عمر بن عبدالعزيز والشعراء
عمر بن عبدالعزيز والشعراء د. محمد منير الجنباز قال الله تعالى:﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152] (7) لما استُخلِف عمر بن عبدالعزيز وفد عليه الشعراءُ، فأقاموا ببابه أيامًا لا يؤذَنُ لهم، فدخل عليه عدي بن أرطاة فكلَّم بهم أمير المؤمنين، فقال: يا عديُّ، ما لي وللشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين، إن رسولَ الله قد مُدِح وأعطى، وفيه أسوة لكل مسلم، قال: مَن مدحه؟ قال: عباس بن مرداس، فكساه حُلَّة قطع بها لسانه، قال: صدقتَ، فمن بالباب؟ قال: ابنُ عمك عمر بن أبي ربيعة القرشي، قال: لا قرَّب الله قرابته، ولا حيَّا وجهه، ثم ذكر له أبياتًا، منها: ويا ليتَ سلمى في القبور ضجيعتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هنالك أو في جنَّة أو جهنَّم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ثم قيل له: جميل بن معمر، فقال: أليس القائل: ألا ليتنا نحيا جميعًا وإن نمت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يوافي لدى الموتى ضريحي ضريحَها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والله لا يدخُلُ أبدًا، ثم قيل له: كُثَيِّر عزَّة، فقال: أليس هو القائل: رهبانُ مَدْيَنَ والذين عهدتهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يبكون مِن حذَرِ الفِراق قعودَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لو يسمَعون كما سمعتُ حديثها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif خرُّوا لعزَّة ركَّعًا وسجودَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أبعده الله، فوالله لا يدخل أبدًا، ثم قيل له: الأحوص، فقال: لا دخَل أبدًا، وقد أفسد على رجلٍ من أهل المدينة جاريته حتى هرب بها: الله بيني وبين سيدها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يفرُّ عني بها وأتبع https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ثم منع الفرزدق ومنع الأخطل، وأذِن لجرير؛ لأنه القائل: طرقَتْكَ صائدةُ القلوب وليس ذا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقتَ الزيارة فارجعي بسلام https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فدخل جرير وهو ينشد: إن الذي بعَث النبي محمَّدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif جعَل الخلافةَ في إمامٍ عادلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلما مثُل بين يديه قال: يا جرير، اتَّقِ الله ولا تقُلْ إلا حقًّا، ثم أنشد: كم باليمامة مِن شعثاءَ أرملةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومِن يتيمٍ ضعيفِ الصوت والنَّظر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ممن يعُدُّكَ تكفي فَقْدَ والده https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كالفَرْخِ في العُشِّ لم يدرُجْ ولم يَطِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى أن قال: هذي الأراملُ قد قضيتَ حاجتها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فمَن لحاجةِ هذا الأرملِ الذَّكَر؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: عمر بن عبدالعزيز والشعراء
فقال: يا جرير، ما أرى لك فيما ها هنا حقًّا، قال: يا أمير المؤمنين، إني ابنُ سبيل منقطع به، فقال له: ويحك يا جرير، قد ولينا هذا الأمرَ ولا نملِكُ إلا ثلاثَمائة درهم، فمائة أخذها عبدالله، ومائة أخذَتْها أم عبدالله، يا غلامُ، أعطه المائةَ الباقية، فأخَذها جريرٌ، وقال: والله يا أمير المؤمنين، لهي أحبُّ مال اكتسبتُه، وفي رواية أخرى أذِن لكُثَيِّرِ عزَّةَ وقال له: قُلْ ولا تقُلْ إلا حقًّا؛ فإن الله سائلك، فقال: وليتَ فلم تشتمْ عليًّا ولم تُخِف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بَرِيًّا ولم تتبَعْ مقالةَ مجرِم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقلتَ فصدقت الذي قلتَ بالذي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فعلتَ، فأضحى راضيًا كلُّ مسلِمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى آخر القصيدة، ثم قال: يا كُثَيِّرُ، إن الله سائلُك عن كل ما قلتَ. ثم أذِن للأحوص وقال: قل ولا تقل إلا حقًّا؛ فإن الله سائلُك، فأنشده: وما الشِّعرُ إلا خطبةٌ من مؤلِّفٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بمنطقِ حقٍّ أو بمنطق باطلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا تقبَلنْ إلا الذي وافَق الرضا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا ترجعنا كالنِّساءِ الأراملِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى آخر القصيدة، ثم قال له: يا أحوص، إن الله سائلُك عن كلِّ ما قلت، ثم تقدَّم إليه نصيب فاستأذَن في الإنشاء، فلم يأذَنْ له، وأمَره أن يلحق بدابق، وهي قرية قريبة من حلب، ثم قال لهم: ما عندي ما أعطيكم وأواسيكم؛ فانتظروا حتى يخرجَ عطائي، ولما خرج عطاؤُه أعطى اللذينِ أنشدا ثلاثَمائة درهم، ولنصيب مائة وخمسين[1]. قال الإمام النووي في رياض الصالحين تعليقًا على المدحِ بعد أن أوردَ أحاديثَ النهي: فهذه الأحاديثُ في النهي، وجاء في الإباحة أحاديثُ كثيرة صحيحة؛ قال العلماء: وطريق الجمعِ بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمالُ إيمان ويقين ورياضة نفسٍ ومعرفة تامة، بحيث لا يفتَتِن ولا يغترُّ بذلك، ولا تلعَبُ به نفسه - فليس بحرامٍ ولا مكروهٍ، وإن خِيفَ عليه شيءٌ من هذه الأمور كُرِه مدحُه في وجهه كراهةً شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزَّلُ الأحاديثُ المختلفة في ذلك، ومما جاء في الإباحةِ قولُه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: ((أرجو أن تكونَ منهم))؛ أي: مِن الذين يُدْعَون من جميع أبواب الجنة لدخولها، وفي الحديثِ الآخر: ((لستَ منهم))؛ أي: لستَ من الذين يُسبِلون أزرَهم خيلاءَ، وقال صلى الله عليه وسلم لعمرَ رضي الله عنه: ((ما رآك الشيطانُ سالكًا فجًّا، إلا سلَك فجًّا غيرَ فجِّك)). ومن أمانة الكلمة: ألا يتحدَّثَ إنسانٌ بالباطل ليُضحِك الناسَ؛ ففي الحديث الذي يرويه الترمذيُّ عن جدِّ بهزُّ بنُ حكيمٍ عن أبيه عن جَدِّه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((ويلٌ للذي يحدِّثُ بالحديث ليضحكَ به القومَ فيكذب، ويل له، ويل له))، وهو حَسَن. ومن أمانة الكلمة: ألا يكون في المجلس غِيبة ولا نميمة؛ فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَمَّا عُرِج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكُلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم))، وإسناده صحيح[2]، وفي حديثِ كعب بن مالك حين يروي قصةَ توبته لتخلُّفِه عن غزوة تبوك قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في القوم بتبوكَ:[3] ((ما فعَل كعبُ بن مالك؟))، فقال رجل من بني سَلِمةَ: يا رسول الله، حبَسه برداه والنظرُ في عِطفيه - يشيرُ إلى تكبُّره وإعجابه بنفسه، وهو غمز بكعبٍ - فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسولَ الله، ما علِمْنا عليه إلا خيرًا، فسكت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ومِن أمانة الكلمة: ألا يمشيَ الرجلُ بالنميمةِ؛ فعن حُذَيفة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخُلُ الجنةَ نَمَّامٌ))؛ متفق عليه، وعن ابنِ عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين يعذَّبان فقال: ((إنهما يعذَّبانِ، وما يعذَّبانِ في كبير، بلى إنه كبير؛ أما أحدهما فكان يمشي بالنميمةِ، وأما الآخرُ فكان لا يستترُ من بولِه))؛ متفق عليه. [1] انظر تفصيل ذلك في قصص العرب، ص 248، ج2. [2] رياض الصالحين، رواه أبو داود. [3] متفق عليه. |
الساعة الآن : 06:31 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour