استشراف عام ومبسط لمستقبل خدمات المتقاعدين في بلادنا
استشراف عام ومبسط لمستقبل خدمات المتقاعدين في بلادنا هشام محمد سعيد قربان استشراف عام ومبسط لمستقبل خدمات المتقاعدين في بلادنا وعرضه باستعمال منحنى ريتشارد فوستر تدفع المهتمين الرغبةُ في تطوير وتحسين خِدمات المتقاعدين في بلادنا إلى تشكيل وتحديد صورة أو صور محتملة للمستقبل الذي نتمناه ونأمله ونرجو تحقيقه، فالتطور - كما قال بعض الحكماء -: مرهون بالتصور. تصور مستقبلي يحلق به إيمان عميق، وآمال عريضة، وأحلام كبيرة، يفيد من أفضل التجارب العالمية للسابقين المتقدمين، ويدفعه الطموح للإضافة إليها، والرقي بها وإثرائها، وبعد تحديد الوجهة والمقصد لا بد أن نعي ونفهم واقعنا الذي سوف ننطلق منه. نعم، وعي لواقعنا بكل مرارته وبساطته، لا نقصد بهذا الوعي التخذيل والتيئيس، إنما هدفه معرفة البداية التي سننطلق منها لتحقيق التصور الذي نصبو إليه. متى ما عرفنا موقعنا الحالي ووجهتنا المأمولة، فإننا عندئذ نُسائل أنفسنا: كيف ننتقل من حالنا إلى غايتنا؟ ونستدعي من همَّتنا وعزمنا وطاقاتنا ومهاراتنا وشركائنا ما يعين في هذه الرحلة، حلمًا وأمنية، نجعل لها أجلاً زمنيًّا لتحقيقها، فتصبح خطة ملزمة، نقسِّمُها لمراحل، ونُجَدولها لخطوات وأهداف مرحلية، ونجمع لكل منها المدد والعدد، فنحقق حلمنا خطوة إثر خطوة، ونبني صرحنا لبنة بعد أخرى حتى تمامه وكماله، وما ذلك على الله بعزيز. إن استشراف مستقبل خدمات المتقاعدين في بلادنا ليس بالأمر المستحيل، وفي ذات الوقت فهو ليس أمرًا هينًا أو مضمونًا، ويحتاج لمعلومات ومنهجية علمية، ويقوم عليها فرق عمل ومختصون عدة، وهو ليس عملاً فرديًّا بأي حال من الأحوال. إن ما سبق شرحه يفسِّر اختيارنا الحذرَ لعنوان هذا المبحث الجزئي: استشراف عام ومبسَّط لمستقبل خدمات المتقاعدين في بلادنا، فما هذا البحث الذي بين أيدينا إلا محاولة فردية عامة ومبسطة جدًّا، والمتقاعدون - من أمثالي وممن سبقني قدرًا وسنًّا - لهم بعض اطلاع على واقع خدمات المتقاعدين في بلادنا، اطلاع به يعترفون بما تمَّ إنجازه، ويشكرون المؤسسين على صبرهم ونضالهم، ولعل إخوتي المتقاعدين يوافقونني الرأي أننا ما زلنا في أولى مراحل هذه الرحلة التطويرية لخدمات المتقاعدين، وأن كثيرًا من الدول الغربية - خاصة - قد سبقتنا بمراحل في هذا الشأن من جهات عدة، ولقد ذكرت طائفة من تجاربهم الناجحة في مواضع عديدة في بحوث سابقة ولاحقة، والهدف من ذلك هو التأسيس - جزئيًّا - لبناء التصور المستقبلي الذي نرجوه. لعل من المفيد النظرَ إلى رحلة تطور خدمات المتقاعدين في بلادنا باستعمال منحنى التطور الذى اقترحه المفكر ريتشارد فوستر (S- Maturity Curve by R. Foster, 1988)، يوضح الشكل الإيضاحي رقم 1 فكرة منحنى التطور، الذي يشبه حرف S باللغة الإنجليزية، ويستعمل فوستر هذا المنحنى لبيان مراحل التطور التي تمر بها الأفكار والتقنيات، والتي نلخصها ونبسطها فيما يلي: 1- مرحلة الاختمار: (في الجزء السفلي من المنحنى): أولى مراحل تطور الفكرة، وهي مرحلة التأسيس حيث لا يثمر الجهد والوقت الطويل إلا تطورًا ضئيلاً جدًّا، وقد يغلب اليأس البعض فيستسلمون لما قد يظنونه من عقم الفكرة، ولهم بعض العذر؛ فهم لا يرون من التطور إلا نزرًا قليلاً، لا يكاد يذكر. 2- مرحلة الإثمار: (الجزء المتوسط من المنحنى الذي يعلو مرحلة الاختمار): فبعد اختمار وكمونٍ طويل، نمت الفكرة، وتأسست، واكتسبت من العزم ومقوّمات النجاح والنمو والتطور، وهذا يجعلها تصعد صعودًا مفاجئًا ومتسارعًا على منحنى التطور، فنشهد تطورًا كبيرًا وملحوظًا لها، يقابله جهد أيسر ووقت أقل بكثير من الذي صرف في مرحلة الاختمار السابقة. 3- مرحلة توقف التطور: (الجزء الأعلى من المنحنى): وهذه آخر مراحل تطور الفكرة، مرحلة التشبع، حيث يتوقف التطور، ولا يزيد شيئًا بزيادة الاستثمار في الجهد والوقت. 4- نقطة الانقطاع تقع في نهاية مرحلة توقف التطور، وعندها يتم إدخال فكرة أو تقنية جديدة في بداياتها. 5- يبدأ منحنى تطويري جديد يبنى على سابقه. يعرض الشكل الإيضاحي رقم 2 محاولة فردية بسيطة (تخمينية وغير علمية) من المؤلف لاستشراف معالم الرحلة التطويرية لخدمات المتقاعدين في بلادنا: من مرحلة الاختمار إلى مرحلة الإثمار، وما يتلوهما من توقف التطور وثباته، كما يقترح أهم الخطوات والإنجازات لكل مرحلة، ويضع نطاقًا زمنيًّا لكل مرحلة، فنتوقع أن تطول مرحلة الاختمار إلى عام 2060، والظن أننا نحتاج إلى زمن طويل للتأسيس، ولإعادة تأطير مفهوم التقاعد والمتقاعدين، والمأمول أن يتلو هذه المرحلة مرحلة إثمار وازدهار في خدمات المتقاعدين، والمرجو أن تشهد هذه المرحلة تطورًا من جهة التشريعات والموازنات المساندة والإنجازات، يعزّزه نموذج فكري وعملي جديد، وفريق عمل جريء، ولعلنا نشهد نشوء ونضج فكرة تخصيص أوقاف لخدمات المتقاعدين. قد يقول قائل: ما نفع هذا الاستشراف العام والتخميني؟ فنجيبه بما سبق ذكره من استحالة تجهيز هذا الاستشراف على يد شخص واحد، ولكن هذا لم يمنعنا من المحاولة، وإن كانت بسيطة وغير دقيقة، والمأمول أن تقدح هذه الخطوة زناد الفكر، وتمهد الدرب لإضافات وخطوات قادمة، خطوات أكثر دراسة وأوثق منهجية، والدال على الخير كفاعله، والله أعلى وأعلم. https://photos-4.dropbox.com/t/2/AAC...00&size_mode=3 |
الساعة الآن : 12:10 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour