي ذلك عند تعلُّم هذا العِلم حتى يُؤْجَر. |
الساعة الآن : 01:29 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour