محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سلمى
محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سلمى د. أورنك زيب الأعظمي مدخل: العرَب كانوا مولَعين بالأمثال والأقوال الحكيمة، والتي فعلاً هي نتائجُ لتجاربَ بشرية طويلة، وقد اشتَهر في هذا المجال عديدٌ من الشعراء والخطباء؛ من مثل عُبيد بن الأبرَص، ولَبيدِ بن ربيعة، وقُسِّ بن ساعدةَ، وأكثمَ بن صَيفي، والأخير كان يدعوه الشُّيوخ والملوكُ للتمتُّع من أقواله وآرائه الحكيمة، وهي كلها أو معظمها محتويةٌ على الأخلاق الحسَنة والمَحامد المعروفة بين العرب. ومن بين هؤلاء الشعراء الحكماء شاعرُنا المُزنيُّ زهيرُ بن أبي سُلمى ربيعةَ بنِ رَباح (نحو 530 - 627) الذي طار صيتُه في الحكمة والقولِ المعروف، حتى اعتبره خليفةُ المسلمين الثاني عمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه أشعرَ شعراءِ العرب الجاهليِّين. وقد اعتبَره الناقدون أشعرَ الشعراء؛ لأنه لم يكن يُعاظِل في الكلام، وكان يتجنَّب حوشيَّ الشِّعر، ولم يمدَح أحدًا إلا بما فيه مِن المحامد والسَّجايا الجميلة، وكان يتألَّه في شعره ويتعفَّف به، وفي معلَّقته ما يدلُّ على أنه كان يؤمن بالله وبالبعثِ والحساب يوم الدِّين. وكان يُعنَى بتنقيح شِعره وتهذيبه، وقد رُويَت له أربعُ قصائدَ اشتهَرت بالحوليَّات؛ أي: التي قَرض كلَّ واحدة منها في اثنَي عشرَ شهرًا، ويتميَّز هو بمتانة لغته وقوَّة تركيبه، وبتحكيمِه عقلَه ورَوِيَّتِه في تصوُّراته وخياله، فلا يبتعد - إلا نادرًا - عن الحقائق المحسوسة، وهو أشعر شعراء الجاهليَّة حقًّا في إعطاء الحكمة وضَرب المثل، عُرف في حياته بالرَّصانة والتعقُّل، فجاءت آراؤه تُناسب حياتَه، وبُنِيَت منزلته الأدبيَّة على الحكمة التي عُرِف بها. وحكمته تَحتوي على آراء أخلاقيَّة واجتماعية، وإرشادات للمجتمع العربي، وهذه هي الآراء التي جعلَته قريبًا من الشعب؛ وذلك لأنه كان يُكلِّم الناس فيها بما يَعرفون وما يألَفون. محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سُلمى كان شعرُ زُهير يَحتوي على أمور وقضايا عديدة، تتعلق إمَّا بنفسه أو بمن يُثني عليه من العرَب عامة وخاصة، وفي هذه العُجالة لا نريد حصرَ وتفصيلَ محاسنِ الأخلاق التي جاء ذِكرُها في كلامه، علمًا بأنه يَذكرها إما مَدحًا للرجال، وعلى رأسهم هَرِمُ بن سِنان، أو نصحًا للعرب، أو حديثًا عن نفسه، ونَذكر طرَفًا منها فيما يلي: نبدأ حديثنا هذا بإيمان الشاعر بإحاطة الله بعلم كلِّ ما في العالم، حتى بما تحتويه صدورُ الناس، ثم بمحاسَبته يومَ القيامة، أو بعقابه في هذه الدنيا، والحق أنَّ الإيمان بالله ووجوده في كلِّ مكان ومراقبتَه كلَّ ما يفعله الإنسان من خير وشر، ثم جزاءَه مِن عنده - هو الأصل لكل شيء، وإن رسَخ هذا الإيمان في قلب المرء فلْيَجتنِب الشر ولْيرغَب في أعمال الخير؛ يقول الشاعر زهير: فلا تكتُمُنَّ اللهَ ما في نُفوسكم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ليَخفَى ومهما يُكتَمِ اللهُ يَعلَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يُؤخَّرْ فيُوضَعْ في كتابٍ فيدَّخَرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ليوم الحسابِ أو يُعَجَّلْ فيُنقَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهذا هو معنى التقوى الذي قد أشار إليه الشاعر في قوله التالي: ومن ضَريبته التَّقوى ويَعصِمُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif من سيِّئ العثَرَاتِ اللهُ والرحِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والواقع أنَّ التقوى تَمنع المرء عن كل شرٍّ وتُرغِّبه في كلِّ خير؛ كما قال الشاعر يمدح هرِمًا: والسِّترُ دونَ الفاحشاتِ وما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يَلقاك دونَ الخير من سِترِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويقول مادحًا هرِمًا المذكورَ أعلاه، مشيرًا إلى أنَّ التقوى تبعث على القناعة، والقناعة كنزٌ لا يَفنى كما تعلمون جيِّدًا، فيقول شاعرُنا المزني: تَقيٌّ نقيٌّ لم يُكثِّرْ غنيمةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بنَهكةِ ذي قُربى ولا بحَقَلَّدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويقول مشيرًا إلى أنَّ التقوى هي التي تَزيد الإنسان إيمانًا بوجود الله وحياته وقيامه بأمور الكون: بدا ليَ أنَّ الله حقٌّ فزادني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى الحقِّ تقوى اللهِ ما كان بادِيَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولعلَّ هذه هي الأشياء التي دلَّ عليها القرآن والحديث النبوي الشريف، وهُما أساس الإسلام. فثبت أنَّ التقوى مصدرٌ لكل خير، وحاجزة عن كل شرٍّ، فنشير إلى ما يلي من الحسنات والسيِّئات التي أمر بها الشاعر أو نَهى عنها، وهي كما يلي: 1- الغيرة: مما أشار الشاعر على الإنسان من العادات الحسَنة الغَيرة، إنه يحثُّ الإنسان على أن يكون غيورًا في كل أمر وشأن، ولا يَصغُرَ لأحدٍ ما، فيقول في بعض قصائده: فصَرِّمْ حبلَها إذْ صرَّمتْهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعادَى أن تُلاقِيَها العَداءُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 2- الشجاعة: الشجاعة صفةٌ لم يخلُ أيُّ عربي عنها، فكانوا مفتخِرين بهذه الصفة حتى إنهم كانوا يُعْلُون ذِكرَ خصومهم؛ لمجرَّد أنهم أعلى منهم؛ للإشارة إلى أنهم قد صرعوا من كان قويًّا لا ضعيفًا، وديوان زهير أيضًا يحتوي على ذِكر هذه الصفة حين يقول هاجيًا آلَ حصين هجوًا يعرفه كل من هبَّ ودبَّ في الشعر العربي الجاهلي: وما أدري، وسوفَ إخالُ أدري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أقومٌ آلُ حصنٍ أم نساءُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبالعكس مِن ذلك فهو يمدح هرِمًا الذي كان أشجعَ عربيٍّ: ولأنتَ أشجَعُ حين تتَّجهُ الْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أبطالُ مِن ليثٍ أبي أجْرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال فيه: ليثٌ بِعَشَّرَ يصطادُ الرِّجالَ إذا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ما كذَّب الليثُ عن أقرانِه صَدَقا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهكذا يقول في مدح هرِم بن سنان وإخوته، وهذه نهاية المدح لشجاعة أحد: جِنٌّ إذا فزِعوا، إنسٌ إذا أمِنوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ممَرَّدون بَهَالِيلٌ إذا جَهَدُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 3- الوفاء: كان الوفاء عادة ثانيةً للعرب؛ فهم لم يكونوا يَخذُلون أو يخونون لو عَقدوا الوعد مع أحدٍ، واشتَهر في هذا العديدُ منهم حتى نحَتوا مثَلاً فقالوا: أوفى من السَّموءل، وهو الشاعر الجاهليُّ الذي فقَدَ ولده، ولكن لم يُخلِفْ بوعدِه، فيقول زُهير بن أبي سُلمى في المدح: وإمَّا أن يقولوا: قد وَفَينا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بذِمَّتنا فعادتُنا الوَفاءُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سلمى
ويقول وهو يمدح الحارث: أو صالَحُوا فله أمْنٌ ومُنتَقَذٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعقدُ أهلِ وفاءٍ غيرِ مخذولِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويقول ناصحًا عن الوفاء في قصيدته المعلَّقة: ومن يُوفِ لا يُذمَم ومن يُهدَ قلبُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى مُطمَئنِّ البرِّ لا يتجَمجمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 4- السخاء: والسخاء عادة حسنة قد اشتهَر بها العرب، فكانوا يُنفِقون كلَّ ما امتَلكوه من الأموال حتى أصبحوا هم أنفسُهم فقراء، وحاتمٌ بطَلٌ في هذا المجال؛ فهو جَوادٌ يُضرَب به المثل فيقال: "أجود من حاتم"، وشاعرنا المزنيُّ قد أتى بتعابيرَ جميلة بليغة في هذا الشأن، كأنه قد ختم على التعبير عن السخاء! فهو يقول مادحًا هرم بن سنان في سخائه: أليس بفيَّاضٍ يداه غمامةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ثِمالِ اليتامى في السنين محمَّدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولعلَّ ما يلي تعبير نهائي لجود أحدٍ على الأرض: فلو لم يكنْ في كَفِّه غيرُ نفسِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لجاد بها، فليتَّقِ اللهَ سائلُهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وينبغي لنا أن ننفق الأموال على المحتاجين ولا نطلب أيَّ شكر منهم، يوحي إلى هذه العادة الحسنة في ضوء مدحه لهرم بن سنان الذي لم يكن يَرجو الشكر من قِبَل المحتاجين الذين كان يُنفق عليهم سوى أنه كان يَستاء حينما يسأله أحدٌ وهو لا يجد ما يُنفقه عليه: هو الجَوادُ الذي يُعطيك نائلَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عفوًا ويُظلَم أحيانًا فيَظَّلِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 5- الردُّ على الضَّيم: كما أن الشاعر يأمرنا بأن لا نكون مُقاتلين ولا متقاتلين فكذلك يُشير علينا أن نردَّ على الظلم والضَّيم؛ فإن الصَّغَار عيبٌ في حياة البشر، فيقول مادحًا حِصنَ بن حذيفةَ بن بدر: ومَنْ مثلُ حِصنٍ في الحروب ومثلُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لإنكار ِضيمٍ أو لأمرٍ يُحاولُهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أبى الضيمَ والنُعمان يحرُق نابُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عليه فأفضى والسيوفُ مَعاقلُهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عزيزٌ إذا حلَّ الحليفان حولَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بذي لَجَبٍ لَجَّاتُه وصواهلُهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويقول في مدح هرم بن سنان: جريءٍ متى يُظلَمْ يعاقِبْ بظلمه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سريعًا وإلا يُبْدَ بالظلم يَظلِمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويقول قولاً نهائيًّا في هذا: ومن لم يذُدْ عن حوضِه بسِلاحِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يُهَدَّمْ ومَن لا يَظلِمِ الناسَ يُظلَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سلمى
محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سلمى د. أورنك زيب الأعظمي 6- المجد: المجد كلمة جامعةٌ لمعظم المَحامد والمحاسِن، فكان العرب يفتَخِرون بهذا الجانب، وكانوا يوصون أولادَهم بهذا، يقول وهو يمدح هَرِمَ بن سنان: إذا ابتدرَتْ قيسُ بنُ غَيلانَ غايةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مِن المجد من يَسْبِقْ إليها يُسَوَّدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سبَقتَ إليها كلَّ طلْقٍ مُبَرِّزٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سَبُوقٍ إلى الغايات غيرَ مُجَلَّدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويشير إلى أسباب المجد ومنها الجود والكرم: فضَّلَه فوق أقوامٍ ومجَّدَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ما لم يَنالوا وإنْ جادوا وإن كَرُموا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويقول مشيرًا إلى أن المجد نوعٌ من القوة: لولا ابنُ زرقاءَ والمجدُ التليدُ له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كانوا قليلاً فما عزُّوا ولا كثروا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكذا يشير إلى أنَّ المجد نوعٌ من العُلَى: عظيمَيْنِ في عَليا مَعَدٍّ هُدِيتُما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومَنْ يستَبِحْ كنزًا من المجد يَعْظُمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقد كثر في كلام العرب ذكرُ هذه الصفة، كما أشيرَ إلى أسبابها الأخرى. 7- الصلح: وبما أن العرب كانوا مولَعين بالحروب والشِّجارات، الأمر الذي قد كاد أن يُفني قبائل العرب كلَّها، فشعر زهيرٌ بهذا التهديد، فرفع راية السِّلم والصُّلح، وبشِعره المؤثِّر أجلى في العرب أهميةَ الصلح والسلام الذي بلَّغه الإسلام درجتَه النهائية لما جاءهم، يقول شاعرنا مادحًا هرِمَ بن سنان والحارثَ بن عوف: وقد قلتُما: إنْ نُدرِكِ السِّلمَ واسعًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بمالٍ ومعروفٍ من القولِ نَسلَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأصبَحتُما مِنها على خيرِ مَوطنٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ ومأثَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال وهو يدعو بني سليم إلى السِّلم: خُذوا حظَّكم من ودِّنا، إنَّ قُرْبَنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إذا ضرَّسَتْنا الحربَ نارٌ تسَعَّرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإنا وإيَّاكم إلى ما نَسومُكم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لَمِثلانِ أو أنتم إلى الصُّلح أفقرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهكذا يشير إلى أهمية المصانَعة، فيقول: ومَن لم يصانِع في أمورٍ كثيرة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يُضرَّسْ بأنيابٍ ويُوْطَأ بِمَنْسِمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 8- حقُّ ذي القربى: وحقُّ ذي القربى أمرٌ يشدِّد عليه الدِّينُ كما يشدِّد على الإنفاق على غيرهم من الفقراء، وشاعرُنا كذلك أشار علينا أن نُنفق على ذوي القربى، ونعتنيَ بهم، فيقول مادحًا هرم بن سنان: إن تَلْقَ يومًا على عِلاَّتِه هَرمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَلْقَ السماحة منهُ والنَّدَى خُلُقا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وليس مانعَ ذي قُربى وذي رَحِمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يومًا ولا مُعدِمًا من خابطٍ ورَقَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سلمى
ويقول كذلك في مدح ذلك الرجل الكبير: تقيٌّ نقيٌّ لم يكثِّر غنيمةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بنَهكةِ ذي قُربى ولا بحَقَلَّدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وفي البيت الثاني كأنَّه يشير على الإنسان أن يفضِّل المحتاج على أهل بيته. 9- الكرم: وكذا الكرم صفةٌ جميلة للبشر، لا نجد لها كلمة واحدة بغير العربية جامعة لها، ولعلها تَطوي بين جنبيها صفاتٍ حسنةً عديدة، حثَّ الشاعر زهيرٌ الإنسانَ على أن يتحلَّى بهذه الصفة الجميلة، فيقول وهو يمدح سنان بن أبي حارثة المري: إلى مَعشرٍ لم يُورِث اللؤمَ جَدُّهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أصاغِرَهم، وكلُّ فحلٍ له نَجْلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويقول وهو يمدح هرم بن سنان وإخوته: لو كان يَقعُد فوق الشمسِ من كرمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قومٌ لأولُهم يومًا إذا قعَدوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لو يُعدَلون بوزنٍ أو مُكايَلةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مالوا برضوى ولم يُعدَلْ بهم أحدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولعلَّ ما يلي تعبيرٌ نهائي عن هذا: لو نال حيٌّ من الدنيا بمنزلةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَسْطَ السماءِ لنالَتْ كفُّه الأفُقَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكل هذا ليس يريد منه سوى أن يحثَّ به المرء على الاتِّصاف بهذه الصفة. 10- التطابق بين القول والفعل: وقد كانت العرب تَفتخر بكونِهم مسوِّين بين القول والفعل؛ فقال شاعر عربي: القائلُ القولَ الذي مِثلُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يَمْرَعُ منه البلدُ الماحِلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال آخر: وإنَّ أحسنَ بيتٍ أنت قائلُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بيتٌ يُقال إذا أنشدتَه: صَدَقَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وشاعرنا أيضًا يفضِّل هذا الجانب من حَسَنِ العادات، فيقول مُثنيًا على سِنان بن أبي حارثة المري وذَوي قرباه: وفيهم مَقامات حِسانٌ وجوهُهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأنديةٌ ينتابها القولُ والفعلُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 11- العزم على الأمر: وكذا العزم على الأمر شيءٌ لا بد منه؛ لإتمام أيِّ أمر وإنهائه، شعَر زهير بهذه الحقيقة فأوحى بها في صورةِ مدحٍ لحِصن بن حذيفة بن بدر الذي كان ممن أثنى على صفاته ، فقال: فأقصَرنَ منه عن كريمٍ مُرزَّأٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عَزومٍ على الأمر الذي هو فاعلُهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أخي ثقةٍ لا تُتلِفُ الخمرُ مالَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولكنه قد يُهلِكُ المالَ نائلُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 12- الأمن: الأمن شيء يحتاج إليه كلٌّ منا، والعصر الحاضر في أشدِّ حاجة إليه، وشاعرنا قد حثَّ الناس على أن يكونوا آمِنين، ولا يخوضوا في الحروب الدامية؛ فإنها لا تعود على البشَر إلا بالإبادة على الأرض، وقد شدَّد الشاعر على هذا الشيء حتى أتخيَّل أنه لو كان حيًّا في زمننا لأُعطي جائزة السلام العالمية: وما الحرب إلا ما عَلمتُم وذُقتمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وما هو عَنها بالحديثِ المرجَّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif متى تبعَثوها تبعَثوها ذميمةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتَضْرَ إذا ضرَّيتُموها فتَضْرَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فتَعرُكُكم عرْكَ الرَّحى بثِفالها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: محاسن الأخلاق في شعر زهير بن أبي سلمى
فتَعرُكُكم عرْكَ الرَّحى بثِفالها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتَلقَحْ كِشافًا ثمَّ تُنتَجْ فتُتْئِمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فتُغلِلْ لكم ما لا تُغِلُّ لأهلِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قُرًى بالعراقِ مِن قَفيزٍ ودِرهَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 13- عدم الشتم: وكذا أشار على المرء أن لا يَشتُم أحدًا؛ فإن الشاتم لا يشتم إلا نفسه؛ وذلك لأنه لو وجَّه الشَّتم إلى أحد سيُوجَّه إليه مِثلُها أو أشدُّ منها من قِبل المشتوم، فيقول الشاعر كما يلي: ومَن يجعَلِ المعروفَ مِن دونِ عِرضِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يَفِرْه ومن لا يتَّقِ الشتمَ يُشتَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 14- تكريم الذات: ومِن أحسن المعاملات البشرية أنه ينبغي للمرء أن يكرِّم ذاته؛ فإنَّ تكريم المرء ذاتَه يلعب دورًا مهمًّا في تكريمه من قِبل الآخرين؛ ولذلك فإن جعلتَ نفسَك هينًا أمام الآخرين وصغيرًا، فمن يقوم بأن يكرِّمك ويَزِنَك زِنةً مِلؤها العدل والإنصاف؟! فيقول الشاعر مشيرًا إلى هذه الحكمة البليغة: ومَن يَغترِبْ يَحسِبْ عدوًّا صديقَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومَن لم يُكرِّمْ نفسه لم يكرَّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 15- الامتناع عن التسوُّل: كثرة السؤال شيء يَمنع عنه الدين أتباعَه، وشاعرنا أيضًا قد منع المخاطَب عن كثرة السؤال، وجاءت هذه النصيحة عن طريق التعبير الجديد بأن الشاعر يُريد أن يعطيه الممدوحُ، ولكنه يمتنع عن كَثرة السؤال، فيقول كما يلي: سأَلنا فأعطيتُم وعُدْنا فعُدتُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومَن أكثرَ التَّسْآلَ يومًا سيُحرَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ففي هذا البيت مع أنَّ الشاعر يسأل الممدوح أن يعطيه المزيد فإنَّه يختار أسلوبًا يدلُّ على غيرة الشاعر، كما أنه يحتوي على نصيحة جميلة عن المنع من كثرة السؤال. 16- عدم البخل: وكذا نجد الشاعر يمنعنا عن البخل، فيأمرنا بأن ننفق الأموال على الفقراء والمحتاجين مادحًا هرِمًا، والواقع أنَّ الجود عادةٌ عُرِف بها العرب منذ فجر تاريخهم؛ يقول الشاعر: إنَّ البخيلَ مَلومٌ حيث كان ول https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كنَّ الجَوادَ على عِلاَّته هَرِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويشمل هذا الجانبُ ذِكرَه للجود وثَناءه على السخاء، وقد تحدَّثنا عنه في ضوء قول الشاعر. 17- الصبر: والصبر صفة لا يخلو عنها أيُّ عربيٍّ قحٍّ، ولما جاء الإسلام قرَّره صفةً لازمة لكلِّ مؤمن، وأقام عليها ثوابًا كبيرًا، فوعدَهم الجنة والنَّجْدَ الرباني؛ يقول الشاعر وهو يمدح هَرِمَ بن سنان وإخوتَه: قَودُ الجياد وأصهارُ الملوكِ وصُبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رٌ في مواطنَ لو كانوا بها سَئِمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأما أهمية هذه الصفة وخطورتها فكفانا قول الشاعر التالي: يا بن الجَحاجحة المَدَارِهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والصَّابرينَ على المكارِهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif 17- البرُّ: البِرُّ كلمة جامعة للخير، يقول في شرحها المفسِّر الكبير أمين أحسن الإصلاحي: "البرُّ أصله بالعربيَّة إيفاء العهد والحق، فتفرَّع منه ما يكون إيفاءً للحقوق الأصلية؛ من الطاعة للرب والأبوين، والمواساة بالناس، ومن هذه الجهة صار بمعنى الإحسان، واشتمَل على الخيرات، وصار وصفًا للربِّ تعالى، ثم هو إيفاءٌ للحقوق الناشئة بالاختيار من العهود والأيمان، ومنه برٌّ باليمين، ومن هذه الجهة صار مُضاهيًا للعدل؛ فالبِر خلافُ الإثمِ والعقوق، والغدرِ والظلم"[1]. يقول وهو يمدح كلَّ من تحلَّى بهذه الصفة: ومَن يُوفِ لا يُذمَمْ ومن يُهدَ قلبُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى مطمئنِّ البِرِّ لا يتجمجَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكذلك ذكَر الشاعر الأمانة والإغاثة، والعفوَ عن الضعيف، ودوامَ المحبة، وعدمَ الخيانة، والرجوليةَ، وفكَّ غُلِّ الأسير... ملخَّص القول: مع أنَّ الشاعر قد أمرنا بحسنات عديدة ونهانا عن سيِّئات مختلفة فإنَّ المجال ضيِّق لذِكر كافة هذه الأشياء، فأكتفي بذكر كلمة جامعة لهذه الحسنات، وهي الباقيات، أو الأحاديث التي قد كَثُر ذِكرُها في كلام العرب، فيقول شاعرنا مشيرًا إليها، وكذلك مشيرًا علينا أن نقوم بها، ونوصي بها مَنْ خَلفَنا: فلو كان حمدٌ يُخلِدُ الناسَ لم تَمُتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولكنَّ حمدَ الناس ليس بمُخلِدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولكنَّ منه باقياتٍ وِراثةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأورِثْ بَنيك بعضها وتزوَّدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تزوَّدْ إلى يوم الممات فإنه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولو كرهَتْه النفسُ آخرُ مَوْعِدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكأنه يشير علينا أن نختار هذه المحامد في كافة جوانب حياتنا، كما نوصي بها أولادنا؛ فإنها خير الزاد لنا في الدنيا، وبعد الممات كذلك. وعندما ندرس أبيات الشاعر زهير، ثم ندرس ما قاله عمر بن الخطَّاب؛ مِن: "أيها الناس! تمسَّكوا بديوان شِعركم في جاهليتكم؛ فإنَّ فيه تفسيرَ كتابكم"[2]، وما قاله الدكتور ناصر الدين الأسد صاحب كتاب "مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخيَّة" من أنَّ "الشعر أصدقُ مصدرٍ لدراسة حياته وحياة قومه مِن حوله"[3]، ثم نرى ما قاله الدكتور عمر فروخ صاحب كتاب "تاريخ الجاهلية" حين قال: "نحن نَقبل الشعر الجاهليَّ كلَّه على أنه من مصادر الحياة في الجاهلية"[4] - نجد صورة أخرى لعرب الجاهليَّة، صورة لا تُطابق ما رسمه الكتَّاب والمؤرخون من المسلمين وغيرهم. المصادر والمراجع: 1- أحمد زكي، صفوت: جَمهَرة خُطب العرب في عصور العربية الزاهرة، المكتبة العربية، بيروت، اسم الناشر وسنة الطبع لم يُذكرا. 2- أمين أحسن، الإصلاحي: تدبر قرآن، شركة تاج، دلهي، الطبعة الأولى، 1989م. 3- التبريزي، العلامة: شرح القصائد العشر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1985م. 4- التبريزي، العلامة: شرح ديوان الحماسة، دار القلم، بيروت، لم يذكر اسم الناشر وسنة الطبع. 5- جلال الدين، السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م. 6- ديوان امرئ القيس (تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم)، دار المعارف، سنة الطبع لم تذكر. 7- ديوان حاتم الطائي (تحقيق: عادل سليمان جمال)، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الثانية. 8- ديوان زهير بن أبي سلمى (ترتيب وشرح: كرم البستاني)، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1399ه/ 1979م. 9- ديوان طرَفة بن العبد (تحقيق: درية الخطيب)، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1395ھ. 10- ديوان لبيد بن ربيعة (رواية الطوسي)، فينا، 1297ھ. 11- شعر الراعي النميري وأخباره (جمع وتقديم: ناصر الحاني)، دمشق، 1964م. 12- شعراء النصرانية (جمع وتحقيق: لويس شيخو)، بيروت، 1890م. 13- عبدالحميد، الفراهي: جمهرة البلاغة، مطبعة معارف، أعظم كره، 1360ھ. 14- عبدالحميد، الفراهي: مفردات القرآن، مطبعة إصلاح، سرائ مير، أعظم كره، 1358ھ. 15- عبدالخالق، ابن الخواجه: مختارات شعراء العرب، المطبعة العامرة، شارع المغربلين، 1360ھ. 16- عمر فروخ: تاريخ الجاهلية، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1984م. 17- عمر، الدسوقي: النابغة الذبياني، دار الفكر العربي، الطبعة السابعة، 1975م. 18- محمد طلعت حرب: تاريخ دول العرب والإسلام، مكتبة الإصلاح، الطبعة الأولى، 1989م. 19- محمد فؤاد عبدالباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1992م. 20- ناصر الدين، الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، دار الجيل، بيروت، الطبعة السابعة، 1988م. [1] تفسير تدبر قرآن، تفسير سورة البقرة، الآية: 44. [2] الموافقات، (2/ 88). [3] مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، ص 6. [4] تاريخ الجاهلية، ص 15. |
الساعة الآن : 12:22 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour