ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشعر والخواطر (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   أبيات في المشيب والطاعة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=281623)

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 02:35 AM

أبيات في المشيب والطاعة
 
أبيات في المشيب والطاعة
محمد حمادة إمام



هذا المبحث وليد الذي سبقه، ونلحظ تحته صورًا، توحي بعمق إيمان بعض الشيب، وزهدهم وصلاحهم، ورضاهم بقضاء الله تعالى وقدره، محذرين النفس البشرية من التعرض لغضب الله عز وجل بمحاربته وعصيانه سرًّا وعلانية.

فهذا سعيد بن عبد ربه [1] ينكر تجرؤه على الرزاق الكريم، بطلب الرزق من سواه، وقد شاب الرأس، وغاص في علوم الحقائق، وسرح في مواهبه سبحانه وتعالى، ولم ير عندئذ إلا الشيب المؤذن بتقويض الرحل، المسرع بجد في سوقه إلى الموت، وهو - لا محالة - ملاحقه ومدركه، مهما حاول الفرار، فيقول: [2] [من الطويل]:
أَمِنْ بَعْد غَوْصي في عُلوم الحقائق https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وطُولِ انبساطي في مَوَاهب خَالقي[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وفي حين إشرافي على ملكوته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أُرَى طالبًا رزقًا إِلى غَيْرِ رَازقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأيّامُ عُمْرِ المَرْءِ مُتْعة ساعة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تجيءُ حثيثًا مثلَ لَمْحةِ بارقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقَدْ آذنتْ نَفسي بِتَقْويضِ رحلها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأَسْرعَ في سَوْقي إلى المَوْتِ سَاِئقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وإني إذا أَوْغَلْت أو سِرْتُ هاربًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من الموتِ في الآفاق فالموتُ لاحقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فقد التقط الشاعر صورًا، نلمح فيها بعدًا فلسفيًّا قدر فيها ربه ونفسه"[4]، وهي توحي بقوة إيمانه، وعظيم خوفه من الله - تعالى - مقتبسًا من المعاني القرآنية، فقوله: " أرى طالبًا رزقًا إلى غير رازقي" من قوله -تعالى-: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ï´¾ [الذاريات: 58]، وقوله: " فالموت لاحقي" من قوله تعالى: ï´؟ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ï´¾ [النساء: 78]، وقوله: "وأيام عمر المرء متعة ساعة" من معنى قوله تعالى: ï´؟ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ï´¾ [الكهف: 45]، وهذا يكشف عن مدى ثقافته، خاصة الدينية، والعبارة الأخيرة تضع أيدينا على حقارة الدنيا، وقصر عمر الإنسان، مهما طال، وخسارته إن لم يغتنم العمر، ويقضه في طاعة الله تعالى، وهذا المصحفي [5] يأتي على ما سبق من معان، موضحًا تجلده، وشجاعته أمام بعض العتاة الذين يئس من عفوهم، طالبًا الاعتبار به والادكار، فقد كان وزيرًا يرفل في ثوب النعيم والعافية، ثم أصبح في عذاب نفسي وبدني شديدين [6].

أما ابن سهل الأندلسي [7]، فيدرك - رغم التيه الذي كان يهيم فيه - أنه من أجل النجاة، لا مناص من التوبة، وإصلاح ما بقي وفات، برأب الصدع وجمع الشتات، إذ إنه لم يعد في العمر متسع لمزيد من الأوزار، فطريق النجاة، واضح المعالم والأركان، فيقول: [8][ من الطويل]
بَلَغْتَ نِصَابَ الأَرْبعين فزكِّها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بفِعْلٍ تُرَى فيهِ مُنِيبًا ورَابِعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وبَادِرْ بوادي السم إنْ كُنْتَ راقبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وعَاجِلْ رُقُوعَ الَفتْقِ إنْ كُنت رَاقِعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَمَا اشْتَبَهتْ طُرُقُ النَّجَاةِ وإنَّما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
رَكِبْتَ إِليها مِنْ يقينك ظَالعَا[9] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


تفكر الرجل في عاقبة الدنيا، فأخذ الحيطة والحذر، "ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر" [10]، فدعا عندئذ إلى رقع الفتق، واستئصال الداء العضال، والتخلص من هوى النفس، الذي يؤدي إلى الهلاك.

وممن استشعر الخطر - كذلك - أبو العباس أحمد بن الغماز البلنسي [11]، الذي راح يبكت نفسه، ويؤنبها في لهوها ومجونها، ويزجرها عن الملذات، ويندب عمره الذي جاوز - ثمانين عامًا - ويتحسر على ضياعه في البطالة، والهوى والغواية، ويتوجع من ذلك، فيقول: [12][ من المتقارب]
أمَا آن للنفسِ أَنْ تَخْشَعا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أمَا آن للقلبِ أنْ يُقْلِعا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أليسَ الثّمانون قّدْ أَقْبلْت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَلم تُبْقِ في لذّة ٍمَطْمعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تَقَضَّى الزمانُ فواحسرتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لما فات منه وما ضُيِّعا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَيَا وَيلتاهُ لِذي شَيْبَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُطِيعُ هَوَى النَّفْس فِيما دَعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





ابوالوليد المسلم 03-09-2022 02:35 AM

رد: أبيات في المشيب والطاعة
 
وبُعْدا وسُحْقا له إذ غدا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ليسمع وَعْظا وَلَنْ يَسْمَعا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ويتناول "مالك بن المُرَحل "[13] مثل هذا المعنى، فيدعو الشيب إلى الزهد والصلاح، ولزوم جانب التقوى، والحياء والنجاح، فيقول: [14] [من الوافر]
فيا بنَ الأربعينَ ارْكَبْ سَفِينَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من التَّقْوى فَقَدْ عُمِّرْتَ حِينا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَنُحْ إن كُنْتَ مِنْ أَصْحَاِب نوحٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لكي تَنْجُو نَجاةَ الأربعينا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إلى أن يقول:
نَبَاتٌ هَاجَ ثُمّ يُرَى حُطَامَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهذا اللحظُ قَدْ شمل العُيُونا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نذيرٌ جاءكُم عُرْيانَ يَعْدُو https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأنتم تَضْحكونَ وتَلعبونا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أُخَيَّ إلى مَتَى هَذَا التَّصّابي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جُنِنْتَ بهذِه الدُّنيا جُنُونَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يطالب الشاعر - الأشيب اللاهي - بالاستحياء، من خالقه، والبكاء على نفسه، وقد أصبح كالنبات الذي عاد - بعد نضارته - حطامًا، على يد النزير العريان - المشيب -.


يمم الرجل معاني القرآن والسنة وأساليب البيان؛ ليعزف أنغامه وألحانه، فقوله: " نبات هاج ثم يرى حطامًا" مأخوذ من قوله تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ï´¾ [الزمر: 21]، وقوله: " نذير جاءكم عريان يعدو" من قوله صلى الله عليه وسلم: ".. وأنا النذير العريان.. "[15]، وفي قوله: "اركب سفينا من التقوى" استعارة، وفي قوله: "نبات هاج.." استعارة أيضًا، وقوله: "أُخَيَّ إلى متى هذا التصابي؟!": استفهام إنكاري تعجبي، وبين نح ونوح جناس ناقص، وفي هذا توشية لصورته، وتدبيج لأسلوبه، وكأني به يتحدث عن نفسه، ويصف ما صنعه به شيبه، والحال الذي وصله، ومثل هذا المعنى عند عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (ت 808 هـ) [16].

ومن الذين ناشدوا الشيب، وطالبوهم بعدم التمادي في ملذات الشباب، تفاديًا لجني الآهات والحسرات، "قاسم بن محمد بن الجد العمري" [17]، فيقول: [18] [من مخلع البسيط]
لَهْفِي هذا الشَّبابُ وَلَّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والقَلْبُ في غَيِّهِ مُقِيمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يا رَبِّ عَفْوا لذي اجترام https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا تَهْتِك السِّتر يا حليمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مالي شفيعٌ سوى رجائي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وحسنُ ظَنِّي يَا كَرِيمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فلا تَكِلْني إلى ذُنُوبي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وارْحمني يا اللهُ يا رحيمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يتلهف الشاعر على شبابه الذي ضاع، ولا يزال قلبه في غواية وضلال؛ طالبًا عفو وستر الحليم الرحمن، يحدوه إلى ربه رجاؤه، وحسن ظنه، فقوله: "وحسن ظني يا كريم" من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" [19].

وهذا "أبو جعفر بن خاتمة" [20]، يذكر بالعمر الذي يسرع في الفرار، والقلب في إقامة على اللهو والأوزار، فآه من سيف المشيب! سيف الليالي والأيام، المسلط على رقاب الآباء والأبناء، في أبيات منها: [21] [من البسيط]
خطَّ المشيبُ علىَ فوْديكَ تذكرةً ****بأن تنيبَ وحتّى الآنَ لم تَنُبِ


وممن أفاق على يد المشيب، من سكر الشباب، وهجر مراتع الشيطان، وانسل من شباكه، داعيًا ربه رتق فتوقه، وأن يكون عونه في أداء حقوقه، أبو حيان الأندلسي [22]، وأبو الحجاج المنتشاقري [23]، في تصوير يدل على أدبه المتألق، وبلوغه الغاية في الإجادة والإحسان، وطيران قصائده كل مطار، حتى تغنى بها راكب الفلك، وحادي القطار، وأبو عبدالله بن الحجاج البكري الغرناطي، [24] معضدين صورهم الإيمانية، بالقرآن والسنة النبوية بشكل واضح.

أما ابن الخطيب، فيبين أنه طريد ذنوب أوبقته، وهموم برته، وخطوب غزته، وقد كانت نفسه قبل - المشيب - جادة في السمو إلى الهوى، آبية الرجوع إلى الرشد، فلم يكن له إذا - بعد فضح المشيب لستر الشبيبة - إلا لزوم باب الفتاح سبحانه وتعالى، ونجوى أهل التقى والصلاح، ونشر فضل ذوي الفضل، رأبًا للصدع، وجبرًا للكسر، فيقول: [25] [من الكامل]
رَحَلَ الصِّبا فَطرَحْتُ في أعقابهِ ****مَاَ كَانَ مِنْ غَزلٍ ومِنْ تَشْبِيبِ


إلى أن يقول:
قَدْ كَانَ يَسْتُرنُي ظَلامُ شبيبتي ****والآنَ يَفْضَحُني صَبَاحُ مشيبِ

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 02:38 AM

رد: أبيات في المشيب والطاعة
 
أبيات في المشيب والطاعة
محمد حمادة إمام



اطمأن قلب الشاعر برزانة المشيب، وسبل الهدى، ورحيل الهوى، ولما كان الخير على يد المشيب وأجله حب الله تعالى الذي يعوضه عن حب من سواه، دعا له، فيقول: [26] [من الطويل]
جَزَى اللهُ عنِّي زَاجِرَ الشَّيْبِ خير ما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جَزَى ناصحًا فَاَزتْ يَدَايَ بِخَيْرهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَلِفْتُ طَرِيقَ الحُبِّ حتى إذا انتهى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تعوضتُ حُبَّ اللهِ عَنْ حُبِّ غَيْرهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


نعم، ليس في طور المشيب أمان، "وكيف الأمان، وقد طلع منه النذير العريان، يدل على الخبر بخبره، وينذر بها ذم اللذات على أثره؟!" [27].

وقوله، والذي منه:
قَدْ كَانَ يَسْتُرُني ظَلامُ شبيبتي ****والآنَ يَفْضَحُنِي صَبَاحُ مَشِيبِ

مثل قول أبي بكر أحمد بن شبرين (ت 747 هـ ): [28] [من السريع]

قَدْ كَانَ عيبي مِنْهُ قَبْل في غَيْبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَمُذْ بَدَا شَيْبِي بَدَا عَيْبِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لا عُذْرَ اليَوْمَ ولا حُجَّةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَضَحْتَنِي واللهِ يَا شَيْبيِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وجاء "ابن جابر" [29] مطالبًا الشيب بطرح مجون ولهو الشباب، فالمشيب داء يعز على الأساة طبه ودواؤه، وينبغي أن يتخذ الشباب وهن البدن وتقويس الظهر واعظًا وزاجرًا؛ إذ عما قريب سيكون مثل هؤلاء الشيب، عندئذ تنفك عن القلب قسوته، ويفر العيب، فما أقبحه في أوان الشيب! فيقول: [30] [من الرجز]
وإنْ بَدا صُبْحُ المَشِيبِ فاطَّرح https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما كانَ إذْ ليلُ الشَّبابِ قَدْ غَسَا[31] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولا تظن الشيبَ يُرْجى طِبُّهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بزُورِ صُبْح أو مُدَامٍ يُحْتسَي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا الفتى قوس واعتدّ العصا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقوسه عَنْ وَتَر أَعْيا الأُسَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فاذْكُرْ زَمَاَن الشَّيْبِ في حال الصبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عسى يلينُ للتُّقَى قَلَبٌ قَسَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ما أقْبَحَ اللهوَ على المرء إذا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما اشْتَعَل الرَّأْسُ مشيبًا واكتسى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ينكر الشاعر على الشيب مدمني الشراب والخضاب لهوهم وعبثهم، مشككًا في وصول المرء إلى الشيب، كان هذا قبل تعدُّد الأوبئة، وانتشار الأمراض الآكلة الشباب قبل الشيب، فقد داهمت الأجيال، واستعصت على الأساة.


أما ابن "زمرك " [32]، فيقيم موازنة بين الأشيب المطيع، وقرنه الماجن اللاهي، فالمطيع فرح باطراح الأماني، راض عن شيبه، لاقيه بإجلال وتكرمة، فهو نور جلا غسق الصبا، وأتى على ما يشين في الأولى والآخرة.

أما اللاهي - وقد نام في دجا ظلمائه - فباك لمشيب قطع عنه اللذائذ، وأطايب الشباب، ومنعه من تمنيها في المستقبل، فعاد كئيبًا مثقلاً بالأشجان، متناسيًا أن هذه سمة خلق الله، فيقول: [33] [من البسيط]
هذا الصَّباحُ صَباحُ الشَّيْبِ قَدْ وضَحَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سَرْعانَ مَا كانَ لَيْلا فَاسْتنَاَر ضُحَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

للدَّهْر لونانِ مِنْ نُورٍ ومِنْ غَسَقٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هذا يُعَاقِبُ هذا كُلّمَا بَرَحَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وتلك صبغته أعْدَى بنيهِ بهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا تَرَاخَى مجالُ العُمْرِ وانْفَسَحا

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 02:39 AM

رد: أبيات في المشيب والطاعة
 
ما يُنكرُ المرءُ مِنْ نُورِ جَلاَ غسقًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما لم يَكُنْ لأِمَاني النَّفْسِ مُطّرحا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا رَأَيْتَ بُرُوقَ الشَّمْسِ قد بَسَمتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بمفرق فَمُحَيّا العيش قَدْ كَلَحا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يلقي المشيبَ بِإِجْلاَلِ وتَكْرِمَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَنْ قَدْ أَعدّ مِنَ الأَعمْالِ ما صَلَحا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أما ومثليَ لَمْ يَبْرحِ يُعَللِّهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِنَ النَّسيِم عَليلٌ كُلَّمَا نَفَحا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

والبرقُ مَا لاَحَ فِي الظَّلمْاءِ مبتسمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِنْ جَانِبِ السَّفْح إلا دَمْعه سُفَحَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فما لهُ بِرَقيِب الشَّيب مِنَ قِبلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من بعد ما لامَ في شَأنِ الهَوى ولَحَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إلى أن يقول:

كَمْ يَكْدحُ المرءُ لا يَدْرِي مَنيَّتهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أليسَ كُلّ امرئ يُجْزَى بما كَدَحًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَا رَحْمتَا لشبابي ضاع أطيبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَمَا فرحتُ بِهِ قَدْ عَادَ لي تَرَحَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَلَيْس أيَّامُنا اللائي سَلَفْنَ لَنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
منازلًا أَعْمَلْتُ فِيها الخُطَا مَرَحًا!! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيبكي الشاعر عمره، ويندب شبابه الذي ولى مسرعًا، مستبدلاً بسروره حزنًا قبل أخذ الزاد، وإعداد العدَّة.
اقتبس الشاعر من معاني القرآن الكريم، ما يوشي عباراته المنتقاة، تصويرًا لمشاعره وأحاسيسه، فقوله: " فما له برقيب الشيب من قبل " يُبين مدى ضعف الإنسان ووهنه، وهو من قوله تعالى: ï´؟ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ï´¾ [النساء: 28]، وقوله: "كم يكدح المرء لا يدري منيته"، يوحي بعظيم عناء الإنسان في دنياه، وجهله بمنيته، وهو مأخوذ من قوله تعالى: ï´؟ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ï´¾ [لقمان: 34]، ومن قوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ï´¾ [الانشقاق: 6]، وفي هذا دعوة للسعي بجد إلى الخير.


[1] هو" سعيد بن أحمد بن محمد بن عبد ربه، ابن أخي صاحب العقد الفريد، له أرجوزة في الطب، وكف بصره في آخر أيامه، كان جميل المذهب، طبيبًا شاعرًا، لكنه كان ثقيل الطلعة سيئ الأدب والمقابلة، توفي سنة 342 هـ = 953 م، وفي بغية الملتمس ص 307 برقم 791، توفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة؛ "جذوة المقتبس ص 229 برقم 465، المغرب ح 1 / 120، 121، معجم الشعراء الأندلسيين، ص 152، 153.

[2] المغرب، ج 1 / 121.

[3] الغوص: النزول تحت الماء ... اللسان "غ.و.ص"، ومنه: "وما غاص غوصة إلا أخرج دره، وخير ما يغاص عليه فوائد العلم"، من المجاز أساس البلاغة للزمخشري؛ تقديم د / محمود فهمي حجازي ح 2 / 177، الذخائر، إصدار منتصف مايو 2003 م.

[4] على مرافئ الأدب الأندلسي ص 99.

[5] هو" جعفر بن عثمان بن حضر، أبو الحسن، الحاجب المعروف بالمصحفي، وزير، أديب، أندلسي، من كبار الكتاب، له شعر جيد كثير من بربر بلنسية، كان وزيرًا للمستنصر الأموي..، ولي جزيرة ميورقة، اعتقله المنصور بن أبي عامر، واستعطفه بشعره ونثره، فلم يرق له، ثم قتله، وبعث بجسده إلى أهله؛ " انظر جذوة المقتبس ص 187 برقم 353، وبغية الملتمس ص 257 برقم 614، ونفح الطيب ج 1 / 600، 603، ومعجم الشعراء الأندلسيين... ص 421، 422.

[6] انظر: الحاجب المصحفي ... حياته وآثاره الأدبية؛ د / حسن يوسف خربوش ص 3 حوليات كلية الآداب – جامعة الكويت، حولية 19، الرسالة 133 / 1418هـ - 1998م؛ ونفح الطيب ج1/ 603.

[7] هو " إبراهيم بن سهل الإشبيلي، أبو إسحاق، شاعر غزل، وكاتب. يهودي، أسلم وتلقى الأدب، وقال الشعر فأجاد، سكن سبتة بالمغرب الأقصى، اتصل بابن خلاص والي سبتة، وانقلب بهما زورق فغرق سنة 649 ه، وكان مولده سنة 609 ه " انظر ديوان ابن سهل ص 5: 11، دراسة وتحقيق يسري عبد الغني عبد الله ط 1 دار الكتب العلمية بيروت 1408 ه = 1988 م، نفح الطيب ح 3 / 522: 527، معجم الشعراء الأندلسيين.. ص 162، 163

[8] ديوان ابن سهل ص 55، تقديم د / إحسان عباس ط دار صادر. د. ت.

[9] رجل ظالع: مائل مذنب، اللسان " ظ. ل. ع.".

[10] صيد الخاطر لابن الجوزي ص 8؛ تحقيق / عبدالله المنشاوي، مكتبة الإيمان بالمنصورة. د. ت.

[11] " نزل بجاية، وولي قضاءها، وإقامة الصلوات بجامعها الأعظم، توفي بتونس سنة 693 هـ، انظر نفح الطيب، ج 5 / 233: 235، ومعجم الشعراء الأندلسيين، ص 296، 297.

[12] نفح الطيب، ج 4 / 316.

[13] هو " مالك بن عبدالرحمن بن فرج أزرق، أبو الحكم، ابن المرحل، أديب شاعر، من أهل مالقة ولد بها سنة 604 هـ، وسكن سبتة ... توفي بفاس سنة 699 هـ، كان من الكتاب الذين غلب عليهم الشعر، ونعت بشاعر المغرب، له أرجوزة في النحو، وديوان شعر، والموطأة، وتأليف في العروض وغيرها، انظر الإحاطة ج 3 / ص 303، 324، نفح الطيب، ج 2 / 233، 551، ج 4 / 145، ج 5 / 245 ج 7 / 453، 459، ومعجم الشعراء الأندلسيين، ص 417، 418.

[14] انظر هذه الأبيات، ومثلها، في الإحاطة ج 3 / 313: 315.

[15] صحيح البخاري برقم 6740.

[16] ".. ينتسب سلفهم إلى وائل بن حجر، ورد على الأندلس سنة 764 هـ، واستقر بحضرة غرناطة، له مؤلفات كثيرة، وله شعر، ولد سنة 732 هـ، وتوفي سنة 808 هـ؛ " انظر الإحاطة ح 3 / 497: 516، ومعجم الشعراء الأندلسيين، ص 120، وأبياته في الإحاطة ج 3 / 515، ونفح الطيب ح 6 / 190.

[17] " يكنى أبا القاسم، ويعرف بالورسيدي، من أهل المرية، وتكرر وروده على غرناطة .. كان حسن الأخلاق، سليم الصدر، بعيدًا عن إذاية الناس..، وله حظ من قرض الشعر، توفي بالطاعون عام خمسين وسبعمائة.."؛ انظر الإحاطة ج 4 / 265: 267.

[18] انظر المرجع السابق وصفحاته.

[19] " صحيح " رواه ابن ماجه برقم 4167.

[20] هو " أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة، أبو جعفر الأنصاري، طبيب مؤرخ، بليغ، من أهل المرية بالأندلس، توفي بعد سنة 770 هـ، " انظر نفح الطيب ح 6 / 28، 32، 34، 36، 37، 88، ومعجم الشعراء الأندلسيين، ص 115.

[21] الأدب الأندلسي – العصر الغرناطي – أبو جعفر بن خاتمة أمير شعراء غرناطة؛ د / محمد مرسي خشبة ص 110، كلية دار العلوم الطبعة الأولى.

[22] هو " أثير الدين محمد بن يوسف .. الغرناطي الأندلسي الجياني النفزي، ولد في غرناطة، ورحل إلى مالقة، وتنقل إلى أن أقام بالقاهرة، له مؤلفات؛ منها: البحر المحيط، وله ديوان شعر، عاش ما بين 654 – 745 هـ، " انظر ترجمته في نفح الطيب، ج 2 / 228: 230، ومعجم الشعراء الأندلسيين .. ص 112، وأبياته في ديوانه؛ تحقيق د / أحمد مطلوب، ود / خديجة الحديثي ص 86، 87، ص 262، 263، مطبعة العاني، بغداد ط 1 / 1388 هـ = 1969 م.

[23] هو " يوسف بن موسى بن سليمان بن فتح بن أحمد بن أحمد الجذامي المنتشاقري، يكنى أبا الحجاج من أهل رندة، كاتب وشاعر، وكان حيًّا عام 761 هـ؛ "انظر ترجمته في نفح الطيب ج 6 / 138: 145، ومعجم الشعراء الأندلسيين .. ص 475، 476، وأبياته في النفح، ج 6 / 138: 140.

[24] هو " إبراهيم بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن قاسم النميري، من أهل غرناطة، يكنى أبا إسحاق، ويعرف بابن الحاج شاعر - أكثر شعره مقطوعات، وكانت له: " المساهلة والمسامحة في تبيين طرق المداعبة والممازحة، توفي سنة 715 هـ، انظر ترجمته في نفح الطيب، ج 4 / 326، ومعجم الشعراء الأندلسيين.. ص 86، والأبيات في النفح، ج4 / ص 326.

[25] انظر الإحاطة .. ج 4 / 473، 474، الصيب والجهام؛ دراسة وتحقيق د / محمد الشريف قاهر، ص 283، 284، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ط 1 / سنة 1973م، ونفح الطيب، ج 6 / 455، ومثل هذا المعنى كذلك – له في الإحاطة ح 4 / 471، 480، والصيب والجهام .. ص 392، 395، ومنه قوله: [من الخفيف]:
طَمع الشَّيْبُ باللجام المحلى *** حين أبديت أن يُرَدَّ جِماح
وله مثله أيضًا في أزهار الرياض، ج 1 / 318، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1358 هـ - 1939 م، معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تحقيق ودراسة د / محمد كمال شبانة ص 77، الناشر، مكتبة الثقافة الدينية د. ت.

[26] انظر نفح الطيب، ج 6 / 282.

[27] انظر المرجع السابق.

[28] انظر ترجمته، وبيتيه في الإحاطة، ج 2 / 239: 249.

[29] هو " محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهواري المالكي، أبو عبدالله، شمس الدين، شاعر، عالم بالعربية، أعمى من أهل المرية، صحبه إلى الديار المصرية أحمد بن يوسف الغرناطي الرعيني، فكان ابن جابر يؤلف وينظم والرعيني يكتب، ثم دخلا الشام وحلب، وسكن إلبيرة قرب سميساط، ومات الرعيني، فرثاه ابن جابر ومات بعده بنحو سنة في إلبيرة سنة 780 هـ، وكان مولده سنة 798 هـ"؛ انظر نفح الطيب ج 7 / 302، 303، معجم الشعراء الأندلسيين ص 73.

[30] انظر نفح الطيب، ج 7 / 313، 314، وله أبيات تحوي عبق أبيات أبي ذؤيب الهذلي
منها: [من الطويل]
تقول سليمى: ما لجسمك شاحبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مقالة تأنيب يشاب بتأنيس https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقد كنت تعطو كلما هبت الصبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بريان في ماء الشبيبة مغموس https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

انظر أزهار الرياض ح1 / 235، وأول أبيات أبي ذؤيب هي: [من الكامل]
قلت أميمة ما لجسمك شاحبًا *** منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
انظر ديوان الهذليين ق1 ص 1، 2 الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة 1385 هـ = 1965 م، الوافي بالوفيات، دار النشر فرانز شتاير - شتوغارت، ج6/ قسم 16 / ص 437: 439 ط2/ 1411هـ =1991 م .

[31] غسا الليل يغسو: إذا أظلم... اللسان " غ. س. ا. "

[32] هو " محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد " بن محمد الصريحي، أبو عبدالله، يعرف بابن زمرك، أصله من شرق الأندلس، ولد ونشأ في غرناطة، شاعر شعره مترام إلى نمط الإجادة، خفاجي النزعة، كلف بالمعاني البديعية والألفاظ الصقلية، وكاتب أيضًا، ورد على سلطان المغرب أبي سالم، من تلاميذ لسان الدين بن الخطيب، توفي سنة 796 هـ"؛ انظر "الفهارس" ج 8 / 60، خاصة ج 7 / 145، 175، ومعجم الشعراء الأندلسيين.. ص 142.

[33] أزهار الرياض ح 2 / 51، 52؛ ضبطه، وحققه وعلق عليه مصطفى السقا، إبراهيم الإبياري، وعبدالحفيظ شلبي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1359 هـ = 1940م.





الساعة الآن : 05:16 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 47.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.68 كيلو بايت... تم توفير 0.22 كيلو بايت...بمعدل (0.46%)]